قراءه في رواية “القندس” للروائي محمد حسن علوان
محمد حسن علوان روائي سعودي، القندس حيوان نهري يرمز لمدينة أمريكية هي بورتلاند ونهرها ميرﻻند، المدينة والنهر والقندس هي محطة بطل الرواية الذي جاءها ليعيد حساباته لحياة تجاوزت الأربعين وتبادل الأدوار بين فصل بالمكان حيث هو وآخر يسترجع به ماضيه وتفاعله مع محيطه في الحياة.
غالب شاب من الرياض ذو أصل جنوبي هو الابن الأول للزوجة الاولى أمه (مطلقة)، أنجبته مع أخته نوره، طبعاً لوالده زوجة أخرى وإخوة آخرين، عالمه داخل ذاته، يعاني من أبيه الذي يعامله بقسوة وبغياب تواصلية إنسانية فهو ضحية عنف نفسي وجسدي من الأب حتى سن النضج ثم تحوله إلى نكرة ومعزول ومبعد بعد ذلك. والدته استعجلت وﻻدته حتى تفك ارتباطها بزوج لم يرض طموحها، ودونها كسوية اجتماعية، لذلك تعاملت معه كطفل الخطيئة دائمة التذمر منه، توبخه وتعامله كعبء عليها في حياة مليئة بزوج آخر وأوﻻد آخرين. الأخت الشقيقة تتعامل معه كند ومن خلفية تناقضية والمشترك بينهما معدوم. زوجة والده الجديدة كانت خيراً من أمه، عاملته بحنان وجعلته أخاً لأوﻻدها. إخوته غير الأشقاء عاملوه بعدوانية وكزائد عن الحاجة وخاصة الفتيات، أما الذكور فتجاوزوه عند والده الذي عمل موظفاً عند أولي الأمر، أول نزوحه من الجنوب ثم تاجراً للسجاد العجمي وبعد ذلك تاجراً عقارياً كبيراً يتحرك بملايين الرياﻻت. تنقلوا بالسكن بين منزل متواضع ثم آخر أفضل ثم لقصر اكتشفوا إثر ذلك أن والدهم ثري. وصل بتعلمه إلى رسالة التخرج حول الأصول الريفية لأهل المدن تبحر في أصله الجنوبي عن جده البطل الأسطورة ووالده الذي تجاوز القرية ليكون قبلة لأهله نموذجاً للنجاح، الخارج من قريته المعدومة والمحدودة. دخل بتاريخ العائلة وتشعب بحياة والده وعمته وجدة وامتلك ارضية بحث واسعة لرسالته. اصطدم مع أستاذه حول موضوعه وإنجازه ولم يلتزم معه ووصل للطرد من الجامعة. أما الحب فعنده حب عمره عشرون عاماً، بدأ بتعارف مع حبيبته بجده ليستمر بعدها في جميع عواصم العالم. هي جداويه مدينيه وهو جنوبي قبيلي حبهم محكوم بعدم الزواج تقبلا ذلك وعاشا علاقة مفتوحة، وعند زواجها توافقا على الفراق. جرحه هذا لأجل. بعد سنة عادت للتواصل معه بعلاقة كاملة وبشكل متقطع كلما سنحت الفرصة وخاصة أنها زوجة دبلوماسي يتنقل بين عواصم العالم.
اكتشف أنه يكبر وأنه يجب أن يتزوج وهذا ما دفعته إليه والدته ووالده وإخوته وحتى حبيبته التي أرادت له استقراراً وأوﻻداً مثلها كان يأمل بعودة حبيبته له ويبدأ من جديد وكانت تفهمه أن ذلك وهم لن يحصل.
كان ﻻبد لهذا التدفق الوجداني على النهر وبعد مراقبة القنادس التي شبهها به وإخوته وعالمه حيث لكل قندس معتزله وحاجزه وستاره ويعيش منفرداً. في غربته تلك تأتيه حبيبته لمشكلة لها مع زوجها (لأنه تزوج من مغربية وتفاوضه على طلاقها أو انفصالها عنه) كانت فترة ليكتشف أن حلمه بعودة حبيبته له تحقق ولكن مثل كابوس فلم يتحمل العيش المشترك والعمر الذي مر أخذ معه هذا الحب وبقي منه الخيبة. وكان سعيداً عندما تصالحت مع زوجها وغادرته مع خيبته من أوهامه. أما والده طرده لأنه لم يعمل معه، ثم التعامل معه كأنه غير موجود كان قد وقع ضحية مرض ثم موت مفاجئ ليتواجد في عزائه وتوزيع تركته ليكتشف مع إخوته أن والده لم يكن يملك شيئاً من ثروته فهو مجرد واجهة لمسؤولين عدة من الدولة يعمل لهم وكل ذلك مثبت بأوراق رسمية. وزال وهم الثروة وأعادهم كعائلة للفقر.
هنا تنتهي الرواية، بالتعقيب عليها أقول:
تحركت الرواية بشفافية عالية والبوح حميمي. عدمية الحياة تخيم عليها مرارة العلاقات المريضة والنفسيات الموتورة وموقع الأطراف من بعضها يخلو من المساحة الإنسانية مع بعض الاستثناء. مجتمع بأفراده بعلاقاته بقيمه وتصرفاته متهم، يؤدي لحياة تشبه العدم.. روائي متميز ورواية رائعة.