في طبيعة مهام قسد
إضافة إلى دورها الحاسم، المتواطئ مع الدور الروسي، في تفشيل جهود السلام السورية والإقليمية خلال 2011، التي كانت أكثرها موضوعية “خطة السلام العربية – التركية 2″، فإن أخطر ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة تحدي الربيع السوري، ومن أجل هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي، تجسد في خطوتين رئيسيتين، مترابطتين، كان لنتائجهما الدور الحاسم في إنجاح أهداف الخيار العسكري/الطائفي الميليشياوي، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة:
1- إجراء “انسحاب تكتيكي” من بغداد وداخل بعض المدن العراقية، سمح لإيران، وعميلها المخلص في بغداد، زعيم حزب الدعوة، الذراع العسكري والمخابراتي الإيراني الأخطر، “نور المالكي”، الذي ترأس الحكومة، بتكليف من طهران، وتوكيل من واشنطن، في أخطر مرحلة تاريخية من قيام العراق بعد الغزو الأمريكي، وفي مواجهة تحديات الربيع العربي، في محطته السورية، “2006-2004″، بتحشيد، وتمويل، عشرات الميليشيات الطائفية المسلحة، السنية “داعش” والشيعية “الحشد الشعبي” التي كان لها الدور الحاسم، بالتكامل مع جهد سعودي مماثل، في دفع الصراع على مسار الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي، وهزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري.
2- التنسيق محلياً وإقليمياً لإطلاق قوات” أوجلان” التركي، وفرعه السياسي السوري، الحزب الديمقراطي، بزعامة صالح مسلم، وتأسيس ميليشيا “قسد” وتحشيد الكرد، وباقي الأقليات، في الجزيرة السورية، خلف مشروع سياسي، شكلت “مسد” واجهته الديمقراطية، المدنية، وشكل الهدف الرئيسي له دق إسفين في الجسد السياسي السوري الديمقراطي، وفصل نضال الكرد التاريخي الوطني الديمقراطي عن مسار النضال السياسي السوري الشامل؛ إدراكاً منهم بأهمية دور الكرد الحاسم في انتصار أهداف التغيير، وباستحالة انتصار أهداف المشروع الديمقراطي السوري، في معزل عن الكرد، أو في مواجهة مشروعهم الخاص، نظراً لدورهم الوطني الديمقراطي العظيم في نضال السوريين التاريخي.
من المؤلم القول بنجاح جهود “قسد”؛ بفضل دعم أمريكي غير محدود، وتواطؤ أطراف المحور الروسي، وبعض قوى “المعارضات”، وتحت غطاء مواجهة “داعش”، التي كان للولايات المتحدة الدور الأساسي في إطلاقها من العراق، ومن خلال واجهتها السياسية “مسد”؛ في وضع الأجندة الكردية الخاصة، في مواجهة الأجندة الديمقراطية لعموم السوريين، فحققت بذلك عاملاً حاسماً في خدمة أهداف أعداء التغيير الديمقراطي في سوريا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وساهمت في هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري.
تعمل “قسد اليوم”، استكمالاً لدورها، من خلال منابر “مناصريها” السياسية والثقافية، ورموز سياسية وإعلامية معروفة، وباستخدام ما يوفرها لها الغطاء الأمريكي والروسي من حماية، ودعم مالي، مسروق من ثروات السوريين، لاستمالة خيرة النخب السياسية “الديمقراطية” السورية، للسير في إطار مشروعها، بما يعمق اغتراب القوى السياسية الوطنية عن مسارات النضال الديمقراطي للشعب السوري، ويدفعها للارتهان إلى أجندات قسد، وداعميها الإقليميين والدوليين، المعادية لأهداف المشروع الديمقراطي.
من المؤسف أيضاً القول بما تلاقيه مهمة “قسد” من ترحيب في وسط القوى الديمقراطية، وتسابق البعض للحصول على ما تقدمه من فتات، نتيجة لحالة إحباط، وعجز يعززها إصرار أمريكي – روسي على استبعاد القوى الديمقراطية، ورفض أدنى اشكال التغيير السياسي، وما ينتج عنه من إغلاق جميع أبواب الأمل!
ما يؤكد على موضوعية تلك القراءة لدور “قسد”، في إطار علاقاتها البينية مع قوى “الثورة المضادة”، المحلية والإقليمية والدولية، أهمية قيام مشروع في أولويات السياسات الأمريكية تجاه الصراع في سوريا، وإدراك واشنطن لضرورة “تحييد الكرد” في إطار إنجاح مشروع الثورة المضادة، الساعية قواه لهزيمة أهداف المشروع الديمقراطي السوري، عدم تردد سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة ليس فقط بحجم الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي وفرته لقيادة “قسد”، وما تزال حتى اليوم، بل الأهم من ذلك، في “تخليها” عن حليف استراتيجي إقليمي، وشريك كبير في “حلف الناتو”، بأهمية وموقع تركيا، التي شكل لها الموقف الأمريكي أخطر التحديات في مواجهة آثار وأخطار الخيار العسكري، الذي كان من مصلحتها معارضته، ودعم خطط التسوية السياسية العربية طوال أعوام 2011-2012، وجميع جهود إيجاد حلول سياسية للصراع، دون أن تلقى جهودها أذناً صاغية في واشنطن، وهو ما أدى إلى تورطها في الصراع العسكري، خاصة بعد رفض واشنطن القاطع لجهود إقامة منطقة آمنة، تمنع تدفق ملايين السوريين إلى الداخل التركي، وتحول دون قيام “كيان كردي”، وهو ما يفسر أحد أسباب خيبة أمل القيادة التركية، واضطرارها للتنسيق مع الروس والإيرانيين، في محاولة لتجنب أخطار مواجهات عسكرية كبرى في لتحجيم أخطار المشروع “القسدي”، ورغم ما أدى إليه من وضعها في خندق القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، وعلى حساب مصالح السوريين، ومقومات الدولة السورية.
من الجدير بالذكر لفت انتباه السوريين عموماً وشرفاء الكرد الديمقراطيين بشكل خاص، وقادة قسد، وحاشيتها، أيضاً، على حقيقة أن المصالح والسياسات الأمريكية في تفشيل أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري هي التي دفعت واشنطن للرهان على دور الكرد، ودعم أهداف وأدوات أجنداتهم الخاصة، وليس أبداً حرصها على تلبية أهداف وحقوق الكرد المشروعة، التي لن تتحقق أبداً إلا في إطار الدولة الديمقراطية الوطنية السورية؛ وهو ما يعني استعداد واشنطن للتخلي عنهم، كما فعلت في تعاملها مع “أدوات سابقين”، عندما تجد في قوة أخرى، سورية أو خارجية، خياراً أفضل لضمان استمرار حالة التفشيل الوطني الذي وصلت إليه سورية، وضمان استمرار سياسات العداء لسبل التغيير الديمقراطي.
السلام والعدالة للشعب السوري.