fbpx

قراءة مغايرة لما حدث ويحدث في سورية

0 531

اليوم وبعد اختفاء صوت المعارضة الرسمية ووجودها المعنوي
وفعاليتها، وبعد أن خيبت الفصائل المسلحة آمال كل من تعلَّق بها.. ربما يصعب الخوض
بكل تفاصيل ما جرى إذ سيغرق الخائض في متاهات لا تكفيها مقالة عابرة بل ربما
احتاجت كتباً ومجلدات.. وقد لا يكفيها شخص بمفرده، مهما بلغ هذا الشخص من قدرة على
الإحاطة بمفردات الثورة السورية كلها..! أقول اليوم، ومع هذا الانحسار (انحسار لا
فشل)،  الواضح لدور المعارضة، بوصفها وجهاً
ما من وجوه الثورة، اليوم تكثر الآراء والتحليلات، ويكثر النقد والعتب، وتتضارب ردود
الأفعال، كما يذهب تعليق الأخطاء إلى مشاجب الآخرين.. فالكل اليوم مأزوم، والكل حزين
ومفجوع، لا بما خسره من أقارب وأحباب، ولا بما عاناه من فقد واغتراب، بل لأنه
مفجوع بثورة فيها من القوة والعمق ما يعجز.. ويكفيها أنها رفعت الصوت قوياً ضد نظام
مستبد يستمر باستعباد شعبه على مدى خمسين سنة، وطالبته بفك قيد الحرية الأسيرة، والإفساح
في المجال للإنسان السوري ليعبِّر عن شعوره بالكرامة الإنسانية. فالحرية والكرامة
تختزلان جوهر الحياة الإنسانية في الشرائع والفلسفات كلها.. وبغض النظر عما إذا
كان  العمل قد جرى وفق الشعارين اللذين
رفعهما المحتجون الأوائل أم لا فإنَّنا نرى الناس (الثوريين) اليوم منشغلين بما
عدوه هزيمة أو بين/ بين، وبالأسباب القريبة والبعيدة، وبالمأساة التي عاشوها، والأحزان
التي عانوها ويعانونها، ويحمِّل بعضهم بعضاً مسؤولية ما حصل.. وأعتقد أن في ذلك تعميق
للمأساة وتأكيد لعدم تجاوزها، وفي ذلك أيضاً، تغاضٍ عن رؤية صورة الحدث كاملة،
وتجاهل لأبعاد ما حدث ويحدث على أرض الواقع.. وبغض النظر عمن قام بالثورة؟ ومن أشعل
فتيلها؟ ومن قدَّم لها أكثر؟! وكذلك من امتطاها، فكان وجهاً آخر للاستبداد في
غايته وممارسته.. وترى هذا الأخير قد رغب إلى التسلط والمال سواء بسواء.. أي إلى
عكس ما هدفت إليه الثورة..! ولعله في فعله ذاك، يكون قد سلك مسلك المستبد ذاته..
فحافظ الأسد الذي سيَّد نفسه على سورية، وعرف كيف
يقتنص السلطة مستلباً إياها من رفاقه ومضحياً بأقرب المقربين له.. حين وجدها، في
ظروف معينة، ثمرة طازجة، وقريبة المنال، ذلك إذا استبعدنا سعيه إليها كما جاء في وصية
عبد الكريم الجندي التي حذر رفاقه من خلالها: “انتبهوا يا رفاق فإن حافظ
الأسد يريد الاستئثار بالسلطة!” وكذلك إذا استبعدنا مقاصد الفرقة الحزبية السريِّة
وغايتها تلك التي ضمته إلى جانب هؤلاء الذين تخلص منهم..

نعم.. إنَّ ذلك كله مؤسف إذ يضع غلالة أو ستارة كتيمة
بينه وبين رؤية ما أنجز، فما أنجز كثير وكثير جداً.. ومنه استعانة نظام الاستبداد
بدولتين كبريين لتثبيت أركانه وليتضح، فيما بعد، أن للدولتين مصالح خاصة مباشرة
تفوق قصر نظر المستبد فبينهما صراع خفي وقد يضحي أحدهما أو كلاهما بالمستبد
نفسه..! ناهيكم بأن دعوة الدولتين شجعت المتدخلين الآخرين على الإقدام فلكل مصالحه
ودواعيه وتبريراته.. وحتى ذلك الدم الذي جرى، رغم كل مآسيه وأحزانه، إذ له من قوة
الفعل ما للنصر ذاته، فما هو في العمق إلا لعنة على النظام تصفعه كل ساعة وكل دقيقة،
فما هو إلا قاتل ومجرم.. إن المعركة الدائرة اليوم في قمة السلطة وما يرافقها من
فضائح، لم تأت بفعل عوامل طبيعية، ولكن بفعل كل ما حصل في سورية من ارتدادات
ومفاعيل سلبية على فعل الثورة الإيجابي، فلم تكن الثورة فعلاً في الهواء بل على
الأرض له كل مقوماته الموضوعية. أما تراجع الفصائل فلعله أيضاً فعل إيجابي يصب في صالح
حرية الشعب.. صحيح أن الشعب هو من تحمَّل نتائج ذلك لكن ما حصل هو تخليص للشعب من
أدرانٍ سوف يكون لها مفاعيل مستقبلية أكثر سلبية على الشعب والوطن إذا ما بقيت..!

فكل ما ارتكبه النظام ليبقى لم ينفعه إذ وجد نفسه في
النهاية منهكاً محطماً بنيانه مهشمة.. قد يكون ما يجري اليوم في سورية أمراً عادياً
ومتوقعاً، وبفعل شريعة الغاب نفسها، إذ لا بد للضباع من أن تتنافس على صيد ما أو جيفة..
(وكل منهوب هو جيفة في النهاية..) لكنها سرعان ما تختلف، وتأتي على نتف ريش بعضها
خلال تكالبها على تقاسم الحصص..!

 لأول مرة بعد تسع سنوات أرى توازناً
ما غير مرئي بين النظام والمعارضة، بل لعلَّ الكفة تميل قليلاً لصالح المعارضة
ولكن أين هي المعارضة؟ وهل تراها قادرة على إعادة تقديم نفسها قيادة سياسية قوية موثوقة..
أم تظل على تلك الصراعات الدونية التي لا تطاول سورية الوطن وسورية العراقة والتاريخ
وسورية التي قدمت اليوم نحو مليون إنسان وأكثر بين قتيل ومعوق ناهيكم بالتشرد والتهجير
والتدمير وخراب البنية التحتية الضرورية لكل بناء مستقبلي يعوَّل عليه في بناء اقتصاد
سليم لا يقوم على نهب الشعب وتحلل قيمه الأخلاقية والإنسانية.. إذا كان كلُّ ذلك
يعطي اليوم نتائجه الإيجابية فأين هي المعارضة المنظمة القادرة على استثمار ما
أنجز.. الضواري تتصارع اليوم، ضواري السياسة والمال والسلاح..! الفرجة والانتظار
وحدهما لا يكفيان فهل من عمل تقدمه المعارضة لشعبها أولاً، وللمجتمع الدولي ثانياً،
وللمتدخلين في الشأن السوري خصوصاً، أم عندها فقط تتجلى مأساة السوريين وعمق أحزانهم..!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني