fbpx

قراءة في رواية التماثيل

0 261
  • تأليف: عبد الله خليفة.
  • نشر: اختلاف، مدبولي، الدار العربية للعلوم، ناشرون.
  • ط1، 2007.

عبدالله خليفة كاتب بحريني، هذه أول رواية نقرؤها له.

الرواية تتحدث بدءاً من ستينيات القرن الماضي عبر شخصيتها المركزية “حسان”، ذلك الشاب الذي وعى نفسه في بيئة فقيرة لأسرة كبيرة هو أكبرها، والداه يعملان ليؤمنا لأولادهما أسباب الحياة على قساوتها، حسان يعرف أن طريق العلم سيؤدي لشهادة ما ووظيفة ما ليكرر حياة الفقر، حول حسان شباب ممتلئ بأحلام خاصة وعامة، تحرك خيالاتهم نحو حياة عدالة ومعيشة أفضل، من أصدقائه “ياسين” الشاب الغامض والمعبأ نفسياً ضد الفقر والتخلف وأسبابه، الطموح للوصول لحياة أكثر امتلاء وشهرة، كانت وسيلته الثقافة والشعر والادّعاء الثوري.

يتخرج حسان من الجامعة ويبحث عن وظيفة ما، وبعد وسائط يتوظف في أرشيف المحكمة، أما ياسين فقد اختفى ولم يعد يلتقي به حسان الذي أحس أنه مزروع في قبر تحت المحكمة مع آخر لا عمل لهم سوى انتظار أول الشهر لقبض الراتب ليصرفه في عدة أيام على إخوته، تستمر أيام العمل وسرعان ما يكتشف قيمة الأرشيف، يبدأ بالبحث والقراءة وتقصي حياة الناس، يلتقي مجدداً بياسين في صفحة الجريدة، يلتقي به كشاعر كبير وله متابعيه، وسرعان ما سيلتقي به في إحدى المنتديات، وليعرف ياسين واقع حسان وفقره وضيق حاله، ويعرف حسان واقع ياسين الذي ركب موجة الطرح الثوري وأصبح يكتب لصحف عالمية ويطير بين البلدان، أصبح نموذجاً يعتز به حسان، التقى به وأخبره عن حاله، وعندما علم بمتابعته أرشيف المحكمة طلب منه أن يرسل له ما يكتب حول ذلك للاطلاع عن أحوال البلد وناسها، وبدأ حسان يكتب ويرسل لياسين، وسرعان ما يكتشف حسان أن كتاباته تنشر في الصحف بتوقيع ياسين، ويدرك أنه استغله وأن ياسين شخص انتهازي يستغل صديقه لمصلحته دون أي رادع أخلاقي، وأنه مجرد مدع ثوري، وعندما يلتقي به مجدداً ويسأله عن ذلك سيخفف ياسين من سوء الموضوع ويقول له إنها مجرد حكايا ولولا اسمي لما نشرت،  وتفترق طرقهم ولكن إلى حين، فسرعان ما يستدعى حسان إلى الشرطة متهماً بنشرة قصصاً من أرشيف المحكمة، وذلك بعد نشر رسالة بعثها ياسين باسم حسان وكان مصيره السجن.

في السجن يلتقي بعبد الحسين ذلك الرجل الذي سجن لأنه متهم بسرقة الآثار والمتاجرة بها، والواقع أنه عكس ذلك، فهو يرفض الإخبار عن أماكنها في حقله وجوار منطقته كيلا تسرق، ولأنه محكوم عليه لسنوات طويلة فإنه يحكي لحسان عن مواقعها، من باب الحفاظ على أمانة أمته وتاريخها، وخوفاً من قتله أو عدم خروجه من السجن، وفي السجن أيضاً يلتقي مجدداً بياسين الذي دخل كمناضل وعاش فيه حياة مميزة، والذي أعاد ربط علاقته بحسان واستطاع واستيعابه نفسياً مجدداً، وثق حسان بياسين وأخبره عن كنوز عبد الحسين وأخفاها ياسين في نفسه، وأخبر ياسين حسان الذي سيخرج قبله أنه يستأمنه على زوجته وابنته. زوجته ابنة حارة حسان، وأمها التي تخون زوجها مع رجال كثيرين ومنهم حسان نفسه لقاء المال، يخرج حسان ويذهب لزوجة ياسين التي يعرفها مسبقاً ويتعلق بها والطفلة، وسرعان ما يتحول لرجل متفرغ لخدمتهم، وعبر الزمن واستمرارية العلاقة تتعلق به الطفلة كوالدها، وتحصل علاقة جسدية مع الزوجة لفترة طويلة تؤدي للحمل، وعندما يخرج ياسين سيجد هذا الحال ويتقبله، ويستدعي حسان ويحتفي به، ويحصل منه عن موقع بعض الآثار التي يستخرجها ياسين ويبيعها، وهذا يؤدي إلى ثرائه، وسرعان ما يغير بيته ويعيش حياة ترف وينشغل عن زوجته وبيته، وتنجب له زوجته طفل هو ابن حسان، ومع ذلك تستمر العلاقة ملتبسة بين ياسين وحسان ومع عائلة ياسين، ويستمر ياسين باستثمار حسان، ويعاد اعتقال حسان مجدداً متهماً بكتابة المناشير ويسجن لفترة طويلة، ويخرج ليجد الطفلة ابنة ياسين أصبحت شابة ولتعود متعلقة به، ويعاود ياسين العلاقة معه ليحصل منه على أسرار الكنوز، ويعرف أن عبد الحسين قد قتل في السجن، ولم يبق من يعرف مواقعها إلا حسان.

تجرّب كل الطرق مع حسان بالترغيب والتعذيب من السلطة أو من الجماعات الإسلامية التي بدأت تظهر، وتريد البحث عن تماثيل الكفر لتدميرها، ويعده ياسين بالزواج من ابنته الشابة، وهذا ما يحصل، ويصل ياسين لبعض الكنوز ويستثمرها لمصالحه وزوجته والسلطة الحاكمة وراءه.

تمر الأيام وحسان يرى نفسه دائماً في موقع الأداة التي يستخدمها ياسين وأمثاله، دائماً له مهمة يلبيها ودور يقوم به، وواقع الحال في المجتمع على ما هو عليه، فالفقير يزداد فقراً، والمدينة تتسع تخلفاً وعشوائية والناس أكثر ضياعاً، والالتجاء للجماعات الدينية بديلاً والتورط معها بعملها واقعاً يومياً.
تنتهي الرواية عندما استدعى ياسين حسان مجدداً ليطلب منه دوراً ما يستغله ويستثمره به، لا شيء تغير.

الرواية قراءة لحقبة زمنية تمتد لعشرات السنين، تصمت عن واقع مجتمعاتنا مع سلطاتها الحاكمة، وكونها ضحية تخلف واستغلال واستبداد، وإن هناك طبقة مثقفين وسياسيين هم بين انتهازي يعمل لمصالحه الضيقة ويخدم السلطان في كل شيء، وبين مثقف آخر يستثمر لصالح الانتهازي، ويدفع ثمن جهله وعدم إدراكه عمره وجهده سواء بالسجن أو أن يقدم إلى الانتهازي أو السلطة المبرر الشرعي لوجودها أو استمرارها. تخرب البلاد وتستعبد العباد ويستمر الحال السيئ، ويزداد سوءاً بتواجد الجماعات الدينية العنيفة، التي تزيد المجتمع تخلفاً، وتعطي للحاكم مبرراً ليستمر مستبداً وليستمر في عنفه بحق الشعب، لتبقى البلاد مزرعته والشعب عبيداً عنده إلى حين.
لكن الربيع العربي جاء وعدّل من معادلة الظلم هذه، ولو أن فرحة ربيعنا لم تستمر طويلاً، فالتقى النظام العالمي مع الدول المستبدة مع الكيان الصهيوني على ربيعنا وحاولوا قتله، ولكن إلى حين.
مستمرون في ثورتنا للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والديمقراطية والحياة الأفضل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني