fbpx

قراءة في رواية: ويحترق… أهداب زيتون الوطن

0 379
  • الكاتب: طارق حامدي
  • الناشر: دار الدراويش للنشر والترجمة – ألمانيا
  • ط1 (PDF) 2022م

عن دار الدراويش في ألمانيا نشر طارق حامدي روايته ويحترق.. أهداب زيتون الوطن، التي يؤرخ فيها تاريخ سوريا لعقود منذ سبعينيات القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر. معتمداً لغة المتكلم لبطل الرواية فريد تارة، وتارة أخرى يعتمد على الراوي في متابعة الحدث الروائي.

تتحدث الرواية عن سوريا كلها، لكن مادتها الأولية فريد ابن مدينة بنّش في الريف الإدلبي وحبيبته سحر ابنة الفوعة البلدة المجاورة.

تبدأ الرواية من سرد فريد لحياته على المستوى الخاص، وما يصاحبها على المستوى العام. يعي من طفولته منذ سبعينيات القرن الماضي انه ابن لتلك البلدة الجميلة الوادعة بنّش في ريف إدلب التي يعمل اغلب اهلها بالزراعة وتشتهر بزراعة الاشجار المثمرة خاصة الزيتون. له إخوة وأخوات، أمه حاضرة في وجدانه نموذجاً للحب والحنان والعطاء. درس الابتدائية في مدرسة البلدة وكان متفوقاً فيها. منذ طفولته لاحظ الحضور الدائم للنظام السوري عبر صور الرئيس الأب والأناشيد المصاحبة التي تسبح باسمه والشعارات البعثية المبثوثة في أركان المدرسة، وما صاحبها من معسكرات طلائع وتدجين الأطفال لحب النظام. المدرّس البعثي الانتهازي، أحاديث الأهل المغلّفة بالتقية خوفاً من النظام وأجهزته الأمنية القمعية، لسان حال الناس حوله يؤكد مظلومية مجتمعية تطال الجميع، ونظام مستبد قمعي طائفي متغلغل في المجتمع عبر المخبرين وبعض البعثيين الانتهازيين. كبر فريد وانتقل إلى المدرسة الإعدادية بجوار البلدة، حيث يلتقي فيها طلاب من بلدته وبلدة الفوعة المجاورة لبلده. الفوعة بلدة متوائمة مع بنش بينهم مصالح مشتركة ومصاهرات أيضاً، رغم كون الفوعة شيعية المذهب وبنش سنية المذهب. كانوا يفهمون اختلافهم ويرونه ثانوياً، وكل بمذهبه راض. في المدرسة يلتقي بسحر ابنة الفوعة التي أحبها وأحبته وتوطدت علاقتهما، وخططوا لبناء مستقبل مشترك، يستمروا بالتفوق العلمي وزواج وحياة مشتركة.

لم يتغير واقع هيمنة النظام وحضوره، الشبيبة والتهيؤ للدخول إلى الحزب الذي يعتبره الجميع المدخل الإجباري إلى الحياة العامة، وظيفة وواسطة ومصالح خاصة، بعضهم انتهازي والبعض الآخر تقية. انتقل فريد إلى المرحلة الثانوية واستمرت الحال على ماهي عليه. أصر على تفوقه العلمي وكذلك سحر. لكن متغيراً سياسياً حصل في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حيث حصل الصراع بين النظام المستبد الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة، وكان نتيجتها استعمال العنف المسلح من هذه القوى والرد العنيف للنظام عليها، في كل سوريا وخاصة مدينة حماة حيث كان ضحايا عنف النظام وآلته العسكرية بالآلاف، لم تسلم بلدة بنش من ذلك فقد اعتقل كثير من أبنائها وقتل الكثير وكانت نتائج تلك السنوات على البلدة كارثية. لم يغب عن فريد القمع والقتل والاعتقال، اختزنه في ذاته.

أدرك فريد في المرحلة الثانوية أنه مضطّر لأن يدخل حزب البعث ليكون جسر العبور للمستقبل، كان عقله مشتت بين قمع النظام ودوره المجتمعي الظالم والقمعي، وبين ادّعائه بأنه حامي العروبة ومحرر فلسطين، وخاصة بعد أن دخل النظام السوري إلى لبنان وقضى على الثورة الفلسطينية، ودعم ولادة حزب الله ودمّر الحزب السفن الأمريكية والفرنسية على سواحل بيروت، وبعد ذلك تحول حزب الله لطرف يهاجم الصهاينة ويوقع فيهم الضحايا. لم يستطع فريد أن يتأكد من حقيقة النظام، وهل يعمل لمصلحة السوريين والعرب، أم أنه انتهازي يستخدم كل شيء لمصلحته، والشعب السوري ضحية استغلاله وقمعه وإرهابه.

نجح فريد وسحر بالبكالوريا وكان قد دخل فريد إلى حزب البعث لأنه اقتنع بأنه مدخله لمستقبل ناجح، ولا حل آخر له. دخل فرع الصحافة وهي دخلت كلية الفنون، وبدأ يشق طريقه أولاً بأول، في الجامعة واتحاد الطلبة البعثي يكتب المقالات وينشر في الصحف، وأصبح له حضور، كذلك سحر التي أصبحت ترسم الكاريكاتير. وهكذا تخرجا من الجامعة وكان لابدّ أن يتزوجا برعاية أهله وأهلها، تم زواجهما وبدأا حياة سعيدة حيث توظف هو في دمشق في إحدى صحف السلطة، وهي كذلك توظفت معه، انتقل للعيش هو وزوجته في دمشق. كان له حضور وأصبح مشهوراً. كذلك سحر حيث أصبح أخوها مسؤولاً لأحد الفروع الأمنية في دمشق أيضاً.

أنجب فريد وسحر طفلاً وطفلة وعاشا حياة هناء ووئام، ومرت السنون..

كان للربيع العربي أوائل عام 2011م الذي بدأ في تونس ومنها إلى مصر واليمن وليبيا ووصل لسوريا، مؤثراً على كل السوريين، ومنهم فريد وعائلته. لم يكن صمت الشعب عن مظلومية عقود استسلام، هذا هو الشعب بشبابه يخرجون متحدين النظام المستبد الطائفي الفاسد مطالبين بالحقوق المشروعة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، لكن النظام لم يستجب لذلك، وكان رده العنيف في مواجهة المتظاهرين السوريين في أنحاء سوريا كلها، مقدمة لمواجهات مسلحة من مجموعات الثوار ضد النظام، وأصبح العنف والقتل والتدمير والتشريد وسقوط الضحايا سيد الموقف. تدخلت القوى الدولية والإقليمية في الصراع السوري وزادت تصعيده لمصالحها الخاصة. وظهر الوجه الطائفي العلوي الشيعي للنظام، والوجه الطائفي السني لكثير من المجموعات المسلحة المحسوبة على الثورة السورية، لم يكن النظام وأدواته الأمنية بعيداً عن هذا الصراع الطائفي الصفري المفتعل في سوريا، بدءاً من إخراج الجهاديين من السجون في أوائل الثورة، وتشكيل مجموعات مسلحة من حسبت على الثورة وقامت بأدوار تشبيح وخطف وقتل أساءت للثورة، هذا غير وجود ونمو القاعدة وداعش التي كانت أكبر طعنة في ظهر الثورة السورية.

كل ذلك انعكس على فريد بجحيم عائلي، فهو من السنة ومحسوب على المتأذين من النظام منذ الثمانينيات، وهو أيضاً أحد رموز النظام الإعلامي، وزوجته شيعية وأخوها مسؤول أمني كبير. لا يدري كيف يتصرف، خاصة أن كثيراً من البلدات خرجت عن سيطرة النظام وبدا الأمر كأن الثورة ستنتصر ويسقط النظام. لذلك قرر فريد أن يلتحق بأهل بلدته التي تحررت وأن يكون بينهم في مواجهة النظام. ترك زوجته سراً وذهب إلى بنش ملتحقاً بالمجموعات المسلحة التي تلقت المال والسلاح لتحارب النظام. انفرطت العائلة وخسر زوجته، ابنه التحق بالشبيحة بتوجيه خاله المسؤول الأمني، ومن ثم أصيب وبترت ساقه. وهو اكتشف بعد وصوله للبلدة أن الثورة المسلحة مرتهنة للداعمين وأن الشعب ضحية ولا حول له ولا قوة. وأن أهل الفوعة قد التحقوا بالنظام وأصبح ابناؤهم مقاتلين في صفوفه، وجاء بعد ذلك إمداد حزب الله اللبناني. وهكذا تبين أن النظام آيل للسقوط إلى تدخلت روسيا من الجو وإيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين على الأرض، وبدأت معركة جديدة أعاد فيها النظام التماسك والسيطرة على بعض المدن والبلدات.

أدرك فريد أن الصراع عبثي وأن الشعب السوري ضحية، عمل مع بعض المجموعات الإغاثية وأخذ يعيل أهله في البلدة وعائلته في دمشق. وبدأ يدرك أن استمرار الحياة والعيش في سوريا مستحيل فأنت ضحية في الحالتين، ولا يوجد ما يحميك في مناطق الثوار أو في مناطق النظام. لذلك قرر أن يلجأ إلى إحدى الدول الأوروبية وأن يستدعي عائلته، كان متأرجحاً بين أن يقوم بدور إغاثي إنساني، خاصة بعد أن اعتمد النظام سياسة الأرض المحروقة، القتل والتدمير والبراميل المتفجرة والقصف والقتل اليومي والهروب الجماعي. سوريا قطعة من الجحيم.

تنتهي الرواية حيث يخط فريد رسالة على جزع شجرة زيتون لسحر زوجته وحبيبته يعيد فيها سرد حبه لها وأنهما ضحايا ظلم النظام والقوى الدولية، وأن الأصل فيهم هو الحب والتفاهم والتقبل لتنوعهم الطائفي والمجتمعي، وأن النظام وقوى الظلم والظلام في العالم عملت لتحول هذا الوجود الطبيعي وجوداً قابلاً للتفجر وها هو يتفجر ولا نعلم ما هي النهاية.

في التعقيب على الرواية نقول:

نحن أمام رواية متميزة نجحت بالربط بين الخاص والعام في سوريا التاريخ المعاصر لعقود مضت. نجحت في استقراء واقع النظام والفساد والطائفية والظلم والاستبداد والقهر المجتمعي. وأنه كان عبر عقود ضد الشعب ومصالحه. وأن الجيش والأمن أداة الحاكم الظالم مع امتداد عائلي طائفي وعبر ارتباطات دولية واقليمية جعلته لاعباً مهماً عالمياً، لكنه ضد الشعب السوري.

كما نجحت الرواية بإظهار التوافق المجتمعي بين مكونات المجتمع الطائفي والديني والإثني وعبر قرون وأن هذا التوافق، لم يكن بذاته مادة صراع مجتمعي. بل أصبح عدائياً ودموية بتأثير النظام والقوى الداعمة له والقوى التي أرادت لسوريا أن تتحول لبؤرة دماء وفناء.

نعم نحن أمام رواية تنتمي للثورة السورية أضاءت بعض جوانبها. إنها تنتمي إلى بوصلة التنوير لثورتنا التي ما زلنا حريصين على وجودها واستمرارها حتى تحقيق جميع مطالب الشعب السوري الذي قدم مئات الآلاف من الضحايا ومثلهم من المصابين والمعاقين والملايين المشردين داخل سوريا وخارجها. لنعود ونبني سوريا الحلم والأمل سوريا الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني