fbpx

قسد مابين نصائح جيفري ومصير المنطقة

0 324

سبق وأن أعلن الممثل الأمريكي الخاص، لهزيمة داعش في سوريا السفير “جيمس جيفري” عن نية بلاده لإشراك جميع مكونات المنطقة في إعادة صياغة الدستور السوري الجديد. ثم وفي إحاطته في واشنطن في17/8/ 2020 أكد جيفري بحث بلاده عن تمثيل اللجنة الدستورية وعملها حول إرادة جميع المواطنين السوريين، بما في ذلك الناس في الشمال الشرقي. كاشفاً عن سفره إلى جنيف لإجراء لقاءات مع أعضاء لجنة صياغة الدستور السوري الجديد ومع أعضاء المعارضة السورية.

حينها اعتبر مؤيدو قسد والإدارة الذاتية ذلك إشارة واضحة عن خطط الإدارة الأمريكية لإشراك ممثلين عنهم وضمهم إلى جلسات مناقشات اللجنة الدستورية حول سوريا. ليتبين لاحقاً عدم جدية الجانب الأمريكي في الطرح. وعلى الرغم من أن الموقف الروسي هش وأضعف من السيطرة الأمريكية على منابع النفط والطاقة والطرق البرية الرئيسية التي تربط الشمال الشرقي بعموم المحافظات السورية الأخرى، فإنها لم تسع أيضاً لتقديم أي ضمانات أو الالتزام بالأحاديث التي حصلت بين الطرفين، خاصة في عملية غصن الزيتون في عفرين، وعلى الرغم من كون روسيا تتأخر دوماً عن أمريكا بأكثر من خطوة أحياناً، كما حصل عام 2014 وضم التحالف قوات قسد إلى صفوفه لمحاربة داعش، أو كما حصل في اللجنة الدستورية والمسار السياسي لجنيف والقرار2254، مع ذلك فلا طروحات لروسيا أمام قسد ومسد سوى التوجه صوب دمشق وتقديم تنازلات قاسية. وبالمسار نفسه فإن أمريكا ترفض تسليم عين عيسى لروسيا أو للجيش السوري، ولا تمنح قسد أي راحة بال لأجل مستقبلها. ولا سرية في القول إن العلاقات ضمن المجال العسكري لا طائل منها حيث القرارات الهامة والمصيرية تؤخذ على طاولة المفاوضات وتتطلب الوضوح والعرض والطلب وليس الوعود الفضفاضة دون واقع ووثائق موقعة.

جيفري المستقيل منذ فترة قصيرة جداً، أماط اللثام عن الراهن السوري، متحدثاً عما تمتلكه الأطراف المختلفة من نقاط الضعف والقوة، أو ما تسعى إليه مختلف الأطراف مما تحمله الحلول المقبلة لسوريا. جيفري الذي سبق وأن أرسل إشارات إلى قسد الحلفاء العسكريين للتحالف الدولي، حول إشراكهم في العملية الدستورية، قدم نصائح مغلفة بنبرة تهديدية خاصة وأن قسد تواجه شبح حرب أخرى وإن لم تتوضح ملامحها بالشكل النهائي ولم تظهر الخطوات الجدية الفعلية لها، حول مصير عين عيسى العاصمة السياسية والإدارية والعسكرية للإدارة الذاتية. جيفري قالها علناً إياكم وأربعة، وإلا فإنكم في دائرة الخطر، أربعة شروط لا تقبل التفكير أو إمكانية المراوغة أو المساومة على بعضها، وهو بذلك أي جيفري يقول لقسد إما أن تقبلوها كلها أو أن أياماً سوداء في انتظار مناطقكم، أولها: قطع العلاقة الاقتصادية مع النظام السوري، وفاضحاً كمية النفط المستخرجة من الآبار الصالحة للاستعمال، وموضحاً حجم الـــ/100 ألف برميل يومياً/ هي كفايتهم من الاستهلاك والبيع.. إلخ، لكن لا بيع لدمشق، وهو بذلك يقول لهم، إنكم تقفون في وجه العقوبات الاقتصادية على دمشق وتتسببون بعرقلة قانون قيصر. ثاني الشروط تمحور حول عدم استفزاز تركيا أبداً، وهي بذلك إشارة إلى استمرار النهج الأمريكي بتفضيل الجانب التركي على الورقة الكردية دوماً وأبداً، وفقاً لمسار العلاقات التاريخية الاستراتيجية بينهما، وتمهيداً للإبقاء على تركيا ضمن الحلف الأمريكي في مواجهة روسيا وإيران، وربما تشجيعاً للرغبات التوسعية التركية في آسيا الوسطى وما ستتسبب به من ضغوطات على روسيا في مجالات شتى، وقطع العلاقة مع العمال الكردستاني، التي يبدو أنها تجاوزت قضية الرفض التركي لوجوده، لتصل إلى الامتناع الأمريكي نفسه عن استمرار العلاقة بينهما. أما ثالث الشروط التي أوغلت في الوجع الكردي، حول الامتناع عن أي فرصة لحكم ذاتي في شمال شرق سوريا، وهو الوجع الذي أصاب الكرد جميعاً حركات سياسية أو تجمعات بشرية، خاصة في ظل تكرار ما كانت الأطراف السياسية تقول عن تفهم مختلف الأطراف لمطالبهم في إقليم خاص ضمن سوريا، ومن ناحية أخرى فإن الرسالة الثالثة تؤكد على ضرورة التعمق أكثر في العلاقة بين الكرد والعمق الوطني، هذا العمق الذي ما اعترف يوماً بمدى الغبن والظلم الحاصل على الكرد، فهل أعاد جيفري الكرد إلى المربع الأول؟ أما رابع الشروط فأعاد جيفري تذكير قسد بعدم التسبب أو البدء بأي هجوم على تركيا، ناسياً أن لا مبادرة للهجوم العسكري المباشر لقسد على الحدود التركية طوال السنوات العشر الماضية. 

هذه النصائح بدأت مع التطورات في العاصمة الإدارية في عين عيسى، مترافقة مع الوضوح الروسي الذي لا لبس فيه، ولعلها المرة الأولى التي يكون طرفاً وفاعلاً أساسياً في الشأن السوري واضحاً دون التباس أو إشارات مبهمة، حول تكوير كل شيء بتسليم المدينة إلى النظام السوري أولاً كحل لمنع أي تدخل تركي.

بالمقابل يستشف من طبيعة الوجود الأمريكي وحلوله لسوريا، بفقدانه لأي إستراتيجية واضحة حتى اللحظة، عدا عن فقدان الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية، فلا حديث عن تدخل عسكري، وهو إن حصل ربما يعقد المشهد أكثر، نتيجة عدم بلورة صفقة واضحة مع روسيا وتركيا، عدا عن مصير إيران، ولا جدية في تحسين الوضع الإنساني، أو تفعيل الأطر الدولية لحل الأزمة السورية، في ظل التجزئة العميقة للمشهد السياسي السوري. ما يعمق ويثقل من عمل فريق الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن من خلال البحث عن آلية لجمع الأمور السياسية والعسكرية والمالية والدبلوماسية والإنسانية في ملف واحد وعلى رأسها إمكانية تحديد سقف زمني لعمل اللجنة الدستورية وهي الخطوة المرفوضة بكليتها من قبل روسيا والوفد السوري المفاوض، وإمكانية عودة اللاجئين والنازحين وحل ملف المعتقلين والانتخابات الرئاسية. كلها ملفات لا يمكن لأي طرف كردي التذاكي والادعاء بإمكانية القفز فوقها، فهي الملفات التي يجب أن تحل أولاً وفقاً للجانب الأمريكي والمعارضة والموالاة السورية. في حين أن أحد الملفات المنتظرة أن تكون من مهام الإدارة الأمريكية هي تسريع الخطوات من أجل المصالحة الكردية – الكردية، وما بين ربط سير الأحداث خلال السنوات الماضية ونصائح جيفري والمهام الأمريكية الجديدة.

ربما تكون تلك النصائح من عمق عمل الإدارة الجديدة التي لا يمكن لها أن تستغني عن تركيا لصالح أي دولة كانت، فكيف إذا كان طرفاً كردياً غير ملتزم بشيء.

بالمقابل فإن الاستبعاد المتكرر للإدارة الذاتية أو قسد عن جميع جلسات جنيف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية إنما يعود بعمقه – عدا عن الفيتو التركي – إلى وجود طرفين لا غير في كل هذه العملية التفاوضية، مع توجه الأمم المتحدة للقول ضمنياً إن المعارضة والهيئة العليا للمفاوضات هي وجه واحد، ولا داعي لتضمين أطراف أخرى.

أعتقد أن أمام قسد ثلاثة خيارات واضحة: أولها الطاعة الكاملة لنصائح جيفري، مع تسريع وتيرة المفاوضات الكردية وفق ما تمليه الإدارة الأمريكية من شروط جيفري، التي لا أعتقد أنها تنفصل عن توجه الإدارة الأمريكية الجديدة. وهو ما يحيلنا إلى الخيار الثاني: حول أهمية جبهة السلام والحرية التي يمكن لها أن تكون ذات مستقبل وشأن مهم في المعارضة السورية، التي تسعى قسد لحجز مقعد ضمن تلك المعارضة، كما تحتاج أيضاً إلى حوار مع الائتلاف السوري، ووفقاً لآلية جمع سلال هذا الخيار فإن الواضح أن انضمام قسد في مرحلة لاحقة لجبهة السلام والحرية سيكون خاضعاً لمستقبل وجود هذه الجبهة أصلاً ضمن المعارضة كمنصة مستقلة أم لا.

والخيار الثالث: التوجه صوب روسيا وتسليم المنطقة لدمشق، وحينها ربما تكون أمريكا نفسها راعية التدخل التركي بعنف وقسوة أكبر من كل العمليات العسكرية السابقة، في ظل عدم قدرة روسيا على مواجهة الوجود الأمريكي والقرارات الغربية والأممية، بمفردها.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

النص

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني