في قراءة لسياق دخول النصرة على ساحة الصراع على الشمال السوري
لأن التهديدات التركية، وسياساتها لتوسيع نطاق سيطرتها في شمال سوريا، من أجل إنشاء منطقة آمنة لضرورات إعادة توطين المهجرين، ومواجهة قسد، لا تستهدف جبهة النصرة، ولن تكون على حساب مناطق سيطرتها في إدلب، كيف نفهم أهداف وسياق الاقتحام المفاجئ لجحافل الجبهة مسرح الصراع، بما يتقاطع مع أهداف المحور الأمريكي، الساعية لإعاقة وتفشيل الخطط التركية؟.
الجواب على هذا السؤال بسيط وصعب، بنفس الوقت!!
هو صعب، على الذين يتهربون من رؤية حقائق الواقع التي تقول بتقاطع مصالح قسد والنصرة وأذرع إيران على صعيد الداخل السوري، مع روسيا والولايات المتحدة، على الصعيد الدولي، في هذه اللحظة السياسية من المواجهة مع اهداف المشروع التركي.
الجواب البسيط والواضح هو أن دخول جبهة النصرة على خط المواجهة مع تركيا (وليس لصالح تنفيذ مخططاتها، كما يروج بعضهم، في محاولة لمنع الوصول إلى الاستنتاج الموضوعي الصحيح)، لا يمكن أن يكون خارج تفاهمات مع جميع القوى التي تواجه تركيا اليوم، وخاصة الولايات المتحدة؛ ويفسره، من جهة أولى، سعي قيادة الجبهة لاستغلال ظروف الصراع من أجل الحفاظ على مكاسبها العسكرية الحالية، وربما تحقيق بعض المكاسب السياسية، في إطار مشروع تأهيل سلطات الأمر الواقع الأمريكي، عبر التأكيد على جاهزيتها لتقديم خدماتها، ورغبة الولايات المتحدة، من جهة ثانية، باستخدام ورقة النصرة ،في مواجهة السياسات التركية، كوسيلة ردع جديدة، لم تضطر للجوء إليها في مواجهة حرب نبع السلام، 2019، وهو ما يؤشر إلى حجم الاستعصاء الذي تواجهه الجهود الدبلوماسية والسياسية الأمريكية لثني تركيا، وينذر بدخول المنطقة في دوامة عنف لانهاية لها!.
فهل يستطيع الرئيس أردوغان إيجاد مخرج لحالة الاستعصاء الحالية، بمساعدة شريكه الروسي، الذي بدوره يبحث عن نقاط تقاطع مع تركيا، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها في حربه العدوانية ضد أوكرانيا؟ هو الاحتمال الأرجح، لكنه ليس الوحيد!!
على أية حال، المؤكد أنه ليس من مصلحة تركيا أن تدخل في حرب وكالة مع جبهة النصرة، قد تُعيد خلط كامل أوراقها السورية؛ بسبب تداخلات المصالح المعقدة مع الجبهة من جهة، وبين بعض فصائل الجيش الوطني والنصرة، من جهة ثانية؛ وهذا يفسر عدم دخول الجيش الوطني في مواجهات كبيرة مع جحافل جيش النصرة المتقدمة بكل أريحية، وثقة بالنفس، تجاه عفرين، أحد أكبر معاقل الجيش الوطني!!.
والمؤكد أيضاً أنه ليس ثمة حدود لقدرة الولايات المتحدة على استخدام الجميع، وعلى خلط الأوراق، ودفع الصراع بما يحقق مصالحها![1].
الهجوم التركي الجديد، في حالة حصوله، سيقلص حصة الولايات المتحدة ووكيلها قسد، لصالح تركيا، وشركائها السوريين؛ رغم أن التهديدات التركية، في أهدافها المُعلنة، تستهدف قسد!!.
إن تقلص حصة السيطرة الأمريكية، مقابل تمدد التركي، هو العامل الرئيسي الذي يفسر سعي الولايات المتحدة لتشكيل تحالف واسع ضد تركيا، وتفشيل سياساتها، تماماً كما كانت عليه الحال خلال سنوات صراع تقاسم الحصص، منذ التدخل العسكري الأمريكي والروسي المباشر، 2014-2015.
منذ ذلك الحين، تدخل الولايات المتحدة وتركيا في صراع كبير للسيطرة على شمال سوريا، استخدم فيها الحليفان السابقان خلال مرحلة الحرب الباردة وشركاء النيتو، جميع الأدوات والوسائل المتاحة، في لعبة تبادل المصالح مع شركاء الصراع على السلطة السياسية الآخرين – الروسي والإيراني والسعودي والمصري والإسرائيلي – وبأذرع الثورة المضادة الميليشياوية!!.
النموذج الأكثر وضوحاً لطبيعة علاقات الصراع بين تركيا والولايات المتحدة يمكن أن نجده في مواجهة هجوم نبع السلام ، تشرين الأول 2019، حين استخدمت الولايات المتحدة نفس التكتيك، ليتقدم جميع خصوم تركيا إلى الواجهة، ولتمارس الولايات المتحدة دور الوسيط، فكانت مكاسب التركي أقل بكثير من المأمول، وهو ما يفسر محاولة النظام التركي في هذه المرحلة، في استغلال واضح لبعض المستجدات، استكمال أهداف نبع السلام، لكن، أخشى أن تكون دون جدوى!.[2]
من المؤسف الاعتراف بان الخاسر الأكبر، في الجولة الأخيرة من الصراع الإقليمي والدولي، لتقاسم الحصص ومناطق النفوذ، هم السوريون، جميع السوريين، ومقومات الدولة السورية!!.
السلام والعدالة لنا جميعاً.
[1]– في كل محاولة للنظام التركي الضغط لتوسيع حصته على حساب الشريك الأمريكي وذراعه قسد، واجهته الولايات المتحدة عسكرياً بشكل غير مباشر، من خلال تنسيق تمدد أذرع منافسيه الروس والإيرانيين بما يجعل من محاولاته غير مجدية، ولا تؤدي عملياً إلا إلى إضعاف سيطرة PYD (وهو منافس ثانوي)، لصالح تمدد إيراني، أكثر خطورة؛ وقد استخدمت الولايات المتحدة نفس النهج في مواجهة جهود روسية إيرانية لتوسيع حصة سوريا المفيدة على حساب إمارة النصرة الإدلبية، في تبادل للأدوار بين التركي والروسي/الايراني!.
[2]– خلال الأيام الأولى للحملة العسكرية، التي انطلقت في 9 تشرين الأول 2019، توغلت القوات التركية المهاجمة، وحليفها، الجيش الوطني السوري، في الداخل السوري بعمق نحو 30 كم، على جبهة القطاع الأوسط لمنطقة شرق الفرات، وتحديداً في مدينة رأس العين التي انسحبت قسد منها، وسيطرت على أكثر من 3000 كم2.
لاحقاً، في سياق الجهود الديبلوماسية لإنهاء معارك نبع السلام ، اتفاقان اثنان أبرمتهما القيادة التركية، في ظل حملة ضغوط أمريكية واسعة؛ الأول مع الولايات المتحدة، والثاني مع روسيا، وأنهت بموجبهما العملية العسكرية، دون تحمل تكلفة الآلة العسكرية المادية والبشرية، ونتج عنهما اتفاقات تحاصص بعض مناطق قسد بين النظام السوري وتركيا والولايات المتحدة؛ وهو ما منع السيطرة على جميع المناطق التي استهدفتها الحرب.
من جهة أولى، حصل في 13 تشرين الأول، اتفاق بين مسد والحكومة السورية لمواجهة الهجوم التركي، سمح للجيش السوري (الإيراني) بدخول، أو الإحاطة ببلدات ومدن منبج، الطبقة، الرقة عين عيسى، وعين العرب، وتل تمر.
من جهة ثانية، توصل نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، الخميس 21 تشرين الأول 2021، إلى اتفاقٍ مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقضي بتجميد العمليات العسكرية لمدة 120 ساعة، مقابل انسحاب قسد خارج عمق 30 كم، على أن يتم استمرار هذه الهدنة في حال انسحبت قسد من المدن والبلدات التي تريد تركيا تأسيس المنطقة الآمنة فيها.
بعدها مباشرة، مذكرة التفاهم الروسية – التركية، التي توصل إليها الجانبان الثلاثاء في سوتشي، وذلك بعد جلسة مغلقة امتدت لخمس ساعات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتفق الجانبان على أن تحافظ تركيا على ما سيطرت عليه من مناطق خلال الأيام الاولى من معركتها، تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلو متراً، مقابل انتشار دوريات روسية وتركية على طول كامل الحدود السورية – التركية في شرق الفرات بعمق 10 كم، وتسيير دوريات روسية مع عناصر من حرس الحدود التابع للنظام السوري في المنطقة التي يمتد عمقها من 10-32 كم، وانسحاب المقاتلين الأكراد بسلاحهم الثقيل، بعمق 30 كم بعيداً عن الحدود السورية – التركية، على أن يتم الانتهاء من هذه العملية بحدود 150 ساعة، ابتداءً من الساعة 12.00 ظهراً من يوم 23 تشرين الأول.