في مفهومي “الحرب الأهلية” و”الثورة” في سوريا
يرفض معظم مؤيدي النظام ومعارضيه أو الثائرين عليه، معاً، وسم “الحرب الأهلية”، لكن في حين يتحدث معظم المؤيدين عن “المؤامرة الكونية على سوريا” و”الحرب على الإرهاب”، يصر معظم المعارضين على الحديث عن “ثورةٍ (شعبيةٍ)”، لكن ثمة “معارضون” يرون أن “الواقعية” تقتضي الإقرار بأن الصراع في سوريا هو حرب أهليةٌ (طائفيةٌ) بامتيازٍ، فأين هي الحقيقة؟
اختلفت الوسوم labels المطلَقة على ما حصل في سوريا منذ عام 2011. ولعل وسما “الثورة” و”الحرب الأهلية” هما الأشهر أو الأبرز والأكثر شيوعاً، في هذا الخصوص. وفي اتفاقٍ نادرٍ، يرفض معظم مؤيدي النظام ومعارضيه أو الثائرين عليه، معاً، وسم “الحرب الأهلية”، لكن في حين يتحدث معظم المؤيدين عن “المؤامرة الكونية على سوريا” و”الحرب على الإرهاب”، يصر معظم المعارضين على الحديث عن “ثورةٍ (شعبيةٍ)”، لكن ثمة “معارضون” يرون أن “الواقعية” تقتضي الإقرار بأن الصراع في سوريا هو حرب أهليةٌ (طائفيةٌ) بامتيازٍ([1])، وبأنه لا فائدةً ولا معنىً ولا قيمةً لإنكار ذلك. فإلى أي حدّ، وبأي معنىً، يمكن وصف “الأزمة السورية” بأنها “ثورةٌ” و/أو حرب أهليةٌ”؟
وفقاً ﻟ “دراسات الحرب”، ينص التعريف التقليدي للحرب الأهلية على أنها “صدامٌ عسكريٌّ مستمرٌّ، داخليٌّ، بالدرجة الأولى، يفضي إلى مقتل ما لا يقل عن 1000 شخصٍ، في ميدان المعركة، سنويّاً، وتتواجه فيه قوات الحكومة المركزية مع قوةٍ متمردةٍ قادرةٍ على إيقاع خسائر في صفوف القوات الحكومية، تعادل 5%، على الأقل، من عدد القتلى في صفوفها”([2]). وانطلاقاً من هذا التعريف، يُشار إلى وجود ثلاثة معايير تميِّز الحرب الأهلية عن الأنواع الأخرى من المواجهات العنيفة داخل الدولة: داخلية المواجهة، نوعية المشاركين في المواجهة، وجود مقاومة فعَّالة. وسأشرح فيما يلي هذه المعايير الثلاثة، وأناقش مدى انطباقها على الوضع السوري.
ثلاثة معايير
ينص المعيار الأوَّل على أن المواجهة العسكرية ينبغي أن تكون في داخل دولةٍ ما، بالدرجة الأولى، ليكون بالإمكان تصنيفها بأنها حربٌ أهليةٌ. ومن الواضح انطباق هذا المعيار على الوضع في سوريا، إلى درجةٍ كبيرةٍ. صحيحٌ أن المواجهات قد امتدت إلى لبنان، في فترةٍ ما، من خلال المواجهة بين ميليشيا حزب الله وبعض “القوى المسلحة المعارضة المتمردة”، لكن الصراع عموماً كان موجوداً في النطاق الجغرافي السوري بالدرجة الأولى. ما ينبغي أخذه في الحسبان أن المواجهات التي حصلت مع داعش والنصرة/ تحرير الشام هي امتدادٌ لمواجهةٍ عسكريةٍ بدأت في أفغانستان والعراق بين القاعدة والقوى الغربية خصوصاً، وهذا ما يُفقد تلك المواجهة الطابع المحلي الخالص.
هُوِيّة الثَّورة السُّوريّة وتحوُّلاتها
31 أيار 2019
ينصُّ المعيار الثاني على ضرورة أن تكون قوات الحكومة المركزية طرفاً في المواجهة العسكرية الداخلية. وهذا المعيار ضروريٌّ وغائبٌ، في الوقت نفسه، عن الفهم الشائع لمفهوم “الحرب الأهلية”. فوفقاً لهذا الفهم الشائع، تكون الحرب أهليةً، عندما يتقاتل الأهالي فيما بينهم وتكون السلطة/ الحكومة المركزية غائبةً. وفي عام 2016، نفى صادق جلال العظم أن يكون ما يجري في سوريا “حربً أهليةً معممةً”، واستند، في نفيه، إلى مقارنةٍ مع “الحرب الأهلية اللبنانية الجارة” و”الحرب الأهلية العراقية القريبة”، حيث رأى أن كلا الحربين كانت بين الطوائف، مع غيابٍ (شبه) كاملٍ للسلطة/ الدولة.([3]) لكن، وفقاً لهذا المعيار الثاني، وعلى النقيض من الفهم الشائع الذي يتبناه العظم، لا تكون المواجهة العسكرية الداخلية “حرباً أهليةً”، إلا عندما تكون السلطة/ الدولة طرفاً من أطراف هذه المواجهة.
للوهلة الأولى، يبدو أن هذا المعيار ينطبق، إلى حدٍّ كبيرٍ، على الوضع في سوريا، من ناحية مشاركة قوات السلطة المركزية، في جزءٍ كبيرٍ من المواجهة المسلحة، في سوريا. لكن ينبغي الانتباه إلى غياب مشاركة هذه السلطة، غياباً كاملاً، تقريباً، عن جزءٍ مهمٍّ من هذه المواجهة: الحرب على داعش التي شنها التحالف الدولي المكوَّن من أكثر من 73 دولةً، والمواجهة بين القوات التركية و”ميليشيات الجيش الوطني” من جهةٍ و”ميليشيات قسد” من جهةٍ أخرى. وتستدعي هذه المشاركة الأجنبية/ غير المحلية، وغياب أو تغييب السلطة المركزية، الإشارة إلى أنَّ هذا المعيار يهدف، تحديداً أو خصوصاً، إلى تمييز هذه الحرب عن بقية أشكال الصراعات المسلحة الداخلية، مثل “العنف الطائفي أو الجماعاتي communal violence”، و”الحرب الداخلية الجهوية أو المناطقية regional internal war”. ويمكن لمشاركة قواتٍ أجنبيةٍ، في الحرب الأهلية، وانخراطها أو تدخلها فيها، أن تفضي إلى تغيير طبيعة/ ماهية هذه المواجهة المسلحة الداخلية، وتصنيفها. فالتدخل الخارجي يمكن أن يحوِّل الحرب الأهلية إلى “حربٍ أهليةٍ مدوَّلةٍ internationalized civil war”، أو “حربٍ بالوكالة proxy war”، أو “حربٍ بين الدول interstates war” أو “حربٍ دوليةٍ أو عالميةٍ an international, or a world war”.
الحرب الأهلية تصبح “حرباً أهليةً مدوَّلةً” عندما تتدخل قوةٌ أجنبيةٌ، تدخُّلاً مؤثِّراً، في تلك الحرب، لصالح قوات السلطة المركزية؛ ومن الواضح أنَّ جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ أهليةٌ مدوَّلةٌ”، منذ 2015، على الأقل
فالحرب الأهلية تصبح “حرباً أهليةً مدوَّلةً” عندما تتدخل قوةٌ أجنبيةٌ، تدخُّلاً مؤثِّراً، في تلك الحرب، لصالح قوات السلطة المركزية؛ ومن الواضح أنَّ جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ أهليةٌ مدوَّلةٌ”، منذ 2015، على الأقل، أي منذ التدخل الروسي الكبير والمؤثِّر. وربما كان بالإمكان الحديث عن تدويلٍ أكبر لهذه الحرب، إذا أخذنا في الحسبان المشاركة الإيرانية الفاعلة فيها.
ويصبح الصراع المسلح الداخلي “حرباً بين الدول”، عندما تتدخل دولةٌ أجنبيةٌ، تدخلاً عسكريّاً مباشراً، في ذلك الصراع، لصالح القوى المتمردة على السلطة المركزية أو المعارضة لها. وربما تكفي الإشارة إلى تدخل الولايات المتحدة وخلقها أو مساندتها الكبيرة ﻟ “قوات سورية الديمقراطية”، وتدخُّل تركيا، وخلقها أو مساندتها الكبيرة لقوىً أو ميليشياتٍ عسكريةٍ سوريةٍ “معارضةٍ”، للتدليل على أن جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ بين الدول”.
وتصبح المواجهة الداخلية المسلحة “حرباً بالوكالة”، عندما تقوم قوىً إقليميةٌ أو دوليةٌ بدعم القوى المحلية المتقاتلة ورعايتها والسيطرة عليها إلى درجةٍ ما. ومن الواضح أن جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ بالوكالة”، إذا أخذنا، في الحسبان، مثلاً وخصوصاً، دور تركيا والولايات المتحدة الأميركية وقطر والسعودية، بالإضافة إلى دور روسيا وإيران، والقوات المحلية الخاضعة لها، خضوعاً كليّاً أو جزئيّاً.
في “الانشقاق عن النظام” و”العودة إلى حضنه”
28 آب 2019
ويمكن القول إن جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ دوليةٌ أو عالميةٌ”، انطلاقاً من مشاركة من 73 دولةً، على الأقل، في “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ومشاركة مقاتلين يحملون جنسيات أكثر من 80 دولةً في ميليشيات داعش، ومشاركة أكثر من 30 ألف مقاتلٍ أجنبيٍّ من سبعين بلداً، وفقاً لكريستوفر فيليبس، في كتابه “المعركة من أجل سوريا: التنافس الدولي في الشرق الأوسط الجديد”، الصادر عام 2016.([4])
يهدف المعيار الثالث/ معيار “المقاومة الفعّالة” إلى تمييز الحرب (الأهلية) عن “المذبحة massacre” عموماً، و”المذبحة المنظمة pogrom”، و”التطهير purge”، و”المجزرة slaughter” التي تقوم بها حكومةٌ بحقِّ كائناتٍ “لا حول لها ولا قوة”، أي لا قدرةً لها على التصدي للعنف الممارس ضدها، وعلى مجابهته. وينص هذا المعيار على أنَّ الطرف الأضعف، من الأطراف المتصارعة، لديه إمكانيات لأن يقاوم، مقاومةً فعَّالةً، الطرف الأقوى، ويوقع به خسائر لا تقل عن 5% من الخسائر التي يتكبدها. وعلى الرغم من أن معيار “المقاومة الفعَّالة” لا يتضمن القول بوجود تكافؤٍ أو تماثلٍ، في القوى، بين طرفي الصراع، فمن الصعب الحديث عن وجود مقاومةٍ فعَّالةٍ لدى “قوى المعارضة المسلحة”، عندما تكون قوات السلطة المركزية، وحدها، من تملك وتستخدم الطائرات والصواريخ البالستية والأسلحة الكيميائية. وهذا الخلل أو الانعدام في توازن القوى العسكرية، بين قوات السلطة المركزية و”قوات المعارضة المسلحة”، جعل المواجهة بين الطرفين تكون، أحياناً أو غالباً، مجازر ومذابح، أكثر من كونها “حرباً أهليةً”.
من الممكن القول إن جانباً من “الحرب في سوريا” هو “حربٌ دوليةٌ أو عالميةٌ”، انطلاقاً من مشاركة من 73 دولةً، على الأقل، في “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ومشاركة مقاتلين يحملون جنسيات أكثر من 80 دولةً في ميليشيات داعش، ومشاركة أكثر من 30 ألف مقاتلٍ أجنبيٍّ من سبعين بلداً
استناداً إلى المعايير السابقة، يبدو مشروعاً التشكيك في مشروعية الحديث عن الأوضاع في سوريا، خلال السنوات الثمانية الأخيرة، على أنها، بالدرجة الأولى، (مجرد) حرب أهلية. وعلى العكس من مزاعم القائلين بضرورة “التحلي بالواقعية”، وبضرورة الإقرار بأن ما حصل ويحصل في سوريا، منذ عام 2011، هو حربٌ أهليةٌ، لا يبدو أن التشكيك في هذه التسمية يجسَّد حالة إنكارٍ نفسيٍّ/ نفسانيٍّ، بالمفهوم الفرويدي، فلهذا التشكيك أسسٌ معرفية ومنهجيةٌ أكثر قوةً مما يظن كثيرون. فبغض النظر عن مدى كونها “حرباً أهلية”، من الضروري التشديد على أنها ليست مجرد حربٍ أهليةٍ، فهي أيضاً، أحياناً، وجزئيّاً ونسبيّاً، “حربٌ بالوكالة” و”حربٌ دوليةٌ أو عالميةٌ” و”مجزرةٌ (منظمةٌ)” و”مذبحةٌ”.
أين المشكلة؟
المشكلة/ الإشكالية في كل التسميات السابقة لا تتعلق بجانبها الوصفي فقط، بل تمتد إلى جانبها المعياري/ التقييمي أيضاً. فكل هذه المفاهيم هي مفاهيم “معياريةٌ كثيفةٌ thick ethical concepts”، فهي لا تقتصر على الوصف فحسب، بل تتضمن تقييماتٍ أيضاً، بالضرورة. ونظراً إلى أن الاسمين/ الوسمين الأكثر شيوعاً، في هذا الخصوص، هما “الحرب الأهلية” والثورة”، فسأقوم بمقارنة البعد المعياري المحايث لهذين المفهومين، لأبيِّن أهمية الانتباه إلى هذا البعد في عمليات الوسم والتسمية. فعند استخدام المفاهيم المعيارية الكثيفة، تتضمن الوسوم والأسماء التي نستخدمها قيماً وأحكاماً معياريةً عما يجب أن يكون، إلى جانب تضمنها لأحكامٍ واصفةٍ لما هو كائنٌ.
السلمية والعسكرة في الثورة السورية
01 تشرين الثاني 2016
لمفهوم “الحرب الأهلية” دلالاتٌ معياريةٌ سلبيةٌ عموماً، ﻓ “الحرب الأهلية” تحيل على ما ينبغي لنا تجنبه، “مهما كان الثمن”، على الأرجح. في المقابل، يحظى مفهوم “الثورة” بسمعةٍ جيدةٍ عموماً، كونه يعني تغييراً/ تغيراً جذريّاً إيجابيّاً، و/ أو سعياً حقيقيّاً وفاعلاً لإحداث هذا التغيير. وفي سوريا (ما قبل الثورة، على الأقل)، كان يكفي وصف فعلٍ أو حدثٍ ما بأنه ثورةٌ، لإظهار تقييمنا الإيجابي له. ولهذا حرص معظم الانقلابيين في تاريخ سوريا المعاصر على وصف “انقلاباتهم” ﺑ “الثورات” لإسباغ قيمةٍ إيجابيةٍ عليها. و”ثورة آذار 1963″ هي مثالٌ بارزٌ لذلك. ولهذا السبب تحديداً أو خصوصاً، رفض النظام وإعلامه، رفضاً مطلقاً، تسمية ما حصل في سوريا منذ 2011 بأنه “ثورةٌ”.
تهمل “دراسات الحرب” الهدف من المواجهات المسلحة، عموماً، ومن تلك التي تسميها ﺑ “الحرب الأهلية” خصوصاً، ولا تُفاضل بين طرفي الصراع، من حيث المشروعية مثلاً، وتقتصر على الحديث عن “الاستيلاء على السلطة” وما شابه. أما مصطلحات مثل الحرية، والكرامة، والديمقراطية، والتحرر من الاستبداد، فلا مكان لها في مثل هذه الدراسات التي لا تأبه (كثيراً) إن كان النظام السياسي ديمقراطيّاً أو غير ديمقراطيٍّ. في المقابل، يتضمن المفهوم السياسي للثورة عموماً، وفي السياق السوري/ الاستبدادي خصوصاً، تمييزاً بين طرفين، أحدهما محقٌّ و”مظلومٌ”، من حيث المبدأ، والآخر ظالمٌ ويفتقد للمشروعية (الديمقراطية). باختصارٍ، قد يتضمن الحديث عن “حربٍ أهليةٍ” مساواةً أو مماثلةً معياريةً بين طرفين ليسا متساويين أو متماثلين، أو لا ينبغي المساواة أو المماثلة بينهما. وفي بحثٍ مهمٍّ عن “الحروب الأهلية”، يشير ستاتيس كاليفات إلى أن الحرب الأهلية هي […] ظاهرة عرضة لالتباسٍ، أو حتى جدالٍ/ احتجاجٍ، دلاليٍّ جديٍّ. ويحمل وصف نزاعٍ ما، بأنه حربٌ أهليةٌ، ثقلاً رمزيّاً وسياسيّاً؛ لأن المصطلح يمكن أن يمنح أو ينكر الشرعية لأحد الأطراف المتحاربة”([5]).
عندما نتحدث عن “حربٍ أهليةٍ”، فهذا يعني أن المفاوضات بين الأطراف المتقاتلة ينبغي أن تهدف، بالدرجة الأولى، إلى تحقيق السلام والاتفاق بين الأطراف، في هذا الخصوص؛ ولا يهم كثيراً، في مثل هذا السياق، مسائل الديمقراطية، والحرية، والكرامة، ومعاقبة الجناة، وإنجاز العدالة بالنسبة إلى الضحايا. في المقابل، إن الحديث عن ثورةٍ ضد نظام استبداديٍّ يتضمن ضرورة تغيير ذلك النظام، وتحقيق، ليس السلام فقط، بل والعدل، أيضاً، ليس لأنه غايةٌ في حد ذاته فقط، بل بوصفه شرطاً ضروريّاً من شروط إنجاز هذا السلام، أيضاً.
إن الحديث عن ثورةٍ ضد نظام استبداديٍّ يتضمن ضرورة تغيير ذلك النظام، وتحقيق، ليس السلام فقط، بل والعدل، أيضاً، ليس لأنه غايةٌ في حد ذاته فقط، بل بوصفه شرطاً ضروريّاً من شروط إنجاز هذا السلام، أيضاً
إن وصف ما حدث في سوريا منذ عام 2011 بأنه “حربٌ” أو “حربٌ أهليةٌ”، يتجاهل، بقصدٍ أو بدونه، المظاهرات والنشاطات المدنية/ السلمية التي قام بها السوريون المعارضون للنظام الأسدي، قبل، وأثناء، وبعد انطلاق المواجهة المسلحة مع هذا النظام. وقد ظلت هذه النشاطات هي المهيمنة في سوريا، حتى منتصف 2012، على الأقل، وبقيت موجودةً، وجوداً متفاوت القوة، لفترةٍ طويلةٍ، بعد ذلك.
الانتباه إلى مضامين المفاهيم التي يستخدمها المرء، في توصيفاته/ تقييماته، والسعي، قدر المستطاع، إلى أن يكون موضوعيّاً ومنصفاً، في توصيفاته/ تقييماته، هو جزءٌ أساسيٌّ من مراعاة مسؤولية الكلمة. فالقول فعلٌ، في مثل هذه السياقات على الأقل، كما بيَّن الفيلسوف الإنكليزي أوستين في عمله الأبرز “كيف تفعل الأشياء بالكلمات”، الذي جرت ترجمته إلى الفرنسية تحت عنوان “عندما تقول أنت تفعل”([6]). وعندما يكون هناك ضحايا وقتلةٌ وجرائم ومعاناةٌ وعذاباتٌ بشريةٌ هائلةٌ، تزداد الحاجة إلى الالتزام بمسؤولية الكلمة وبموضوعيتها وإنصافها. وبدون ذلك الالتزام، ستكون كلماتنا بمنزلة “إضافة الإهانة إلى الجرح”.
المراجع:
([1]) ليس نادراً، في „الدراسات الغربية“، التركيز على البعد الطائفي من الصراع وتضخيمه واعتباره أحياناً الجذر والمحور الأساسي للصراع، من خلال الحديث عن صراع سنيٍّ شيعيٍّ/ علويٍّ. انظر:
Samer N, Abboud, Syria, Cambridge: Polity Press, 2016), p. 1.
([2]) Melvin Small, and Joel David Singer, Resort to Arms: International and Civil War,1816–1980, Beverly Hills, CA: Sage, 1982: 205-206.
([3]) في الحوار الذي أجرته ديمة ونوس مع العظم، يقول العظم: “ما يجري في سورية اليوم هو بالتأكيد ليس حرباً أهلية معمّمة، خاصة عندما نقيس ما يحصل على الحرب الأهلية اللبنانية الجارة والحرب الأهلية العراقية القريبة. في لبنان، عبّأت الطوائف المكوّنة للمجتمع اللبناني نفسها ودخلت في حرب شرسة في ما بينها (خاصة الدروز والموارنة) وكانت السلطة غائبة عن ذلك كلّه والدولة على الهامش تماماً. في العراق، لم يكن هناك دولة أو سلطة بعد أن حلّهما الاحتلال الأمريكي فقام كل من المكوّن الشيعي والسنّي للشعب العراقي بدخول حرب أهلية حقيقية في ما بينهما”. “صادق جلال العظم لـ’المدن’: الحل بسقوط العلوية السياسية”، المدن، 15 تموز/ يوليو 2016.
([4]) Christopher Phillips, The Battle for Syria: International Rivalry in the New Middle East, (New York & London: Yale University Press, 2016), p. 142.
([5]) Stathis N. Kalyvas, “Civil Wars,” in The Oxford Handbook of Comparative Politics, eds. Carles Boix and Susan Stokes (Oxford: Oxford University Press, 2007), p. 416.
([6]) بالنسبة إلى الترجمة العربية، انظر: جون أوستين، نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الأشياء بالكلام، ترجمة: عبد القادر قنيني، (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1991).
المصدر: حكاية ما انحكت