قراءة في رواية “مسيح الخلافة”
- الكاتب: أنور السباعي
- الناشر: دار سامح للنشر
- ط1، PDF، 2022م
أنور السباعي روائي سوري ينتمي للثورة، قرأت له رواية سابقة : الأعراف (برزخ بين جنتين) وكتبت عنها.
مسيح الخلافة رواية متميزة جديدة للكاتب، صادرة عن دار سامح في السويد، تستعيد حكاية الثورة السورية، من زاوية جديدة، حيث تعتمد أسلوب الخطف خلفا، عبر مدخل يتحدث به من يقول انه كاتب الرواية.
شاب سوري مستقر في السويد عام 2018م. حيث لجأ إليها وذلك من تبعات ما حصل في سوريا، الثورة من طرف الشعب، والعنف والقتل والتدمير من النظام واخيرا الهروب لملايين السوريين من عنف النظام وعنف الإرهاب على يد القاعدة وداعش الذين صنعهم النظام وغذّاهم العالم كله، توزعوا في كل العالم حتى وصلت سوريا إلى ما وصلت إليه.
“خطّاب” مقاتل من داعش في الرقة وذلك أيام سيطرة الدولة الاسلامية “داعش” عليها واعتبارها عاصمتها. خطّاب ذلك المقنّع الذي عرفه العالم كله حاملاً سكيناً يذبح بها الناس منفذاً “حدود الله” بحق الكافرين أو المرتدين كما يعتقد هو ومسؤولوه في داعش.
خطاب مصاب بفقدان ذاكرة جزئي يفتقد معرفة مرحلة سابقة من حياته، يعرف أنه مكلف بمهمة الذبح هذه ويقوم بها على أفضل وجه.
ولأن الرواية تعتمد أسلوب التشويق الروائي والسينمائي في تطور الحدث، وفي تعريف الشخصيات، وفي تحديد المآلات التي بقيت تتجدد حتى الصفحات الأخيرة من الرواية.
لذلك نحن هنا نعيد تركيب الحدث المركزي وكذلك الشخصيات بطريقة تجعلنا نختصر الرواية محاولين ألا نخل بسياقها ورسالتها.
خطّاب أو فادي شاب حلبي مسيحي، من أسرة صناعية ثرية جداً. له أخ وحيد (شادي) إضافة إلى والده ووالدته. يعمل في التجارة مع عائلته.
حصلت الثورة السورية، كانت حلب آخر المدن السورية التي التحقت بالثورة، وكان رأي والد رامي أن هذه حركة رعاع مصيرها الفشل، وأن النظام قوي ولن يسمح لأحد بالتأثير عليه أو إسقاطه، ولو قتل الآلاف ودمر المدن وما حصل في الثمانينيات نموذج على ذلك. أما رامي فقد كان يؤمن بالأسد الابن ويعتبره نموذجاً عصرياً علمياً منفتحاً ويعتبره قدوته. لكن بعض أصدقاء فادي ومنهم صديقه ميشيل وجدوا أن الثورة قامت لمواجهة استبداد النظام وظلمه واستغلاله للشعب السوري عبر عقود. لذلك شارك بالمظاهرات السلمية منذ البداية واستمر جزء منها.
تعرّف فادي في الجامعة على جيلان التي أحبها. جيلان أمها حموية وأبوها علوي، تزوجا رغماً عن أهلهما، تخلى أهل الأم عن ابنتهم واعتبروها خانتهم وخانت دماء الحمويين بهكذا زواج من علوي ينتسب لطائفة النظام. أما أهل والدها فقد عادوا لاحتضان ابنهم رغم زواجه من حموية.
جيلان ولدت في هذا الجو العائلي وكانت شابة في الجامعة أيام الثورة. وجدت فيها ذاتها والتحقت بها منذ الأيام الاولى. كان فادي زميلها أحبها ولكن صمت عن أن يوضح لها ذلك بداية، بدأ يتابع حياتها بكل تفاصيلها. استفاد من قدرته على اختراق حسابها على الفيس بوك وكمبيوترها ووصل إلى ملفات مذكراتها الشخصية التي أصبح يتابعها من خلالها ويعرف كل تفاصيل حياتها. وهكذا أصبح حاضراً في حياتها كملاك الرحمة، ويقدم لها بشكل مباشر المساعدة المالية بحيث سهل لها حياتها. لقد قبلها بالعمل في شركتهم عبر توصية لأخيه شادي بذلك. وقدم لها مبلغ من المال لأجل عملية والدها الضرورية لقلبه ليتجاوز إدمان الكحول بعد موت والدتها بالسرطان. وهكذا تم التعارف المباشر بينهما. وحصول حب قوي وجارف بينهما، وقررا الزواج، رغم استحالة ذلك اجتماعيا. فهي مسلمة وهو مسيحي، لا يمكن أن يحصل ذلك في سوريا. غير ذلك لقد شاركت جيلان في التظاهر وكادت تعتقل وأنقذها فادي من الاعتقال، كما تم دفع رشوة لإخراج ميشيل صديقهما المشترك من المعتقل بعد القبض عليه في إحدى المظاهرات.
كان زواج فادي وجيلان هو الحل وأن يتم في اسطنبول، حيث قرر والد فادي أن ينقل جزءاً من أعماله التجارية لها، بعدما وجد أن الحال الاقتصادي والعسكري في الثورة يزداد تعقيداً، وتسوء الحالة في حلب.
وافق والد جيلان على زواجها من فادي، كذلك أهل فادي بعد رفض، لكن إصرار فادي جعلهم يرضخون. وهكذا ذهب فادي وجيلان الى اسطنبول فتزوجوا وعاشوا حياة جيدة. كان ذلك بعد سنتين من بداية الثورة السورية. لكن متغيرا طرأ أعاد حياة فادي وجيلان الى نقطة افتراق جديدة. لقد اكتشفت جيلان ان فادي كان قد اخترق جهازها وكان يعلم كل خصوصياتها، وان حضوره في حياتها ليس صدفة بل مخطط له. اعتبرت جيلان ذلك تجسس على حياتها واهانة لها. تركت فادي في اسطنبول وعادت إلى حلب. وبدأت تنشط مجددا في الثورة مع ميشيل صديقهما المشترك وآخرين. وما كان من فادي الا ان عاد وراء جيلان ليصالحها ويستعيدها في حياته. عاد وشارك معها في التظاهر واستمر يتقرب منها. إلى أن تمت مداهمة مظاهرة كان يشارك بها هو وهي، وهاجمهم الأمن وأطلق النار عليهم، أصيبت جيلان وسقطت على الأرض مضرجة بدمائها كذلك هو، هرب هو ولم يعرف ماذا حصل بعد ذلك.
وصلت جيلان إلى المشفى وتم الإفراج عنها عن طريق شادي بالرشوة، وعادوا يبحثون عن فادي وانقطعت أخباره.
فادي هرب بالسيارة الى خارج حلب واستمر حتى وصل الى مناطق كان قد بدأت داعش تسيطر عليها. وهو فاقد للذاكرة من هول ما احسه اتجاه رؤيته جيلان زوجته وحبيبته مضرجة بدمائها في المظاهرة وملقاة على الأرض، وكأنها قتلت.
وصل إلى داعش وفي عقله راسخ تعبير وحيد “جئناكم بالذبح” الذي اشتهرت به داعش، وهكذا أخذ اسم خطّاب وأصبح مسؤولا عن ذبح كل من يكفر أو يخون قادة داعش، من النظام والثوار ومن الناس، تحت دعوى تطبيق أحكام الله.
تابعت جيلان وميشيل وشبكة اصدقائهما ما حصل مع فادي وتوصلوا اخيرا الى انه مع داعش وباسم خطاب ويقوم بذبح المهدور دمهم.
في الرقة حيث كان خطاب منعزلا عن الآخرين، ممسوح الذاكرة، يبتعد عن التواصل مع الآخرين، يحبه رؤسائه بما فيهم الخليفة الذي أنقذه من مؤامرة كانت تستهدف حياته. اعتزل النساء لكن الخليفة قرر أن يهديه عبدة ممن تم استعبادهم من قبل داعش في فتوحاتها البلدات السورية والعراقية ايام توسعها.
عُرضت عليه عدة فتيات، استوقفته إحداهن واسمها سلمى واخذها لخدمته. لم تكن سلمى سوى زوجته جيلان التي قررت المخاطرة بنفسها لاسترجاع زوجها فادي وإخراجه من الجحيم الذي وقع فيه.
دأبت جيلان على استرجاع ذاكرة زوجها فادي عبر استرجاع مذكراتها، على كمبيوترها وقراءتها اولا باول مع فادي الذي بدأت تنقشع أمامه الحقيقة ويستعيد ذاته. وبعد وقت ليس بقصير استعاد فادي ذاكرته. وبدأ يخطط ليهرب هو وزوجته جيلان من عند داعش بالاستعانة بصديقهم ميشيل الذي أصبح يخدم جنديا نظاميا بجوار مناطق تواجد داعش بعدما كان واحدا من الثوار.
لكن احد المسؤولين كشف سر فادي وسر جيلان زوجته وانه مسيحي وجاسوس، وقرر الاخبار عنه ولكن اقنعه بالظلم الذي وقع به، وكان الآخر ينتظر فرصة للهروب، وهكذا حصل، خاصة وأن الوالي كان قد قرر قتل جيلان لأسباب ارتآها. وتم انقاذ جيلان وهروبها مع فادي مع المسؤول الأمني وعادت مع زوجها ليستمروا في حياتهم حيث عمل فادي في اسطنبول.
تنتهي الرواية عندما يكشف الراوي اللثام عن نفسه ويعلن أنه ميشيل صديق فادي وجيلان وأنه كتب هذه الرواية عنه وعن الثورة وعن أقرب أصدقائه إليه جيلان وفادي، في منفاه وبلد تشرده السويد.
في التعقيب على الرواية اقول:
على مستوى السرد وأسلوب الكتابة، لقد نجحت الرواية في خلق التشويق، وربط القارئ فيها وجعله بعد وقت قصير جزء من الحدث الروائي. مع مزيد من الإثارة بالانتقال في الزمان والمكان والشخصيات، والعودة المتتابعة للمذكرات التي اعتمدت في الرواية كمفتاح لخزنة معلومات الرواية عبر سرد متعدد ومتنوع ومتسارع، اقرب للمقاطع و اللقطات السينمائية، هذا غير الاثارة والتشويق، بحيث يبقى القارئ على لهفته بالسؤال وماذا بعد ؟. حتى الصفحات الأخيرة للرواية.
كما أن الرسائل المتضمنة في الرواية مهمة جدا فبعد إحدى عشر سنة على الثورة السورية، وما مر عليها من تحولات، وما حصل فيها من تدخلات إقليمية ودولية، وما تراكمت عليها من مسؤوليات هي بريئة منها، عادت الرواية لتقول إن الثورة السورية مشروعة، وأن الظلم والاستبداد والفساد والقهر الذي اصاب كل الشعب السوري كان وراء الثورة، بطل الرواية مسيحي وبطلتها امها من حماة المدينة المظلومة واباها علوي من طائفة النظام. عمّها المعتقل اليساري وابن عمها الذي انتحر لأنه لم يستطع أن يكون مع النظام وطائفته ولم يستطع أن يلتحق بالثورة.
كما لفتت الرواية النظر أن هناك تمكن معرفي في طرح فكرة عجز المرجعية الدينية في الحكم السياسي للمجتمع، التي يطرحونها في يقينية مطلقة، مدعين أنها شريعة الله الصحيحة وينسبوها الى اجتهاداتهم، التي يدعيها كثيرين، والتي ادت لنتائج كارثية عبر التاريخ؛ من وجود سلطات مستبدة تدعي الحكم بشرع الله الاسلامي، او حركات وجماعات معاصرة دموية ومتوحشة ومتناقضة بالمطلق مع جوهر الإسلام؛ الخير والصالح العام وصون حرمة الإنسان ودمه وحقوقه، نموذجها المعاصر داعش والقاعدة. وان المرجعية الدينية عند الدخول بالتفاصيل زئبقية يحكمها هوى ومصلحة المجتهد او ولي امره. والحل هو اعادة أمور السياسة إلى علم السياسة والأسلوب الديمقراطي في الحكم عند تحديد الصالح العام وفي تحقيقه، في عصر تقنن به كل شيء دساتير وقوانين وبرلمانات وانتخابات وتداول للسلطة. نعم الغرب بكل عيوبه نموذج ديمقراطي ناجح علينا التعلم منه.
أما داعش التي صُنعت بإرادة دولية تسيء للإسلام وحتى تقدم غطاء للنظام وتبرر فعله بحق الشعب السوري، ويستهلك الجهد العالمي في الحرب على الإرهاب وينجو النظام بفعلته مع سوريا وشعبها.
ليس غريبا ان يكون ميشيل الراوي لاجئا في السويد وهو ابن الثورة، والذي أخذ للخدمة العسكرية الإلزامية غصبا، بعدما اختلط الحابل بالنابل بالثورة، ثم غادر لاجئا إلى أوروبا.
سوريا التي قدمت مليون ضحية ومثلهم من المصابين والمعاقين، ومئات آلاف المعتقلين والمغيبين والمختطفين، ملايين السوريين المشردين داخل سورية وخارجها، ودول تحتل سوريا علنا بمسميات مختلفة، أمريكا تحتضن حزب العمال الكردستاني في الشمال الشرقي والجزيرة السورية تحت دعوى حرب داعش، بهدف نهب بترول وسلة الغذاء السورية. وضخ الدم لأجل مشروع انفصالي كردي هناك.
سوريا التي أصبحت محتلة من روسيا وإيران والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره.
الشعب مشرد وفاقد للحد الأدنى للعيش اقتصادياً وعلى كل المستويات.
مازال الشعب السوري بحاجة للثورة لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.
كما كان قبل أحد عشر عاماً.