شعر بقلبه يتخبط بين أضلاعه.
رحل إلى قلمه ليسانده على وحشة اللحظة، لعله ينشر نفسه على الصفحات البيضاء المكدسة على طاولته.
الذكريات مازالت تنبع في مخيلته.
ذلك اليوم بكل تفاصيله.
عندما استقل سيارته متجهاً نحو الأفق البعيد الغامض، وعينا أمه تودعانه بعد عناق ٍ طويل.
على صدى خفقان قلبها بين أحضانه انهالت الدموع غزيرة. أنفاسها اللاهثة لاتزال ترن في أذنيه كأجراس كنيسة المدينة التي تركها خلفه، وهي تدق على الجنائز.
عينا أمه المعلقتان بوجهه خلف زجاج السيارة المندفعة نحو الطريق المؤدية إلى حلمه.
تذكر غروب ذاك اليوم وهو يتدفق بعجالة ينشر أجنحته على الشرق حيث يتجه
آاااااه يا أمي…..
كم أحتاج دفقة حياة تحرك أعماقي
إنه موت بطيء يجتاحني.
كم من الأمل سأحتاج كي أستطيع نسج الحياة في قلب محترق بات رماداً.
مشاهد عديدة تضطرب أمام بصيرته الحية.
وجه والده الذي قست عليه الحياة فحفرت بإزمليها القاسي أخاديد عميقة فيه.
نظراته المليئة بالحزن وهي تودعه كأمل طار قبل أن يصبح حقيقة.
كلام والده عن الغربة، وأن خبزها لا يشبع، ودفأها لا يمنح الأمان والراحة.. كانت كفيلة بأن تزيد من إحباطه ومعاناته.
أهذا هو الحلم الذي ناشدت؟
أهو حقاً ما تركت من أجله ما تركت
يا إلهي………
حاول الكتابة.. عله يسكب لهاث قلبه المضطرب على الأوراق.
بدأ.
كانت محاولته في الكتابة أشبه بثورة متمردة على واقعه المعيش.
كتب عن غربته، وضياعه
في أزقة الحياة موزع النفس بين الماضي والحاضر.
عن حبه الضائع البعيد بعد الأمس.
عن ذكرياته ومرابع طفولته.
عن لمسة الدفء في ضمة حضن أمه، وضحكة أبيه.
أجال بصره في غرفته الشبيهة بالقبر، ونافذته المفتوحة على المدى.
لمح قرص القمر في سماء المدينة الكبيرة
ابتسم ابتسامة مجوفة بالحسرة.
سنلتقي يوماً في وطني….
ولما لم يجد معنى لتعابيره وكتاباته مزق كل ما كتب.
وتكوم على نفسه فوق الأريكة
فهو من اختار الطريق…
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”