fbpx

في نقد الثورة.. البنية العاجزة والبنية البديلة

1 918

عجز الثورة بدأ منذ انطلاقتها الأولى، وهو عجز يتعلق بصيرورة ولادتها، هذا العجز سببه غياب إطار عمل وطني جامع للتغيير، مما سهّل على أعدائها، وسهّل على المتربصين الخائفين منها حرف مسارها.

قوى المعارضة السياسية التاريخية للنظام السوري، لم تكن على مقدرة من تشكيل أطر عمل سياسي فاعلة، فلم يتقدم البرنامج الوطني الديمقراطي لديها على برنامجها الإيديولوجي، وهذا أمر أبقاها في دائرة عدم الثقة بالآخر، ولذلك غاب العمل الجمعي الفاعل عنها جميعاً.

وحين بدأ تشكيل إطار سياسي يمثّل قوى المعارضة، بدت هذه القوى، وكأنها بحاجة إلى من يقودها، حيث بدأت التدخلات الإقليمية ذات الأجندات السياسية والإيديولوجية بلعب دور في تشكيل هذا الإطار. ولهذا ظهر المجلس الوطني بردائه الايديولوجي آنذاك، وكان رداءً لا يمثّل جوهر الثورة السورية، ونقصد جوهرها الديمقراطي، إذ كانت الغلبة لقوى ذات مرجعية دينية شمولية، يتعارض بناؤها الفكري مع نظام سياسي ديمقراطي، يسمح بتطور بنى المجتمع المختلفة وأنساق هذه البنى.

هذه الحالة جاءت تكريساً لإفراغ الثورة من مطالبها وأهدافها الحقيقية، والتي تتمثل ليس في إزالة نظام الاستبداد فحسب، بل عبر فتح الأبواب أمام قوى المجتمع، لتأخذ دورها ومساحتها الطبيعية في تطوير ذاتها وتطوير مجتمعها.

إذاً، غياب إطار عمل وطني واحد، سمح بتسلط من لم يختره الشعب السوري، عبر فرضه من جهات تمويل الثورة. هذا التمويل لعب دوراً خطيراً في حرف الثورة عن سلميّتها، وتحول فصائلها بدرجة أو أخرى إلى أدوات لأجندات إقليمية، هذه الأجندات تشكّل الثورة السورية الديمقراطية حالة رعب حقيقي استراتيجي عليها، ولذلك كان لا بدّ من إجهاض برنامجها وتحويله إلى صراع على مستوى آخر لا يخدم السوريين وثورتهم الديمقراطية.

تم حرف الثورة عبر تصوير الصراع السوري، وكأنه صراع بين طائفتين، طائفة سنيّة تشكل غالبية عظمى، وطائفة علوية صغيرة، وهي التي تمتلك مفاصل القرار السياسي والاقتصادي ، هذا التصوير خادع وكاذب، إذ لعب دوراً في امتناع المتضررين عن الاسهام الفاعل في الثورة السلمية الشعبية. وأقصد بالمتضررين كل المكونات الأخرى خارج نطاق مفهوم الطائفية. وهو خادع لأنه منع من تبلور سياسي للمتضررين من كل مكونات السوريين، الذين لحقهم استبداد النظام وإفقاره لهم وقهرهم.

وفق هذه الحقائق، بدت مؤسسات المعارضة عاجزة ومكبّلة اليدين، حيال قيادة العمل الوطني للتغيير. فقرارها يتشكل من مكونات بنيتها، التي يرتبط كل جزء منها بجهة تمويل، أو علاقات إيديولوجية، وظهرت هذه الفضيحة في تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، ثم بنسختها الثانية الرياض2، وأخيراً بتدخل إقليمي لتغيير مجموعة المستقلين بأخرى.

إذاً، غياب الإطار الوطني الجامع عن الثورة السورية، وغياب قيادة خبيرة ومسلحة ببرنامج عمل وطني ديمقراطي، هو من أوصل الأمور إلى هذه الدرجة من السوء.

وكي تستقيم أمور حلٍ سياسي فاعل للصراع السوري، يحتاج الأمر ببساطة إلى تغيير قواعد اللعبة داخل مربع معارضي النظام السوري وحاضنتهم الشعبية، وهذا يتطلب إلغاء الانغلاق التنظيمي لمؤسسات هذه المعارضة، ونقصد الائتلاف وهيئة المفاوضات. وحين نقول تغيير قواعد اللعبة، فإننا نعني هدم الإطار التنظيمي القائم، الذي ينظم عمل الائتلاف وهيئة المفاوضات، عبر تشكيل إطار وطني جامع، لا يخضع لأجندات إقليمية، ولا يتم تمويله من غير الشعب السوري.

هذا الأمر يمكن تحقيقه عبر الدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل، بعيد عن المحاصصات السياسية، وأن يكون هدف المؤتمر ليس تشكيل منصة سياسية جديدة على شاكلة منصات القاهرة والرياض وموسكو، بل تشكيل مرجعية وطنية تمثّل قرار السوريين الوطني.

تشكيل هذه المرجعية ليس بالأمر العسير، ويجب ألا يخضع تشكيلها إلى مفهوم نسبية طائفية، أو نسبية المكونات السورية، بل يخضع لاستقلالية القرار الوطني السوري المفقود حالياً.

هذه المرجعية يجب أن تتشكل من أطياف المجتمع السوري، وعموم جغرافيته، وقاعدة عملها الرئيسية قيادة العمل الوطني باتجاه بناء دولة مواطنة حقيقية لكل السوريين.

إن وجود مرجعية وطنية للثورة السورية يمنع تدخلات الآخرين فيها على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. فداخلياً تصبح قاعدة العمل هي الوطنية السورية، وحين نقول وطنية سورية فهذا يعني توسيع دائرة المشتركات بين مكونات الشعب السوري. هذه الدائرة تتسع من خلال تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات عبر بناء نظامٍ سياسي قاعدته تداول السلطة بطرق ديمقراطية.

أما إقليمياً، فوجود مرجعية وطنية صاحبة قرار، سيلجم تدخل دول الإقليم في مصالح السوريين، وهذا يلغي مساحة صراع داخلي بين قوى سورية ترتبط بأجندات إقليمية متناقضة ولا تخدم سوريا.

أما دولياً فالمجتمع الدولي سيجد أنه لا مناص من التعامل مع مرجعية سورية فاعلة، تمثّل قوى الثورة والمجتمع السوري المتضرر من دمار ألحقه به نظام الاستبداد.

فهل ينتصر السوريون لبناء مرجعيتهم الوطنية الواحدة؟، أم سيبقون أسرى لرماديتهم وقنوطهم وإحباطاتهم؟.

ننتظر الأيام القريبة التي تكشف عن المسار الممكن لدى السوريين ونخبهم. 

1 تعليق
  1. خالد جاسم المحمد أبويحيى says

    بوركتم استاذنا…………. في نهايتة المقال ينبغي حذف ثلاث احرف زائدة

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني