قراءة فيما وراء كلمة بدر جاموس أمام مجلس الأمن الدولي
ألقى الدكتور بدر جاموس عضو الهيئة السياسية في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ومسؤول العلاقات الخارجية في هيئة المفاوضات السورية كلمةً أمام مجلس الأمن، تضمّنت إثارة مسائل هامة تتعلق بتنفيذ القرار الدولي 2254، هذا القرار لا يزال في مربعه الأول، حيث يتهرّب النظام الأسدي من تنفيذه، ما يبقي الصراع في سوريا ساخناً وقابلاً لمزيد من الدمار والقتل وتهديد السلم في المحيط الإقليمي.
جاء في كلمة بدر جاموس: الإشارة إلى استمرار القمع والبطش من قبل النظام الأسدي، عبر استخدامه لجميع أنواع الأسلحة الموجودة لديه، والإشارة إلى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لا يزال النظام يرتكبها بصورة وحشية، إضافة إلى إثارة موضوع الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري حيث أدّت إلى اعتقال واختفاء مئات الآلاف من المدنيين السوريين “أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً”.
كلمة بدر جاموس تضمنت مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على النظام الأسدي للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياَ، وبيّنت أهمية تشكيل محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
الكلمة ذهبت إلى أكثر من ذلك، إذ جاء فيها أن إطلاق سراح كل المعتقلين في معتقلات وسجون وأفرع مخابرات نظام الأسد يجب أن تسبق أي حلٍ سياسي للصراع في سوريا بين الشعب السوري الثائر من أجل حقوقه وحرياته وكرامته وبين نظام الأسد الذي يرقى لأن يكون نظام إبادة بشرية.
إن كلمة بدر جاموس أمام مجلس الأمن عكست ميزان القوى القائم في هذه الفترة، فهي لم تطرح أهدافاً غير قابلة للتنفيذ في ظل الوضع الداخلي المرتبط بشرطيه الإقليمي والدولي، بل أضاءت الوضع الحقيقي لصيرورة الصراع بين الثورة السورية والنظام الأسدي، هذا الوضع يتسم بجمود عسكري وسياسي، إذ لم يعد الصراع في سوريا بين الثورة من جهة والنظام الأسدي من جهة أخرى، بل أن هذا الصراع ارتبط بأجندات القوى الإقليمية والدولية المنخرطة فيه، ولهذا لم يعد صراعاً سورياً – سورياً محضاً، إنما تداخل البعد الداخلي لهذا الصراع مع بعديه الإقليمي والدولي.
إن الإضاءة التي وردت في كلمة بدر جاموس أمام مجلس الأمن، اتسمت بتحديد واقع الحال القائم حالياً في سوريا، مبيّنة أن زوال الأوضاع المأساوية في هذا البلد ترتبط كل الارتباط بترحيل النظام الأسدي وتنفيذ القرار الدولي 2254 وبيان جنيف والقرار 2118.
إن إشارة بدر جاموس في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي تشير إلى تطلّع الشعب السوري على أهمية أن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل محكمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خاصة بسوريا، يعني أن أي حلٍ سياسي لن يمرّ بشكل طبيعي ومرضيٍ عنه على مستوى الشعب في سوريا دون عدالة انتقالية حقيقية، هذه العدالة الانتقالية تحتاج بالضرورة أن تنعقد من أجلها هذه المحكمة الدولية المطلوبة.
إن محاولات القفز فوق الواقع، الذي أنتجته سياسات النظام الأسدي الوحشية، ودفع ثمنه السوريون ضحايا بعددٍ هائل ودمار كبير، وانتهاكٍ لكل الأعراف والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الانسان، إنما هو قفز في فراغ مرعب، حيث تبقى الجروح النازفة مفتوحة، وتبقى الحقوق منتهكة، وهذا ما يجعل من أي حلٍ سياسي لا يتسم بالعدالة الانتقالية حلاً معلّقاَ في الفراغ.
لهذا تبدو وفق هذه الرؤية أطروحة السيد “غير بدرسون” المعنونة بـ “خطوة مقابل خطوة” أطروحةً تزيد من استمرار عوامل الصراع بين الشعب السوري ونظام حاكم تصرّف كعدو وطني، وهذا يعني أن الحل المنشود لدى بدرسون سيكون ببساطة حلاّ على صورة مفخخةٍ قابلة للانفجار العظيم في أية لحظة.
لذلك يمكن اعتبار دعوة بدر جاموس في كلمته أمام مجلس الأمن والخاصة بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية هي دعوة تقطع الطريق على مشروع بدرسون الذي يساوي بين الضحية وجلادها.
لكن بدر جاموس، لم يبلغ في كلمته مجلس الأمن الدولي، أن غياب الإرادة لدى هذا المجلس، حول تنفيذ قراراته الخاصة بالصراع السوري، إنما سيدفع قوى الشعب السوري إلى ابتكار أدوات صراع جديدة مع النظام، من أجل إنجاز مرحلة الانتقال السياسي في البلاد، هذه المرحلة، قد تشكّل بوابة عبور السوريين للالتحاق بالعالم على المستويات الإنسانية والعلمية والاقتصادية كافة، وبناء السلام.
إن تركيز كلمة جاموس على أولويات تنفيذ القرارات الدولية هي لتحميل المجتمع الدولي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الصعبة التي يعيش في ظلها السوريون ضمن مناطق سيطرة نظام أسد، أو ضمن مناطق النزوح، التي لا يشرف عليها هذا النظام، أو أوضاع اللاجئين السوريين السيئة في دول الجوار.
إن المطلوب من قوى الثورة والمعارضة تحويل محتوى ما جاء في هذه الكلمة إلى برنامج عمل سياسي وثوري ملموسين، عبر المثابرة على شرح ذلك للدول ذات التأثير الكبير على الوضع السوري، والدفع بهذه المطالب إلى مستوى فاعل يؤدي إلى حصاد مثمر.
فهل تعمّق مؤسسات قوى الثورة والمعارضة هذه المطالب، وتلجأ إلى توطيدها كبرنامج عمل ثوري، يحتاج بالضرورة إلى بناء علاقة عميقة بين هذه المؤسسات وحاضنتيها الشعبية والثورية؟.