fbpx

قراءة في قصة الكاتب المغربي محمد زفزاف “في الغابة”

0 181

محمد زفزاف قامة قصصية مغربية، ينتمي أدبه إلى الأدب الواقعي، وهذا لا يعني على المستوى السردي القصصي بقاء النص أسير لغة ترصد الحدث من الخارج، بل هي تغوص في أعماق الشخصيات، وتكشف عن دواخلها.

في مجموعته “غجر في الغابة” الصادرة عام 1982، التي ضمّت بين دفتي الكتاب عشر قصص مختلفة، ولكنها تنتمي إلى رصد الحياة العائلية والاجتماعية ومقارنتها بحياة نمط آخر من العيش هو نمط الغجر الذين يرحلون من وقت لآخر إلى أماكن جديدة.

الراوي في القصة هو طفل مراهق، يروي الأحداث بطريقة ضمير المتكلم، وهو أيضاً تمثيلٌ لشريحة اجتماعية “الشباب المراهق”، الذين يدخلون بعلاقة صراع نفسي مع نمطهم الجمالي والأخلاقي ضمن العائلة، ويحاولون إجراء مقارنة مع نمط آخر هو نمط الغجر الذين سكنوا بجوار بلدتهم، الذين يمتازون بنمط عيش وأخلاق مختلفة عن النموذج العائلي الكلاسيكي.

“في الغابة” قصة يتجاور فيها نمطان من التفكير، يُبرزهما ضمير المتكلم، الذي قد يكون أحد شخصيات القصة، أو مجموع الشخصيات عبر لسان واحد. فمجيء الغجر إلى الغابة المجاورة للبلدة، أحدث قلقاً نفسياً فيها، وتصير الغابة مقياساً لفهم معنى الحياة عبر حريتها التي يرى الراوي أنها أكثر جمالاً من نسقية حياة التقييد وقمع الرغبات والغرائز الإنسانية التي تسود حياة العائلات في البلدة.

الراوي يسخر في حديثه من نموذج علاقات وحياة أفراد الأسر في البلدة، ويقارن بين مستوى هذه العلاقات ومستوى العلاقات في الأسرة الغجرية التي سكنت الغابة. السخرية قائمة هنا على محاكمة للقيم والعادات ونموذج الحياة في البلدة من منطلق لا يقوله الراوي، ولكنه يكشف عنه عبر متتاليات سخريته، أو سرده للقصة.

يقول الراوي عن النساء الغجريات: “إنهن سمراوات وجميلات وذوات شعر أملس وأسود”. ويقارن ذلك بحال نساء البلدة فيقول عن الواحدة منهن: “حافية قرعاء”.

واضح أن المقارنة نفسية، وأنها تنحاز للنساء اللائي يحققن رغبات المراهقين، الذين يتحدث باسمهم الراوي بضمير المتكلم. وهذه المقارنة مستمرة على مساحة القصة، وبالتالي تعتبر نمطاً رؤيوياً للصراع النفسي لدى فئة تريد التحرر من قيم الأسرة ومفاهيمها.

هذا الصراع ليس بين أفراد، بل هو صراع أجيال تختلف في مقدماتها بنظرتها للموجود القيمي الاجتماعي، وهو صراع مفيد في كل الحالات، لأنه يدلّ على أن القيم تتغير بتغير شروط الحياة ودرجة تطورها.

محمد زفزاف لم يكن مجرد عين قارئة لأحداث تجري في الواقع فحسب، بل يمتلك قوة الرصد للتغيير في البنية الاجتماعية عبر تفاصيل حياة تبدو في سيرورتها ذات منحى على التجدد والتبدل والتغيير.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني