في قمتي القدس المحتلة وجدة، وبعض أسباب وتمظهرات مأزق سياسات واشنطن الإقليمية!
نحاول فهم حقيقة سياسات واشنطن الإقليمية، المرتبطة بسعيها الدائم للعب على توازنات القوى، ومشاعر الخوف، وتناقض المصالح، بين مرتكزات سيطرتها الإقليمية الرئيسة، أنظمة إيران والسعودية وإسرائيل، بما يضمن لها استمرار سيطرة مستمرة على قلب منطقة الشرق الأوسط، حيث مثلث النفط الاستراتيجي العالمي؟[1].
هل نجحت مساعي إدارة بايدن القممية في إعادة التوازن إلى علاقاتها التشاركية الإقليمية، التي وصلت تناقضات مرتكزاتها. إلى درجة تهدد قواعد لعبة السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة؟
يجمع معظم المراقبين على فشل جهود بايدن النسبي في تحقيق أهداف جولته الراهنة، مما يبرر التساؤل عن الأسباب الحقيقية لعدم نجاح جهوده في الارتقاء بعلاقات بلاده الإقليمية، خاصة مع شريكيها الأساسيين؛ المملكة السعودية ودولة الاحتلال الصهيونية؟[2]
أولاً: في خلفية المشهد:
إذا كان من الطبيعي أن تُحدث حالة الشراكة الاستراتيجية الموضوعية بين اهداف المشروعين الامريكي والإيراني (الإيرو أمريكي)، للسيطرة الإقليمية،[3] تصدعات كبيرة في شبكة العلاقات التاريخية التي نجحت سياسات الولايات المتحدة في نسجها خلال حقبة الحرب الباردة مع أهم مرتكزات سيطرتها الإقليمية؛ أنظمة إسرائيل و المملكة السعودية، فأنه من الطبيعي جدا مع انتهاء المعارك الكبرى في الصراع على سوريا خلال 2020-2022 (ولن يُغير هذا الواقع العام ما يسعى إليه الأتراك، او غيرهم، لزيادة حصصهم!)، وتحقق اوسع سيطرة لأدوات المشروع الأيرو أمريكي، أن تسعى الولايات المتحدة لرأب أخطر مظاهر تلك التصدعات في علاقاتها مع حليفيها الرئيسيين، الإسرائيلي، والسعودي؛ بما يعوض الدولتين عن بعض ما أصابهما من أضرار مادية ومعنوية نتيجة لما حققته أدوات المشروع الإيراني من تمدد إقليمي في مناطق كانت تاريخيا ملعبا لسياسات سيطرة النظامين، من جهة، وبما يحضر الأجواء لخطوات دمج النظامين الإيراني والإسرائيلي ( اللذين شكلا خلال حقبة الحربة الباردة أهم مرتكزات الحلقة الخارجية في مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية)، في المنظومة الإقليمية الداخلية،[4] عبر الدفع بخطوات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة، واستغلال الظروف الإيجابية التي قد تتيحها إجراءات توقيع اتفاق نووي – أصبح إعلامياً على الأقل على رأس أجندات الولايات المتحدة والنظام الإيراني[5] – لعقد مصالحة تاريخية بين الرياض وطهران، اصبحت ممكنة في ظروف ما يبدو انتصاراً ساحقاً لأدوات المشروع الإيرو أمريكي[6]؛ دون أن نتجاهل أهمية الأسباب التكتيكية المباشرة التي فرضتها نتائج الحرب على أوكرانيا وأوروبا، وما حصل من تغيرات في أجندات سياسات واشنطن تجاه دول المنطقة، خاصة تلك المرتبطة بالطاقة!.
ثانياً: في أهم عوامل السياق التاريخي التي تُصعب تحقيق أهداف بايدن المُعلنة لإعادة الثقة والمصداقية إلى علاقات بلاده مع اهم شركائها التاريخيين في المنطقة:
في تقديري، ومع الأخذ بعين الاعتبار عوامل السياق الراهن، تصعب فرص نجاح قمم بايدن في تحقيق أهدافها المرجوة أمريكيا عوامل السياق التاريخي، التي تقول أولا بوصول علاقات السيطرة التشاركية مع أدوات النظام الإيراني الميليشياوية إلى أعلى درجات نجاحها؛ وتكفي نظرة سريعة لحالة التفشيل التي وصلت إليها الدول التي تقع في قبضة السيطرة الأيرو أمريكية لندرك صعوبة التقدم في علاقات الولايات المتحدة مع السعودية وإسرائيل، طالما لا تريده واشنطن على حساب تلك العلاقات التي أثبتت أنها أكثر أدوات السيطرة الإقليمية الأمريكية فاعلية!
أسباب العامل الثاني المُعيقة لنجاح أهداف رحلة بايدن ترتبط من جهة أولى بطبيعة العلاقات الصدامية التي أقامها مع القيادة السعودية، بزعامة محمد بن سلمان، وأهمية الخدمات التي قدمها سلفه ترامب، اليميني، للطبقة السياسية الإسرائيلية، بالمقارنة مع ما يمكن أن يقدمه لها الرئيس بايدن، اليساري!.
العامل الآخر يرتبط بحقيقة سياسات واشنطن وشريكها الإيراني تجاه الملف النووي الإيراني!، قد تُفسر تلك العوامل مجتمعة طبيعة العقبات الرئيسة التي تواجه سياسات واشنطن لتعزيز علاقات بناء ثقة حقيقية مع إسرائيل والسعودية، وبالتالي صعوبة المهمة التي واجهت مساعي بايدن في جدة و تل أبيب!.
في أحد جوانبها، تعود أسباب بعض مظاهر المأزق الحالي لطبيعة علاقات الولايات المتحدة التشاركية الاستراتيجية مع سلطة استبدادية في الرياض[7]، واستيطانية عنصرية في القدس المحتلة؛ تلك العلاقات التي قامت على أرضية صفقة غير أخلاقية، تتناقض مع جميع القيم الديمقراطية وحقوق الانسان والشعوب، يضمن طرفها الأول، الولايات المتحدة، استمرار السيطرة السلطوية لسلالة آل سعود، وحماية الأمن القومي الإسرائيلي، مقابل أن يعمل طرفيها الآخرين، السعودي والإسرائيلي، على حماية أدوات ووسائل النهب والسيطرة التشاركية التي تمارسها الولايات المتحدة لأعظم ثروات المنطقة؛ وهي في الجانب الثالث، نتيجة لتبني الولايات المتحدة نهج التحالف الاستراتيجي مع أدوات مشروع السيطرة الإقليمية الإيراني وشركائه في القاعدة، تحت دعاية رولاند ريغن حول محاربة الارهاب الإسلامي، وفي استثمار لأهم احداث الثمانينات – الثورة الإيرانية والغزو السوفياتي لأفغانستان – وقد باتت مع انتصارات أدوات المشروع في العراق وسوريا واليمن، في أعقاب هزيمة ثورات الربيع العربي، تهيمن على مركز وأضلاع مثلث الطاقة الاستراتيجي العالمي، مباشرة في إيران والعراق، وبشكل غير مباشر، في السعودية، التي أصبح أمنها القومي تحت رحمة صواريخ ومسيرات الحوثي!.
ضمن عوامل السياق التاريخي الثلاثة السابقة نفهم طبيعة المأزق في علاقات الولايات المتحدة مع شريكيها التاريخيين الرئيسيين في السعودية وإسرائيل، اللذين باتا يدركان حجم الإضرار التي لحقت في مصالحهم وامتيازاتهم الإقليمية بفعل تمدد ادوات المشروع الإيراني، بفعل كونه الحامل الإقليمي الاساسي لأهدف المشروع الأمريكي. في هذه المرحلة، يتجسد المأزق التاريخي سياسيا فيما يعتبره الشريكان فشل وسائل الولايات المتحدة في ردع سياسات إيران النووية، وما يشكله من عواقب على أمنهما القومي، معتقدين بجدية الصراع الأيرو أمريكي حول الملف، وقضايا المنطقة الأخرى؟![8].
ثالثاً: في وعود بايدن، وما يمكن أن يقدمه:
التنازلات التي يمكن أن تقدمها واشنطن هي على حساب مصالح الشعب الفلسطيني بشكل خاص، وعلى حساب الشركاء!.
في قمة القدس المحتلة، وفي قمة جدة الخليجية أيضاً، حرص الرئيس الامريكي على إطلاق حزمة من الوعود والتعهدات، رغم إدراكه بما آلت اليه المصداقية الأمريكية من ضعف.[9]
التعهد بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وتقديم مساعدات تنموية للضفة والأردن، وعسكرية تقنية وعقد صفقات أسلحة متطورة، خاصة للسعودية والإمارات. كل تلك المنح السخية لن تغطي على ما أجمع عليه معظم المراقبين من فشل الرئيس الامريكي في إقناع محاوريه الإسرائيليين بأهمية استمرار التعويل على الوسائل الدبلوماسية لمواجهة الخطر النووي الإيراني، كما في إقناع محاوريه في قمة جدة بوجود أخطار حقيقية لأقطاب عالمية، روسية صينية تستدعي وقوف الجميع صفاً واحداً في مواجهته، على غرار تحالفات الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفياتي، بما يجعل من الحديث عن نجاح اهداف المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الجديد مشكوكاً بصدقيته!.
من أسباب الفشل الأمريكي أيضاً خطأ تقييم واشنطن للموقع الذي وصل إليه الأمير السعودي، الذي عملت الولايات المتحدة على إخراج بلاده مبكراً من معادلات الصراع الإقليمي – في العراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن – كنتيجة لأولوية علاقاتها التشاركية الإقليمية مع النظام الإيراني؛ والذي وصفه الرئيس الامريكي بالفرعون، وحاول تحقيق مكاسب انتخابية، ترتبط بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، على حسابه. بخلاف ذلك، نجح ولي العهد السعودي في تحشيد هذا اللقاء العربي الأكبر لحقبة ما بعد غزو العراق وتفكك وحدة جامعة الأنظمة تحت ضربات تمردات شعوب المنطقة، وبما يُظهر درجة الزعامة التي وصل إليها الأمير السعودي على الصعيدين الوطني والإقليمي.
رابعاً: في موقف، وتطلعات السعوديين!:
ماذا يتوقع السعوديون اليوم، في موقعهم الجديد بين مرتكزات السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة، الذي تحتل فيها إيران المرتبة الأولى، وإسرائيل، الثانية، وما هو الثمن القادرون على دفعه؟، يبدو جلياً خروج الأمير أكثر قوة من ضيفه الكبير، الذي شكل لقائه بولي العهد المُتهم أمريكياً، انكشافاً فاضحاً لطبيعة القيم التي يتاجر بها بايدن، وجعلته موضوع تهكم في واشنطن!.
الرسالة المباشرة الأقوى التي استطاع بن سلمان توصيلها، محاطاً بزعماء مجلس التعاون الخليجي، وقادة دول المنطقة، مصر والعراق والأردن، (وعلاقات تتعزز باطراد مع الإسرائليين)، هي واقعية دوره الإقليمي القيادي، وعجز واشنطن عن تجاهله!.
في ظل أجواء التحدي، من الأرجح أن تستمر دبلوماسية عض الأصابع في العلاقات الصعبة بين الحليفين الاستراتيجيين!، سيستمر السعوديون في تعزيز علاقاتهم الاقتصادية مع الصين وروسيا، دون أن يتجاهلوا أهمية استخدام ما يملكون من نفوذ لدفع أوبك على زيادة الإنتاج في اجتماع آب القادم، وقبول مشاريع صفقات تسلح جديدة، تدر على خزائن وزارات الحروب الأمريكية مليارات الدولارات!.
المؤكد أنهم بلغوا سن الرشد، وتجاوزوا تلك الحقبة التي كانوا يلعبون فيها دور المنتج البديل لتلبية حاجات واشنطن خارج ضوابط ومعايير المنظمة.
يُدرك السعوديون جيداً طبيعة مخاطر هدنة واشنطن الهشة في اليمين، حيث نجحت الولايات المتحدة في إغراق السعوديين في صراع كبير، وجيرت مسيرات وصواريخ الحوثي لتوصيل رسائل قاسية، تهدد المصالح الحيوية، الأمنية والنفطية، في قلب المملكة.
لا يستطيع السعوديون أيضاً تجاهل دورهم المركزي في دفع سياسات التطبيع العربي/الإسرائيلي، رغم صعوبة القيام به دون وصول الحل السياسي للمعضلة الفلسطينية إلى انفراجات كبرى، ما تزال الحكومات الإسرائيلية قادرة على التهرب من دفع أثمانها في ظل موازين القوى القائمة، وعدم جدية الإدارة الأمريكية في استخدام ما لديهم من أوراق ضغط لفرض حل سياسي دائم، يقوم على مبدأ الدولتين، أو الدولة الديمقراطية؛ وهنا أحد اشكال المأزق الذي يفسر عجز السياسات السعودية بالوصول الى موقع الزعامة الإقليمية.
خامساً: في لعبة شد الحبل النووية!:
في قضية الملف النووي، تصل حالة انعدام الثقة إلى اعلى درجاتها، وهي ليست دون مبررات واقعية!
لنتساءل: إذا كان وصول النشاط النووي الإيراني إلى عتبة القنبلة يتناقض مع المصالح الأمنية لمنافسيها الرئيسيين على السيطرة الإقليمية، السعودية وإسرائيل، فهل هو كذلك مع مصالح واشنطن؟ ما الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة في امتلاك إيران القنبلة الذرية؟، هل تشكل خطراً عملياً على الأمن القومي الأمريكي؟ هل يمكنها تهديد المدن الأمريكية؟ ثم، ما حاجة النظام الإيراني لامتلاك سلاح نووي؟ هل تستطيع إيران، بامتلاكها السلاح النووي، ابتزاز السعوديين أكثر مما فعلته المسيرات، التي غضت واشنطن النظر عن نشاطها المخرب في شرايين قلب ماكينة الطاقة السعودية، وفي وصولها إلى تخوم إسرائيل الشمالية؟.
وماذا ستفعل إيران أكثر من ذلك؟ هل تفكر باحتلال السعودية أو تحرير فلسطين، رغم امتلاك السلطة التي تحتلها عشرات الرؤوس النووية، القادرة على مسح إيران عن الخارطة الجيوسياسية الإقليمية؟.
لتهديد أوروبا؟ هل تحتاج الولايات المتحدة لسلاح إيران النووي لتشديد قبضتها على أوروبا؟ ألا يكفيها ما يحققها شريكها بوتين من انتصارات في قلب القارة؟.
هي، في أحد جوانبها، لعبة في مهارات الذكاء، والمراوغة، يديرها شركاء متمرسون في تضليل الرأي العام! هي أقرب إلى لعبة شد الحبل، (tug of War)، يمارس فيها الفريقان أدوار اللاعب والحكم: إذا كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تعرف حقيقة إمكانيات إيران النووية، وتعرف جيدا كيف تُبقى هذا الملف مفتوحاً، (أو تغلقه، مؤقتا ) لتعزيز شروط سيطرتها الإقليمية، وهيمنتها على موارد الطاقة الإستراتيجية، واللعب على تناقضات الجميع، وتجير مخاوفهم، فقد أظهر النظام الإيراني، من جهته، براعة، وقدرات استثنائية في تجيير ورقة الملف النووي داخلياً وإقليمياً، سواء في تحسين شروط السيطرة التشاركية مع واشنطن، أو لتعزيز شروط علاقاته مع حلفائه في المعسكر المنافس، ولا يغير في هذه الحقيقة تركيز وسائل الإعلام على مسؤولية أحد الأطراف، دون الآخر، ودون الإشارة إلى المصالح المشتركة في التفشيل، أو التفعيل[10]. من المؤكد أن السيد علي خامنئي ليس في عجلة من أمره اليوم، طالما هي مصلحة أمريكية، للوصول إلى صفقة استسلام، تفقده أهم أوراق شرعيته الداخلية، وديماغوجياً تمدده الإقليمي؛ مقاومة الشيطان الأكبر!!.
صحيح أن للعقوبات آثار اقتصادية كابحة على الاقتصاد الإيراني، لكنها، في نهاية المطاف، لا تضر بمؤسسات السلطة، ولا الحرس الثوري، وقد تعايش معها الإيرانيون طوال عقود، ونجحت السلطة في إجهاض جميع محاولات الإصلاح!.
[1]– من الطبيعي أن تعمل دعايات الولايات المتحدة على إخفاء إهداف مشروع سيطرتها الإقليمية تحت شعارات مكافحة الإرهاب أو تعزيز الديمقراطية أو غيرها، ومن واجب نخب شعوب المنطقة، الضحية الأولى لسياسات واشنطن، أن تعمل على كشف الاسباب الجوهرية، وتعرية أفكار الديماغوجيا! أعتقد أن علاقة المشروع الأمريكي بالسيطرة على نفط المنطقة هو العامل الأساسي في تفسير سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة، والحامية لأنظمة الاستبداد (والمعادية لأهداف المشروع الديمقراطي)، ولأمن دولة الاحتلال، والتي تطورت تدريجياً، في مسار تصاعدي في نهاية خمسينات القرن الماضي، بالتوازي مع إدراك سياسيو البيت الأبيض، ومنظرو، ومنفذو الخطط الامريكية، ومبادئ الاستراتيجيات، لأهمية أن تلعب إسرائيل دور الوكيل العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، بالتكامل مع ادوار انظمة السعودية وإيران وغيرها؛ خلافا للفكرة السائدة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الكيان الصهيوني بدون شروط، ولأسباب أخرى، و منذ تأسيسها 1948!.
تقوم العلاقة الجوهرية بين أمريكا وإسرائيل على مبدأ التوكيل العسكري الأمريكي لإسرائيل، في إطار السياق التاريخي الأشمل لتحقيق أهداف الاستراتيجية (المشروع) الأمريكية، الذي تشكل السيطرة على مواقع النفط، هدفها المركزي، وعبر الحفاظ على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية العتيقة، (قطع طرق الانتقال السياسي السلمي / أو العنيف من سلطات الاستبداد القائمة، العتيقة، أو المتجددة)، ولمواجهة المنافسين، والخصوم.
يقول جلبير الأشقر، (أكاديمي وكاتب لبناني/فرنسي مواليد السنغال، 1951، أستاذ في جامعة لندن، متخصص في مجال العلاقات الدولية، خاصة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وفي العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية)، في كتابه القيم، الشعب يُريد…، في تفسيره لأسباب الحملة العسكرية الأمريكية لاحتلال منابع النفط في الخليج 1991-2003: …… من المعروف، من جهة أخرى، أن للرهان النفطي قيمة استراتيجية تفوق التقدير، فالسيطرة على مصادر النفط، ولا سيما احتياطاته الرئيسة الموجودة في الخليج العربي/الإيراني، تتيح للولايات المتحدة الأمريكية امتلاك ميزة استراتيجية، حاسمة، في معركة الهيمنة العالمية، وتمنحها وضعاً مسيطراً إزاء منافسها المحتمل الرئيسي، الصين، أو أتباعها التقليديين، في أوروبا الغربية واليابان…
شخصياً أعتقد أنه تماماً كما دفعت نتائج الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة الأمريكية إلى زعامة النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، أدت إلى ترقية النفط إلى مرتبة السلعة الإستراتيجية العالمية، رقم 1؛ بما لا يدع مجالا للفصل بين سمتي العصر الأبرز، القرن الأمريكي، وقرن النفط.
بفعل واقع استحواذ المنطقة العربية (منطقة الخليج؛ فقط، بدون سوريا والعراق وشمال أفريقيا) على أكثر من 60% من الاحتياط العالمي من النفط، يصبح من الطبيعي أن تأتي السيطرة على الشرق الأوسط (مركز النفط – الخليج العربي/الإيراني، ومحيطه المباشر، وعمقه الجيوسياسي) في موقع الأولوية في الاستراتيجيات الأمريكية، من أجل التحكم بالسوق العالمية للنفط، خاصة في هذه المرحلة من الصراع على أوروبا، وبما يجعل من تحقيق تلك الأهداف الشرط اللازم، والحاسم لضمان استمرار التفوق الأمريكي؛ وهو العامل الأساسي لفهم سياسات واشنطن منذ 1938، حين تم اكتشاف النفط بكميات تجارية في المملكة، وطوال العقود التي أعقبته، وحتى تاريخه، كما أكدت حملة جورج بوش الأب والابن، لإحكام السيطرة العسكرية على ثروات المنطقة، في غزوات 1991-2003، والسلوك الأمريكي المعادي للتغيير الديمقراطي تجاه السيرورة الثورية التي تفجرت في ربيع 2011، والتي انتهت، سوريا، بالسيطرة الأمريكية المطلقة على أهم الثروات السورية، شمال وشرق سوريا، وفي مقدمتها النفط، وبأدوات متنوعة، تعمل واشنطن على ابتكارها حسب الظروف!!.
[2]– فيما تمخضت عنه الزيارة التاريخية لرئيس الولايات المتحدة إلى إسرائيل نجد نقطتين، بارزتين، تكتسبان أهمية في كشف طبيعة المأزق الذي تعانيه سياسيات واشنطن الإقليمية: من جهة أولى، تضمن بيان القدس المشترك حول الشراكة الاستراتيجية الإيسرو أمريكية تعهد أمريكي بألا تسمح الولايات المتحدة لإيران أبداً بحيازة سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها القومية لضمان حصول تلك النتيجة.
من جهة ثانية، ومقابل هذا التعهد، أظهر بايدن حرصاً على التمسك بخياره المفضل بالعودة إلى الصفقة التي تم الاتفاق عليها 2015، ومزقها ترامب 2018، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ولم يُظهر رغبة، ولم يقبل رغم إلحاح رئيس وزراء إسرائيل ورئيسها، بوضع توقيت نهائي محدد لنهاية المفاوضات حول برنامج إيراني النووي، ولا وضع خط أحمر، يجعل من تجاوزه الولايات المتحدة مستعدة لتحويل التهديد إلى عمل ميداني. لن يغير من طبيعة هذه المعادلة حفاظ بايدن على تعهده بإبقاء الحرس الثوري على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الخارجية، حتي لو أدى ذلك إلى إنهاء المفاوضات، علما بأن المفاوضات الأمريكية/الإسرائيلية كانت قد تجاوزت هذه المسألة!.
[3]– التي بدأت علاقاتها في إطار رؤية أمريكية جديدة لأفضل أدوات سيطرتها الإقليمية لفترة ما بعد الحرب الباردة، خلال الحرب العراقية الإيرانية، 1980-1988، ووصلت إلى درجات متقدمة في مواجهة تحديات حراك السوريين الديمقراطي السوري في ربيع 2011، حين تقاطعت مصالح الشريكين عند أهداف منع حدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي بين 2011-2014، وتفشيل الدولة السورية، منذ 2015.
[4]– لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار نهج استراتيجي شامل، طوال السبعين سنة الماضية، وخلال صيرورة صراع ضد منافسين محليين وعالميين (المشروع القومي العربي، وأهداف المشروع السوفياتي، أدوات السيطرة الفرنسية/البريطانية)، في بناء شبكة حماية مزدوجة، في ظل، وتحت حماية الأخطبوط الأمريكي:
– واجهات حكم محلية، تمثلها سلطات أنظمة استبداد مهيمنة، (ديكتاتوريات عسكرية، وقبلية، وديمقراطيات طائفية)، تشكل غطاء وطنياً تشاركياً، لتغلغل أدوات، ووسائل النهب الأمريكية؛
– جندرمة إقليمية، لضمان حماية، واستمرار وجود الوكلاء المحليين، في مواجهة استحقاقات مطلبية، شعبية، تئن حواضنها من آليات نهب مثلث الأضلاع، محلي (استبدادي)، إقليمي (جندرمة)، إمبريالي (أمريكي)!.
[5]– يَنظُر صناع القرار في واشنطن وطهران في تسوية لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي يقول الاتحاد الأوروبي إنه أفضل عرض ممكن لكلا الطرفين.
كتبت إليزابيث هاجدورن يوم 29 تموز، على موقع (Monitor):
بعد أكثر من عام من الدبلوماسية الدقيقة، التي عمل فيها الاتحاد الأوروبي (ومن ثم قطر) كوسيط في المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بهدف إحياء اتفاقية 2015 الممزقة، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، تم التوصل إلى مسودة نص قدمها مؤخراً منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
وصف بوريل في صحيفة فايننشال تايمز، الاقتراح، الذي يتضمن التنازلات التي تم الحصول عليها بشق الأنفس في الجولات السابقة من المحادثات، بأنه أفضل صفقة أرى أنها ممكنة، بصفتي ميسراً للمفاوضات. وقال: إن نافذة التنازلات الجديدة المهمة قد أُغلقت.!
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين بأن واشنطن تراجع مسودة التفاهم وستتبادل ردود أفعالها مباشرة مع الاتحاد الأوروبي.
وقال برايس: سوف نتواصل بشكل خاص مع حلفائنا الأوروبيين، لكن مرة أخرى، كنا على استعداد لقبول الاتفاق المطروح على الطاولة منذ بعض الوقت، ولم تفعل إيران ذلك.
من الجدير بالذكر انه كانت قد توقفت المفاوضات التي جرت في فيينا في منتصف آذار بوساطة أوروبية لاستعادة الاتفاق الأصلي، الذي فرض قيودًا صارمة على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأمريكية والدولية وانتهت المحادثات التي استمرت يومين في الدوحة في أواخر حزيران دون إحراز تقدم أو تحديد موعد لجولة أخرى من المناقشات. وقال مسؤولون أميركيون إن إيران تسببت في الانهيار من خلال المجيء إلى طاولة المفاوضات بمجموعة جديدة من المطالب.
أخبار الاتحاد الأوروبي أكثر تشاؤماً!، فقد أكدت إن مساحة التفاوض قد استنفدت الآن، ولا يوجد موعد نهائي للجانبين للرد على اقتراح بوريل، كما تبدو الأمور أكثر صعوبة في طهران للحصول على اتفاق داخلي.
من المعلوم أنه من بين العثرات الرئيسية التي واجهتها الصفقة إصرار إيران على شطب الحرس الثوري الإسلامي من القائمة السوداء للإرهاب في الولايات المتحدة، مقابل رفض إدارة بايدن لهذا الطلب، كما رفضت عرض بديل بتخفيف العقوبات المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني!
علاوة على ذلك، يريد الإيرانيون أيضاً تأكيدات بأن الإدارة الأمريكية المقبلة لن تنسحب من الاتفاق، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018؛ بينما تؤكد إدارة بايدن بأن الضمان القانوني لبقاء الصفقة بعد عام 2024، عند نهاية ولاية بايدن، غير ممكن.
يرى علي واعظي، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، أن اقتراح الاتحاد الأوروبي لا يرقى إلى مستوى توقعات إيران ومن غير المرجح أن يسد الفجوات المتبقية بين الجانبين.
[6]– أما دعاية حلف ناتووي شرق أوسطي، لمواجه إيران، وقطبها العالمي، الذي روجوا له على أعلى المستويات (ملك الأردن، ورئيس الولايات المتحدة شخصياً)، فلم يتطرق إليه المتآمرون على شعوب المنطقة بكلمة واحدة، وقد أجاد الصديق المحترم، الأستاذ أحمد علي أحمد في كشف حقيقية النوايا والأهداف:
الهدف منه هو حرف الأنظار عن الأهداف الحقيقية، وذر للرماد في العيون حول حقيقة الأهداف المناط بهكذا حلف تحقيقها، والتي يأتي في طليعتها تأبيد حالة الخراب التي أصابت المجتمعات العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي، وتأمين ديمومة حالة الإخضاع والإذلال والتجويع والتركيع التي تعيشها شعوب المنطقة، بعد انتصار الثورات المضادة وتمكين قوى الاستبداد بكل أشكالها وألوانها، هذه الأهداف التي لا يتكامل في تحقيقها الدور الإيراني مع أدوار أعضاء الحلف العتيد فحسب، بل إن إيران تقوم بمهمة مزدوجة على هذا الصعيد؛ فهي تقوم بشكل مباشر بتفتيت المجتمعات العربية وتفشيل دولها وقمع محاولات شعوبها الرامية للنهوض والتقدم عبر أذرعها الميليشاوية المنتشرة في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن من جهة، كما أنها تقدم الذرائع والمسوغات لقيام هكذا أحلاف، وبالتالي لمزيد من عسكرة المنطقة واستنزاف شعوبها وثرواتها من جهة ثانية، وفي الحقيقة فإن نظام الملالي الإيراني وأعضاء الحلف المفترض إنما يتبادلان إضفاء الشرعية لبعضهما بعضاً أمام شعوبهما، وذلك بالضد من مصالح هذه الشعوب، ومن ضمنها الشعب الإيراني.
[7]– يقول المفكر اللبناني/الفرنسي جلبير الأشقر، في كتابه الاكثر توضيحا لجذور الانتفاضات العربية الشعب يريد أن تكون دولة بهذا القدر من الرجعية. دولة نشأت كنتاج لإحدى أكثر الغزوات القبلية همجية وتفتقد إلى شرعية شعبية، أن تكون قد تمكنت من الصمود في وجه المد القومي العربي بعد حرب فلسطين سنة 1948 إنما يعود إلى حد بعيد إلى الحماية الأمريكية المكفولة لها. ويصف العلاقة بالقران: لقد كان قراناً قليل الاحتمال – عرب بدو ورجال نفط من تكساس، حكم فردي إسلامي تقليدي، متحالف مع الرأسمالية الأمريكية الحديثة – ولكنه كان قرانا مقدراً له أن يدوم.
[8]– في العقبات التي تواجه مهمة بايدن، يتجاهل الإعلام الإشارة الى عوامل المأزق التاريخي في سياسات واشنطن الإقليمية، وتركز وسائله على النتائج وعلى الأسباب الأمريكية المباشرة، المرتبطة بعواقب الحرب في أوروبا. كتبت ياسمين أحمد على موقع InterRegional for Strategic Analysis، في 18 تموز:
على الرغم من محاولة إدارة الرئيس جو بايدن الابتعاد عن قضايا منطقة الشرق الأوسط منذ وصوله إلى الحكم، وسعيها إلى التركيز بدرجة أكبر على التنافس مع الصين داخل منطقة الهندو – باسيفيك، فإن الحرب الروسية/الأوكرانية، وما صاحبها من اضطرابات في أسعار النفط والغاز العالمية، التي كانت لها تأثيرات متعددة على الداخل الأمريكي، دفعت الإدارة إلى إعادة الاهتمام بالمنطقة، وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بعد ثمانية أشهر من توليه منصبه رسمياً، التي هدفت في الأساس إلى حل مشكلة أسعار النفط التي تؤرق الناخب الأمريكي، في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة منذ أربعة عقود.
من هنا، يعتقد المراقبون أن بايدن يريد عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة التي انسحب منها سلفه دونالد ترامب، ورفْع العقوبات عن إيران، لأنها الطريق الأقصر والأكثر فعالية لكبح ارتفاع أسعار النفط الذي يُقلق الناخبين الأميركيين، وفي الوقت عينه يُضعف روسيا، التي يعتمد اقتصادها على السائل الأسود والغاز اللذين تصدرهما. الحساب بسيط: نفط غالٍ يسمح لبوتين بمواصلة حرب الاستنزاف في أوكرانيا التي تجذب اهتمام وموارد الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا. نفط رخيص يقصر من طول نفَس روسيا ويؤدي إلى تقصير الحرب، أو على الأقل لجمها على مستوى يكون محتملاً في الغرب.
مشكلة بايدن أن صفقة أحلامه مع الإيرانيين لا تثير الحماسة لدى الدولتين الصديقتين القديمتين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، السعودية وإسرائيل. فالدولتان تعتبران التقرب الأميركي من طهران تهديداً محتملاً لموقعهما الإقليمي، وتقفان موقف المتفرج من الحرب الأوكرانية، ولا تشاركان في عرض العضلات الغربي حيال بوتين. بايدن لم يعاقب إسرائيل والسعودية فيما يتعلق بأوكرانيا، وسيحاول التمهيد للاتفاق النووي مع إيران مع يائير لبيد ومحمد بن سلمان.
[9]– وعد بتقديم مليار دولار على تحقيق الأمن الغذائي، وكان هناك حديث عن تعاون، سبق الزيارة مع السعوديين لمواجهة شركة فوائد الصينية، وهذا فيه شيء من الإنجاز، بالنسبة للرئيس، ولكنه ليس جديداً تماماً، ︎لم يقدم الرئيس الأمريكي أشياء جديدة. طبعاً هناك وعود بإرسال سفن حربية إلى المنطقة، بزيادة مبيعات أسلحة أكثر تطور إلى السعودية والإمارات! أدمون غريب.
أما المقابل الذي سيدفعه بايدن لإسرائيل مضاعف: سحب يد الأميركيين من الموضوع الفلسطيني الأكثر أهمية للإسرائيليين من إيران، حتى ولو قالوا العكس مئة مرة؛ وتعميق الترتيبات الأمنية التي وُضعت خلال فترة ترامب، وعلى رأسها انضمام إسرائيل إلى المنظومة العسكرية للقيادة المركزية الأميركية (سانتكوم)، إلى جانب دول الخليج والأردن ومصر.
إن الكشف، جزئياً، عن العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل، بعد أعوام من السرية والرقابة الشديدة، هدفه إظهار وجود طرف يمكن التحاور معه، ويمكن الاعتماد عليه، وأن الاتفاق مع إيران ليس نهاية العالم، ولا نهاية الصهيونية، أو بداية محرقة ثانية.
سيحصل السعوديون من بايدن على عفو علني عن قتل المنشق جمال الخاشقجي الذي من أجله قاطعت الإدارة الحالية في واشنطن محمد بن سلمان. ما العمل؟ أسعار النفط أهم بكثير لأميركا من حقوق الإنسان في دول بعيدة. الزيارة الرئاسية ستكون طلباً للصفح، وستُظهر أن صبر السعودية أعطى ثماره، وسيضطر بايدن إلى الركوع أمام ولي العهد. سيكون الثمن مجدياً لصورة بايدن، إذا كان المقابل الذي سيحصل عليه التخفيف من ضائقة الطاقة وإزالة عقبة أُخرى من أمام الاتفاق مع إيران.
(ألوف بن رئيس تحرير هآرتس، بتاريخ 14/7/2022، تحت عنوان “مَن سيحدد ما إذا كانت زيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ناجحة هو خامنئي”).
[10]– لكن الشخص الذي سيحدد ما إذا كانت زيارة بايدن ناجحة أو فاشلة، هو المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي. هو الذي يمسك بيده القلم لتوقيع اتفاق نووي ورفع العقوبات عن بلده. إذا وقع ولمح إلى تقارُب مع الغرب، فإن ميزان القوى الإقليمي سيتغير، وستنعم إيران بالازدهار الاقتصادي والشرعية الدولية اللتين تفتقر إليهما اليوم. أما إذا رفض وتمسك بمواقفه، فسيزداد التوتر وسترتفع أسعار النفط، وستتحصن إيران في موقعها في الكتلة المعادية لأميركا مع الصين وروسيا. المرجع السابق.