fbpx

قراءة في رواية الشفق الأخير

0 326
  • الكاتب معبد الحسون
  • ط1، PDF 2021م

معبد الحسون معارض سوري مخضرم، كان قد اعتقل في نهاية السبعينيات في سجن تدمر لأكثر من أحد عشر عاماً. وكتب عن تجربة اعتقاله تلك كتاباً بعنوان “قبل حلول الظلام”. إصدار دار نون4 للنشر في غازي عينتاب، وعندما أتى الربيع السوري أواسط آذار 2011م. شارك في مدينته الرقة مع الناشطين الثوريين وكان من القادة المدنيين فيها، وثّق ذلك في كتابه الرقة والثورة، كما كتب عدة روايات، منها رواية الشفق الأخير.

رواية الشفق الأخير تؤرخ للحظة تاريخية فاصلة في تاريخ الرقة، التي كانت من المدن الثائرة على النظام السوري، وكانت أول مدينة تحررت من سلطته، وأصبحت تحت سلطة الجيش الحر والمجلس المحلي والثوري لثوارها. لكن النظام المستبد السوري وحلفاؤه لم يقبلوا هذا المتغير، فقد اعتمدوا على مخبريهم وعناصرهم الأمنية التي تحولت الى خلايا نائمة تغلغلت في داعش وساهمت في بنائها وسيطرت على مفاصلها، ووجهت مسارها وأفعالها. بحيث كانت بديلاً ميدانياً عن النظام ضد الجيش الحر في كل المناطق والبلدات التي تحررت من النظام السوري، هذا حصل في كل سورية تقريباً. وفي الرقة وجوارها تحديداً، حيث تتابع الرواية.

كان ذلك في نهاية عام 2013م وبداية عام 2014م. حيث أصبح الصراع بين الجيش الحر المسيطر على الرقة وداعش التي تريد اجتياح الرقة وجهاً لوجه في أحياء المدينة.

الحدث الروائي يرصد أحد محاور الصراع لمدة أسبوع تقريباً، حيث شباب الجيش الحر الثلاثة عشر يقاتلون عناصر داعش في الطرف المقابل. يتقاتلون في النهار، يحاولون التقدم، يقتل بعضهم من الطرفين. ويبقون في أماكن تمترسهم في الليل، طريقة تواصل المقاتلين من الطرفين عبر قبضات لاسلكية بترددات تتغير تشفيراتها حسب الحاجة، داخل كل طرف على حدة، وعندما يعرف التردد من الطرف المقابل، يبدؤون بالتحادث ويعيشون استمراراً للمعارك على القبضات في الليل. يتسامرون ويتشاتمون ويبررون أفعالهم فيما بينهم وفي مواجهة الطرف الآخر. على القبضات تظهر دوافع المقاتلين من الجيش الحر وداعش، أفكارهم ومواقفهم مبررات ما يفعلون والمسوغات التي يسوقونها لتبرير حربهم تجاه بعضهم بعضاً. حياتهم تناوب بين قتال بالسلاح في النهار، وقتال صوتي عبر القبضات في الليل. شباب الجيش الحر بسطاء مؤمنون بعدالة قضيتهم سواء بالثورة على النظام أو في حربهم ضد داعش. يفندون مواقف داعش وينفون عنها الشرعية وادعائها أنها تريد حكم الإسلام. الدواعش معبئين تجاه الجيش الحر أنهم كفار يجب قتلهم. هناك متابعات دائمة لدروس دينية يقوم بها شرعيون عند الدواعش لتقوية الجانب الاعتقادي عند عناصرهم ليستمروا بحربهم ضد الجيش الحر. بعض شباب الجيش الحر يستهزئ بهم وبما يدّعون من أفكار، البعض من الطرفين يشتم متجاوزين كل حرمة، حياة الطرفين مستباحة بينهم لذلك لا حواجز على السوء اللفظي. الداعشي لا يملك من شرعية لفعله إلا وهم صناعة دولة الإسلام وقتل الجيش الحر الكافر. تمر الايام ويقتل من الطرفين بعض الشباب. يتناقصون بشكل يومي. حصل مع شباب الجيش الحر حدث نوعي وهو فرار أحد شباب داعش إليهم. أعطوه الأمان وجعلوه يتكلم عن قصته. إنه شاب من الرقة علم أن أخاه قد اعتقلته داعش. ذهب إليهم، التقى به أميرهم غير السوري، أغلب العناصر ملثمين وغير معروفين بهوياتهم الحقيقية. التقى به الأمير وقال له إن أخاه عندهم وأنه مدان بجريمة عند داعش ومحكوم بالإعدام، وإنه يستطيع أن ينقذ أخاه من الموت إن هو نفّذ المطلوب منه. حيث طلب منه أن يحضر له أحد شباب الجيش الحر من مكان محدد أسيراً ويُطلق سراح أخيه. قبل الشاب العرض لعله ينقذ أخاه. وذهب الى ذلك الشاب الذي كان في الجيش الحر واعتزل القتال، فأخبره بقصته واتفق معه على أن يذهب معه كأسير يساعد في انقاذ اخاه ضمن خطة اتفقا عليها. في طريق العودة سنتعرف على نماذج من السوريين. رجال يتحدثون باسم داعش يتنطعون منافقين لها، البعض مسالم مستسلم، الأسر المنكوبة بالأزواج والأبناء، والكل خائف من الموت الذي يحوم فوق رؤوس الجميع. يخبرنا المقاتل الهارب من داعش على وحشية عناصرهم، واستسهال قتل الناس وبكل الطرق. الحرق والإغراق بالماء والذبح وإطلاق النار، تفننوا في قتل البشر. يخبرنا أيضاً عن معرفة أسرار داخلية لبعض قادة داعش وعن ارتباطها بأجهزة أمنية لدول وأطراف عدة، تنفذ اجندتها بدقة. أحدهم كنموذج طلبوا منه أن يقتل جميع عناصره ويعود إلى مؤسسته.

وهكذا وصل الشاب ومعه أسيره إلى الأمير فلم يجده ووجد بديلاً عنه أميراً آخر غير سوري. تحايل عليه وأخذ منه الاسير ولم يسلمه أخاه. جعله يلتقي بمعتقلين لديهم، سيقتلون في اليوم التالي بأساليب مخيفة وقاسية. بعد ذلك جاء الأمير الذي وعده أن يحضر الأسير ويأخذ أخاه. أخبره أن أخاه معتقل في مكان آخر، اتصل أمامه حيث هو وأخبر أنه أعدم قبل يومين بالخطأ. وهكذا علم الشاب أنه استخدم لأسر شاب من الجيش الحر وأن أخاه قد قتل منذ زمن بعيد. وأنهم أرهبوه بما رأى. وأخيراً دعوه بين الترغيب والترهيب ليكون واحداً من عناصر داعش. وهكذا هرب الشاب إلى الجيش الحر منقذا نفسه من القتل مثل أخيه.

وعلى مستوى الصراع اليومي بين شباب الجيش الحر وداعش، تستمر المعارك مع الأيام يُقتل من الطرفين، في اليوم الخامس يتبقى خمسة من شباب الجيش الحر على هذا المحور. ومازالت المعارك الليلية على القبضات كما هي، تتوسع بأحاديث لبعضهم عن مبرراتهم للثورة على النظام والتحاقهم بالجيش الحر، يتحدثون عن المظلومية والقهر والتفاوت الاجتماعي فقدان الحقوق والحريات ويعتزون انهم كسروا حاجز الخوف واحساس الذل والعبودية وثاروا على نظام يستحق أن يسقط ويستحقون هم حياة أفضل في دولة تحقق الحرية والعدالة والديمقراطية لهم ويستردون كرامتهم. في اليوم السادس حصل انتصار للجيش الحر على الدواعش. وفي اليوم السابع تنقلب موازين القوى وينتصر الدواعش ضمن تغيرات مفاجئة غريبة، وينسحب شباب الجيش الحر، يسقط موقعهم بيد الدواعش. يغادر من تبقى من المقاتلين باتجاه تركيا ومعهم الشاب الهارب من داعش. حيث يحاول اللجوء الى اوروبا عبر البحر إلى اليونان ويكون مصيره الغرق.

إلى هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها نقول:

نحن أمام رواية تكاد تكون توثيق لواقع الثوار من الجيش الحر المدافعين عن الرقة في أيامهم الأخيرة قبل إعادة احتلالها من قبل داعش، حيث يتداخل البعد الحياتي الإنساني لشباب الجيش الحر وداعش ومبررات كل طرف ومشروعيته. كما تفضح داعش، أعمالها الاجرامية، ودورها التخريبي في الثورة السورية. حيث كان لها الدور الاكبر في إعادة احتلال أغلب المناطق والبلدات السورية المحررة من النظام. وإن داعش كانت فعلاً أداة بيد النظام السوري وبعض الأطراف الإقليمية والدولية. وأنها خدمت أجندة كل الأطراف، ودفعت للصمت عن فعل النظام السوري بحق الشعب ومطالبه العادلة. وأنها حوّلت الأنظار إلى ما سمي الإرهاب وبناء تحالف دولي لمحاربته. وتُرك النظام السوري يعيد بناء قوته ويستعين بروسيا وإيران والمرتزقة الطائفيين حزب الله وغيره. وجعلت القضية السورية تدخل مجدداً في دوامة الصراعات الإقليمية والدولية على سورية وداخلها، وتعيد إنتاج النظام. ويسوء واقع السوريين عبر كارثتهم الإنسانية: مليون شهيد ومثلهم معتقل ومصاب ومعاق ونصف الشعب السوري مشرد داخل سوريا وخارجها. واغلب سورية مدمر هذا غير الاحتلالات التي تطال الكيان السوري وتحوله إلى غنائم حرب لهم جميعاً.

هذا حالنا وعلينا إدراكه والعمل على تجاوزه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني