في قراءة بعض أفكار البيان الاندماجي لتيار مواطنة، ونواة وطن!
ورد في الفقرة الرابعة:
4- لا نعتبر أن الاحتجاجات التي بدأت في سوريا في آذار 2011، جاءت في سياق مؤامرة خارجية تقودها حركات إسلامية إرهابية تكفيرية وتحركها الإمبريالية والصهيونية وبلدان الخليج وتركيا… إلخ. ولكن لا بد أن نقر أن ما سميت بثورات الربيع العربي انتهت لتصب في خانة الإسلام السياسي، وهو أمر مفهوم في سياق تطور هذه البلدان والملابسات المعقدة والعميقة التي أحاطت بهذا السياق الراهن والتاريخي.
لنحاول فهم طبيعة اللغة السياسية التي يستخدمها الأصدقاء في قراءة، وتفسير اكثر قضايا الصراع إشكالية في الوعي السياسي النخبوي الديمقراطي، مسألة الأسلمة، أسلمة الحراك:
بداية نقدر عالياً أهمية الخطوة الاندماجية على طريق بناء جبهة ديمقراطية سورية، ونثمن قراءة الأصدقاء، ونتفق معهم حول موضوعية الاعتقاد بعدم حصول الاحتجاجات التي بدأت في آذار 2011 في سياق مؤامرة خارجية، تقودها حركات إسلامية إرهابية تكفيرية وتحركها الإمبريالية والصهيونية وبلدان الخليج وتركيا، طالما المقصود هو الحديث عن طبيعة الحراك – بأسبابه، ودوافعه، وقواه، وسياقه التاريخي – بما هو إحدى محطات نضال السوريين التاريخي لفرض إصلاح النظام السياسي، والسير على طريق بناء مقومات مشروع وطني حضاري ديمقراطي. لكن عندما نحاول قراءة القسم التالي، في نفس الفقرة، الذي يقر بأن ما سميت بثورات الربيع العربي انتهت لتصب في خانة الإسلام السياسي، وهو أمر مفهوم في سياق تطور هذه البلدان والملابسات المعقدة والعميقة التي أحاطت بهذا السياق الراهن والتاريخي، ندرك إلى اية درجة فقد الأصدقاء بوصلة التحليل العياني، الموضوعي، في فهم طبيعة مسألة الأسلمة، أكثر قضايا الصراع إشكالية!!
أولاً: في وضع النقاط على الحروف!!
1- إن محاولة لغة الفقرة التعميم، بالحديث عن ثورات الربيع العربي لا يُخفي أن المقصود، في قراءة مسألة عوامل أسلمة الحراك، هو ثورة الربيع السوري ، ليس فقط لأن الهم الأساسي لأصحاب البيان هو القضية السورية، ويعنيهم بالدرجة الاولى قراءة المشهد السوري، بل أيضاً، لأن بداية الفقرة تُشير بوضوح إلى الاحتجاجات التي بدأت في سوريا في آذار 2011. إذن، المعني بالتحليل هو الحالة السورية، بالدرجة الأولى، رغم تشابه السياقات!
2- وفقاً لما يمكن فهمه، إن انتهاء ثورة الربيع السوري، لتصب في خانة الإسلام السياسي (بمعنى، تحول طابع الثورة، السلمي المدني، وانتقال حراكها على مسارات العنف الطائفي، والأسلمة)، يفسره (وهو أمر مفهوم في سياق تطور هذه البلدان – سوريا)، بمعنى، تعود أسبابه، أو تكمن أسبابه في سياق تطور هذه البلدان. بمعنى، طالما نتحدث عن الشكل الإيديولوجي الذي تمظهر به الصراع (الأسلمة)، فإن اسبابه ترتبط بعوامل البنية الثقافية/الدينية، الإسلامية، التي تشكل إيديولوجياتها عقلية شعوب المنطقة!
بمعنى أدق، إن أسباب، وعوامل، وجهود، دفع الحراك السلمي على مسارات الأسلمة والتطييف، تتعلق بالبنية الثقافية/الإسلامية للشعب السوري، وليس لها علاقة (ربطاً بالفقرة الأولى) بخطط خارجية تقودها حركات إسلامية إرهابية تكفيرية وتحركها الإمبريالية والصهيونية وبلدان الخليج وتركيا، أليس كذلك؟
3- القول بأن ما سميت بثورات الربيع العربي انتهت لتصب في خانة الإسلام السياسي، وهو أمر مفهوم في سياق تطور هذه البلدان، يمكن أن يُقصد به، بالإضافة إلى مسؤولية خصوصية ثقافية، عقائدية وفكرية، ترتبط بالتراث والدين (طبعاً الإسلامي)، أسباب تتعلق بطبيعة بنية النظام؛ الخاصة، الطائفية، الفريدة، التي دبُجت عشرات الدراسات، شارك فيها باحثون يرتبطون بمراكز بحوث عالمية، لتأكيدها، على حساب أهمية العوامل الأخرى.
إذا كنتم تقصدون بعوامل السياق التاريخي لتطور سوريا فقط ما يرتبط بسلوك النظام، لماذا هذا الغموض في استخدام عبارة غير واضحة الدلالة، تتحدث عن الملابسات المعقدة والعميقة، أحاطت بهذا السياق الراهن والتاريخي، وتخلقتشويشاً في ذهن القارئ، وتدفعه لاستحضار ما يروج عن دور العامل الثقافي/الفكري والإيديولوجي في خلق الاسلام السياسي، في تغييب لدور العامل السياسي، المرتبط بسياسات نظام الإستبداد، وشركائه الخارجيين؟
4- كيف نفهم اسباب الانفصال، الواضح في الوعي السياسي الذي دبج البيان بين ما يؤكده في هذه الفقرة من براءة قوى المؤامرة الخارجية من اللجوء إلى سلاح الأسلمة، (طالما أتت أسبابها في سياق تتطور هذه البلدان)، لدفع الحراك السلمي على مسار التطييف، وبين ما تشير له فقرة أخرى بوضوح عن دور خارجي حاسم في دعم سلطة النظام، تجسد في تماسك موقف حلفاء السلطة المحليين والاقليميين والدوليين وانخراطهم الحاسم وراء خيار السلطة الأمني المتوحش منذ 2012؟
هل يقصد الأصدقاء باقتصار دعم حلفاء السلطة المحليين والاقليميين والدوليين على ما يقوي خيار السلطة الأمني فقط، دون الخيار الطائفي ، بما يؤكد على فصل مساري العنف والتطييف؟!
الفصل بين مسارات العنف والتطييف في أجندات تحالف القوى المعادية للانتقال السياسي، وتحميل بنية ثقافية فكرية محددة مسؤولية الأسلمة، هي بعض أفكار القراءة السياسية التي يُريد الأصدقاء الأعزاء في تيار مواطنة – نواة، تقديمها للسوريين. هذا ما أفهمه، وهو ما أستميح الأصدقاء العذر في محاولة نقده، على أمل تعزيز رؤية أكثر موضوعية لطبيعة الصراع، في سياقه، وأهدافه، وقواه، ووسائله.
ثانياً: في قصور رؤية طبيعة الحراك الوطني، خلال المرحلة الأولى من الحراك، والعجز عن رؤية العلاقة الجدلية بين العنف المسلح والتطييف!
في سوريا، ربيع 2011، حراك شعبي، سلمي، متزايد الفاعلية والامتداد على كامل مساحة البلاد، (في سياق تمرد إقليمي، يرفض استمرار نهج وأدوات سيطرة ونهب تشاركية، ينادي بالإصلاح والتغيير، في مواجهة تعنت سلطات انظمة ا معادية للديمقراطية، كان للولايات المتحدة وروسيا السوفياتية، خلال صراعات الحرب الباردة، الدور الرئيسي في صناعتها)، يهدد، في حال استمرار زخمه، وتجرؤ المزيد من السوريين على الانخراط في صفوفه، بفرض شكل ما من أشكال التحول السياسي، قد يهدد بكسر حلقة الاستبداد السورية، ويفتح ابواب سوريا، والمنطقة، أمام تغييرات تاريخية كبرى؛ وقد شاهد الجميع بأم العين ما اظهرته نخب نشطاء الحراك من وعي وطني، تجاوز جميع الغام التفتيت القومي والإثني والمذهبي والاجتماعي والقبلي والعشائري، وما أبداه ملايين السوريين من إصرار، وقدموه من تضحيات خلال الأشهر الاولى من الثورة، أهلهم للصعود على مسرح الصراع، وحولهم إلى قوة وطنية، وإلى رقم صعب في حسابات الصراع وموازينه، يصعب تجاوزه![1]
وهنا، نتساءل:
هل يفسر هذا التغيير في موازين قوى الصراع السياسي، لصالح أهداف المشروع الديمقراطي/الوطني (غير الطائفي)، وقواه، وما يحمل استمرار المد الشعبي السلمي من مخاطر على سلطة النظام، ونهج الحكم التسلطي، وشبكة واسعة من المصالح الإقليمية والدولية، طبيعة الادوات التي لجأ أعداء التغيير لاستخدامها، وهل اقتصرت على وسائل العنف والعسكرة؟
في صيف، وخريف 2011، كان قد وصل حراك السوريين إلى درجة من القوة، والثبات، أصبح يستحيل معهما احتواؤه، وأصبح تصاعد العنف السلطوي يؤدي إلى ردود أفعال أكثر عنفاً وتضامناً بين السوريين، باتت تهدد أركان النظام، وتضع سلطته أمام استحقاقات ديمقراطية، لا فكاك منها!!
هنا، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من نضال السوريين التاريخي للخروج من نفق الاستبداد، ودوامة الصراع على السلطة، أصبحت صناعة عدو إرهابي – إسلاموي، (عبر تحويل الصراع السياسي إلى حرب أهلية، تتطاحن فيها ميلشيات طائفية إرهابية ، تبرر سياسات النظام، وتدخل الدول الإقليمية، وغيرها، ويؤدي إلى هزيمة أهداف الثورة، وتدمير قواعدها الشعبية وحواضنها الاجتماعية، وتعويم سلطة النظام)، هدف تحالف محلي، دولي، إقليمي، وتقاطعت وسائل الجميع لتحقيقه؛ وهو ما يفسر الأسباب السياسية الحاسمة لتحول طبيعة ما سميت بثورات الربيع العربي، وما انتهت إليه، لتصب في خانة الإسلام السياسي وليس سياق تطور هذه البلدان والملابسات المعقدة والعميقة التي أحاطت بهذا السياق الراهن والتاريخي، أليس كذلك، أيها الأصدقاء الأعزاء؟[2]
هل نحتاج التذكير بعشرات الأحداث التي تؤكد على الترابط الجدلي بين العنف والأسلمة في أدوات وأجندات تحالف القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، محلياً وإقليمياً، بل وعلى صعيد سياسات روسيا والولايات المتحدة؟ ألم يكن الهدف الرئيسي لميلشيات الدفاع الوطني إطلاق وتأجيج الشكل الطائفي للصراع؟
ألم يجسد دور العرعور، تلك العلاقة الجدلية، في تكامل نشاطه بين التحريض الطائفي، والدعم المالي، لشراء السلاح؟
هل اقتصرت جهود الأسلمة والتطييف على منابر وجهود حلف النظام؟
كيف نقرأ ما استنتجه مقال أحد أبرز داعمي الثورة، الإعلامي الشهير غسان عبود في تحالف الأقليات: كشف انفجار الثورة السورية اللثام عن تحالف أقليات في المنطقة يستهدف السنة العرب!!
كل التحية والود.
[1]– جاء في برنامج الهيئة العامة للثورة السورية التي تأسست في 18 آب 2011، في تركيا، وضمت أكثر من أربعين تشكيلاً من لجان التنسيق، القيادة الوطنية الديمقراطية للحراك:
… تعمل من أجل إقامة حكومة دستورية وديمقراطية تحترم التنوع الثقافي والسياسي والديني وحقوق الإنسان عبر إرساء مؤسسات مدنية وديمقراطية. وتنادي الهيئة بالحرية استناداً إلى حقوق الإنسان والعدالة والمساواة والكرامة، كما تطالب بإسقاط نظام الأسد وترفض كل أشكال الحوار أو التفاوض معه، وتدعو إلى محاكمة شخصيات النظام المسؤولة عن قمع المعارضة.
ثم، لنلاحظ التغيير الذي طرأ على قوى الحراك السلمي، بفعل جهود دفع الصراع السياسي على مسارات العنف، وتفشيل خيارات الحل السياسي:
كما جاء في التقرير السابق، حول الهيئة العامة للثورة: شددت الهيئة في البداية على إسقاط النظام بالوسائل السلمية، وفضلت اللجوء إلى التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني والتواصل الاجتماعي والتغطية الإعلامية للانتفاضة لإطلاع العالم على ما يجري في سورية، كما دعمت التحركات السلمية الأخرى لتوحيد صفوف المعارضة وجذب أعضاء جدد إليها. وإذ اتخذت الثورة طابعاً أكثر عسكرية في منتصف العام 2012، بدلت الهيئة العامة موقفها ودعت إلى التدخل العسكري الأجنبي، وهي الآن تساند المجموعات المسلحة داخل سورية، مثل الجيش السوري الحر، مساندةً فاعلةً عن طريق مدها بالمساعدة اللوجستية والتمويل والدعم المخابراتي على الأرض. Kerr Carnegie Middle Carnegie MEC
[2]– أليس في لغة السيد محمد حيان السمان، المباشرة، في الحوار المتمدن، ما هو أوضح:
لقد انطلق النظام السوري بفاشيته الدموية لمواجهة الحراك الشعبي وترويعه، تمهيداً لاستعادة حالة الإذعان السابقة والمحافظة على تأبيد سلطته المستبدة الفاسدة؛ من قاعدتين أساسيتين يجيد تفعيلهما بشكل معروف منذ ثمانينيات القرن المنصرم: الحل الأمني القائم على استخدام أقصى درجات العنف والتوحش، واستثارة الوعي الطائفي. والنظام كان، كي يوفر فضاءً مناسباً لتفعيل هاتين القاعدتين ويبرر استخدامهما، يتهم – بالمقابل – الحراكَ بأنه عنفي إرهابي طائفي، بينما لم يكن الثوار آنذاك يتوسلون في مظاهراتهم بغير شعارات من مثل: الشعب السوري واحد… وبأغنيات القاشوش التي ترى أن سوريا بدها حرية، وتطالب الطاغية بالرحيل. لكن العسكرة – وللأسف – جعلت من هذه الاتهامات الباطلة في حينه، حقيقة واقعة وملموسة فيما بعد.