قراءة في رواية “الحقيقة”
- الكاتب: محمد إقبال حرب
- الناشر: منشورات ضفاف
- ط1، PDF، 2010م
محمد إقبال حرب كاتب لبناني متميز، رواية الحقيقة أول عمل أقرؤه له.
الحقيقة رواية مختلفة ومتميزة، تعتمد السرد على لسان الراوي، الذي يتحدث عن مجتمع كامل من الطيور، وعلى الأخص الدواجن، غريب هذا، لكنه حصل، لابد أن هناك رسائل ما وراء هذا الأسلوب، في ذاكرتنا كليلة ودمنة الكتاب الذي يتحدث به الحيوانات لينقلوا لنا الفلسفة والعبر.
الحقيقة عنوان الرواية وهذا عنوان معبّر أيضاً، فكلنا متعطش للحقيقة المغلفة والمموهة والضائعة في عوالم الزيف والكذب والمصالح.
تبدأ رواية الحقيقة بالتحدث عن ديك في مزرعة يبدو أنه سيد في قومه، يلتقي أثناء تجواله في مزرعة البشر التي يعيش فيها، يلتقي بـ عصفورة جميلة مصابة، يساعدها ويعالجها، يخفيها عن الأنظار ويقدم لها العون والطعام والعلاج.
ينشأ بينهما عاطفة حب، لكنه مستحيل، حيث الدجاج طائر أرضي ملقب بالمعدوم أي العاجز عن الطيران، بينما العصفورة الجريحة تنتمي للطيور المحلقة والقادرة على الطيران، هي من جنس أرقى، لكن مع ذلك أحب الديك العصفورة وهي أحبته بالمقابل، لكن لم تكتمل فرحتهم، فقد هوجمت العصفورة حيث كانت مختبئة عن الديك وتعالج من قبله، اختفى أثرها، اعتقد الديك أنها قد تكون ماتت أو أكلتها بعض الحيوانات اللاحمة، حزن كثيراً، وبقي يأمل أن تكون بخير وتعود إليه.
لم يكن الديك بمأمن من المشاكل في حياته، هو حاكم على الدجاج وعلى أمثاله من الديكة في المزرعة التي يعيش فيها.
لقد ظهرت مشكلة تؤثر وجودياً عليه وعلى بقية دجاج المزارع، ألا وهو دجاج المفارخ الصناعية، التي أقامها الإنسان لأجل إنتاج البيض سريعاً لاستهلاك البشر، وكذلك لتنتج الفروج ويؤكل على موائد البشر أيضاً.
لقد أحسّ ديوك ودجاج المداجن بالظلم وقرروا أن يحاربوا دجاج المزارع ويأخذوا منهم السيادة والحكم.
الديك الملقب سهم أو صياح، وجد نفسه بين عشية وضحاها ضحية مؤامرة تستهدف حكمه وقد يكون وراءها فقدانه حياته.
يقف وراء المؤامرة مجموعة من ديوك المداجن، ويبدو وكأنّ وراءها أجندة خفية، هدفها خلق البلبلة والفتنة والقتل في مجتمع دجاج المزارع، كانت الذريعة ادعاء خيانة الديك صياح الذي استقبل وعالج عصفورة من طيور السماء وهم بعرف الدجاج أعداء.
كان لا بد من وجود خطة تودي بحكم الديك صياح وحتى بحياته إن أمكن.
اعتمد دجاج المداجن على قواعد متوافق عليها متوارثة، حول صراع بين الدجاج الأرضي وطيور السماء، وإن الديك صياح قد خان قومه عندما أحب العصفورة، كما زرعوا في ابنه نوازع الحكم لكي ينقلب على أبيه ويأخذ الحكم منه، تحت دعوى خيانة الاب، ودعوى أن الابن هو المنقذ أو المخلص الذي تتحدث عنه شرائعهم، واعتمدوا على تدريب الكثير من دجاج المداجن على الحرب القادمة، التي ستقضي على الديك صياح ومن يناصره من ديوك ودواجن المزارع، وتسيطر على حياة دجاج المزارع ويهيمن دجاج المداجن بشكل مطلق.
لكن واقع الحال أن الديك صياح وبمساعدة حكيم من طيور السماء، وبالتوافق مع كثير من المخلصين له من ديوك ودجاج المزارع، الذي كانوا عيونه وحرّاسه وحماته، وعلمه أن حبيبته العصفورة بخير ولم تمت لكنها أصيبت بعاهة دائمة، وعادت إليه وعاشت معه، لقد أعدّ العدة لهذا الصراع وكله أمل بالانتصار.
كان لابد من حصول الصراع بين الديك صياح ومن معه من ديوك المزارع، في مواجهة ديوك الدواجن، لأنها حرب وجود قد تم التدبير لها، وتمت المواجهة، لقد فاجأ الديك صياح أعداءه بأنه قادر على الطيران، وأن ادعاء الاختلاف المطلق بين دجاج الأرض وطيور السماء ليس صحيح، وأن بعض التدريب يكفي ليتمكن الديوك والدجاج من الطيران، وأن الغزاة ديوك ودجاج المداجن ليسوا قادرين أن ينتصروا في معركة مع أصحاب الارض ديوك المزارع، هم الغرباء والمتآمرون والمتصارعون فيما بينهم، والذين يخدمون غيرهم دون أية فائدة حقيقية لدجاج المداجن، بل جعلوهم مجرد وقود في معركتهم للوصول للحكم، بدمائهم والتضحية بهم.
انتصر ديوك ودجاج المزارع على ديوك ودجاج المداجن، لكن الثمن كان غالياً حيث أصيب الديك صياح حاكم المزارع ومات في سبيل قضيته العادلة بعد ذلك.
تنتهي الرواية بوجود ديك مزارع يافع مع دجاجة حبيبته يحدثها عن مستقبل أفضل.
في تحليل الرواية نقول:
إننا أمام رواية تتحدث عن عالم الطيور وخاصة الدجاج، لكنها محملة برسائل كثيرة عن عالم البشر، وإذا أردنا الدقة في توصيف المحتوى فهي تحمّل عالم الطيور أكثر مما يحتمل، لكن إن أردنا قراءتها وفق رسالتها، فهي محاولة صادقة لقول ما تود قوله، محيلة ذلك إلى عالم الطيور والدجاج.
إنها تتحدث عن:
المجتمع وتقسيماته المجتمعية العنصرية والطائفية، تحت دعوى غير صحيحة، بحيث تخلق مبررات صراع مجتمعي ليس مبرراً وليس صحيحاً، الحكم الذي يستند إلى أسباب واهية لتبرير شرعيته، يدعي خدمة الناس، لكنه يخدم مصلحته ويستخدم الناس لتحقيق ذات المصلحة، كذلك الصراع داخل السلطة، والصراع على السلطة، كل يقدم مبررات لتغطية حقيقة نوازعه الذاتية والمصلحية، لا أهمية لحياة الناس، لا مانع أن يكون الناس والمقاتلين من كل الأطراف وقوداً في معركة الحكم، لا حضور للقيم الإنسانية في معركة الصراع على السلطة، المهم المصالح.
هناك دائماً منظّرين وزعماء ومستفيدين من خلق الصراع واستباحة دماء الناس وهدر حياتهم، دائماً هناك عقائد يعاد إنتاجها لتبرير الصراع وخلقه في كل زمان ومكان.
الإنسان فرداً وجماعة هو الضحية دوماً، حقوقه بالحرية والعدالة والمشاركة السياسية الديمقراطية، حقوقه أن يكون إنساناً صاحب كرامة، ألا يستلب مادياً ومعنوياً ألا يكون ضحية الخوف والقهر والتخلف والفاقة والفساد، كل هذه الظروف القاهرة حاضرة في مجتمعات يرنو أهلها لصناعة حياة أفضل، ويستمر حكامها في استعباد شعوبها واستلاب إنسانيتهم وهدر حقوقهم ودمائهم إن وجب ذلك.
معركة وجود قديمة جدا ومستمرة إلى أن ينتصر الإنسان ويأخذ حقوقه كاملة.