قسد بين البندقية الأمريكية وطغمة دمشق
أستأذن الصديق الأستاذ برهان ناصيف المحترم في نقد افكار ومنهج مقاله المنشور على موقع تيار مواطنة[1] – نواة وطن، مكتب الإعلام 2 شباط/ فبراير 2022، تحت عنوان قسد بين البندقية الأمريكية وطغمة دمشق، الذي أعاد الموقع نشره في صفحة الافتتاحية.
مقدمة:
همي الأساسي في هذه الدراسة هو محاولة لفت انتباه الصديق العزيز الأستاذ برهان وزملائه في التيار، وأصدقاء الموقع، المحترمين، إلى خطأ نهج مقاربته للأزمة المتعددة المستويات التي تعيشها قسد، وعدم موضوعية تشخيصه لأسباب المعضلة التي تعاني منها، التي تتمظهر أعراضها المزمنة في ازمات مختلفة، تضرب مناطق الحكم الذاتي وتهدد تجربة إدارتها الديمقراطية، وتدخلها في حروب منهكة، داخلية وعلى مستوى الإقليم، يدفع أثمان مواجهاتها اليومية مدنيون أبرياء، كان أخطرها الهجوم الداعشي الغادر على سجن غويران، وتشكل الهجمات التركية على أطرافها حالة رعب وتدمير مستمرة، ناهيكم بسياسات النظام الضاغطة!!.
في تقديري، تتجسد مشكلة قسد ليس فقط في هيمنة قيادة غير سورية، ترتبط بأجندات إقليمية ودولية، تجعلها تقوم بأدوار وظيفية، لا تتوافق بالضرورة مع مصالح وحقوق الكرد المشروعة، ولا مع اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، بل علاوة على ذلك، بطبيعة تلك القيادة الإقصائية، التي تتناقض في سلوكها وأيدولوجيتها مع نهج وأدوات التجربة الديمقراطية التي تدعي العمل على بنائها؛ وفي إصرارها على تأبيد سلطتها، بغض النظر عن إرادة السورين الديمقراطية، الحرة، معتمدة على ما تملكه من فائض القوة العسكرية، وعلى سلوكها البراغماتي في اللعب على شبكة مصالح القوى الداعمة لها، كما هو حال جميع سلطات الأمر الواقع.. وطغمة سلطة دمشق!!.
الجيد في ما قدمه الصديق هو عدم إنكاره لأسباب لعوامل السياق التاريخي الذي خلق المعضلة، واقع وصول أدوات قنديل إلى قيادة قسد بغطاء حزب سوري (PYD)، لكنه عوضاً عن الوصول إلى الاستنتاج المنطقي، من وجهة نظر مصالح الكرد أولاً، والنضال الوطني الديمقراطي السوري، بضرورة توحيد قوى الجميع على ساحة النضال السياسي الكردي الخاص والسوري العام لقطع صيرورة ارتهان قسد لقيادة قنديل، عبر ممارسة الديمقراطية التي يدعيها الجميع، عمل الأستاذ برهان على قطعها إرادوياً، بادعاء تحسين سلوك المجموعة، وفك ارتباطها؛ دون أن يُقدم ما يثبت وجهة نظره، في توجه سلوك المجموعة المستقل، وممارساتها الحقيقية!.
لا بل أن ما قدمه كمثال على ديمقراطية المجموعة – في جهود بذلتها للتشارك مع القوى الكردية الأخرى، وتوقيعها على اتفاقيات، لم يكن مصيرها أفضل من مفاوضات الوحدة الاندماجية مع تيار فاتح جاموس الديمقراطي، يثبت العكس، بوصول المفاوضات إلى نتيجة صفرية؛ ليحمل منافسي قيادة قسد مسؤولية الفشل، رغم احتكار الجماعة لسلطة القرار!
يتجاهل الأستاذ أيضاً مواقف أخرى تثبت عجز قيادة قسد ذاتها عن فك ارتباطها بقنديل، حتى عندما تكون رغبة ومصلحة أمريكية!!.
في محاولة لتشخيص المرض العضال الذي تعاني منه قيادة قسد، السلطة الحقيقية المسيطرة على مناطق الحكم الذاتي، وتظهر أعراضه في ممارسات قيادة الميليشيا وأذرعها الأمنية، التي أصابت تجربة الإدارة الذاتية بمظاهر تفشيل خطيرة، وأزمات متلاحقة، وحروب عبثية، في الداخل ومع الجوار، ويمكن لاستمرارها أن يؤدي إلى تقويض التجربة كلياً، كما يسعى أعدائها، في محور النظام وتركيا، أطرح مجموعة تساؤلات أعتقد بأهمية مشاركة الجميع في تقديم إجابات موضوعية عليها:
هل كان توقيت إعادة إحياء النظام لعلاقته الخاصة مع (PYD) في ربيع 2011، رغم إدراكه لطبيعة ارتهانها لقيادة حزب العمال الكردستاني المتمركزة في قنديل، ومساعدتها في العام التالي على تأسيس وقيادة ميليشيات قسد الأساسية “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة” وتسليمها المناطق المحاذية لحدود تركيا الجنوبية خلال مناوشات العام 2012 عفويا؟ وهل تلك الأهداف التي سعى لتحقيقها بوجود تلك القيادات غير السورية تخدم قضايا النضالين الوطني السوري، والكردي القومي الديمقراطي؟ هل كانت خارج سياق أسبابه وأهداف خططه التي سعت في مناطق أخرى لاختراق قيادات فصائل المعارضة، ولإيصال ثوار ارهابيين إلى قيادتها، كما فعل مع لواء الإسلام، أكبر مجموعات المعارضة المسلحة في دمشق وريفها؟! ثُم إذا كان العامل الأمريكي، وأسبابه الخاصة المؤقتة، هو فقط من جعل قَدر تجربة قسد الذاتية الديمقراطية يتأخر قليلا عن مصير تجارب متشابهة بظروف التأسيس والدور، فهل يعني ذلك حصول تحسنا في سلوك الجماعة، يؤدي إلى فك ارتباطها المزدوج بالنظام وقيادة قنديل، لكي تصبح مركز ثقل النضال السياسي الديمقراطي الوطني، السوري، بجناحيها الرئيسيين، العربي والكردي؟ هل يطال التحسن الظاهر في سلوك الجماعة سعيها للوصول إلى صفقة سياسية مع سلطة النظام، كما تُظهر مفاوضات قياداتها في موسكو؟ هل مناورات قيادة قسد تجاه النظام، وشروطها للعودة إلى حضنه إلا سلوكاً تكتيكياً، براغماتياً، يحاول الاستقواء بالأمريكي وداعش، ويافطات ديمقراطية، وحتى بورقة حروبه ضد تركيا، في محاولة لتحسين شروط التحاقها بالنظام، وبيع التجربة ومَن فيها، بأبخس الأثمان؟!.
لأن الواقع مختلف عن رغبة الكاتب، كان من الطبيعي أن يعجز مقاله عن تقديم دليل قاطع لسلوك الجماعة يثبت صدقية ما تُعلنه، واكتفى بالحديث عن تغييرات سطحية، كخروج أوجلان أو اتفاقية أضنة!!.
بناء عليه، وبما يتناقض مع دوافع الكاتب وجهده، الساعي لإيجاد مبررات التحاق مجموعته بمشروع قسد الديمقراطي، أعتقد أن السؤال الرئيسي الذي ينبغي على القوى الديمقراطية السورية، الكردية والعربية طرحه، وتشكل الإجابة عليه تدريباً نموذجياً في ممارسة الديمقراطية:
ماهي الأدوات السلمية التي ينبغي تحشيدها الآن لتغيير هذه المجموعة – بعد أن أخذت فرصتها، وأثبتت فشلها، إلا في تحقيق أهداف خاصة – بما هو الخيار الأفضل، والطريق الوحيد لوقف تآكل تجربة الإدارة الذاتية، ومنع تسليم مناطقها للنظام، ووقف الصراع مع تركيا، وإعادة توحيد الصفين الكردي والسوري، وتحويل مناطق الإدارة الذاتية إلى نموذج ديمقراطي سوري، ومرتكز لجميع السوريين المناضلين من أجل تحقيق انتقال سياسي وتحول ديمقراطي؟.
هل يقدم المقال أفكاراً مفيدة؟ أليست نوايا الكاتب المسبقة هي المبرر لنهج الثنائية الذي يضع من خلاله القارئ بين خيار داعش أو قسد؛ وأسلوب التعمميم، الذي لا يميز بين طبيعة القيادات وأدوارها ومصالحها، وتناقضها مع مصالح مكونات المجموعات المسلحة التي تهيمن على قيادتها؟! فهل تمثل مجموعة قنديل التي تحتل موقع القيادة في قسد، والأجهزة الأمنية والسياسية التابعة لها، مصالح القواعد والحواضن الشعبية؛ المتضرر الأول من سلوكها، والدافع الأول لثمن سياساتها الخاصة؟.
أولاً: في المنهج العام
يصل الأستاذ في نهاية مقاله إلى الاستنتاج بأنه في حرب قسد ضد داعش لا يستوي أن تحمل البندقية الأمريكية على كتف وأن ترقص على أنغام النظام السوري.
الحقيقة لم أفهم تماماً ما يريد قوله، لكنني ومن خلال متابعة المقال أفترض أنه يضعنا بين خيارات الثنائيات المتناقضة الشهير، مع أو ضد!
لماذا يستسهل الأستاذ هذا النهج؟ عندما يضعنا بين خيار قسد أو داعش فهل يُعقل أن نختار داعش، أو بين قسد وسلطة النظام، هل يُعقل أن نقف مع سلطة النظام، أو حتى بين داعش والولايات المتحدة؟ أليس إثبات مشروعية وواقعية مبررات الانحياز إلى مشروع قسد، ودعم سلوكها، هو الهم الأساسي للكاتب؛ الذي وجد في حادث السجن، وما نتج عنه من تعزيز أوراق قيادة قسد، فرصته المناسبة؟.
فبمقدار معرفتنا عن حجم خلافنا مع الإدارة الذاتية وحزب السلطة فيها كسلطة شمولية فإننا نقف بدون تردد في صفها عندما يتعلق الأمر بمحاربة داعش.
هل يغير كثيراً محاولة الكاتب الاستقواء بموقف بالعداء لداعش، وبمبرر حماية المدنيين وضبط الاستقرار في تلك البقعة من سوريا التي ما تزال تحتفظ ببعض مقومات الحياة؛ رغم ما يثبته هجوم داعش من عجز قسد، وفشلها في حماية المدنيين وضبط الاستقرار؟!.
هل يُعقل أن يضع الكاتب من العداء لداعش المعيار الوحيد لتقييم مواقف الآخرين تجاه قسد؟
ألا يمكن للسوري أن يكون معادياً لداعش، (أو النظام) ومتناقضاً، في الوقت نفسه، مع أهداف وسلوك قيادة قسد؟ فهل تقف قيادة قسد في الخندق النقيض لداعش والنظام، أم يقف الجميع، بغض النظر عن أسباب تناقضاتهم البينية، في الخندق المعادي لأهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري عموماً، وأهداف المشروع الكردي الخاص؟!.
شخصياً، كتبتُ عن أهداف مشروع قيادة قسد، بشكل عام، وحول جريمة سجن غويران، من منظور عوامل السياق الراهنة للحدث، (التي تضع قيادة قسد في موقف الدفاع، في مواجهة ضغوط متنوعة، تجعلها تبحث عن أوراق تعزيز صمودها) ومن منظور نتائجه (التي كانت قيادة قسد المستفيد الأول منها)، وطالبت بضرورة رفع الحصانة عن قيادة قسد وإجراء تحقيقاً نزيهاً، لمعرفة حقيقة ما حدث، وتحديد المسؤوليات؛ إكراماً لأرواح الضحايا، وضماناً لعدم تكرار الجريمة، فهل يعني أنني في صف داعش أو مؤيد لسياسات النظام؟!.
لا والله!! هل تساوق موقفي، المشكك برواية قيادة قسد حول حدث غويران، مع موقف النظام، الذي يحاول استغلال الحدث، بغض النظر عن أسبابه ونتائجه، لزيادة ضغوطه على قيادة قسد، يعني أنني مؤيد للنظام؟!.
أليس مفهوماً أن يستخدم النظام حدث السجن من أجل زيادة ضغوطه على قيادة قسد، التي لا يعلم الكاتب ربما، أنها تتساوق مع ضغوط أمريكية وتركية وروسية، لدفع قيادة قسد إلى قبول شروط عودتها إلى حضن الوطن؟ هل يجب أن تَخفتْ أصوات الباحثين عن الحقيقية في صراعات قسد وداعش، خوفاً من الاتهام بالانحياز إلى مواقف سلطة النظام (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!)، أو تقاطع مواقفهم مع سياساتها، التي تعبر، كما يؤكد الأستاذ برهان، عن نقمة الطغمة في دمشق على الإدارة الذاتية، ودعواتها المتكررة لإجراء المصالحات، وعودة تلك المناطق إلى ما كانت عليه قبل 2011، وما تستخدمه من أسلحة في مواجهة قسد، كتسريب بعض الوثائق الباهتة عن علاقته القديمة مع (PYD)، ووصفه معركة قسد ضع داعش في غويران بأنها ترقى إلى مستوى جرائم حرب ومن ثم النفخ في نار الفتنة بين الكرد والعرب.
أليست الأرضية التي يرتكز عليها هذا النوع من الوعي الثنائي الحاد، هو الذي يفسر عجز طيف واسع من نخب المعارضة السورية عن فهم طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، في إطار الخيار العسكري الطائفي، وفشله في رؤية تقاطع سياسات واشنطن وموسكو حول هدف منع حدوث انتقال سياسي، والحفاظ على سلطة النظام؛ وهو العامل الحاسم الذي صنع صيرورة الصرع المسلح، التي بدأت تتشكل بجهود الجميع، شركاء روسيا والولايات المتحدة، في وقت مبكر من ربيع 2011، وتبلورت خلال مراحل الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي اللاحقة، في مواجهة الحراك السلمي؟.
أليس نهج ومنطق الثنائيات المتناقضة هو الذي يُعمي بصيرة النخب السياسية والثقافية السورية المعارضة عن تلك المصالح والسياسات المشتركة بين القوتين الأعظم، التي أدت إلى تكامل سياسات روسيا والولايات المتحدة، وشركائهم السوريين والإقليمين، بغض النظر عن أسباب صراعاتهم البينية، في صناعة الثورة المضادة، وأذرعها الميليشياوية، التي انطلقت صيرورتها على أرضية، وفي سياق الدفع بمسار الخيار العسكري الطائفي، لتحقيق هدف مشترك، يفشل الحراك، ويمنع حدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي في ربيع 2011؟!.
أليست تقاطع سياسات ومصالح الروس والأمريكان في حماية النظام والعداء لهدف الانتقال السياسي هو أهم حقائق الصراع المستمر منذ 2011، وأهم العوامل التي صنعت صيرورته، وحددت مآلاته؟! وهو ما يجب أن يضع الوعي السياسي المفكر، المنحاز لقضية السوريين المركزية، الانتقال السياسي، أمام مهمة صعبة، تطلب في أحد جوانبها القدرة على رؤية وفهم طبيعة التناقضات الثانوية بين القوى التي تورطت في جهود الخيار العسكري الطائفي، محلياً وإقليمياً ودولياً، في ضوء عوامل السياق التاريخي العام والهدف المشترك، وليس بشكل منفصل، كي لا يتحول التناقض الرئيسي إلى ثانوي، وتقاطع المصالح التكتيكي إلى تحالف استراتيجي، وكي لا تنحصر خيارات المثقف بين السيء والأسوأ من قوى خندق الثورة المضادة، كما يريد منا صاحب المقال؟.
على أية حال، أن يضعنا المثقف السياسي أمام معادلة الخيار الأفضل بين قوى أعداء المشروع الديمقراطي للشعب السوري أو بين أذرعها الميليشياوية، ليس هو الموقف السياسي الأمثل، ولا يُنتج الوعي السياسي الموضوعي النوعي، الذي يتطلع السوريون لمعرفته!
ثانياً: في عوامل السياق التاريخي للحدث!
لوي عنق حقائق سياق حدث غويران، عبر تغييب عوامل السياق التاريخي، العام، والراهن، يفسره نهج الكاتب، ورغبته في الوصول إلى الاستنتاجات التي يريد، وفي نقل رسائل محددة!!
1- في عوامل السياق التاريخي العام، التي لا يمكن لأية رؤية تتوخى الموضوعية في قراءة حدثا ما أن تتجاهلها، والتي تحدد المعيار الوطني الديمقراطي لتقييم دور قسد، وواجهتها السياسية مسد، أو جميع سلطات الأمر الواقع.
من الطبيعي أن يتناقض هذا الفهم مع وجهة نظر الكاتب، في محاولته لتقديم الحقائق الساطعة لحدث غويران، بخلاف، وعبر تفكيك خطاب بعض الأطراف والشخصيات التي تناولت الحدث من منظور رؤيتها العامة إلى مشروع الإدارة الذاتية!
في أبرز السمات العامة للسياق التاريخي يأتي تعارض مصالح وسياسات تحالف واسع، سوري (الطغمة)، إقليمي (سلطات أنظمة السعودية وإيران وإسرائيل، بالدرجة الأولى، وجميع أنظمة المنطقة، بدرجات متفاوتة)، أمريكي/روسي،( على الصعيد الدولي)، مع استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، جعل حراك السوريين السلمي في ربيع 2011 من تحققها إمكانية موضوعية؛ وكان من الطبيعي أن تتكامل جهودها في إنجاح أهداف الخيار العسكري الطائفي؛ وهي الحقيقة الوحيدة التي أثبتتها نتائج الخيار العسكري الميليشياوي، منذ 2011، (برز في الخيار العسكري الطائفي مرحلتين رئيسيتين 2011-2014 مرحلة هزيمة أهداف الثورة، عسكرتها وتطيفيها وميلشة جمهورها، وتعويم سلطة النظام.
المرحلة الثانية، بدأت مع تدخل جيوش الولايات المتحدة وروسيا، 2014-2015 لإعادة تأهيل النظام، عبر إعادة سيطرته على الجغرافيا المتمردة، وما تبقى ليس سوى أدوات وأشكال مختلفة، لتحقيق نفس الهدف الاستراتيجي المشترك للجميع.
لقد كذبت نتائج حروب السنوات الماضية مَنْ تجاهل هذه الحقيقة، ووضع سياسات الولايات المتحدة في مواجهة سياسات الروس والنظام وإيران، لقد انتصر الجميع، قيادات روسيا والولايات المتحدة، سلطات أنظمة إيران والسعودية والنظام، في منع حدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي وفي الحفاظ على سلطة النظام!.
لقد شكل إدراك حقيقية الدور الرئيسي لمشاركة الكرد، وانخراطهم الثوري في النضال السياسي الديمقراطي الوطني الشامل، في تحقيق أهداف التغيير السياسي الديمقراطية، التي أعطى إمكانية تحققها في ربيع 2011، أوسع حراك شعبي عرفته سوريا، الدافع خلف سياسات القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، سورياً وإقليمياً وأمريكياً/روسياً، من أجل الدفع بقوى الكرد الانفصالية إلى الواجهة، (توكيل (PYD) بمعظم المناطق الكردية، خلال 2012) وتغييب القوى والرموز الديمقراطية، وإعطاء نضال السوريين الكرد طابع تحرري يتناقض مع جوهر الحراك الشعبي السلمي الديمقراطي، ويصب في إطار سياسات تفشيله (تماماً كما عملت الولايات المتحدة وروسيا والنظام لتحويل طبيعة الصراع من ثورة شعب ضد سلطة استبداد، إلى حرب ضد الإرهاب)!.
بناءً على هذه الرؤية، سعت السلطة لوضع الأجندة القومية، الانفصالية لبعض القوى الكردية، في مواجهة، ومن أجل هزيمة الأجندة الديمقراطية، في محاول لدق إسفين في وحدة الكرد أولاً، وفي وحدة النضال الديمقراطي السوري لجميع السوريين.
من المؤسف القول أنه مع نجاح قوى الثورة المضادة، خلال السنوات الأربع الأولى من الصراع في هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، عبر خيار التطييف والعسكرة، والتفتيت القومي، ونجاح قوى الانفصال الكردي في بناء قوة عسكرية كبيرة، سيطرت على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، بالاعتماد على حماية ودعم أمريكي، وباستثمار بطولات أبناء المنطقة من جميع السوريين في مواجهة عصابات داعش، وتدخل مباشر من مليشيات حزب العمال التركي، كان من الطبيعي أن يتراجع دور القوى الديمقراطية، العربية والكردية، على حد سواء، ليصبح، في نهج وممارسات بعض القوى والشخصيات السياسية، متساوق، أو تابع، مع رؤى وثقافة القوى الطائفية، الانفصالية، التي نجحت في بناء قواعد ارتكاز سياسية ميليشياوية، شكلت أدوات لتحقيق أهداف القوى الإقليمية والدولية؛ وهو ما تشترك به نخب المعارضة السورية، العربية والكردية على حد سواء.
في تغييبه لحقائق السياق العام، كان من الطبيعي ألا يرى كاتبنا سوى نصف الحقيقة، التي تقول ما جمع الفرقاء، بدءاً من سلطة الطغمة ومروراً بتركيا الأردوغانية والمعارضة السورية، الإسلامية منها والقومية العربية ومعظم الشوفينين العرب، وانتهاءً بخصوم الإدارة من الكرد في المجلس الوطني الكردي، هو معاداة مشروع الإدارة الذاتية، متجاهلاً النصف الأهم، الذي يقول بأن ما وحد الجميع، خصوم قسد وشركائها، هو العداء لوحدة الصف الوطني السوري، عرباً وكرداً، والعداء لأهداف المشروع الديمقراطي الوطني لعموم السوريين!
يتجاهل الأستاذ، في تركيزه على صراعات قوى الثورة المضادة، حقيقة تقاطع سياسات ومصالح جميع أطرافها في العداء لتحقيق الهدف المركزي للثورة السورية: انتقال سياسي.
أعتقد أنه ضمن هذا السياق العام، وليس خارجه كما يعتقد الأستاذ برهان، يستطيع المثقف أن يقرأ أدوار ووظائف قوى وأذرع الثورة المضادة، وبالتالي يحدد موقفه منها؛ وهو شرط الوصول إلى تحليل موضوعي!
ب- في أبرز سمات السياق التاريخي الراهن، التي أتى فيها حادث التمرد الداعشي، والتي يتجاهل الكاتب أهمية دورها في صناعة حدث غويران، رغم الإشارة العابرة لضغوط النظام؛ كأنها في كوكب آخر، وكأن ما حدث في هجوم السجن كارثة طبيعية منفصلة عن ظروفها السياسية!؟
منذ لقاءات القمم الأخيرة بين زعماء الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، في مسعى لإيجاد صفقة سياسية شاملة حول مصير سلطات الأمر الواقع في إدلب وشمال غرب، وشمال شرق (الهيئة والجيش الوطني وقسد)، تنعي الصراع المستمر على المنطقة طوال سنوات، وآخر إتمام مشروع إعادة تأهيل النظام، تتعرٍض قيادة قسد لأشكال مختلفة وغير مسبوقة من الضغوط، تضعها أمام خيارين، مواجهة غزو تركي جديد، أو الالتحاق بالنظام؛ يؤدي كليهما إلى إنهاء دورها التاريخي، أو تحجيمه بالحدود الدنيا، وهي حالة طبيعية، بعد انتهاء مبررات وجودها، من وجهة نظر مصالح وسياسات القوى التي ساهمت في تأسيسها، وتحولها إلى أقوى أذرع الثورة المضادة!! في صراعها للبقاء على قيد الحياة، في مواجهة ضغوط الأعداء والأصدقاء على حد سواء، تركيا وروسيا والولايات المتحدة والنظام (وليس داعش)، من الطبيعي أن تسعى لتحسين أوراق قوتها في مواجهة الجميع، وقد كانت حروبها ضد داعش تاريخياً، أهمها على الإطلاق!.
هل يستطيع الأستاذ أن ينكر هذه الحقائق؟!
هل في هذه القراءة تجنبا للموضوعية، أو موقفا متعاطفا مع داعش أو سياسات دمشق؟ هل في هذا الموقف عداءً للكرد، ولجميع السوريين المشاركين في مؤسسات قسد؟!
هل يحق لنا أن نتجاهل حقائق هذا المشهد الحالي من الصراع، الذي اتى التمرد في سياقه؟
هل هو موقف إيديولوجي أن يصل القارئ الحيادي إلى الاستنتاج بأن قيادة قسد هي الرابح الوحيد من كل ما نتج عن جريمة السجن؟ وهي جريمة بحق سجناء، بغض النظر عن طبيعة القوى المتورطة في الهجوم، ولا يغير في طبيعة الحدث ما يطلقه عليه النظام أو غيره!!
اليس المقال الذي يدبجه الكاتب في تبرئة قسد، والتحشيد لها، هو من النتائج الإيجابية التي حصدتها قسد من هجوم غويران؟
كشف حساب مهمّ ،وواقعي ، في سياسات قيادة قسد ، واهداف مشروعها ، يسوحقّ الإهتمام من جميع القوى الديمقراطية والوطنية السوريّة ، وفي مقدمتهم النخب السياسيّة والثقافيّة الكوردية.
كلّ الإحترام والتقدير.
كشف حساب مهمّ ،وواقعي ، في سياسات قيادة قسد ، واهداف مشروعها ، يستحقّ الإهتمام من جميع القوى الديمقراطية والوطنية السوريّة ، وفي مقدمتهم النخب السياسيّة والثقافيّة الكوردية.
كلّ الإحترام والتقدير