fbpx

قراءة في رواية “الباشا والتراب”

0 217
  • الكاتب: أيمن البارودي
  • الناشر: دار التكوين 2005، نسخة إلكترونية

(الباشا والتراب رواية التقية والتستر والتخفي، رواية فضح حكم الاستبداد والراوي يعيش في كنفه).

أيمن البارودي أكاديمي سوري، له العديد من الروايات، قرأنا له هذه الرواية، ورواية نهر الفن المقدس، والروايتين متميزين.

تبدأ الرواية من مدخل غريب، بطلها (لن أذكر الاسماء لأنها غريبة ومتعبة) يجد نفسه ميتاً وهو في سن الستين، وهو شاعر الوطن وبطله؟!، يجد نفسه في لحظة قدر مجنون خارج لعبة الحياة، وهو في ذروة عطائه ومجده ونهمه لأن يمتلئ من الحياة أكثر، سيترك خلفه زوجة متصابية، ابنة الحسب والنسب، وابنا في عز شبابه، غارق في ملذاته، مستفيداً من عز أبيه، وترك وراءه – أيضاً – خادمته التي كان قد ودّعها بليلة غرام ما زالت آثارها عليه، وهو ميت الآن. تركها و في رحمها طفل الخطيئة، ولأنه لم يرد لابنه مستقبل التشرد فقد عقد على خادمته بعقد سري يعلنها زوجته لتحمي نفسها ومستقبلها مع طفلها القادم، هو الآن من موقعه في الغياب يراقب بحسرة، وغير قادر على فعل شيء، زوجته وابنه يدركون خطيئة والاب ومجونه ويقررون أن يتخلصوا من الخادمة وكل تبعات علاقتها مع المرحوم، وفي ذهنهم أنهم من اصل شريف عريق غني، لهم جذورهم التاريخية، وان المرحوم نفسه مجرد ابن أخ بالحرام لوالد الزوجة؟!!، وأنهم بعد أن احتضنوه وزوجوه وجعلوا منه شاعر الحق وبطل الوطن يخون زوجته مع خادمته، بنت الريف الفقيرة التي لا يعرف لها أصل أو فصل.

يتحكم بمسار السلطة الأموات والأحياء والجن، ثلاثي: العقائد المزيفة، ومصالح الحكام، والقوى العظمى المسيطرة عالمياً.

في الرواية تتداخل ثلاثة عوالم: الأموات والأحياء والجن أيضاً، وكلهم لهم دور في مسار الحياة، وفي مسار أبطال روايتنا، الخادمة تعرف ما يخطط لها وتتحرك لتحمي نفسها وجنينها، تتصل بالمحامي وهو شاهد عقد زواجها، وتطلب منه التدخل عند السلطات العليا لتحميها وجنينها، وتجتمع “العصبة” أصحاب السلطة وتقرر أن يعيش الطفل وأن يحصل على حقه من الإرث، وأن يكون له مستقبلاً مميزاً كابن لشاعر الوطن وصوت الحق!!، سندخل بعد ذلك في متاهة التآمر والتآمر المضاد بين الزوجة وابنها والخادمة وجنينها، وكل طرف يريد تصفية الآخر، يحضر الجن بقدرتهم المعرفية الخارقة وبأفعالهم وحضورهم الشبه مطلق، وسيكونون شيعاً وأطراف متفاعلة ومنافسة، فتارة تتفق على أن تكون الزوجة الشرعية وابنها هم قادة البلاد، وأخرى يتفقون أن تكون الخادمة ووليدها القادم أبطال البلاد القادمين وحكامها، سيكون كل شيء مباح للوصول للهدف، ويكون هناك عمل كثير وكبير من الإنس والجن، وهناك دوماً محافل تقرر، وفوق المحفل محفل، والكل يتحرك في أرض يكاد اصحاب الامر أن يكونوا فيها مجرد أدوات مفعول بهم، ومن خلالهم في البلاد والعباد. تنتهي الرواية بمعرفتنا أن الوليد سيأتي وسيكون هو القائد للبلاد، وسيعيد صوغ الماضي ليكرس عظمته من الماضي إلى المستقبل كما يصنع مجده في الواقع، يخلق تحالفاته مع الجن، لأنه دون الجن لا إمكانية لحكم مستمر أو مستتب؟!!، وإن لم يتحالف مع الجن كلهم فهو يتحالف مع بعضهم!!.

(ابن الخطيئة يصبح رأس السلطة وقائد دولة الاستبداد، ورمز كل الشعارات المدعاة الكاذبة).

انتهت الرواية ولكن لم ينته تحليلها، فهي من الروايات التي كتبت بلغة الرمز و”التقية” وتوصيل الفكرة دون مسؤوليه، كتبت في 2005، يعني الاستبداد السوري و العربي في عز مجده وتسلطه، والربيع العربي كان حلما للناس، أو كابوساً مستحيلاً للسلطات، لذلك كان لا بد من قراءة ثانية للرواية، قراءة لما وراء السطور، نحن أمام حكام مستبدين في المكان والزمان، متسلطين على الناس، مرتبطين تاريخيا مع الجن (النظام العالمي)، بشقيه غرب وشرق، وهناك حكام وليدون (جدد) صنعتهم ظروف متنوعة، انقلابات الخمسينات والستينيات، وهناك صراع بين الطرفين على الحكم، والكل تحت رعاية وهيمنة النظام العالمي ومصلحته قطعاً، الغائب الأكبر والضحية هو الشعب سواء عند الحكام القديمين أو الجدد (ملكيين وجمهوريين)، وعند النظام العالمي، هم ضمير مستتر كأداة يتم استخدامها لمصلحة الحكام بنوعيهما، والنظام العالمي المهيمن بتنوعه، لذلك لن تكون مرتاحاً عندما تقرأ الرواية، فهي رواية المؤامرات القذرة، والأهداف الدنيئة، لا أهداف سامية في حقل الرواية وأبطالها أبداً، لا شعب يتطلع لنور الحرية والكرامة والعدالة، وحتى كاتبها المختبئ وراء سطورها يستعمل تقنية تجعله قادر على التملص من مسؤولية أي فهم صحيح للرواية من الحاكم بأمره (لا سمح الله)؟!!.

رواية تقرأ الظلام الذي كان يغطينا، فيها كثير من التهكم والسخرية المرة التي تبكي واقع الحال، لا أمل في الرواية ولا ضوء في آخر نفقها، وهذا حق في تاريخها. رواية شهادة على عصر ومرحلة، وبهذه الصفة بالضبط هي رواية تستحق التقدير والاهتمام، وهنا تميزها وامتيازها. وكان لابد أن يأتي الربيع العربي يقلب الحال وليحضر الشعب الغائب المغيب، صاحب المصلحة والحق، ويتحرك منتصرا لحقه بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية والحياة الأفضل، ولو أن ذات الاعداء من حكام تابعين، والنظام العالمي، وربيبته (إسرائيل)، ما زالوا يعملون لإلغاء الشعب، والتحكم به عبر حكام أدوات يخونون شعوبهم، والصراع ما زال مستمراً.

شكراً أيمن بارودي على روايتك، وإلى إبداع جديد فيه نور الحرية التي بزغت شمسها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني