قراءة في رواية “غراميات شارع الأعشى”
المؤلفة: بدرية البشر
الناشر: دار الساقي
ط3، ورقية، 2014م
بدرية البشر أكاديمية جامعية وروائية سعودية متميزة، لها العديد من الروايات والدراسات، هذه الرواية الأولى التي نقرؤها لها.
غراميات شارع الأعشى؛ رواية تتحدث عن الرياض عاصمة السعودية، في فترة السبعينيات من القرن الماضي، راصدة التطور المجتمعي عبر عقد وأكثر من الزمن. شارع الأعشى هو مركز حياة الناس في مدينة الرياض وهم كلهم أبطال في هذه الرواية التي تعتبر رواية المجتمع كله.
في شارع الأعشى توجد البيوت متلاصقة وأسطحها مطلة على بعضها، شبكة علاقات الناس حميمية جداً، أبطال الرواية أغلبهم نساء، المتحدث بلغة المتكلم، عزيزة الصبية الصغيرة التي تجد نفسها بين مجموعة من الإخوة والأخوات تكبر وتراهق معهم وبينهم. أسطح البيوت هي منتجعاتهم مساء في بلاد حارة أغلب أيام السنة، حيث يلتم الأهل وينام بعضهم هناك. الحب والعواطف موجودة دوماً، لكل صبية شاب تحلم به، تلتقي به أو تحاول أن تلتقي، وبعضهن يبحثن عن حبيب يحببنه ليكتمل لحياتهم معناها. أخت عزيزة تحب ابن الجيران سعد الذي تلتقي به عبر السطوح المشترك لكن علاقاتهم ستتراجع لأن سعد يلتحق بالمسجد المجاور ويبتعد عن التحدث مع النساء، ويغير من ملابسه وأفكاره، سعد يصبح متديناً سلفياً متزمتاً، في قادم الأيام تزوج سعد من ابنة جيرانهم الأخرى ويعاملها بقسوة، ويعاقبه أخوها، يوغل في تكفير المجتمع والدولة والناس، يذهب بعد سنوات إلى الحج وضمن خطة يكون واحداً من مجموعة جهيمان العتيبي الذي يحتل الحرم المكي ويحصل صراع مع الجنود السعوديين، ويكون الضحايا من الطرفين بالمئات، سعد واحد منهم.
في الحي التراتبية الاجتماعية حاضرة فهذا أصوله قبلية من القصيم مثلاً، وذاك فلسطيني جاء من أيام اللجوء من فلسطين قبل عشرات السنين، وذلك حضرمي من اليمن. لا تزاوج بين هذه المكونات والعلاقات بينها سطحية، أهل الرياض القبليين لديهم قناعة بتميزهم وامتيازهم، الفتيات لا يخضعن لهذه التقسيمات يحببن اللبناني والفلسطيني وعزيزة تحب الطبيب المصري الذي عالجها من إصابة في عينيها، الفتيات المراهقات يتحركن بطفولة ودون حساب لقوانين المجتمع الصارمة، فهذه أخت عزيزة تترك سعد وتتزوج غيره وتنجب، وهذه عزيزة نفسها تصبح زوجة لجارهم الذي ماتت زوجته منذ زمن، تحلم أن تتزوج من الطبيب المصري، لكنها تستسلم لقوة الواقع، لا قدرة لها على تحدي العائلة ولا الحصول على جواز السفر، هي أخيراً جزء من التراتبية الاجتماعية، الذي يريده الوالد والإخوة الذكور يحصل، ومن تشذ عن ذلك مصيرها القتل. في الرياض تحضر العائلات الذين سدت بهم سبل العيش في الصحراء المحيطة. نموذج ذلك، وضحى التي ذهب زوجها منذ سنتين للعمل وتركها في البادية تعيش مع أولادها. لكنه ذهب هذه المرة ولم يعد، جاءت للرياض وسكنت حي الأعشى وتبناها الناس وساعدوها في المأوى ولقمة العيش، بدأت تعمل لتساعد عائلتها، ستصبح جزءاً من الحي ويكبر أولادها وبناتها، يعملون ويتزاوجون مع أهل الحي وهي تصبح تاجرة كبيرة. الرياض تستوعب الكل، في تلك الفترة كانت المرأة حاضرة في الحياة والعمل، لها سوقها الخاص وأعمالها الخاصة، نظام الفصل المطلق بين النساء والرجال في المجتمع حاضر، وإن حضرت المرأة فهي منقبة، إن المرأة عورة بذاتها، زاد ذلك زيادة موجة التدين التي كان احتلال الحرم المكي أحد بواكيره، ثم أصبح التدين والتشدد والفصل المجتمعي قانوناً اجتماعياً تدعمه الدولة عبر هيئة الأمر بالمعروف، حاضرون في الشوارع والأسواق، يستبيحون خصوصيات الناس ويمنعون أي اختلاط، يعتقلون أي أحد يوجد مع أي امرأة إلى أن يتأكدوا من صلة القربى بينهم. الحياة في الرياض تتطور، أغلب سكان شارع الأعشى يغادرونه إلى بيوت أقرب للقصور، في مزيد من الانفصال الاجتماعي وخلق الفوارق بين الناس. يزداد التدين ويزرع في الشباب الفكر الإسلامي المتشدد الذي يوجه للمجتمع بمزيد من التضييق على حياة الناس، بالتوجه إلى بلاد يعلن بها الجهاد وقتال الكفار، مثل أفغانستان.
تنتهي الرواية ومتغيرات كثيرة حصلت، تزوجت عزيزة من جارهم، وهو في سنّ والدها، وهي تحلم بالزواج من الطبيب المصري الذي يخبرها باستحالة ذلك. حياة الناس كلها مفتوحة على احتمالات كثيرة واضحة معالمها.
في تحليل الرواية نقول: نحن أمام رواية متميزة تغطي مرحلة من تاريخ الرياض الاجتماعي، كاشفة عن خفاياه وأمراضه المجتمعية الخفيّة والعميقة. التشدد ورعايته، الذي ينجب آلاف الشباب الذاهب للجهاد في أفغانستان، وبعد ذلك في غزوات ضرب أمريكا، التي أنجبت القاعدة ومن ثم داعش، والخراب الذي جاء من وجود هذا الفكر ومنعكسه الحياتي، فكراً متشدداً مع ظروف تخلف مجتمعي مع دول استبدادية ظالمة مستبيحة حياة الناس وظروف حياة قاسية، كل ذلك سيؤدي لواقع ضياع الناس والمجتمعات والدول، خاصة أن ذلك يقترن مع مصلحة أمريكا والغرب والعدو الصهيوني الذي حارب محاولة الربيع العربي وأن تسترد الشعوب العربية حقها بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، لكن تكالب الدنيا كلها عليها وحربها ضدها، جعلنا كدول وشعوب في حالة ضياع إنساني كامل.
14/5/2019