قبيلة البكارة في سورية.. وزنها الوطني ومراحل كفاحها في الثورة السورية
أثار انتباهي حديث مرئي للصديق الدكتور كمال لبواني، عرض فيه معلومات وردته عن شخصيات تنتمي لقبيلة البكارة في سورية، وهي شخصيات تنضوي الآن في تشكيل عسكري اتحد في شهر شباط من العام 2022، تحت مسمى حركة التحرير والبناء.
لم يستعرض الدكتور لبواني تاريخ قبيلة البكارة المعاصر، هذه القبيلة المنتشرة في محافظات سورية عدة منها دير الزور والرقة وحلب وحمص وإدلب والحسكة، فهذه القبيلة يشهد لها تاريخ سورية في مرحلة الاستعمار الفرنسي بأنها قاومت الاحتلال الفرنسي للبلاد، كما تشهد لها مرحلة الثورة السورية بوقوف غالبية أبنائها ضدّ الاستبداد السياسي، وانحيازهم إلى باقي مكونات الشعب السوري، من أجل بناء دولة المواطنة والحريات.
بدأ الدكتور لبواني حديثه عن القبيلة من خلال دعوة إلى وليمة دعا إليها أبو أحمد زكريا، وهو الذي انشقّ عن هيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، وبرأي لبواني تأتي هذه الوليمة من أجل ما سماه “تضبيط وضع أبو أحمد في قبيلته”.
حديث اللبواني عن هذه الوليمة يقود من يستمع إلى هذا الحديث إلى أن قبيلة البكارة بوجوهها العشائرية الوطنية كأنها حاضنة لرموز تنتمي لمنظمة القاعدة، وهذا غير صحيح، ويكشف عن جهل عميق بقبيلة البكارة ذات الكفاح الوطني والإنساني طوال عهودها.
حديث الدكتور لبواني غفل عن طبيعة كيفية تشكّل الفصائل العسكرية في الثورة السورية، فهذه التشكيلات ولدت في قرى وبلدات سورية، ولم تتشكل في مراكز مدنها الكبرى، ومادام الأمر بهذا الوضوح، سيكون من الطبيعي أن غالبية التشكيلات العسكرية للثورة ستتكون من أفرادٍ ينتمون إلى العشيرة الواحدة، أو إلى القبيلة التي تتشكل من عدد من العشائر ذات القربى والانتماء إلى جدٍ كبير.
إن المعلومات التي قرأها اللبواني في حديثه المرئي عن الشخصيات المنتمية للفصائل المنحدرة من المنطقة الشرقية في سورية، (والمنتمية للجيش الوطني السوري التابع للحكومة المؤقتة)، تكشف عن غايات رخيصة لهذه المصادر، وكان من الأجدر بصديقي الدكتور اللبواني أن يسأل أصدقاء عديدين له ينتمون إلى المنطقة الشرقية، ويعرفون المكونات العشائرية فيها. يسألهم عن تاريخ قبيلة البكارة العربية، والتي يقدر تعداد أفرادها في سورية أكثر من مليون ومئتي ألف، وفي العراق أكثر من هذا العدد بكثير، وهذه أرقام أوردها موقع الويكيبيديا الإلكتروني على محرك بحث غوغل.
إن لصق التهم بأشخاص لا نحبهم لنجاحهم في مشاريعهم وأعمالهم، وفشلنا نحن في أعمالنا ومشاريعنا هي عملية سهلة، لا تكلّف أكثر من شائعات، ومن تزييف أحداثٍ، ومن تضليل إعلامي لا يخدم الثورة السورية، والتي يعتقد من يشيع مثل هذه الأكاذيب أنه ينتصر، في وقتٍ، لا يدرك فيه أنها مجرد شائعات لا ترتكز على حقائق.
حديث لبواني المرئي أثار انتباهي كشخصٍ ينتمي إلى المنطقة الشرقية من سورية، حين قال بالحرف الواحد: “الصراع في دير الزور هناك شيء محضّر لقبيلة البكارة داخل المحرّر وداخل شرق الفرات”.
فإذا أردنا الحديث عن البكارة في المحرر، فهم نازحون في الشمال السوري (مثلهم مثل باقي السوريين ممن نزحوا نتيجة حرب النظام على قراهم ومدنهم)، ونتيجة رفضهم ومقاومتهم للنظام الأسدي وللميليشيات الشيعية الإيرانية.
وإذا أردنا الحديث عن قبيلة البكارة في مناطقهم الأصلية، فهذا يأخذنا إلى سياسة الميليشيات الانفصالية التي تنتمي إلى حزبي PYD/PKK، فمحاولة هذه الميليشيات تغيير البنية الديمغرافية في وادي الفرات سترتد عليهم مقاومة شديدة، سيما وأن عشائر العكيدات انتفضت ضد سياسة هذه الميليشيات وتقاتل الآن من أجل طردها من وادي الفرات، حيث تقوم بنهب ثروات المنطقة من البترول والغاز، وتوظيف هذا النهب من أجل مشروعها في فرض أجندتها العابرة للوطنية السورية.
إن الحديث المرئي للصديق الدكتور كمال لبواني لا يستند إلى وثائق حقيقية، وإنما يستند إلى معلومات أقل ما يمكن القول عنها أنها كيدية، لا تسيئ للفصائل العسكرية المنحدرة من عشائر المنطقة الشرقية فحسب، بل تسيئ إلى أكبر قبيلة سورية لها تاريخها الكفاحي في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
وإن القول إن هناك ما يحضّر لقبيلة البكارة في مناطق المحرر وفي مناطق شرق سورية هو قول لا ينم عن تحذير إيجابي، فإذا كان الدكتور اللبواني يملك معلومات من مصادر موثوقة عن مخططات تستهدف قبيلة البكارة، فواجبه الوطني الإعلان عن هذه المخططات، وبيان مصادرها وما سيحدث من مخاطر ستضرّ ليس البكارة فحسب بل الشعب السوري، وهذا سيخدم في النهاية أعداء الثورة السورية.
أتمنى على صديقي الدكتور كمال اللبواني، وهو المعروف عنه حرصه الثوري على ثورة شعبنا السوري العظيم، التعامل مع مصادر المعلومات بموضوعية وتدقيق حقيقيين، وإن محاسبة أيّ مخطئٍ من أي مكون كان، أو من أي فصيل كان، هو أمر يجب أن يتسم بادعاءٍ ملموس، له أركانه الملموسة، وأن يقدّم هذا الادعاء للقضاء، سواء في هذه المرحلة، أو في مراحل أخرى قادمة مع انتقال البلاد سياسياً.
ننتظر من الدكتور لبواني أن يعلن ما الذي يتمّ تحضيره لقبيلة البكارة في مناطق الشمال المحرر أو في مناطق شرقي سورية.