fbpx

قراءة في الأحداث الفلسطينية

0 649

في قراءة أولية لمجمل الأحداث التي انفجرت في الوطن المحتل فلسطين في الآونة الأخيرة مع الكيان الصهيوني الفاشي العنصري، كان في مقدمتها عملية طرد أهالي حي الشيخ جرّاح من منازلهم من قبل الشرطة الصهيونية في عملية ممنهجة لتفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين، واستمرار عملية التغيير الديموغرافي.
من أجل ذلك صدر قرار من المحكمة العليا للاحتلال الصهيوني بحق نحو ثمانية وثلاثين عائلة فلسطينية هاجرت منذ نكبة عام 1948م إلى مدينة القدس في حي الشيخ جرّاح الواقع شمال غرب بيت المقدس واستقرت هناك وسويت إقامتها في ذلك الحي بعقود بينها وبين الحكومة الأردنية آنذاك التي كانت تشرف على الضفة الغربية إدارياً، قبل فض عملية الارتباط القانوني بينها وبين فلسطين وأصبحت جزءاً من الأراضي الفلسطينية وساعدت بتكاليف إنشاء منازل لتلك العائلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) حيث حالت حرب عام 1967م التي شنها الكيان الصهيوني على الدول العربية واحتلال القدس دون تسجيل الملكية بأسماء هذه العائلات إلى الحين الذي أعلنت فيه لجنة من طائفة (يهود السفارديم) ولجنة من طائفة (يهود الأشكناز) أنهما كانتا تمتلكان هذه الأرض في عام 1885م التي أقيمت عليها تلك المنازل. على إثر ذلك قام السيد سليمان حجازي درويش في عام 1997م بجلب أوراق من تركيا تستند إلى الطابو العثماني وتؤكد ملكيته لهذه الأرض التي أقيمت عليها هذه المنازل. لكن المحكمة العليا الصهيونية ردت ذلك، ورفضته ولم تعترف بهذه الملكية. وهنا حصلت الشرارة الأولى لانتفاضة أهالي حي الشيخ جرّاح، فحصلت اشتباكات عنيفة بين الأهالي وشرطة الاحتلال الصهيوني على خلفية التهجير القسري للعائلات الفلسطينية من الحي المذكور وقد هاجم الشباب الفلسطيني شرطة الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة وتمكنوا من بث الرعب في صفوفهم ومنعوهم من التقدم إلى ذلك الحي المستهدف. ولعل الدافع الرئيس الذي أشعل غضب الشباب الفلسطينيين هو أن عضو الكنيست الصهيوني (ايتمار بن غفير) وهو من حزب (الصهيونية الدينية) كان قد نصب خيمة في حي الشيخ جراح وكتب عليها عبارة (مكتب عضو الكنيست ايتمار بن غفير) ما أثار غضبهم، فرموه بالحجارة والزجاجات الحارقة وحرقوا الإطارات وأشعلوا العديد من سيارات الشرطة تعبيراً عن غضبهم ورفضهم طريقة تعامل شرطة الاحتلال معهم، وضد عملية التهجير القسري للسكان من منازلهم. هذا وقد شهدت العديد من المدن الفلسطينية العربية تظاهرات ومواجهات داخل الخط الأخضر في حيفا ويافا واللد والرملة والجليل وعكا والناصرة وجميع مدن الضفة الغربية في القدس وبيت لحم وجنين ونابلس وأم الفحم وكان هناك تظاهرات في غزة في بداية الأحداث الا أن حركة حماس قمعتها لغاية في ذات يعقوب.
كما شهدت الحدود الفلسطينية مع لبنان والأردن تظاهرات نوعية ولأول مرة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني. وعمت معظم مدن العالم تظاهرات مؤيدة لانتفاضة الشعب الفلسطيني واستنكاراً للحرب الوحشية على غزة في العديد من المدن الأمريكية وبعضاً من المدن الأوربية وأستراليا وتركيا وإيران حيث قمع في بعضها المتظاهرين خشية تحميل دولها موقفاً معادياً للكيان الصهيوني.
ومن الطبيعي أن يهب كل أبناء الوطن الفلسطيني نصرة لإخوانهم في مناطق الصدامات الساخنة وهذا ما حصل بالفعل ولكن كانت هناك جملة من المحظورات في إطار هذه الهبات الشعبية السلمية ولعل أهمها هو عدم عسكرة الانتفاضة واستخدام السلاح المباشر ضد الشرطة وقطعان المستوطنين الصهاينة، وعدم إعطاء رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وعصاباته الذرائع المباشرة للتنكيل بالشعب الفلسطيني أمام الرأي العالمي. وهذا ما حصل في غزة فالرشقات الصاروخية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في غزة باتجاه العديد من المدن والمستوطنات والمطارات والمراكز الحيوية الواقعة تحت سيطرة الكيان الصهيوني حيث فقدت منظومة الدفاع الجوي الصهيوني (القبة الحديدية) وأساسها صواريخ الباتريوت مقدرتها وفعاليتها وأثبتت فشلها في التصدي لصواريخ المقاومة.
سلاح الصواريخ الفلسطينية المستخدمة في هذه المعركة على الرغم من ضعفه وعدم دقته في إصابة أهدافه، إلا أنه أظهر فعالية لا يستهان بها، لكن ذلك لم يكن له أي مبرر في عملية تحويل المعركة إلى معركة عسكرية، محكومة بقوانين العسكر والسلاح/ وإلغاء أي دور أو رهان على دور الشعب الفلسطيني في أن يفرض شروطه على أرض الواقع.
هذا التحول إنما جاء مقصوداً، بحيث لا يصادر أحد دور المقاومة في عملية المواجهة مع الكيان الصهيوني، وهذا عبث سياسي يحتل أوهام العديدين ممن أرادوا أن يبقوا أمراء الحرب والسلام وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً، وبكل المقاييس الوطنية لأن ذلك، وكما تمت الإشارة إليه، أعطى الكيان الصهيوني فرصة للخروج من ورطته في انعدام سيطرته على الأمور الداخلية والخارجية، وجاءت تلك المعركة لتخرجه من أزمته التي من المفترض أن تتوسع وتزداد.
إن الحرب الأخيرة التي افتعلتها حماس ومشتقاتها أثبتت حقيقة مهمة، أن هذه الحركة لا تعمل لمصلحة فلسطين، والشعب الفلسطيني وإنما تعمل لمصلحة الدين والمقدسات، ونحن كشعب فلسطيني من هذه التوجهات براء، فالقدس ليست أقدس من حيفا ويافا والناصرة والعكس صحيح فكلهم سواء، فلماذا هذه النظرة العنصرية الجغرافية في النضال من أجل التحرير؟ ولماذا تلبسون كل حرب تصطنعوها ثوب الدين والقدسية الإلهية، وهي من هذا براء براءة الذئب من دم يوسف أم إن هناك محاولات هدفها السيطرة والهيمنة باسم الدين على مقدرات الشعب الفلسطيني وإلغاء أي دور للعقل الفلسطيني المبدع في التحليل والتفكير، ولأجل عدم محاسبتكم على ما تقترفه أيديكم من خطايا وأخطاء باسم الشعب الفلسطيني حتى تصلوا إلى مبتغاكم في السيطرة والهيمنة والاستبداد وهذا ما أثبتته نواياكم من تقاسمكم الوظيفي والنفعي والأدائي لكعكة الانتخابات الفلسطينية التي كان إجراؤها مزمعاً خلال الفترة السابقة مع جميع الأطراف.
فالحرب الأخيرة كسابقتها كانت خسارة فادحة لشعبنا الفلسطيني عموماً وأهلنا في غزة الأبية خصوصاً، ولن ندخل هنا في لغة الأرقام الخيالية التي خسرنا فيها الحرب بعد تحويلها من هبّات شعبية في جميع المدن والقرى على امتداد الوطن، إلى حرب تخضع لموازين الخسارة والربح نتيجة لموازين القوى العسكرية بيننا وبين عدونا الفاشي العنصري الذي مكناه من تنفيذ رغباته الدموية في التنكيل وسحق أبناء شعبنا خلال هذه الحرب، واعتقال آلاف الشباب الفلسطيني على امتداد الوطن، وأنقذنا رئيس وزرائه المتعثر في تشكيل حكومة على امتداد السنتين السابقتين من الوصول لهدفه المحدد من مطلق أسفنا على كل قطرة دم هدرت نتيجة عبثية وعدمية هدفها. الأساس هو السلطة والتسلط والهيمنة فهذا التاريخ الاستبدادي ولى زمانه، ولن نعود إلى الوراء مهما قدمتم من حسن النوايا والأدلة دون إسقاطها على مواقع البحث والتحليل العقلاني وليس في صور استعراض العضلات والتحدي في شوارع غزة، فقد انطوى زمن الوصاية على العقول وآن الأوان كي نتحرر من كذبكم ونفاقكم وتخوينكم لكل من يعارض طرق تفكيركم وتوجهاتكم المكشوفة للقاصي والداني. مع الأخذ بعين الاحترام جليل الحب والتقدير والعرفان بالجميل لكل الأبطال الذين حملوا الراية معكم ولكنهم لا يعرفون نواياكم وتوجهاتكم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني