قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 4 لعام 2019.. مكاسب وخسائر المرأة
صدر القانون رقم 4 الخاص بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر في عام 1953، هذه التعديلات، هل كانت تعبر عن مكاسب جديدة للمرأة على صعيد حقوقها؟ أم كان هناك تغييرات في نصوص قوانين القانون السابق أدت إلى مكاسب وخسائر يمكن تتبعها في هذا المقال.
الكل يعرف أن قانون الأحوال الشخصية يختص بالمرأة والرجل على مستوى فردي أو على مستوى تكوين الأسرة، وهو أحد أهم المجالات التشريعية المنظمة للحياة الاجتماعية، فلا أحد ينكر تأثير هذا القانون على مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع من جهة ومكانتها كفرد اجتماعي مثل نظيرها الرجل، وهو من أكثر القوانين حساسية، لكونه ينظم الأمور التي تتعلق بالحياة العامة والشؤون الشخصية للأفراد.
ولكن هل أنصف قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 4 الصادر في شباط عام 2019 المرأة؟ وهل اقتربت بحقوقها القانونية من الحقوق التي يحوزها الرجل في قانون الأحوال الشخصية السوري؟
الجواب هو حصول المرأة على مكاسب صغيرة، في وقت كان من الضروري مع تطور البنى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد أن تحصل المرأة على حقوق واسعة في هذا القانون بسبب انخراطها الواسع في سوق العمل والإنتاج بكل مناحيه، ولكن هناك من لا يريد أن تصبح المرأة شريكاً كاملاً للرجل في الحقوق والواجبات انطلاقاً من تفسيرات ذات مرجعية دينية خاطئة.
إذاً يمكننا القول إن القانون رقم 4 المذكور لم ينصف المرأة بصورة تتقدم على صيغة قانون الأحوال الشخصية لعام 1953، ولا يمكن الحديث عن مساواة بينها وبين الرجل، فلا تزال الهوة في حقوق الطرفين واسعة وراجحة لصالح الرجل، بينما بقيت حقوق المرأة كحصيلة عامة أقل مما كان يتوقع لها أن تزداد، وهنا يمكن الاعتراف أن حقوقها القانونية لا تزال بعيدة بمسافات عن حقوق المرأة وفق لوائح القانون الدولي.
صدور القانون 4 الخاص بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية في عام 2019، الذي وقعه رئيس النظام السوري شمل تعديلات كانت نسبتها 23% من مواد قانون الأحوال الشخصية الأساسي لعام 1953.
هذه التعديلات أقرت الكثير من الأمور المتعلقة بالمرأة في وضعها كأم أو كزوجة، وذلك في إطار محاولة تحسين وضعها. لكن الحقيقة غير ما قيل عن مكاسب المرأة من هذه التعديلات إذ واجهت هذه التعديلات انتقادات واسعة، منها أنها لم تكن كافية لجعله قانوناً يتماشى مع عصرنا الحالي، ويلبي حاجات المجتمع.
وأبرز هذه الانتقادات الموجهة للقانون أنه أجحف بحق المرأة والأطفال بما يتعلق بموضوع الأهلية للزواج، وموضوع الطلاق، وحضانة الأولاد، والنفقة، والوصاية والإرث.
المادة (18) من قانون الأحوال الشخصية كانت مادة يطالب المجتمع السوري بإلغائها، والتي تنص على أنه (إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال سن 15 أو إذا ادعت الفتاة ذلك بعد سن 13 وطلبا الزواج فيأذن لهما القاضي بعد التحقق من صحة ادعائهما وقدرتهما الجسدية على الزواج، ويشترط في ذلك موافقة الوالدين أو الجدين في حال كانا موجودين.
هذه المادة تبيح زواج الشبان في عمر مبكر، الأمر الذي يرتب على المجتمع وعلى الزوجين الشابين مسؤوليات تنعكس على صورة سلبيات اجتماعية منها يعني الحرمان من فرص التعليم، وتحمل بناء أسرة في ظل انعدام الخبرة نتيجة عدم النضج البدني والعقلي والنفسي لهما.
كما تؤدي إلى ازدياد حالات الطلاق بسبب هروب الشبان القاصرين من الزواج، نتيجة ما يرتبه من أعباء أسرية واستسهال الطلاق لعدم استيعاب حالاته.
الأمر ذاته ينطبق على الفتيات القاصرات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة، ما يجعلهن في مواجهة أزمات نفسية تتعلق بصعوبة التواصل مع الزوج، والحياة الزوجية.
في دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن الفتيات عندما يتزوجن في سنٍ صغيرةٍ، فإنهن يتعرضن أكثر من غيرهن للعنف من الشريك، وإساءة المعاملة، وأيضاً فإن هذا الزواج المبكر يُعد انتهاكاً لحقوقهن، كونه يسبب خسارتهن لفرص التعليم وللإشباع النفسي من عمر فتوتهن، فيخسرن بذلك اكتساب العلوم والمعرفة والمهارات المهنية والحياتية.
أما التعديل في محتوى المادة 21 الفقرة الثانية منه، فقد جاءت بصورة ضعيفة حيث نصت على (إذا زوج الولي الفتاة بغير إذنها، ثم علمت بذلك، كان عقد الزواج موقوفاً على إجازتها لهذا الزواج صراحة).
هذه الصيغة القانونية للمادة المذكورة، تدل على تردد المشرع في منح الفتاة حقها في الزواج ممن تريد، ولم يُشر المشرع إلى حصر هذا الحق بالفتاة، لذلك يعتبر هذا التعديل ضعيفاً ولا يخدم المرأة في اختيار شريك حياتها. وتحديداً في حالة امتناع المرأة عن التعبير عن رأيها والتزامها الصمت في مواجهة إرادة والدها.
وأيضا أظهرت الفقرة الثانية من المادة 23: إن المرأة وفق قانون الأحوال الشخصية السوري لاتزال أدنى مرتبة حقوقية من الرجل، حيث نصت المادة “إذا لم يكن عصبة تنتقل ولاية الزواج للأم إذا توافرت فيها شروط الولاية، وبشرط الكفاءة ومهر المثل”.
هذا التمييز بين دور الرجل ودور أم الفتاة المعنية بعقد الزواج هو دليل على التمييز الجنسي في كفاءة الولاية، إذ أن هذه الولاية لا تنتقل الى الأم إلا إذا لم يوجد عصبة، والعصبة هي الأب أو من ينوب عنه.
لذلك يجب أن نقول: إن زواج الفتاة يجب أن يخضع لإرادتها الصريحة والواضحة، حتى لا يتحول إلى تعبير عن الاستبداد والظلم الواقع عليها
ونستطيع أن نقول إن المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية بعد تعديلها لم تحقق الانصاف للمرأة، لأن هذه المرأة تجد نفسها في حالة صراع بين رأيها وحقها، وبين رأي والدها وقراره في تزويجها دون الرجوع إليها، أو استئذانها، وفي هذه الحالة يكون عقد الزواج فاسداً.
أيضاً التعديلات الجديدة على هذا القانون لم تتطرق إلى الاعتراف بحقوق المرأة العاملة التي تتطلب تعديلات جوهرية في قوانين الإرث وفي حالة الطلاق.
إلا أنه مع وجود تلك الانتقادات ثمة إيجابيات جاءت بها التعديلات الجديدة على قانون الأحوال الشخصية،
ونرى ذلك فيما يتعلق بقيمة المهر وقت عقد الزواج، حيث أصبحت قيمة المهر تقاس وفق القوة الشرائية للمهر في حينه، وليس وفق القيمة الاسمية للمهر.
حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 54 “عند استيفاء المهر كلاً أو بعضاً، تكون العبرة للقوة الشرائية وقت عقد الزواج، على ألا يتجاوز مهر المثل يوم الاستحقاق، مالم يكن هناك شرط أو عرف خلاف ذلك”.
أيضاً المشرع أكد على وجوب حماية المرأة التي أبرأت زوجها من مهرها ثم طلقها تعسفياً، إذ منحها التعديل القانوني الجديد حق الرجوع عن هذا الإبراء، إذا كانت غايتها من إبراء الزوج هو تحقيق الاستقرار الأسري، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 57 “يحق للزوجة أن تعود عن إبرائها وتستحق مهرها إذا طلقها زوجها طلاقا تعسفياً”.
أيضاً المشرع حمى المرأة التي تعمل خارج بيتها، وفرض على الزوج أن ينفق عليها حتى في حالة عدم رضاه عن عملها، بشرط أن يكون عقد الزواج منصوص به على شرط عمل المرأة
أيضاً المادة 87 أنصفت المرأة ليما يتعلق بموضوع الانفاق من مالها على عيالها، فإذا كان الإنفاق بدون توثيق أعطى القانون للمرأة الحق في استرجاع ما أنفقته، رجوعاً لمدة عامين. وكان القانون قبل التعديل يسمح لها باسترجاع ما أنفقته رجوعا لمدة 4 أشهر فقط.
وأيضاً من الإيجابيات التي نص عليها هذا التعديل فيما يتعلق بالوصية الواجبة، إذ وسع المشرع حق الاستفادة من هذه الوصية، لتشمل بنات الابن، بعد أن كانت تقتصر على أولاد الابن وذلك في المادة 257
وعلى الرغم من هذه التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، إلا أن المرأة السورية لاتزال بمنأى عن نيل حقوقها كاملة، لذلك يجب اعتماد آليات قانونية ومؤسسية لمكافحة كل اشكال التمييز القانوني ضد المرأة، وتعديل القانون بما يتناسب مع العصر الراهن.
إن تعديل أي قانون غايته الوصول إلى تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وإنجاز مبتغاها المثالي لكن في ظل بيئة صحية صالخة لتحقيق العدالة الاجتماعية والارتقاء بالفرد والمجتمع، وكلنا يعلم أن النظام في سوريا لا تعنيه مصطلحات تحقيق العدالة وهو الذي دمر مفهوم العدالة تدميرا شهده العالم بأسره، وأخيرا نؤكد أن سياسة الاستبداد تفترض سن قوانين لمصلخة السلطة، وليس لمصلحة الشعب، هكذا تعديلات هي فقط شكلية لإيهام المجتمع الوطني او الدولي بأن النظام حريص على المرأة والطفل بينما السجون وأماكن الاعتقال تحكي قصص أخرى عن انتهاكات الحقوق الإنسانية للقاصرين والقاصرات وللنساء وجميع أفراد المجتمع والبيوت المهدمة وأنقاضها تبوح بقسوة الجرائم التي انتهكت الحقوق .