fbpx

قراءة في رواية عشرة أيام في بيروت، دارنا العربية – الجزء الثاني

0 285
  • الكاتب: توفيق حلاق
  • الناشر: دار موزاييك للدراسات والنشر
  • ط1، ورقية، 2021م

عن دار موزاييك للدراسات والنشر صدر الجزء الثاني من سيرة توفيق حلاق بعنوان: عشرة أيام في بيروت – دارنا العربية – الجزء الثاني.

توفيق حلاق إعلامي معروف، عمل في الإذاعة والتلفزيون السوريين، انتمى للثورة السورية.

الكتاب جزء من سيرته، الرواية كما كُتب على غلافها الخارجي، تعتمد السرد المباشر، بلغة المتكلم، يتحدث فيها توفيق الحلاق عن نفسه وأهله وبيئته الاجتماعية والمحيط السياسي العام منذ طفولته التي غطاها في الجزء الأول وصولاً إلى نهاية المرحلة الثانوية من دراسته.

من المفترض أن هناك أجزاء أخرى كما ختم توفيق الحلاق كتابه الثاني.

طفولة توفيق الحلاق

يبدأ توفيق سيرته الذاتية من لحظة مفصلية في حياته وحياة عائلته، توفيق من بلدة دير عطية، كان طفلاً في المرحلة الابتدائية، عندما قررت العائلة أن تترك دير عطية وتنتقل إلى دمشق والسكن فيها، والده يعمل على شاحنة كبيرة يملكها بين سوريا والكويت، والده من أهل دير عطية العائدين من أمريكا اللاتينية، حيث كان الكثير من أهل دير عطية قد هاجروا قديماً إلى تلك الدول، عاد بعضهم واستقر بعضهم، والده كان ممن عادوا، اشترى سيارته تلك وبدأ يعمل عليها بين سوريا والكويت.

تزوج الوالد من أم توفيق الفتاة الجميلة التي كانت محط اهتمام الشباب في البلدة، لم تحب أمه زوجها، اُلزمت بالزواج منه، هذا ما أخبرت ابنها به بعد حين، أم توفيق أصيبت بالتشاؤم عندما توفي إخوتها الثلاثة متتابعين، فقررت أن تبيع كل ما تملك وتنتقل الى دمشق لتعيش هناك، والده كان ذو أصول إقطاعية.

اشترت العائلة بيتاً عربياً كبيراً في باب توما، الحي الدمشقي الشهير، سكنت العائلة في جزء من غرفة العشرين الكثيرة، التي تطل على أرض دار لها بحرتها وأشجار الحمضيات والورود، استقرت العائلة هناك، وبعد وقت أجّرت الغرف الفارغة لكثير من العائلات الوافداة إلى دمشق، كانت موارد الإيجار تساعد أم توفيق على تصريف أمور حياتها وأسرتها الكبيرة؛ ثمانية إخوة والوالد والوالدة، والده كان يغيب ثلاثة أشهر مستمرة ويعود ليعيش معهم فترة قليلة، حتى يجهز تحميل شاحنته ويغادر إلى الكويت مجدداً.

كانت والدته تقود العائلة في حقيقة الأمر، لتوفيق أخ أكبر منه، ترك المدرسة مبكراً، وبدأ بالعمل ليعيل أهله، كان والد توفيق رجلاً عصبياً، وموتوراً، جاهز لضرب زوجته وأولاده لأي سبب، مهما كان تافهاً، دور الوالد المادي في بيته شبه معدوم، كما كانت علاقته مع عائلته سيئة، كانت والدة توفيق تستعين بأحد اقربائها لحل أمورها، كان ذلك الرجل نموذج للخدمة وتقديم المشورة والنصيحة.

دخل توفيق المدرسة وتابع دراسته في مدرسة في حيه الجديد، كان يحب أن يكمل تعليمه ويكون كاتباً أو غير ذلك، المهم ألا يكون ذو حرفة أو مصلحة، كان يكره العمل اليدوي، استفاد من أسرة لبنانية سكنت عندهم، أم وأولادها الأربعة صبيان وبنتان، كلهم قريبون من عمره، كانوا قدوة له في القراءة والاطلاع والتثقف، زرعوا في ذاته حب المعرفة، كان يكره الرياضيات، ويتفوق في مواضيع الإنشاء التي كان يكتبها ويتفاخر في قراءتها على مسامع زملائه الطلاب المبهورين به.

المناخ السياسي حول توفيق الحلاق

كانت طفولة توفيق الحلاق وبداية مراهقته، في وقت تمر به سورية في ظروف حساسة، حيث سطع نجم جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، دوره في جلاء المستعمر الإنجليزي عن مصر، وبعدها تأميم قناة السويس، ومن ثم اندفاع القوى السياسية السورية، وقبلها الشعب السوري للوحدة مع مصر في عام 1958م، كان توفيق حلاق من جيل تربى على صورة عبد الناصر البطل القومي، والوحدة العربية حلمه، كان يتابع في طفولته وبداية مراهقته ونضجه، التحرك الشعبي ومن السلطة السورية للوحدة مع مصر، وكان مع الوحدة، وأصبح مسكوناً بحب عبد الناصر البطل القومي، الذي ملأ عقله وقلبه، وحصلت الوحدة، وكان مع زملائه التلاميذ يخرجون من المدارس ليذهبوا إلى القصر الجمهوري في قلب دمشق، ليشاهدوا عبد الناصر ويمتلئوا بهجة برؤيته ويتشبعوا حماسة وقوة لما يقول.

لقد كان لوجود عبد الناصر والوحدة مع مصر دوراً في نفسية وعقل توفيق حلاق، بحيث أصبح مسكوناً بالهاجس السياسي، ما أدى لأن يكون منتمياً لحركة القوميين العرب لاحقاً، وخاصة بعد أن حصل الانفصال عام 1961م، وما أدى عند توفيق الحلاق وبقية الشعب السوري من إحباط، وما دفع الحلاق وغيره، للنشاط السياسي لإعادة الوحدة المصرية السورية.

يتحدث الحلاق كيف استطاع بعض الضباط الناصريين والبعثيين أن يسقطوا الانقلاب وأن يطالبوا بعودة الوحدة، وكيف راوغ البعثيين في موضوع الوحدة ولم يكونوا جديين، وكيف انقلبوا على رفاق الأمس وأقصوا الناصريين من الحكم، خاصة بعد محاولة انقلاب الضابط الناصري جاسم علوان وبعض الضباط، وفشل المحاولة، وهربه، وإعدام بعض الضباط الآخرين، وكيف تصرف البعثيون في الحكم، بشكل استبدادي مطلق، وهذا دفع توفيق حلاق لأن ينضوي تحت مظلة القوميين العرب وأن يقوم بنشاطات أظهر بها اندفاعه وتهوره أحياناً، فقد نظّم مظاهرة ضيقة في مدرسته تحيي عبد الناصر، ما أدى لمهاجمتها من قبل البعثيين، وضُربوا بالسلاح الأبيض من قبلهم، وكيف أُنقذ من إمكان طعنه من أحدهم، وكيف عوقب على فعله بالطرد من جميع مدارس سورية، وكيف توسط له قريبه ليطرد من الدراسة لمدة خمسة عشر يوماً، تحدث عن نشاطه الثوري؛ توزيع المناشير أو غيرها من المهام الحزبية.

كان والد توفيق قاسياً جداً معه، لم ينظر لكون ابنه قد كبر وأصبح شاباً، كان يستسهل ضربه والاساءة إليه، وهذا خلق في نفسية توفيق شرخاً، بين المناضل لأجل قضايا عادلة، وبين ضحية أب جاهل قاس وقمعي.

لذلك استقبل والده خبر طرده من المدرسة بالضرب والتنكيل، ما حدا بتوفيق للقرار أن يهرب إلى لبنان ويبتعد عن هذا الوالد القاسي، رغم كونه سيفتقد لوالدته، التي كانت مركز توازنه النفسي والاجتماعي، خاصة أن والده لم يقبل مساعدته من أجل إكمال دراسته الجامعية داخل سورية أو خارجها بعد حصوله على البكالوريا الصناعية.

كان والد توفيق وأخوه يرون أن الأفضل لتوفيق أن ينخرط في الحياة العملية. هرب توفيق إلى لبنان باحثاً عن فرصة أفضل لمستقبله.

توفيق حلاق في لبنان:

أخبر توفيق مسؤوله التنظيمي في حركة القوميين العرب أنه سيذهب إلى لبنان، وهل هناك من يتواصل معه من التنظيم، وبالفعل أعطاه رقم هاتف أحد الشباب من التنظيم، وبالنسبة للتنظيم فقد كان قد تلقى الكثير من الضربات الأمنية من النظام البعثي السوري، خاصة بعد القيام بتصفية الناصريين في سورية، المندفعين لإعادة الوحدة مع مصر عبد الناصر.

وصل توفيق إلى بيروت واتصل بالشاب من التنظيم واستقبله أحسن استقبال، لقد ضاع توفيق بين فقره وقلة إمكانياته، فقد أعطته أمه وخاله القليل من المال بينما يؤمن له عملاً يعيش به، كانت أصوله الريفية وفقره، وعدم قدرته على مجاراة الشاب رفيقه في التنظيم في العيش وفي المسلك الاجتماعي بالمأكل والمشرب، دفعه ليخطط للابتعاد عنه وعن بقية شباب التنظيم، ليخط له حياة أخرى.

وبالفعل غادر بيت صديقه في التنظيم، وبحث عن فندق رخيص يعيش به، وبحث عن عمل، كان الفندق موغل في السوء، وكلما رخصت أجرة الغرفة أصبح أسوأ، ومع ذلك سكن في أحدها، وأخذ يبحث عن عمل، وعمل في ورشة للأعمال الكهربائية، وبدأ يشق طريقه بين مطعم للفقراء وفندق متواضع وعمل مضن لكنه يقدم ما يسد الرمق ويحافظ على الكرامة، كل ذلك وتوفيق يقارن بين بيته وأهله وأمه وأكلاتها واهتمامها به وإخوته وأين أصبح.

حضر إلى الفندق المتواضع الذي يقيم فيه، شاب دمشقي سكن في غرفته وتقرب منه، وصحبه إلى الكباريه، ودعاه ليوصل بعض الدولارات إلى دمشق، يعني أن يعمل معه بالتهريب ويحصل على المال الكثير، خاف توفيق من أن يتورط مع هذا الشاب، قد يكون تهريب مخدرات وقد يكون ضحية عصابات للإجرام.

لذلك وفي لحظة وعي – عاد له – قرر أن يعود إلى دمشق وإلى أمه وأهله، خاصة أن والده سيكون مغادراً إلى الكويت في سفرة جديدة.

وبالفعل عاد توفيق إلى دمشق وبيته ووجد أمه وأهله متلهفين إليه، وقبل الختام نوضح أن للمرأة حضور في حياة توفيق، بدءاً بنموذج أمه التي صنعت عائلة واسعة ونجحت في تسيير أمورها.

كان توفيق نموذجاً للشاب المثالي الذي التزم بتوصيات والدته، لكنه مع ذلك كان يهرب بعض الوقت إلى سينما غازي في دمشق، كان ذلك أيام عمله مع قريبه في ورشة الأحذية.

شاهد في السينما الكثير من المشاهد المثيرة، وكان التصرف الأخطر في حياته، حين أقنعه زميله في الورشة بالذهاب معه إلى المركز العمومي للدعارة في أحد أحياء دمشق – وقتها – وكيف دخل رغم صغر سنه بواسطة من قريب زميله، وكيف ارتبك من اندفاع العاهرة تجاهه، وكيف هرب منها دون أن يقربها، وكان كذلك موقفه في بيروت حيث بقي هذا الحيز في حياته نظيفاً.

ينتهي هذا الجزء من السيرة الذاتية لتوفيق حلاق بعودته من بيروت إلى بيتهم في دمشق وتوزيع الهدايا المتواضعة على أمه وإخوته.

في تحليل السيرة الذاتية نقول:

نحن أمام نص يريد توفيق الحلاق من خلاله أن يؤرخ لسيرته الذاتية، على طريقة الكثير ممن وجدوا أن لديهم ما يقولونه للأجيال القادمة، على طريقة الأيام لطه حسين وغيره، وأنه في الجزء الذي شمل جزئين بكتابين، توقفنا عند طفولته، وعند بداية نضجه ووعيه السياسي وموقفه العام.

حول طفولته هناك تسليط الضوء على دور المرأة وخاصة الأم في الأسرة السورية وضمن أي نموذج اجتماعي القرية أو المدينة، للأم حضور قوي ومؤثر في حياة أولادها، خاصة أن الوالد شبه غائب، وحضوره سلبي.

أما المناخ العام السياسي في طفولة ومراهقة توفيق حلاق، فنحن أمام مرحلة الخمسينيات والستينيات، وتيقظ الأحلام العظيمة في الأمة العربية، حلم الوحدة المتحقق، ومواجهة المستعمر، عبد الناصر الذي ملأ فضاء الوعي والحضور السياسي في ذلك الوقت.

كل ذلك لا يلغي أية عملية مراجعة نقدية حصلت ذاك الوقت أو الآن أو في أي وقت لعبد الناصر وعصره.

لقد كان عبد الناصر وزمنه وحضوره حلماً وأملاً، صحيح أنه لم يستطع أن ينجح ويتمثل كما يجب وكما تأمل الناس في سورية ومصر وفي الأمة العربية، خاصة في مآلاتها فيما بعد.

كل ذلك يجب أن يعاد فهمه ضمن معادلة السياسة والمصالح المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة في بلادنا منذ أكثر من قرن حتى الآن.

لا يمكن فهم أي حالة خارج معادلة الغرب ومصالحه، والكيان الصهيوني الذي زرعه في فلسطين، والأنظمة المستبدة التابعة له منذ عقود، وما محاولة الربيع العربي إلا استمرار لما حلم به عبد الناصر يوما أن تسترد كرامة الإنسان العربي وأن يحصل على حقه بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، إنها الرسالة التي مازالت ملحّة وصالحة دوماً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني