fbpx

قراءة في رواية “عجوز أوسكودار”

0 289
  • الكاتب: نورس أبو صالح
  • الناشر: دار المشرق – القاهرة
  • ط1، ورقية، 2019م

نورس أبو صالح كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، “عجوز أوسكودار” أول عمل روائي أقرؤه له.

تعتمد الرواية على السرد بلغة المتكلم على لسان الكاتب نفسه، بحيث تبدو الرواية وكأنها سرد لسيرة ذاتية.

يبدأ الكاتب روايته من التحدث عن رحلاته وأسفاره لتصوير أفلامه التي يعمل عليها منتقلاً في كثير من بلدان العالم.

هذه الأفلام التي يتناول فيها عوالم وموضوعات متميزة، بحيث تدخل في المهرجانات السينمائية، لعله يحصل على جائزة ما، بعد أن حصل على شرف المشاركة بها.

كان في طريقه من قرغيزستان ولديه بضع ساعات يتوقف بها في مطار إسطنبول، وبعدها يتابع رحلته إلى مدن أخرى.

اقترح عليه مرافق له في الرحلة ألا يفوت فرصة زيارة إسطنبول ومعالمها الأثرية الرائعة، السلطان أحمد وآيا صوفيا وغيرها الكثير.

وبالفعل توجه إلى إسطنبول، وهناك التقى بعجوز في منطقة أسكودار ومنه تلقى إشارات صوفية جعلته يتفاعل مع العجوز ويتضامن مع قضيته، لقد خُطف ولداه في زمن سابق بعيد ومازال يحتفظ بصورتهم ويعيش أمل عودتهم إليه، كان يحمل صنارته على إحدى الجسور الكثيرة الصغيرة داخل إسطنبول كجسر الخليج الذهبي، يضع صنارته منتظراً سمكة يصطادها، كثيرون من يقومون بهذه الطقوس بغض النظر عن انعدام الصيد أو قلته لكنها عادة مستحكمة يعيشها الكثيرون من عشاق إسطنبول وماءها وبحارها وناسها.

الصياد صاحبنا كان يصطاد أسماكه، يقبلها ويعيدها للماء مجدداً، كان يردّد تعبير الشكر عند الأتراك “إي والله”، رداً على أي حديث يوجه إليه.

الكاتب من فلسطين 1948م، يتذكر لجوءه الأول، ويتذكر بلدته وجدته في بيت ليد، حياته هناك حيث رضع أول أحاسيسه بالتواصل الكوني، وأنه مميز ومجتبى وله حظوة في حضرة صانع الكون وإلهه.

تعمّق في التصوف وعاشه وجدانياً وشعورياً، كان يلاحق أحاسيسه وهواجسه حيث تقوده، ودائماً كانت هناك إشارات تأتيه تنير طريقه وتهديه إليه.

عندما كبر انتقل من الضفة الغربية لفلسطين مكان اللجوء الأول إلى الأردن، وفيها اكتملت دورة العلم والعمل في حياته، ومنها انطلق ليصنع تميزه في الإخراج السينمائي.

في إسطنبول التقى من أهم الإشارات في رحلته الصوفية الممزوجة مع رحلته الحياتية، إنه عجوز أسكودار.

وافتقاده لولديه المخطوفين منذ زمن بعيد، أحس الكاتب أنه مسؤول بشكل ما عن مأساة هذا العجوز، ويجب عليه أن يقدم مساعدة ما لم يدرك كنهها، لكنه يلحق إشارات تأتيه وهو ينتقل من بلد إلى بلد وراء أعماله وإشاراته.

وبالفعل يبقى متنقلاً من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر ويعود أدراجه إلى إسطنبول التي أصبحت شغفه هي وعجوزها الأسكوداري.

وصل إلى بلاد تعرّف فيها على الخاطف، وعرف منه أن أحد الولدين المخطوفين قد أصبح راهباً في مكان ما وأن الآخر قد مات صغيراً.

وبعد تعب وبحث مستمر وتكامل الإشارات ووصولها إلى ذروة وصوله إلى خاطف الطفلين، قرر الكاتب العودة إلى إسطنبول، وبحث عن العجوز في أماكن عدة، ووجده أخيراً في مكان اللقاء الأول حيث يصطاد السمك على جسر في إسطنبول، وكأن دائرة اللقاء اكتملت والدور المطلوب منه تحقق، فأخبر العجوز بما حصل معه وعن مصير أولاده، وكان يردد كل الوقت إي والله، إي والله، وفي ذات الوقت اصطاد سمكة كبيرة نسبياً، أمسكها في يديه وقبّلها وأعادها إلى الماء مردداً: إنها صيد محمل بالأسى..

هنا تنتهي الرواية، في التعقيب عليها نقول:

نحن أمام نمط روائي مختلف ومتميز، يغوص في عوالم لا يدركها ويعيشها إلا صاحبها، إنه عالم التصوف وما يصاحبه من إحساس مختلف بالعلاقة مع الله والعالم والحياة والبشر، الزهد وخشونة العيش، بعضهم يطوي المسافات انتقالاً، وبعضهم يطوي الزمن للوراء والإمام، بعضهم يعتقد أنه متوحد مع صانع الوجود، وبعضهم قد يلفظ ما يودي بحياته على أنه مشرك أو ملحد أو متقول على الله جل جلاله.

في الرواية الصوفية هنا ارتباط بالوجود والتقاط الإشارات، تربط بين وقائع وتؤدي لوقائع جديدة وتصنع أفقاً مستقبلياً وأعمال وحوافز وسلوكيات.

قد يكون التصوف عند بعضهم مجرد أوهام وشطحات روح وعقل ونفس لا يقين بها، لكنها عالم كامل يعيشه صاحبه، يخبر عنه يستحق أن يُروى ويعرف، أن نتأمله بعمق ونتعلم منه ما يجعلنا أقرب لإنسانيتنا، ودورنا الحياتي المفيد لنا ولغيرنا، ونحقق حريتنا ونحافظ على كرامتنا ونحقق حياتنا الأفضل مادياً ونفسياً وروحياً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني