fbpx

قائد قسد.. وآخر مستجدّات العلاقات مع تركيا

0 107

شيطنة النظام التركي كانت الفكرة المحورية في ثقافة ووعي أتباع وقادة الكردستانية التركية وطوابيرها السورية في حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشيات قسد و”تحالف القوى الديمقراطية” في مسد، وكان يكفي أن تسمع رأي هذا “المناضل الديمقراطي” من تركيا لكي تعرف هواه السياسي!!

بعد مضي حوالي نصف قرن من تورّط حزب العمال الكردستاني التركي، وأكثر من 12 عامًا من حروب تابعه قسد في أعمال عدائية ضدّ تركيا، خدمة لأجندات القوى الدولية والإقليمية التي سعت لتفكيك هذه الدولة الإقليمية الكبرى، وما نتج عنها من ضحايا بشرية وخسائر مادية مدمّرة لجميع شعوب المنطقة، وفي مقدمتهم الكرد، وبعد ما حصل من تغيير في أجندات وتحالفات القوى الدولية تجاه تركيا، يضطر قادة تلك المجموعات الإرهابية إلى الاعتراف بالحقائق، دون أن يمتلكوا شجاعة وثقافة الاعتذار من ضحايا أجنداتهم السياسية وممارسات حروبهم العسكرية، وقد كان الكرد الخاسر الأكبر…

أولًا: في نداء تاريخي في 25 فبراير 2025، تحت عنوان “دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي”، وفي سياق جهود تركية متواصلة طيلة عقود لإنهاء الصراع المسلح،

دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، حزبه وجميع المجموعات المسلحة المرتبطة، إلى التخلي عن السلاح وحل نفسها، ورفض جميع أشكال مشاريع التقسيم التي طرحها الحزب سابقًا تحت عنوان “اللامركزية” أو “الإدارة الذاتية” أو “الفيدرالية”، مع تحمّله “المسؤولية التاريخية” إزاء ذلك:

“على مدى أكثر من ألف عام، سعى الأتراك والأكراد إلى الحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة لهم.

لكن الحداثة الرأسمالية، على مدار المائتي عام الماضية، جعلت هدفها الأساسي هو تفكيك هذا التحالف”…

في حيثيات وعوامل سياق الصراعات الدولية للسيطرة على الإقليم التي وُلد الحزب في خضمها، وكانت تستهدف تفكيك عرى التحالف بين الكرد والأتراك، يوضح قائلًا:

“وُلد حزب العمال الكردستاني في القرن العشرين، الذي كان أكثر العصور عنفًا في التاريخ، في ظل حربين عالميتين، والاشتراكية الواقعية، وأجواء الحرب الباردة التي شهدها العالم…”

وحول الدافع الرئيسي لإنهاء دور “الكردستانية” التركية، يقول: “واليوم، أصبح من الضروري إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشّة للغاية، بروح الأخوّة، مع مراعاة المعتقدات أيضًا”. وإذ لا يمكن “إنكار الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي”، فإنّ “الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع.”

ثانيًا: الفكرة الأساسية في لقاء مظلوم عبدي على قناة شمس، الجمعة 30 أيار، هي ما يحصل من تغيير نوعي في رؤية قائد قسد العدائية ضد تركيا، وحرصه الشديد على اللقاء والتنسيق!

في إجابته على سؤال:

“كيف تنظرون إلى الدور التركي وأنتم عانيتم من الدور التركي…. بعد هذه التغيّرات وحل حزب العمال الكردستاني والتخلّي عن العمل المسلح…؟

“… كان لتركيا دور أساسي في الحرب المفروضة على هذه المنطقة. وقد احتلت “عفرين”… وخضنا حروبًا طويلة مع بعض… خلال العشرة سنوات… لكننا حاليًا، لدينا وقف إطلاق نار مع تركيا، مؤقتة ومشروطة.. ونأمل أن تتحوّل هذه الهدنة… إلى هدنة دائمة ونعمل على ذلك… لدينا علاقات وقنوات اتصال مباشرة مع تركيا، وعبر الوسطاء، ونأمل أن تتطوّر هذه العلاقات..

“بشو مشروطة؟” هناك ملفات أمنية تطالب تركيا بحلها، ونعمل حاليًا على ذلك، ملفات تتعلّق بنقاط التماس وخطوط الاشتباك وملفات أخرى.

كذلك تركيا تركز على دمج قوات قسد مع الجيش السوري…”

هل يوجد خطط للقاء أردوغان؟

“لا يوجد برنامج!”

عندك مانع؟

“لا.. نحن لسنا في حالة حرب مع تركيا؟ ومستقبلًا، يمكن أن تتطوّر العلاقات فيما بيننا!

نحن نقول نحن مفتوحين على ذلك.”

يعني ما في مانع أنه اليوم ومستقبلًا؟

“لا في مانع، لا”.

ثالثًا: مما لا شك فيه أن تراجع مظلوم عبدي وتحطّم أحلامه لا يعود لحسن نية، أو “صحوة ضمير”، بقدر ما هو نتيجة لإدراكه طبيعة التغيّرات النوعية التي حصلت في أعقاب هجوم رد العدوان، 27 نوفمبر، على جميع الصعد السورية والإقليمية والأمريكية، وتضمّنت إسقاط سلطة الأسد – العمود الفقري لمشروع التقسيم – وشبكة السيطرة التشاركية الإيرانية – قاعدته – ورفع مظلّة حمايته الأمريكية، وهي التي تؤدي في المحصلة إلى خسارة حوامل مشروع التقسيم القسدي، وتفشّل جهود قيادته لتعميم النموذج في الساحل السوري والسويداء…

التساؤل الرئيسي الذي يطرح نفسه على وعي وسلوك نخب المعارضات اليسارية التقليدية التي ارتبطت بمشروع قسد، وراهنت على نجاح مشروع نقل نموذجه إلى الساحل السوري:

هل نستخلص الدروس الواقعية؟

ليس المطلوب أن نتحوّل إلى طوابير سياسية أو ثقافية لهذه السلطة أو غيرها، بل أن نعطي خطابنا السياسي النقدي ومواقفنا مصداقية وطنية وديمقراطية، عبر وضع ثقافة النقد البنّاء على أرضية وعي سياسي وطني يرتكز على أبرز حقائق الصراع على سوريا، كنظام وكيان جيوسياسي، والتي يأتي في مقدمتها أنّ العملية السياسية الانتقالية الجارية هي الخيار الوحيد الواقعي لبناء مستقبل سوريا، الدولة الموحدة، وأنّه من مصلحتنا وواجبنا أن ننخرط بشكل إيجابي وفعّال في صناعة ثقافة ووعي ومسارات صيرورته خيارًا وطنيًا، تشاركيًا، مؤسساتيًا، يضمن حقوق جميع السوريين على قاعدة المواطنة المتساوية والقانون العادل.

في إدراكها لأبرز حقائق الصراع على سوريا، تأتي أيضًا أهمية أن تُعيد النخب السياسية والثقافية الديمقراطية السورية التي ارتبطت بشكل ما بمشروع قسد وواجهته السياسية “مسد”، النظر بواقعية في رهاناتها وثقافتها السياسية، وتكشف للرأي العام خاصة حقيقة الأطروحات التي استخدمتها “مسد” للتغطية على وقائع وحقائق مشروع التقسيم الذي عملت عليه قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) منذ مطلع 2012، في إطار سياسات السلطة الأسدية الإيرانية لمواجهة حراك السوريين السلمي الثوري، ودق إسفين في العلاقات الكردية – العربية، وتهديد الأمن القومي التركي… وتحوّلت ميليشياتها الأسدية بعد 2015 إلى جيش “قوات سوريا الديمقراطية” في تكامل مع سياسات الولايات المتحدة لاقتطاع جزء من الجغرافيا والشعب السوري لصالح مشروع تأسيس قاعدة ارتكاز وتحكّم عسكرية استراتيجية دائمة للجيش الأمريكي، وميليشيات الحرس الثوري الإيراني.

في نفس الإطار، وفي ضوء وقائع تراجع قيادات قسد ذاتها في مواجهة حقائق تقاطع المصالح والسياسات التركية والسورية الجديدة، عن مشروعها ومنظومة ثقافتها السياسية، من الموضوعية الاعتراف بأنّ أطروحة “اللامركزية السياسية” لم تكن في ثقافة مسد منذ 2015، سوى غطاء لمشروع التقسيم الذي تنهار أسسه اليوم، كما أتى طرحها لأفكار دعايات حماية حقوق المكوّنات والأقليات… في محاولة قيادة قسد لتعميم نموذج مشروعها الانفصالي إلى باقي مناطق سوريا، خاصة في الساحل السوري والسويداء، في مسعى للحفاظ على امتيازات السلاح والسلطة في الإقليم.

فهل يرتقي وعي النخب السياسية والثقافية السورية إلى مستوى التغيّرات النوعية في علاقات ومصالح وسياسات القوى الفاعلة في رسم مستقبل سوريا؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني