fbpx

قراءة في رواية: بنات حواء الثلاث

0 272
  • الكاتبة: أليف شافاق
  • المترجم: محمد درويش
  • الناشر: دار الآداب
  • ط1، ورقية، 2017م

أليف شافاق، روائية تركية عالمية، تعتبر من أهم الروائيين العالميين المعاصرين، حيث تنشر رواياتها بأغلب لغات العالم، قرأنا لها أغلب إنتاجها الروائي المترجم إلى العربية.

بنات حواء الثلاث، رواية معاصرة؛ حيث تتناول حياة ابطالها في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وينتهي الحدث الروائي في عام 2016م، سنة نشرها تقريباً.

تبدأ الرواية من بطلتها بيري مع ابنتها دينيز المراهقة في سيارتها المتوقفة على إحدى إشارات المرور في إسطنبول، المتجهات لتلبية دعوة عشاء عند تاجر كبير، حيث تسرق فتاة صغيرة من المتسولين والمشردين محفظة بيري، هؤلاء المتشردين الذين ينتشرون بكثرة في هذه الأماكن يطلبون النقود. توقف بيري العربة وتترك ابنتها فيها وتركض وراء الفتاة لتسترد محفظتها، لتجد نفسها أخيراً في مواجهة متشرّد يعبث بمحفظتها ويأخذ اموالها ويتعاطى شرب الصمغ، وعندما طالبته بالمحفظة ومحتواها هاجمها بسكّين وكاد يقتلها، استقوت عليه ساعدها “طفل الضباب” الذي يحضر ليحميها، تلتقط محفظتها وصورة كانت تحتفظ بها لها وأستاذها آزور وزميلتيها شيرين ومنى، صورة لهم عندما كانت في اكسفورد حيث درست عام 2001 و2022م، وهي الآن في عام 2016م.

تأخذنا الرواية في مسارين متعاقبين، الأول متابعة الدعوة الى العشاء بكل تفاصيلها، أما الثاني فيبدأ من حياة بيري في ثمانينات القرن الماضي بدء من طفولتها، حتى ذهابها إلى جامعة اكسفورد في بريطانيا عام 2001م ودراستها هناك وعودتها في 2002م دون أن تكمل دراستها.

بيري واحدة من عائلة مؤلفة من أب منصور وأم سلمى وأخيّن الأكبر منها أوميد وحقّان الأصغر. وعت حياتها في ثمانينيات القرن الماضي طفلة في أسرة منقسمة على نفسها كثيراً، الأب الليبرالي المنتمي إلى توجهات أتاتورك العلمانية، الذي يحيّد الدين في الحياة، كان يؤمن بأن أساس التقدم هو الأخذ بالعلم والاستفادة من الغرب وجعله قدوة يُحتذى. أما الأم فقد كانت متدينة جداً إلى درجة التزمت وترى بعدم تدين زوجها وسخريته من تدينها بعض الأحيان، وتعاطيه المسكرات بشكل شبه يومي، خطأ كبيراً سد طريق التواصل السوي بينهما، حيث جعل الحياة بينهما صراع دائم، لفظي مع قطيعة نفسية، كانت فكرة الحفاظ على العائلة هي من جعل استمرار حياتهما ممكنة، مع غصات كثيرة. الأخ الأكبر لبيري كان شاباً ينتمي للحركات اليسارية التي انتشرت في ثمانينيات القرن العشرين في تركيا، حيث حاربتهم السلطة بعد الانقلاب في ذلك الوقت، اعتقلت الاخ بتهمة وجود سلاح مخبأ عنده، وحكم عليه ثماني سنوات من السجن، غاب الأخ الأكبر على إثرها من حياة بيري، إلى أن أطلق سراحه بعد ذلك، خرج في حالة نفسية سيئة، ترك منزل العائلة، انتقل للعيش في منطقة أخرى، عمل في صناعة الحلي التقليدية، يعيش مع امرأة مطلقة بصحبة طفليها في حالة مساكنة. أما أخوها الأصغر فقد كان نموذجاً لأمه من جهة التديّن، وكان يقف في صفها دوماً في صراعها وخلافها مع أبيه. سيكبر ويتزوج فتاة حسب رأي أمه وسيكون له معها مشكلة في ليلة زفافه، لقد اتّهم زوجته بأنها فاقدة العذرية، وأن ذلك يمثل عاراً اجتماعياً وقد يؤدي لطلاقها وإدانتها اجتماعياً، من ثم الذهاب للمشفى والكشف الطبي عليها، والتأكد أنها عذراء وعودتهما للحياة المشتركة وبناء أسرة ستنجب الأولاد وتُنسى الحكاية. كانت بيري ابنة والدها المدلّلة، تنتصر له في صراعه مع أمها، متأرجحة بين تدين أمها وانفتاح والدها الليبرالي، زرع والدها في ذهنها ضرورة التفوق العلمي، وأن تركيا تحتاج للعلم لكي تتقدم، وأنه يدعمها في التعلم بكل الوسائل إن هي تفوقت. عاشت بيري تجارب روحية خاصة، حيث كانت تشاهد طفلاً في الضباب، قد تكون تهيؤات، وكان ذلك يحدث معها في أغلب الحالات التي تكن فيها في مأزق، وكأنه يد الله تمتد لها لتعينها، فقد حضر لها عندما كانت تقاوم المتشرد الذي أراد قتلها واستطاعت هزيمته، أخبرت بيري والدها عن طفل الضباب منذ الطفولة، كان يعتبرها تهيؤات أطفال، طلب منها عدم الاهتمام بذلك ونسيانه، أما امّها فقد اعتبرته من فعل الشيطان، وقد يكون تلبّسها احد الجن، واصطحبتها إلى المشايخ لمساعدتها على التخلص منه، كان ذلك مخيباً لبيري التي قررت أن تحتفظ بسرية ما يحصل معها وطفل الضباب، الذي بقي خاصتها ويحضر لها بأوقات متفرقة، خاصة بالأزمات. تفوقت بيري في دراستها، واستطاع والدها أن يسجلها للدراسة في جامعة اكسفورد في بريطانيا، رغم التكلفة المالية العالية لذلك، ذهبت بيري بصحبة والدها ووالدتها إلى أكسفورد، كان ذلك أول خروج لبيري من اسطنبول، كان الأهل حريصين على بيري ويخافون عليها من هذه الغربة والبعد. تركوها في أكسفورد بعد أن سجلوها بالجامعة وعادوا إلى إسطنبول.

بدأت حياة بيري في اكسفورد بلقاء الأستاذ المسؤول عن توجيهها علمياً، حيث وضّح لها ما يجب عليها فعله، سكنت في غرفة صغيرة في بناء ملحق بالجامعة، كانت بجوارها شيرين طالبة من أصول إيرانية، ساعدتها في فهم اجواء الجامعة، شيرين فتاة متحررة، هربت مع والدها والعائلة من إيران التي أصبحت تحت سطوة رجال الدين الملالي الحكام الجدد. شجّعت شيرين بيري على الدراسة عند الأستاذ آزور المتخصص في موضوع الله على المستوى الفلسفي. كان ذلك مغرياً بالنسبة لبيري، فهي تعيش تناقضات أفكار والدها ووالدتها واختلافهما، لم تكن علمانية مثل والدها، ولا متدينة ملتزمة مثل والدتها، كانت متصالحة مع وجود الله، وتراه قريباً منها دوما، لكنها لم تكن ملتزمة بالفروض الدينية، لذلك وجدت أن هذا البرنامج الدراسي مفيد بالنسبة لها، خاصة أنها تعيش بين بين بالنسبة لأفكارها الدينية. كما تعرفت على منى الفتاة المتدينة الملتزمة والمتصالحة مع نفسها، والتي تعمل مع جمعيات دينية مختلفة، وهي أيضاً شجعتها بالدراسة عند الأستاذ آزور، الذي تدرس عنده أيضاً. أما الأستاذ آزور فقد كان شخصية إشكالية، بعض الطلبة يحبونه، وهناك من يكرهه ويشن عليه حملة تشهير وتشويه، قلائل الطلبة الذين يدرسون برنامجه. كل ذلك حفّز بيري للدراسة عنده، التقت به وأخبرته بأنها تود الدراسة في برنامجه، كانت مرتبكة ومشاعرها متضاربة، وتهاب الأستاذ ذي الصيت الذائع. قبلها الأستاذ في الفريق مع منى وكانت شيرين متحمسة له لكنها لم تكن تدرس عنده. بدأت بيري تعجب في أستاذها، وأصبح يشكل نموذجاً للرجل الذي تحبه، كان ذلك غريباً على نفسيتها، فكل فتاة تجد نموذجاً لرجل تحبه، ولو بقي ذلك داخل نفسها، كذلك الحال بالنسبة للرجال، وأخذت تتعرف أكثر على شخصيته وتتابع المعلومات المتداولة عنه. أما هي فقد كانت تجربتها في الحب شبه معدومة، لم يبقى من مراهقتها إلا ذكرى لمراهق في حيّها رافقته وفقدت معه عذريتها، وبقيت كاتمة للموضوع عن أبيها الذي لم يكن يهتم لذلك إلا من باب العرف الاجتماعي، وأمها التي ترى الجنس محرماً إلا بعد الزواج وذلك من خلفية دينية.

تابعت بيري الدراسة عند استاذها، وأخذت تتعلق به أول بأول، وعلمت أن هناك علاقة ما تربطه مع شيرين التي تعمل وفق توجيهاته، معها ومع منى أيضاً، كان للأستاذ طالباً قد اختلف معه، فأبعده عن التدريس عنده، وأصبح ذلك الطالب مسكوناً بهاجس التجسس على الأستاذ والبحث عن أي دليل يؤكد استخدامه البرنامج لأهداف شخصية، وأهمها اصطياده للفتيات من خلال التدريس ومعاشرتهن جنسياً. حاول الطالب تحذير بيري من الأستاذ، وحكى لها الكثير من المعلومات التي لم تتمكن بيري من معرفة صحتها، لكنها شوشتها. كان برنامج الأستاذ يعتمد على البحث في موضوع الله، وأساس أطروحته الفلسفية، هي وقوف الإنسان في حالة الشك سواء للمؤمن أو الملحد، وأن موضوع الله هو احتياج داخلي نفسي ووجودي، وليس مرتبط بالضرورة بنوع الإيمان والاعتقاد، سواء بالرسالات السماوية أو غير ذلك. كما أنه كان يعمل على فكرة التقبل المتبادل لكل ذي اعتقاد من الاخرين ومعهم، لذلك شجع شيرين على الجمع بينهنّ هي وبيري ومنى في شقة واحدة للعيش المشترك، وكانت تجربة يقصد منها الأستاذ خلق فرص للفهم والتفاهم والتقبّل، خاصة بين شيرين الليبرالية ومنى المتدينة، ومعهم بيري التي تتنازعها الأفكار والأهواء، حصل بينهم تعايش واصطدام وعدم قدرة على التكيّف، فقد كانت اعتقاداتهم واختلافاتهم حاضرة دوماً في حياتهم المشتركة. لم يكن ذلك مهماً بالنسبة لبيري التي بدأت تعشق أستاذها، وكانت تتردد عليه لتناقشه بما تعمل به على برنامج الدراسة، وما تقرؤه من كتبه الكثيرة، وحدثته عن طفل الضباب الذي يراودها، اهتم بالموضوع لكنه لم يقطع برأي فيه، وتبين لبيري أنها ومنى وضعتا في مختبر للأستاذ عن طريق شيرين، وأن الأستاذ مغرم بشيرين وأن بينهما علاقة جنسية، ما جعلها تصاب بخيبة أمل، فلم يعد الأستاذ متاحاً لها كحبيب، وخاب أملها وأحسّت أن شيرين صديقتها قد خانتها، وأن الأستاذ خدعها، ولأنها لم تتعلم المواجهة في حياتها، فقد عكست الموضوع على نفسها، فقد قامت بابتلاع كمية من الحبوب العلاجية، في محاولة انتحار، وتمّ انقاذها من الموت المحقق.

لم تمر محاولة انتحار بيري على الجامعة وعلى الأستاذ دون تبعات، فقد استثمر الطالب الحاقد على الأستاذ ما حصل، ورفع دعوى قضائية عليه. وأخرى لإدارة الجامعة؛ بأنه يستغل منصبه لأهداف شخصية. وصل ذلك إلى مدير الجامعة الذي استدعى الأستاذ وأخبره أنه لم قادراً على مداراة حكايته سواء بعلاقته بالطالبات أو أسلوبه العلمي الذي يخلق له الأعداء من بعض الطلبة، وأن ذلك يسيء للجامعة والبحث العلمي. دافع الأستاذ عن نفسه وأنه لم يخطئ ولم يخدع أحداً، وأن الطالب متحامل وعدواني وينتقم من الأستاذ لأنه طرده من دروسه بسبب عدوانيته مع زملائه المختلف معهم بالأفكار والاعتقاد، ومع ذلك طالب مدير الجامعة من الأستاذ الصبر وعدم متابعة التدريس حتى تتعافى بيري من محاولة الانتحار، وتقدم شهادتها التي تنصفه وتجعله مستمراً في التدريس. أو يتم إدانته بأنه سبب انتحارها. انتظر الأستاذ شفاء بيري، لكنّ بيري لم تكن تغفر للأستاذ أنه لم يحبها، وأنه تركها تحبه، بينما كان على علاقة مع شيرين، وأنها ومنى وشيرين كانوا مجرد فئران تجارب في أبحاثه اللاهوتيه. لذلك قررت عدم الحضور أمام اللجنة المتابعة لموضوع الأستاذ، وقررت ترك الدراسة بالجامعة والمغادرة إلى إسطنبول إلى حيث أهلها. حصل ذلك واعتبرت اللجنة عدم حضور بيري أمامها وتخليها عن الدراسة دليل إدانة على الأستاذ فأوقفته عن التدريس في الجامعة، وكان ذلك قاسياً جداً على الأستاذ الذي قلبت حياته رأساً على عقب.

كان ذلك في عامي 2001م و2002م وهاهي بيري تذهب إلى دعوة العشاء إلى بيت التاجر الكبير، بصحبة زوجها عدنان وابنتها المراهقة دينيز، نعرف أنها متوائمة في حياتها الزوجية، رغم غياب الحب، مع وجود الاحترام والتفاهم، لم نعرف كيف تابعت بيري حياتها بعد عودتها منذ ذلك الوقت حتى زمن الدعوة عام 2016م، وهاهي تتذكر كل ذلك على وقع حادث سرقة محفظتها، وظهور الصورة في محفظتها واستردادها من المتشرد الذي حاول قتلها. تتذكر رحلتها تلك بالكامل، تشارك في حفل العشاء مع زوجها وابنتها في بيت التاجر الكبير، بين نخبة من الطبقة الرأسمالية التي تتحدث بالسياسة وتتناول الطعام والشراب وتعيش حياتها ومتعها في إسطنبول التي أصابها الكثير من المتغيرات عبر السنين الماضية. علمت عن التاجر الذي كان على علاقة مع رؤساء دول استبدادية سقطوا في الربيع العربي، وكان واحداً من شبكة كبيرة استثمرت في كل شيء. كانت بيري تتابع الحفل وفي نفس الوقت تعود بذاكرتها إلى ماضيها في اكسفورد، وتعاني من نفسها وموقفها، لماذا خانت الأستاذ الذي تحب، لمجرد أنه لم يبادلها المشاعر، وطعنت صديقتها شيرين لمجرد أنها كانت والأستاذ في حالة حب وتواصل جسدي. لذلك اتصلت هاتفياً بشيرين وحاولت الاعتذار منها، واتصلت كذلك بالأستاذ الذي تغيرت حياته كاملة، لتقول له إنها آسفة، ولنعلم أن بيري كانت دائماً ضحية المواقف المتأرجحة، بحيث شاهدت في طفولتها موت أخيها التوأم بتناوله ثمرة واختناقه بها دون أن تصرخ أو تخبر أمها وأهلها. لقد كانت دائماً تهرب من المواجهة في اللحظة الحرجة. لكنها الآن وبعد مضي سنين طويلة تحاول إصلاح ما لا يمكن إصلاحه. ولا يفوت بيري أن تطلّ على واقع تركيا وأنها ضحية تفجيرات، قام بها إسلاميون متشددون أو انفصاليون أكراد أو إرهابيون عابرون للحدود، ولم يغب عن ذهنها أن تؤكد أن صاحب الدعوة متهم بتاريخ من علاقات مشبوهة، فلم تنته الحفلة إلا ومسلحون يقتحمون المنزل الذي اجتمعوا به، هدّدوهم بالسلاح وجمعوا الكل وفاوضوهم على أمر ما، لم تعلمه بيري لأنها كانت قد اختبأت في خزانة ألبسة في ذلك المنزل، المسلحون يجمعون المدعوين وهناك إطلاق رصاص، وبيري تجري اتصالها بشيرين وأستاذها لتريح ضميرها، كما تتّصل بالبوليس لعلهم يُنقذوا مما هم فيه.

هنا تنتهي الرواية، في تحليلها نقول:

نحن أمام رواية شيقة ممتعة أخرى لأليف شافاق. رواية تهتم بالتفاصيل الحياتية لأبطالها، وللواقع الذين يعيشونه، إنهم ناس إسطنبول ويصح القول إنها تتحدث عن تركيا والعالم الإسلامي كاملاً. تتحدث عن العقود الأخيرة، التي أصبح فيها الانتماء العقائدي الديني، سواء المتدين أو العلماني، وقد شق الحياة بشكل مأساوي عمودياً. ظهر ذلك في حياة أسرة بيري بين والدتها وأبيها، وعدم الانسجام بينهم أبداً، إلا بعد موت الأب، حيث أصبحت تتذكر الأم زوجها بحنان، لا جسور بين المختلفين. الكل يذهب في اعتقاده حتى النهاية، الأخ اليساري وضياع حياته في السجن، وبناء حياة هامشية بعد ذلك. الأخ الأصغر الذي افتتح حياته بفضيحة حول عذرية زوجته. بيري نفسها التي لم تستطع الوصول إلى يقين، وبقيت ضحية ما تربّت عليه من تناقض أفكار الأب والأم في كل حياتها.

وفي ذات السياق تؤكد الكاتبة على أن شق التناقض الديني – العلماني أصبح ظاهرة عالمية، إنه حاضر في الغرب وفي أعرق بلدانها بريطانيا وأعرق جامعاتها اكسفورد، وما الفتيات الثلاث شيرين العلمانية ومنى المتدينة وبيري البين بين كنماذج، وعدم قدرة الأستاذ الذي قُدّم كنموذج للمصالحة بين المختلفين، في موضوع الله والاعتقاد، لكنه لم ينجح، وسقط ضحية ذاتيته وذاتية من يتابعه دراسياً.

تظهر الرواية عمق تغلغل اعتقادات الناس في وجدانهم الروحي والنفسي والفكري، ومدى تغلغله الاجتماعي، وأنه عصي على التغيير، وأن تبعاته مختلفة في كل الموضوعات. الزواج والحياة الجنسية، والأعراف، والحلال والحرام، والمسموح والممنوع. لقد خلقت معايير متناقضة داخل المجتمع الواحد، وداخل البيت الواحد أحياناً، وهذا يعني أن هذا الموضوع مهم جداً في توحيد منظور الناس إلى حياتهم والقيم المهيمنة والضابطة لها. وإلا سنجد اننا أمام تناقضات تصل إلى درجة استباحة الآخر المختلف، وليس بالضرورة مرتبطاً بمصالح وحقوق.

الرواية تقول إن هناك أزمة استبداد سلطوي واجتماعي عالمي، وأزمة هوية، وأن غياب أولوية احترام إنسانية الإنسان فرداً وجماعة، مهما كان الاختلاف في الدين والعرق والأفكار، وأن اختلاف الناس في المصالح، وثوراتهم ضد الاستبداد يجب أن تقود لذلك وليس لنكون ضحية حروب دينية أو مذهبية أو عقائدية، تؤدي لعودة مذابح الاستئصال الديني والعرقي كما حصل تاريخيا. وإن تغطت بالمظلومية الحقة التي نعيشها كأفراد وشعوب وخاصة نحن العرب بعد ربيعنا الذي أُجهض وقُتل في مهده.

أخيراً عندما نقرأ لأليف شافاق فأنت تتعلم وتتمتع وتتنوّر، وهي دائما مواكبة لأهم ما يعيشه الإنسان في كل زمان ومكان. ونحن من جهتنا نرى أن الانتصار لحق الإنسان بالوجود وبالحرية وبالعيش في مجتمع مصان به كرامته الإنسانية والعدالة أساس حياته الاجتماعية، والديمقراطية أسلوب الحكم والحياة. إن ذلك يجب أن يكون معيار العلاقات الندية بين الدول، وداخل المجتمعات نفسها، وليس الواقع الاستغلال الاستعماري القائم. وأن غير ذلك سيؤدي لمزيد من المآسي والكوارث، وليس آخرها ما عاشه ويعيشه الشعب السوري الذي تحرك وطالب بحقه بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، وعاش ما عاش من ظلم وقتل وتهجير وتدمير للبلاد.

مازلنا في أول طريق الانتصار لحقوق الإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني