قراءة في رواية “الإسكندرية في غيمة”
- الكاتب: إبراهيم عبد المجيد
- إصدار: دار الشروق
- ط2، ورقية 2013
إبراهيم عبد المجيد روائي مصري له كثير من الروايات، قرأنا أغلبها، وهذه الرواية هي الجزء الثالث متحدثة عن الإسكندرية، لا أحد ينام في الإسكندرية ثم طيور العنبر، وهذه إسكندرية في غيمة، وهي تكاد تكون تأريخ اجتماعي سياسي للإسكندرية في عمقها المصري، عبر التفاعلات العالمية والمحلية، من فترة الحرب العالمية الثانية إلى أواسط السبعينات، تغطي الرواية حياة مجموعة من الطلبة في الجامعة وشبكة علاقاتهم العائلية والاجتماعية، طلبة يلتقون ويتفاعلون في أجواء الجامعة، يتابعون أوضاع بلادهم فهذا الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان يأتي إلى مصر، وهذا هو الرئيس السادات يبدأ في التوجه إلى الغرب متمثلاً بأمريكا، مبتعداً عن الاتحاد السوفييتي، وهؤلاء الطلاب المنتمون إلى الفكر الشيوعي يلتقون ويتحاورون في كل شيء، وواقع حال الناس وهل هذا يفيد مصر أم يضرها، بينهم الطالب المخضرم عيسى، الذي درس في عدة تخصصات ليستمر في الجامعة بين الطلاب ويؤثر فيهم زارعاً الفكر الشيوعي، فهو معتقل سابق ندر نفسه لذلك، شباب وفتيات يلتقون كمجموعة تتناقش وتتفاعل وتتبادل الآراء كل شيء، نادر أحدهم وهو جزء من المجموعة وحبيبته يارا، وكذلك حسن وحبيبته كاريمان، وبشر وحسن وغيرهم، كلهم منغمسون بتفاعلات وحوارات لا تنتهي حول كل شيء، عيسى يلتقي بهم دوما صانعا من نفسه معلما لهم ليتمكنوا من فهم الفكر الشيوعي، أما واقع النظام فكان قد بدأ الرئيس السادات بتوصيف نفسه بالمؤمن، واستهل أعماله بالإفراج عن كثير من الإسلاميين المعتقلين من ايام عبد الناصر، ضمن خطة واضحة، أن يوازن الحضور اليساري والناصري في الوسط السياسي وخاصة الطلابي بوجود الإسلاميين الذي سيظهر بقوة في أوساط الجامعة حيث يصطدم الإسلاميين مع اليساريين في جرائد الحائط الجامعية، وتصل للصراع الجسدي أحيانا، يتوجه السادات للغرب ويقول جملته الأشهر إن 99 بالمئة من أوراق الحل لقضايا الشرق الأوسط في يد أمريكا، يغازل أمريكا وأروبا ويشن حملة إعلامية على السوفييت، يعطي للإسلاميين مساحة حركة وتأثير داخل الجامعة والمجتمع، نعرف أن لكل من الشباب والفتيات حياته الاجتماعية وظروفه المعيشية، ستكون بداية علاقتهم بالفكر الشيوعي اطلاعاً وصناعة موقف، سيبدأ بعض الشيوعيين بإعادة تشكيل أحزابهم المنحلة سابقاً، سيكون أغلبهم ضحية اعتقال من قبل الأمن السياسي ضمن حملات دورية سنوية تقريباً، الأمن الذي يعرف عنهم كل شيء، والذي يريد تخويفهم وشرائهم ليكونوا عملاء له، سيعتقل بعضهم لأشهر ويخرجون أكثر صلابة، ويلتحقون بالأحزاب الشيوعية السرية بتعددها ويعيشون إحساس النضال وأنهم يقومون بأعمال مهمة، سنتابع التغيرات الجذرية التي حصلت في الإسكندرية، الأجانب الذين كانوا يعيشون فيها بكثرة قد رحلوا ولم يبقى إلا الندرة، ومنهم المصور اليوناني خريستو النموذج عن العاشق للإسكندرية، المتهيء للرحيل مثل الكل، سنتعرف على نتائج التخلف والفقر والأزمات الاجتماعية عبر روائح وغادة اللتان تعملان بملهى ليلي بعد أن هربتا من ظرفهما الاجتماعي، يكونوا أصحاب لأصدقائنا الطلاب بشر وحسن ونادر والآخرين، ويكونوا ملجأ متبادلاً لبعضهم نفسياً وجسدياً، سيعمل الإسلاميون على شراء الكباريهات، وإغلاقها أو بناء عمارات أو مساجد مكانها أو تركها مهملة، ستتراكم المظلومية الاجتماعية وينخرط الشباب والفتيات بالعمل الحزبي السري مع الأحزاب الشيوعية، وتنفجر أحداث يناير 1977م التي سمّيت انتفاضة الخبز حيث خرجت مصر كلها بمواجهة قرارات الدولة الاقتصادية، التي أضرت بحياة مجموع الناس الذين خرجوا عشوائياً من الجامعات والمعامل والأحياء الشعبية رافضين القرارات الظالمة، مصعّدين مواقفهم ضد السادات والحكومة، كان أصحابنا بين المتظاهرين وعلى الأكتاف أحياناً، يستمر التظاهر، يعجز النظام عن قمعه والسيطرة عليه، يحاول تشويه الانتفاضة عبر إطلاق سراح المجرمين الجنائيين ودفعهم للإساءة للتظاهر، عبر التخريب وافتعال الحرائق، ومع ذلك لا يتوقف التظاهر إلا بعد أن تتراجع الحكومة عن قراراتها الظالمة، وينتهي التظاهر لتبدأ بعدها حملة اعتقالات طالت كل قيادات التظاهر والفاعلين فيها، وليكون بينهم أصحابنا نادر وبشر وحسن وكاريمان ويارا وبعض أصدقائهم الذين لا علاقة لهم بما حصل، يارا سيفرج عنها بواسطة أخوها الضابط في البحرية، أما الباقون فيستمر اعتقالهم، يتعرفوا على أجواء السجون والمعتقلات، ويكتشفوا أن في السجن والمعتقل ما هو اسوأ من الواقع، وسيخرجون بعد عدة أشهر ليجدوا أمامهم عالماً مختلفاً، يارا اُجبرت على الزواج بمن يكبرها سناً وله علاقاته مع الأمن، ويصاب نادر بالفجيعة، يحاول أن يلتقي بها ولا يستطيع، وتخرج كاريمان لتجد أن زوج أمها طردها من البيت، وتزوج امرأة أخرى مع أمها، وأنه يتمسح بالدين، لقد ألزم والدتها بالنقاب، وأمها امتثلت لأمره ولم تنتصر لها، طالبت حبيبها حسن أن يتزوجا لتخرج من مشكلتها ومن تحرش زوج أمها الدائم بها، لكن حسن لم يستجب أو لم يستطع، خرجوا فوجدوا أن صديقتهم نوال الشيوعية السابقة، قد باعت الملهى وهاجرت إلى فرنسا تلحق حباً سابقاً لها، الكل – تقريباً – يخرجون من السجن أكثر صلابة ويقررون الالتحاق في أحزابهم ليستمروا بالنضال، الواقع أكثر سوءاً، والأسلمة المجتمعية تغزو الواقع، وبقايا الأجانب من أبناء الإسكندريه يستمرون بالهجرة، وبعضهم هاجر ويحن للإسكندرية يعود لزيارتها، كثير من الكباريهات والملاهي والحانات تغلق أو تباع، تأخذ الإسكندرية اتجاهاً اجتماعياً مختلفاً عن تاريخها المتنوع كبوابة للقادمين إليها وخاصة من وراء البحر، أوروبا وعبر مئات السنين، أما مآلات الطلاب المسيسين؛ بعضهم عاد للنضال ويارا تزوجت واختفت، ونادر عاش أزمة نفسية؛ خسر حبيبته ولم يستطع أن يراها، ويحاول أن يتجاوز ذلك، وكاريمان تحاول قتل زوج أمها ثم تحاول الانتحار برمي نفسها بالبحر، حيث يتم إنقاذها، وزوج أمها لا يموت، وتستمر الحياة في الإسكندرية التي مر عليها بشر كثيرون.
هنا تنتهي الرواية، في قراءتها نقول:
إن الرواية تكاد تكون تأريخاً ذاتياً للمؤلف، فهي تنصب على مرحلة الطلبة في سبعينيات القرن الماضي، وعلى الشيوعيين منهم، وتفاصيل حياتهم على كل المستويات، وهي لا تغطي الواقع الاجتماعي لكل الإسكندرية ككل وفئاتها الاجتماعية، رغم حشد المعلومات عن الإسكندرية في الوقت الحاضر وتاريخياً، ركّزت الرواية على حصول موجة الأسلمة كفر مجتمعي برعاية سلطة السادات وهذا صحيح، لكن الأسلمة كانت رداً اجتماعياً على فشل الأنظمة عبر ادعاءاتها العقائدية المختلفة، التي لم تستطع ان ترفع الظلم والتخلف والفساد عن المجتمع، ولم تصنع حياتهم الافضل، والأسلمة في ذلك الوقت لم تكن سلفية بقدر ما كانت احيائية، ترى بالدين الحل الاجتماعي والسياسي، الذي ستكون ذروته لاحقا، قتل السادات من قبل تنظيم الجهاد الإسلامي، بينما الرواية تعكس إسلاما سلفيا، حُكم بلحظة كتابة الرواية عام 2012،م، حيث الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين، عبر برعاية دولة الاستبداد الجديد الذي انقلب على ثورة الشعب المصري بعد انتصار ثورة 2011
أخيراً، ترقب الرواية لحظة مجتمعية مصرية، لكاتب عمل جاداً، ويعمل ليكون له سجله وقراءته للواقع المصري، عبر أعماله الروائية والقصصية المتنوعة، وهذا بحد ذاته عمل مهم ولازم.