fbpx

قراءة في رواية “أسفار الفراعين”

0 188
  • الكاتب: عز الدين شكري فشير
  • الناشر: دار الشروق
  • ط1 عام 1999، ط4 عام 2016 ورقية

عز الدين شكري فشير روائي مصري قرأنا أغلب رواياته، متميز، ومواكب للحالة السياسية والمجتمعية لمصر المعاصرة، يعتبر – برأيي – من أهم الروائيين العرب المعاصرين.

أسفار الفراعين، رواية تعتمد أسلوب الأصوات المتنوعة لشخصياتها، التي تتوالى تباعاً على التحدث وكأنها على منصة اعتراف، الزمان غير محدد، لكن الأحداث توحي أنه في المستقبل، المكان مصر مع تركيز على القاهرة، مصر التي دخلت في أوبئة طالت الهواء والماء، لكل إنسان فيه قناع خاص، وكمية مقننة من الماء لشرابه واستخداماته الأخرى، العفن وامتداد الماء الآسن يصل إلى كل شيء، هناك أماكن وصلت درجة إصابتها الى الأوبئة مثل الطاعون والكوليرا مرحلة اعتبارها مناطق منكوبة، متروكة للفناء هي وسكانها، وهذا ما حصل فعلاً في بعض أحياء القاهرة الفقيرة، الأشخاص المتناوبين على سرد ما يعيشونه متنوعين.

عبد العال، القادم من الصعيد الى القاهرة التي غادرها منذ الحرب الأخيرة قبل عشرات السنين، جاء بنقوده القليلة وأفكاره عن قاهرة مختلفة، أذهلته بتغييرها وتطورها، باحثاً عن أخيه، كان يعمل في قريته بالأرض ويعيش مع عائلة أخيه، الذي ذهب للحرب ولم يعد، القاهرة ابتلعته، لا مأوى له ولا مال لديه، ولا قدرة له للعودة إلى بلده في الصعيد، تحول لساكن للمترو يعيش به ويبيع الشاي والقهوة للركاب، اختصر حياته وانهاها في المترو، بعد أن أرضى كل المسؤولين عن وجوده عبر رشوة يومية يقدمها لهم.

فاطمة، الفتاة الفقيرة التي زوجها أهلها لكهل خليجي، خرجت من حياة أقرب للموت، عالجها الزوج من القصور الكلوي، الذي أصبح مرضاً منتشراً، وأصبح غسيل الكلي حاجة دائمة لأغلب الناس، من أمراض التلوث ونقص الماء والعفونة المستشرية، عالجها وأخذها إلى بلاده الصحراوية، لم يقربها رغم كونها زوجته، لكنها أصبحت ضحية لأولاده الثلاثة الذين استباحوها كل الوقت، حاولت الهرب أكثر من مرة ولم تفلح، لكنها ما زالت تحاول أن تخرج من جحيم حياة لا إنسانية.

رزق، الجندي المصري الذي ترك في صحراء سيناء، بين الحياة والموت، يعاني من العطش والجوع والشمس المحرقة، ينتظر أن يأتي زملاؤه لإنقاذه، لكن لا أمل، يعيش هلوسة ورؤى متنوعة عن إشباع الجوع وإرواء العطش، لكنها أوهام، يعثر عليه الجنود الإسرائيليين الذين أسروه ونقلوه إلى سجونهم.

حور، المومياء المصري الذي كان يعمل كاتبا عند الفرعون منذ آلاف السنين، يصحو على نفسه في المتحف الفرنسي، تعود إليه الحياة مجدداً، يقرر العودة إلى مصر وإلى فرعونه، هو العقل المفكر الراجح، كيف يستطيع الفرعون التصرف دون وجوده؟!، يحاول الهرب بمعاونة أحد الفرنسيين، والتعامل مع شبكة تهريب لعله يعود لمصر، لكنه يفشل ويقبض عليه البوليس الفرنسي ويعيده للمتحف الفرنسي، أنه ملك للدولة الفرنسية.

السفيرة الأمريكية، حاضرة دائماً في كل شؤون الحياة المصرية، ترسل بشكل دوري تقاريرها عمّا يحصل في مصر، عن العفن والأوبئة وتحركات الناس والفرعون وحاشيته، ترصد كل شيء وتنقل صورة لدولتها، تقدم اقتراحاتها، وتنتظر توجيهاتهم.

د. هاشم محي الدين، الموظف فوق العادة عند الفرعون(الحاكم)، تدرج بحياته إلى أن وصل درجة تتجاوز الوزير، حصل على درجة الدكتوراه، ومن بعدها انتظر عشرين عاما للتطور في السلم الوظيفي ليصل إلى درجة الوزير، وهناك بدأ يدخل في دائرة المحيطين بالفرعون، وشيئاً فشيئاً، أصبح يراه ويكلفه بمهام دائمة، يقضي أغلب وقته متنقلاً بين عواصم العالم، يتابع شؤون الفرعون، ولا ينسى متابعة مصالحه الخاصة.

الباحث، الذي يكلف بدراسة مشكلة التعفن وانتشاره، الأسباب وكيفية المعالجة، عمل أكثر من عشر سنوات، توصل للحلول الناجعة، حمل أبحاثه ليقدمها للمسؤولين، ضاع في متاهات البيروقراطية، وقت طويل أمضاه ليطلع على البحث مديره، ثم من هو اعلى، ثم ليصل إلى مستشار الفرعون، ثم الفرعون نفسه، في كل مرة يصل للمسؤول، ويضعه أمام حلوله الناجعة، ولا اي بوادر لتنفيذ توصياته، وحتى عندما وصلت للفرعون، كانت النتيجة نفسها، هل هناك قرار بعدم حل مشكلة التلوث والعفن في مصر؟!.

ناصر الروائي، الذي يتابع رصد ما يحصل في مصر، يعاني مما وصلت إليه الأمور، يكتب ويكتب، لكن لا معنى لكتابته، طالما لا تعني أي إمكانية لحل مشاكل التلوث والعفن التي أصبحت مزمنة ومتطورة متفاقمة، ناصر يرصد انعدام الحياة في مناطق واسعة من القاهرة وفناء كل سكانها، ويتابع واقع الأحياء الفقيرة التي تتكاثر جثث الموتى يوميا فيها، الجثث التي تزيد التلوث وتجعله مستمرا، الفقراء يأكلون جثث موتاهم، ليكونوا جثث بعد وقت قصير، التلوث يصل إلى الصعيد، وتصبح المشكلة على مستوى مصر كلها، ناصر يعيش حياة شقية بوعيه لما يحصل، يسترجع بشكل دائم صديقه فخر الدين الذي غادر مصر نهائيا إلى الغرب، وانقطعت أخباره، كان بينهم آمال مشتركة عن مصر مختلفة، متقدمة وسعيدة، يكتب لصديقه دائماً عن واقع مصر الكارثي، ولا رد.

سحر عيسى، الصحفية التي تتابع ما يحصل في مصر وتنشر في صحفها وفي الخارج، تتعرف على ناصر وتعيش معه علاقة مفتوحة، كل منهما يحتاج الاخر، ينشأ بينهما شبه حب، تتابع كل ما يحصل في مصر، مع عجز كامل عن فعل أي شيء.

أما الفرعون بدائرته الضيقة المغلقة، فهي تكاد تكون منعدمة الصلة بالواقع وما يحصل، وكأنه من عالم آخر، دون أي فعل جدي لمواجهته، لدرجة ندرك أنه هو من صنع هذا الواقع ويستفيد منه.

تنتهي الرواية ودائرة الحلقة المغلقة مستمرة، الواقع، مأساة مصر ومشكلة التلوث بها، الحياة تسوء والتطور نحو الاسوأ، تكرر المأساة كل الوقت.

في تحليل الرواية نقول: إننا أمام رواية تعتمد الأصوات المتنوعة من ابطالها، لتوصيل ذات الرسالة: مأساة مصر وحياتها المأزومة، التلوث الذي يعني كل أسباب الفساد والاستبداد والقهر والفقر والاستغلال والظلم، حيث وصل التلوث الى الماء والهواء، ولا كارثة أقسى من ذلك، البلاد الخراب، فناء البشر، والبشر الذين يأكلون جثث بعضهم، الغرب المراقب والمستفيد، الحاكم الصانع للحالة وحارسها، والمانع من معالجتها، والمستفيد الأكبر منها.

الرواية تدق ناقوس الخطر، بأن مصر على فوهة بركان وأن الثورة قادمة ولو بعد حين. وجاءت الثورة فعلاً.

مصر انتصرت إنسانيتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني