fbpx

في طبيعة المرحلة.. تحديات ومهام

0 19

نتفق جميعاً على حقيقة أنه من أبرز إيجابيات إسقاط سلطة النظام السابق هي توفر شروط ازدهار الحريات السياسية التي ننعم بها اليوم – التعبير عن الرأي واستخدام جميع وسائل النضال السياسي السلمي، بما فيها التظاهر وتشكيل التنظيمات السياسية وتجمعات النشاط المدني – كما نتفق على وجود حالة من التخبط والتشرذم التي يعاني منها النشاط النخبوي، وما قد تضعه من عقبات في وجه التحول إلى قوة سياسية وطنية فاعلة.

إذ يعزوها بعضهم عموماً إلى أمراض ذاتية ترتبط بطبيعة “البورجوازية الصغيرة” السياسية، وما لحق أمراضها من تعفن في عواقب سياسات النظام السابق الاستبدادية، وشكل أخطرها تمترس الوعي السياسي والثقافي النخبوي خلف نظريات مؤدلجة، منفصلة عن وقائع الصراع وحقائقه، وافتقار الوعي السياسي النخبوي الرائج للقراءات السياسية الموضوعية لطبيعة الأحداث وعوامل سياقاتها، وما ينتج عنها من فقدان بوصلة النضال السياسي الوطني الديمقراطي.

هذا التجمع الرائع اليوم، أيها الأصدقاء الأعزاء، يأتي في إطار إدراكنا لمخاطر غياب بوصلة الوعي السياسي والثقافي على حراكنا الميداني السلمي الديمقراطي، وحرصنا على فهم طبيعة المرحلة، وما تواجهه من تحديات، وتحمله من آمال.

أعتقد أن توحيد رؤيتنا السياسية يشكل عاملاً رئيسياً في مسعى كل منا لتوحيد جهودنا داخل أطر النشاط المدني السياسي، بما يحولنا الى قوة سياسية، قادرة على القيام بواجبات المرحلة الوطنية الأكثر إلحاحاً – حماية السلم الأهلي والدفاع عن حقوق السوريين السياسية الوطنية والديمقراطية المشروعة في إطار عملية الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي الجارية على الصعيد الوطني.

من نافل القول، أن الوصول إلى قراءة موضوعية لطبيعة المرحلة السياسية الجديدة التي أطلق صيرورتها نجاح نضالات السوريين التاريخي في إسقاط سلطة النظام السابق في الثامن من ديسمبر المجيد، يتطلب معرفة أبرز عوامل سياق الحدث التاريخية. إن قراءة هذا الحدث العظيم في سياق عوامله التاريخية هو ما يجعل التاريخ حواراً مستمراً مع الحاضر، يثري فهمنا له، ويساعدنا على فهم مجريات الأحداث في مساراتها ومآلاتها المستقبلية.

أعتقد جازماً أن توخي علمية البحث والحرص على موضوعية ما يصل إليه من استنتاجات يتطلب التحلي بشجاعة تجاوز ما هو مسلم به، وتحدى الروايات الرسمية والمألوفة والمتعددة التي تشكل الرأي العام بفعل قوة الدعاية والترويج، واضعاً في اعتباري أن معرفة حقائق المرحلة الراهنة من الصراع على سوريا تتطلب غوصاً عميقاً في التفاصيل، وإعادة النظر في الحقائق السائدة من زوايا متعددة، وتشمل كذلك القدرة على تنظيم العلاقات بين الأحداث التاريخية وفهم منطقها الجدلي في تناقض مصالح قوى الصراع، في السعي لدراسة طبيعتها والوصول إلى جوهر الحقيقة التاريخية. إذا كان الضخ الإعلامي والسياسي والثقافي، (وما يستخدمه من جيوش منظمة من اليوتيوبرز الساعون إلى الشهرة والارتزاق والمحللين المرتهنين والمسؤولين الحكوميين، والنخب المؤدلجة، الذين يجمعهم هدف العداء لقوى ومسارات الصيرورة السياسية الجديدة، والسعي لتفشيلها، بغض النظر عن العواقب المحتملة على الأمن القومي السوري)، يركز جهود أدواته على تعميق الجروح التي أحدثتها حروب تقاسم سوريا وتفشيلها، وتحويل الحواجز والحدود التي صنعتها مصالح الدول ومرتزقتها من السوريين وغيرهم والتي باتت تمزق الشعب والجسد السوري، إلى حالة دائمة، رافعين يافطات الدفاع عن حقوق الأقليات والمكونات والطوائف، للتغطية على حقيقة الأهداف التي يعملون عليها، أحاول شخصياً، لدوافع وطنية وإنسانية وأخلاقية، كشف أبرز الأخطار التي يمكن أن تصيب سوريا والسوريين، في حال نجاح جهود جبهة القوى التي تعمل على قطع مسارات الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، على جميع الصعد والمستويات.

ضمن هذا الهم الوطني الكبير، وفي إطار الحرص على تقديم قراءة موضوعية، سأعرض أبرز عوامل السياق التاريخية التي تأتي أحداث المرحلة في سياقها، قبل الانتقال في ضوء وقائعها إلى توضيح ما أعتقده مخاطر محدقة بالأمن القومي السوري.

أولاً: في طبيعة عوامل سياق الصراع على سوريا في أعقاب حراك ربيع 2011

1- أتاح تقاطع مصالح وسياسات شبكة واسعة من الدول والحكومات والقوى للرئيس المخلوع بشار الأسد (وطغمة ضيقة من حاشيته السياسية والأمنية والعسكرية المرتبطة بشكل مباشر بقيادة وأذرع “الحرس الثوري الإيراني”)، دفع حراك السوريين السلمي المطلبي المشروع خلال 2011 على مسارات التطييف والميلشة[1]، وقد كان من الطبيعي في منطق الصراع وأدواته، وما تكامل معهما من جهد إقليمي يتشابه في الطبيعة والأدوات، أن تنجح جهود قطع مسارات تحول الحراك إلى ثورة وطنية ديمقراطية وتفشيل مؤسسات الدولة وميلشة الجيش، وسيطرة الفصائل والميليشيات المتصارعة على السلطة ومناطق النفوذ على كامل الجغرافيا السورية عند مطلع 2014!

2- عندها، استغلت إدارة أوباما الديمقراطية،[2] تصدر “داعش” مشهد الصراع، وما نفذته أذرعها من عمليات إرهابية داخل أوروبا، كمبرر، وغطاء سياسي وأخلاقي وإنساني، لتشرعنه تدخلاً عسكرياً مباشراً خلال صيف 2014، حشدت له كما درجت العادة تحالفاً واسعاً من القوى الإقليمية والدولية تحت يافطة محاربة الإرهاب الداعشي، ونسقت في نفس الإطار تدخلاً عسكرياً روسيا، بدءاً من أيلول 2015، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وحماية مؤسسات الدولة السورية، وتطبيق القرار 2254، وكان الهدف الرئيسي لواشنطن هو إعادة تقاسم الجغرافيا السورية لصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وبما يحقق أهداف مشروع سيطرتها على سوريا، والقوى والأدوات الشريكة التي تورطت في مسارات الحرب.

3- وهكذا، خلال 2019 علن الرئيس ترامب عن نهاية المهمة – بعد هزيمة داعش في آخر معاقلها في مدينة الباغوز، منطقة البوكمال سوريا – والنية عن انسحاب القوات الأمريكية وبالتالي توكيل روسيا وتركيا بمهمة إنجاز “الملف السياسي”، وقيادة خارطة طريق تنفيذ القرار 2254؛ ولم يكن ذلك في الواقع سوى بعض وسائل التضليل التي تستخدمها أدوات ومراكز بحوث صناعة الدعاية السياسية الأمريكية.

في مطلع 2020 نجح الديمقراطيون في العودة إلى البيت الأبيض برئاسة بايدن، وتم توقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي، في إطار “الدولة الضامنة” لمسار أستانة، منهية بذلك المعارك الكبرى في الحروب على تقاسم الحصص، وفاتحة فرصة الذهاب على مسار الحل السياسي الشامل.

4- بعيداً عن حقيقة النوايا والخطط، الوقائع الأساسية في المشهد العسكري والسياسي السوري عند توقيع اتفاقيات 5 آذار 2020، تبين تبلور وتثبيت حدود خارطة تحاصص السيطرة الجيوسياسية السورية الجديدة، حيث برزت أربع سلطات أمر واقع ميليشاوية، باتت، بخلاف ما كان عليه النظام السياسي السوري منذ الاستقلال، تشكل أدوات ومرتكزات “نظام سوري تشاركي” جديد، تتميز سلطتة الأسدية باستمرار حصولها على الشرعية الدولية والسورية، وبسيطرتها على الحصة الأكبر من الجغرافيا السورية.[3]

5- في حين ركزت سلطات الأمر الواقع، خاصة في شمال شرق سوريا وفي إدلب، كل جهودها على تجيير إمكانيتها الذاتية وعلاقتها، وشبكة تناقض أو توافق مصالح وسياسات السيطرة على سوريا، سوريا وعلى الصعيد الخارجي، لتحصين البناء الذاتي ومواجهة مخاطر القوى المعادية والمنافسة، استقوت سلطة النظام السوري بشبكة السيطرة الإيرانية/الروسية، وضمانة عدم تناقض وجودها وسياساتها مع شبكة مصالح السيطرة الأمريكية على سوريا، وتجاهلت تقاطع مصالح السوريين المشتركة في التوصل إلى حل سياسي شامل، واستخدمت جميع وسائل النهب والإذلال ضد السوريين في مناطقها، ونفذت هجمات عسكرية مباشرة أو عبر الوكلاء على مواقع عسكرية ومدنية، وتجاهلت الحاجات الرئيسية لقطاعات الجيش السوري، الأمنية والعسكرية والاقتصادية، مغلبة مصلحة المافيات المرتبطة مباشرة بآليات نهبها؛ وقد تجاهلت، فوق ذلك، مصلحة حكومة الاحتلال الصهيونية ومصالح أنظمة عربية بضرورة فك شبكة علاقاتها مع النظام الإيراني!

6- بالتوازي مع تواصل الحرب الإسرائيلية العدوانية على مرتكزات السيطرة الإيرانية في فلسطين ولبنان وسوريا، وما كانت تنزله من ضربات موجعة بهيبة وقوة شبكة السيطرة الإيرانية في سوريا، وصلت في 26 نوفمبر 2024، عند توقيع الخطوط العريضة لصفقة الهدنة مع لبنان، إلى مرحلة شبه انهيار شامل، واضعة ورقة النظام السوري العسكرية في مهب الريح، كانت قيادة حكومة الإنقاذ وقيادة هيئة تحرير الشام في إدلب تتابع التفاصيل باهتمام كبير، وتعمل على استغلال الفرصة التاريخية، وتستعد على جميع الصعد والمستويات لخوض “حرب تحرير شاملة” ضد سلطة النظام السوري، ولم يخف عليها أهمية التنسيق مع القوى الدولية الفاعلة، التي باتت تفقد الأمل بإمكانية إنعاش سلطة الأسد وباتت تبحث عن بديل سوري، يملك الرؤية والإرادة والقوة للوصول إلى دمشق، وإعادة إنتاج نظام سياسي سوري جديد، لا يتعارض مع مصالح الجميع، ويشكل أملاً جديداً لمعظم السوريين!.

7- في إيجاز لأهم الأحداث التالية على توقيع اتفاقيات 5 آذار 2020 بين الرئيسين التركي والروسي حتى صبيحة 27 من نوفمبر، عندما أطلقت “غرفة العمليات المشتركة” بقيادة “حركة تحرير الشام” مسارات معارك هجوم “ردع العدوان”، وما بعد الثامن من ديسمبر، تتكشف الوقائع والأحداث التالية:

أ- فشل الجهود العسكرية التي بذلتها تركيا وروسيا والنظام السوري طوال الفترة التي تلت اتفاق 5 آذار 2020 لإحداث تغير مهم في حدود السيطرة وخطوط التماس بين القوى المحلية على الأرض لصالحها، وقد حققت الخارطة السورية الجديدة استقراراً نسبياً في خطوط التماس بين سلطات الأمر الواقع حتى صبيحة 27 نوفمبر 2024، حوالي 58 شهراً، بقيت فيها ألوان الخريطة ثابتة رغم كل محاولات الأطراف لتحريكها[4].

ب- فشل جهود روسيا وتركيا لتنفيذ الحل السياسي وفقا لخارطة طريق 2254.[5]

ت- نجاح خطوات كبيرة لإعادة تأهيل سلطة الأسد على الحصة الروسية – الإيرانية، سوريا وعلى الصعيد الإقليمي، في تساوق وتزامن مع خطوات وإجراءات كبيرة وحثيثة لتأهيل سلطة قسد على الحصة الأمريكية – حولت الكانتون الوليد نهاية 2019 إلى “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي”، يملك جميع عوامل ومقومات “الاستقلال”!

في نفس السياق، شهد الإقليم الخاص الذي تحكمه هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب خطوات تأهيل متسارعة، مكنت حكومة الإنقاذ المحلية من إدارة جميع مرافق الإقليم بنجاح، وبناء نموذج متكامل في الحَوكمة الذاتية.

ث- فشل جهود وضغوط واشنطن، ومحاولات روسية حثيثة، سعت لوصول سلطتي النظام الأسدي وقسد إلى تفاهمات صفقة شاملة، تنزع فتيل التفجير في مواقع التنافس على الحصص ومناطق النهب، وتشرعن سوريا وجود الإقليم، وتضع أسس استقرار دائم لحدود تقاسم السيطرة القائمة.

ج- في 30 ديسمبر/كانون الأول 2017، أُعلن رسمياً عن تشكيل “الجيش الوطني السوري”، الذي ضم 36 مجموعة عسكرية، كانت تعمل تحت مظلة الجيش السوري الحر، وشكل هذا التحول خطوة بارزة في مسار المعارضة السورية المسلحة في حلب، إذ انتقلت من حالة التشرذم الفصائلي إلى تشكيل جيش نظامي، تألف الجيش في مرحلته الأولى من 3 فيالق، وكان أبرزها الفيلق الأول الذي ضم الفصائل التي أشرفت على تدريبها القوات الخاصة التركية.[6]

في موازاة هجوم “ردع العدوان” أطلق “الجيش الوطني” في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عملية “فجر الحرية” وقد تمكن من تحرير تل رفعت، وما زالت المعارك مستمرة في محيط سد تشرين ومدينة عين العرب، القريبة من الحدود السورية – التركية.

ح- استمرار المحاولات التركية، السياسية والعسكرية، لتفكيك قسد، وقد فشلت حملاتها العسكرية المنسقة مع فصائل “الجيش الوطني” التابع للحكومة المؤقتة التي يقودها “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، كما وصلت جهود الرئيس التركي للتوصل إلى تفاهمات تسوية سياسية شاملة مع الرئيس المخلوع إلى طريق مسدود.

خ- انطلاق ثورة الحرية والكرامة في السويداء بقيادة الشيخ حكمت الهجري، وتحولها تدريجياً إلى حالة العصيان المدني، وظهور أجسام عسكرية مختلفة، بعضها داعم للحراك، كما تكشفت جهود قسدية للتدخل في مسار الحراك، بما يتوافق مع رؤيتها “اللامركزية”.

د- استمرار الهجمات الإسرائيلية العدوانية في العمق السوري، تحت ذريعة قطع طرق إمداد حزب الله، ومنع المليشيات الإيرانية من تثبيت مواقع ارتكازها.

ذ- فصائل مسلحة، تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري.[7]

يُعتبر اللواء الثامن – الذي كان منذ 2012 عبارة عن كتيبة لحماية المظاهرات والمنطقة من اقتحامات الجيش والأجهزة الأمنية، وأصبح في سياقات التطييف والميلشة فصيلاً محلياً يُسمى “لواء شباب السنة” – من أكبر التشكيلات العسكرية في محافظة درعا حيث يضم قرابة الـ 1200 عنصراً. إلا أنه منذ 2018، أصبح تابعاً لروسيا، ثم للأمن العسكري ولا أحد يعلم من التالي.

أعلن أكبر فصيلين عسكريين في محافظة السويداء، فصيل “رجال الكرامة” وفصيل “لواء الجبل”، عن “خارطة طريق” جديدة للمرحلة المقبلة، تهدف لبناء “وطن قائم على العدالة وسيادة القانون”، وأعربا عن استعدادهما “للاندماج ضمن جسم عسكري يشكل نواة لجيش وطني جديد”، ودعيا “إلى تأسيس دولة يكون السلاح فيها حكراً على مؤسسة عسكرية وطنية”،

ر- تشكلت هيئة تحرير الشام باسمها المعروف حالياً مطلع عام 2017.[8]

س- عند الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، استهدف الجيش الإسرائيلي أكثر من 35 موقعاً عسكرياً، وصعد من توغله داخل محافظتي القنيطرة والسويداء، إلى حد استهداف مظاهرة تطالب بانسحابه، وتواصل إسرائيل توسيع احتلالها للأراضي السورية حتى باتت على مشارف ضواحي دمشق، واستهدف الجيش الإسرائيلي رتلاً لإدارة العمليات العسكرية في بلدة غدير البستان على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة، ما تسبب بمقتل مختار قرية غدير البستان عبدو الكومة وعنصرين من الأمن العام.

ولا تخفي قيادتها السياسية طبيعة الأهداف التي تسعى لتحقيقها، والتي تتوافق مع وتعزز مشاريع تقسيم سوريا بين مكونات قومية وطائفية.

ش- تصاعد درجات الصراع السياسي على سوريا، آخذاً أشكالاً مختلفة من التحريض والتجييش الشعبي والإعلامي ضد إدارة ونهج وقيادات السلطة الجديدة، تحت يافطات الدفاع عن المكونات القومية والطائفية وضرورات حمايتها وضمان حقوقها، من قبل جبهة واسعة من خصوم وأعداء السلطة الجديدة في استغلال واضح لطبيعة نهج الحكومة المؤقتة السياسي الإقصائي، والاقتصادي، الذي يتجاهل مصالح قطاعات واسعة من السوريين، خاصة الذين شكلوا في النظام السابق الكادر البشري لمؤسسات الجيش والإدارات المدنية، إضافة إلى ما ظهر من انتهاكات لحقوق الإنسان، وصل بعضها إلى حالات الإعدام الميداني، ورافق عمليات الإدارة العسكرية في حملاتها الميدانية ضد مجموعات مسلحة، رفضت مسار التسويات أو قاومت قوى وإجراءات تجميع السلاح اللاشرعي.

ثانياً: في طبيعة التحديات الاستراتيجية والمهام الوطنية الراهنة

في ضوء رؤيتنا لوقائع خارطة السيطرة الميليشياوية على الجغرافيا السورية، وطبيعة الصراع السياسي المحتدم على السلطة وسوريا في أعقاب سقوط سلطة النظام السابق، ووجود مخاطر واقعية متزايدة لتقدم قوى ومسارات التقسيم، وبناءً على إدراكنا لموضوعية العلاقة الجدلية، غير القابلة للفصل في منطق متطلبات الأمن القومي السوري ومصالح السوريين المشتركة، بين مسارات وجهود إعادة توحيد الجغرافيا وبناء مؤسسة الجيش الوطني، من جهة، وبين خطوات وإجراءات بناء مؤسسات الدولة الوطنية ونظام الحكم الديمقراطي “التشاركي” وفقا للكفاءات، المتناقض مع حالة المحاصصة “الديمقراطية”![9] فإن القضية السورية الرئيسية التي من مصلحتنا وواجبنا إدراك أبعادها تتعلق بطبيعة العقبات التي تقف اليوم أمام جهود الإدارة الجديدة، السياسية والعسكرية، والسوريين، لبناء جيش سوري وطني، وفقاً لمعايير توحيد الجغرافيا وضمان السيادة السياسية، وعلى قاعدة الشرعية الشعبية والأسس الدستورية الوطنية التي تضمن مصالح جميع السوريين.. في هذا السياق: أعتقد أن التساؤلات التي ينبغي على جميع الفاعلين العسكريين والسياسيين في الإدارة الجديدة أو في قوى الشعب، العاملين على رسم مستقبل سوريا الجديدة – دولة المواطنة، الموحدة والديمقراطية، التي تضمن مصالح السوريين المشتركة – الإجابة عليها بكل موضوعية وشفافية:

هل يمكن لجيش سوريا الوطني الجديد أن يكون مؤدلجاً؟

هل يمكن بناء جيش سوري وطني لا يقوم على مبادئ دستورية وطنية واضحة، وتشكل إجماعاً وطنياً؟ فهل يمكن لـ “جيش سوريا الجديد” أن يكون مبنيا على “كتل” عسكرية مؤدلجة؟

إذا كان ممكناً أن تحصل “محاصصة سياسية” في الدستور “لقادة الكتل العسكرية” الرئيسية، أليس حصول ذلك في الجيش “أمراً مستحيلاً”.

ما هي طبيعة الأسس والعقيدة القتالية التي تطرحها وزارة الدفاع لبناء الجيش السوري الجديد وهياكل وزارة الدفاع؟

ما هي آليات دمج الفصائل العسكرية داخل الجيش بعد حلها؟

هل تملك القيادات العسكرية – التي شكلت فصائل مسلحة في سياقات الصراع الخارجي على تقاسم سوريا والحروب الثورية ضد سلطة النظام السوري – المؤهلات الوطنية والكفاءات العسكرية لبناء جيش سوري وطني موحد؟.

أعتقد أن إعادة هيكلة وزارة الدفاع والجيش تشكل تحدياً كبيراً أمام السوريين والإدارة السورية الجديدة وأنه على رأس هذه التحديات تأتي عملية كيفية دمج الفصائل العسكرية داخل الجيش بعد حلها.

لفهم طبيعة التحديات ومخاطرها على الأمن القومي السوري، مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها:

ما هي طبيعة أطروحات القوى العسكرية الرئيسية المعنية في هذا الملف المعقد؟ ما هي خلفيتها في مصالح القوى المسيطرة، وشبكة علاقاتها الخارجية؟

1- على صعيد سلطة الإدارة السياسية والعسكرية الجديدة، التي يرأسها السيد أحمد الشرع.

في سياق سعينا لمعرفة حقيقة المواقف، وطبيعة المصالح والتحديات المؤثرة في رسم مآلات هذا الملف الغاية في الأهمية، (بناء مؤسسات جيش سوري من منظور إعادة توحيد سوريا وبناء نظام سياسي وطني ديمقراطي)، أحاول توضيح طبيعة الرؤية السياسية التي تطرحها القيادة الجديدة، من خلال قراءة تفصيلية في تصريحات ومواقف المسؤولين في الصف الأول من القيادة العسكرية والسياسية، بالمقارنة مع مواقف وأطروحات قيادة قسد، قبل الانتقال إلى رصد جميع التحديات الأخرى السورية والخارجية.

أ- في إفادة صحفية الثلاثاء، 17 ديسمبر حضرتها بعض وسائل الإعلام الدولية تحدث السيد أحمد الشرع عن مختلف القضايا المتعلقة بالشأن السوري بعد الإطاحة بنظام الأسد، مشيراً، بخصوص الجيش السوري:

“لقد قمنا بتسريح المجندين، ونسعى لبناء جيش محترف على أساس تطوعي، سيتم عقد مؤتمر وطني وسنستخلص منه آليات التنفيذ في شتى المجالات”.

ب- أثناء زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأولى لدمشق في 22 ديسمبر، أوضح السيد أحمد الشرع أن الفصائل “ستبدأ بالإعلان عن حل نفسها والدخول تباعاً في الجيش”.

وأضاف: “لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائل المتواجدة في منطقة قسد”، وأشار إلى أن إدارته ستعلن، خلال أيام، الهيكل الجديد لوزارة الدفاع والجيش السوري، دون أن يتطرق إلى مزيد من التفاصيل.

في مقابلته الخاصة على قناة العربية، بتاريخ 30 ديسمبر، يشرح السيد أحمد الشرع، رئيس الإدارة الجديدة، رؤيته الشاملة حول تفاصيل المرحلة المؤقتة والانتقالية[10].

“بخصوص قسد: نحن خاطبنا جميع الأطراف وقلنا انه مشكلة سورية، خلونا نحلها سوريا، ونجد صيغة حل مناسبة للوضع شمال شرق سوريا على أن يكون على قواعد أساسية:

ألا يكون هناك تقسيم لسوريا، ألا نكرس فكرة التقسيم في سوريا بأي شكل من الأشكال حتى ولو كان بشكل فدرالي لأن مجتمعاتنا إلى هذا الوقت ليست مؤهلة لفهم طبيعة الفدراليات، وهي تذهب إلى حالة التقسيم تحت عنوان الفدرالية.

الأمر الآخر، في شمال شرق، هناك مسلحين أجانب، عندهم مشاكل مع دول مجاورة، فكما أننا نضمن سلامة وأمن الدول المحيطة بنا، بنفس الوقت، تركيا تعاني من حالة تنظيم الـ PKK وما يعاني فيه من تفجيرات. نحن لا نسمح لأن تكون سوريا منصة للقيام بتلك الهجمات. الأكراد جزء من شعبنا، وهم ظلموا، كما ظلمنا، ومن واجبنا حمايتهم، وإعادتهم إلى بعض القرى التي نزحوا منها خلال فترات الثورة. فمَن كان مسلحاً ومؤهلاً، فمكانه وزارة الدفاع، ونرحب به. السلاح يُحصر بيد الدولة.

على هذه الشروط والضوابط، نفتح مسار تفاوضي مع قسد، ونترك حالة الحوار، لربما نجد حلاً مناسباً للحالة السورية.”

ب- في لقاء خاص مع وزير الدفاع السوري في الإدارة الجديدة، اللواء المهندس مرهف أبو قصرة، على تلفزيون العربي، يقول:

” خاطبنا الجميع خطاب مؤسساتي. كل الفصائل، بما فيها قسد، يجب أن تخضع للبنية التنظيمية للوزارة وليس لحالتها الفصائلية القائمة، يجب أن نطبق الحالة المؤسساتية التي تحقق مصلحة وطنية للقوات المسلحة. جميع لفصائل يجب أن تخضع لهيكلية الوزارة ونظامها الداخلي، وهي تتعارض من حالات الدخول كتكل عسكرية”.

2- من جهة ثانية، مما جاء في مقابلة خاصة مع السيد مظلوم عبدي قائد قسد على قناة “الشرق نيوز”[11].

“اللامركزية هو طلبنا الأساسي، ولكن في الاجتماع كانت وجهة نظر الإدارة الجديدة مغايرة. هم يريدون دولة مركزية، نحن مطلبنا الأساسي اللامركزية. وهذا يتطلب الحوار.”

نحن نرى أن اللامركزية لا تتعارض مع وحدة الأراضي السورية. ونعتقد أنها السبيل الأفضل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، نظراً للطبيعة التنويعية للمجتمع السوري بشكل عام، وهي وجهة نظرنا. وسندافع عنها.”

“في شرق سوريا، لدينا مؤسسات موجودة من عشر سنين، عسكرية ومدنية وتعمل بشكل طبيعي، نحن متفقون مع الإدارة الجديدة أن يتم ربط تلك المؤسسات والوزارات المركزية، الموجودة، بشكل يحافظ على خصوصية هذه المؤسسات في المنطقة، وبنفس الوقت يكون مرتبطة بالمركز، أعتقد هذا سيساعد على حل المشكلة بشكل أفضل.

على سبيل المثال، الموارد النفطية الموجودة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، نحن منفتحون على تسليم هذا الملف للإدارة المركزية، بشرط أن يتم توزيع الثروات النفطية بشكل عادل على جميع المحافظات.

وقد أشار إلى معادلة مفادها:

“نحن منفتحون على الربط بوزارة الدفاع السورية، لكن ككتلة عسكرية وليس على شكل أفراد”.

نحن منفتحون لربط قسد بوزارة الدفاع السورية، ومطالبنا أن يكون ربطها ككتلة عسكرية موجودة، تعمل وفق القوانين التي تضعها وزارة الدفاع السورية، وليس اندماجاً على شكل أفراد. موضوع انضمام قسد كأفراد غير مقبول من طرفنا، وهذا ما طرحناه”.

“تتحدثون عن ضمانات لحقوق الكرد، ما هي الضمانات المقبولة لكم لحقوق تطلبونها”؟

“الضمانات يجب أن تكون دستورية. يجب الحفاظ على حقوق “المكون” الكردي على غرار جميع المكونات في سوريا، في الدستور السوري الجديد. مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية”.

“للشعب الكردي وضع خاص، لدينا مؤسسات عسكرية وإدارية، ولدينا تجربة موجودة، وبشكل من الأشكال، يجب أن نحافظ على “الاستقرار والأمان” في هذه المنطقة.

نحن لا نستقوي بالخارج، بل يتواجد لدينا التحالف الدولي في إطار مكافحة داعش، وهي ما تزال مستمرة، ووجود الدول مسألة طبيعية، ولا تعني شيئا آخر! نحن نعتمد على إمكانياتنا الذاتية!

3- في تفاصيل تناقض المواقف

أحمد الدالاتي، القيادي في إدارة العمليات العسكرية في سوريا، يوضح طبيعة تناقض رؤية القيادة العسكرية الجديدة مع أطروحة قسد الرئيسية:

“نحن مع الربط، مع الدمج، ولكن ككتلة” يعني قسد ككتلة تذهب تحت إدارة وتوجيهات وزارة الدفاع السورية.

“تشكيل وزارة الدفاع هو المسار الصحيح لتمثيل المؤسسة العسكرية في الإدارة الجديدة، وهي الضامن الحقيقي لبقاء السلاح في مكانه الصحيح، والحفاظ على أمن سوريا، في مواجهة التهديدات الداخلية أو الخارجية.

الطرح الذي له علاقة، من أية جهة كانت، في إطار دخول الكتل العسكرية التي أُنشأت في سياقات أحداث الثورة السابقة خلال 14 عاماً، ككتلة، يتنافى مع المبدأ المعياري لإنشاء المؤسسة العسكرية، ويتصادم بشكل مباشر. لا يوجد مؤسسة يدخل عليها جسم آخر بهيكليته المستقلة، بأية آلية، عملية أو علمية، يمكن أن ينسجم مع هذه المؤسسة. الطرح هذا غير مقبول، ومرفوض من أية جهة كانت.

ماذا لو أصرت قسد على هذا الشكل من الالتحاق، الربط بالجيش؟ ما هي البدائل، وردة فعلكم؟ هل تحصل مواجهات؟

منذ بداية تحرير سوريا، كانت خطتنا واضحة لإسقاط النظام، وكانت قسد موجودة، وتجنبنا الصدام معها لاعتبارات عديدة، والآن، وبعد تحرير سوريا، على قسد أن تسأل نفسها:

ما هي الشرعية التي تخولها امتلاك السلاح؟ بأي سياق؟

هل هي مشروع سياسي منافس للإدارة المركزية السورية التي حررت كل سوريا؟ لماذا سيبقى السلاح بشكل مستقل عن منظومة الدولة؟

وهنا يجب أن ندرك الفارق النوعي بين الأكراد وقسد، الأكراد جزء أصيل من الشعب السوري، وكما تعرض الأكراد لمظالم، تعرض كل السوريين لنفس الممارسات الممنهجة من الظلم وسلب الحقوق.

بخصوص ذريعة “محاربة داعش”.. إذا كان فيه ظرف موضوعي سابق اقتضى مواجهة داعش، فقد أصبح الآن من الماضي، وقد واجهنا نحن داعش أيضاً.
الآن، معالجة ملف داعش هو مسؤولية الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية.

المشكلة معها أنها تطرح مشروعاً سياسياً مرتبطاً بأجندات خارجية.

على قسد أن تجيب على هذا السؤال بوضوح: هل هي مرتبطة بجهة خارجية لها علاقة بكيان أو جسم يمثل الأكراد غير السوريين، وبالتالي يهدد الأمن القومي لسوريا، ودول الجوار؟

ذا مرفوض من قبل كل السوريين. سوريا، كوحدة سياسية، هو مطلب كل السوريين، وهو الضامن الحقيقي والوحيد لإعادة بناء سوريا، لدورها ومكانتها. وبالتالي تواجه قسد السؤال الكبير حول شرعية وجود السلاح بيدها في ظل زوال التهديد الرئيسي الذي كان يشكله النظام.

إذا رفضت قسد، ما هي الخَيارات؟

الشرع قال منذ البداية، سلماً أم حرباً؟

نحن خَيارنا الحوار والنقاش، لإقناعهم، نحن أكثر الناس عشنا آلام الحرب، وتداعياتها، وحريصون على ألا يعيش هذه المآسي أي سوري مرة أخرى.

نحن رح نسلك جميع سبل المفاوضات مع قسد للوصول إلى صيغة تحافظ على مصالح سوريا العليا، وتضمن الهواجس الموضوعية والمنطقية لأي مكون.

إذا خرجوا عن الإجماع السوري، وأصروا على بقاء السلاح خارج إطار الدولة، وعارضوا مصالح سوريا، ووضعوا أنفسهم في موقع يهدد أمن سوريا، ويجعل منها مصدر تهديد لدول الجوار، – مع الأسف – بذلك يكونون قد أخذوا أنفسهم، وأخذونا للخَيار الذي لا نرتاح له.

في النهاية، لن نسمح بوجود سلاح خارج سلطة الدولة، وسيتم معالجته بالوسائل القانونية، والطرق التي تمنع وجود السلاح. مَن يقاوم ذلك بقوة السلاح، يكون قد وضع نفسه في المكان الغلط. الخيار العسكري هو آخر الخَيارات في حال أصرت قسد على بقاء سلاحها خارج إطار الدولة.

ماذا عن فصائل درعا؟ الفيلق الثامن، الخامس؟ كيف تتعاملون مع مطلب هذه الفصائل بوضع خاص داخل الجيش؟ من أحد أهم أسباب رفضنا لوجود السلاح خارج إطار المؤسسة الرسمية، أو إعطاء خصوصية لأي مكون، هو تذرع باقي المكونات.

4- إضافة إلى العقبة المستعصية التي تمثلها العلاقة مع قسد، وعلى مستوى الهيئة ذاتها، تواجه جهود الإدارة العسكرية الجديدة لحل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع عقبة “غرفة عمليات الجنوب”.

ثالثاً: في طبيعة المهام الوطنية والديمقراطية

تبين القراءة الموضوعية لهذه اللحظة السياسية النوعية وقائع وحقائق وصول الدولة السورية والسوريين على مفترق طرق نوعي، غير مسبوق، سيترك عواقبه راهنة واستراتيجية على الجميع: من جهة أولى، تواجه الدولة السورية، (التي تشكلت في أعقاب موازين قوى الحرب العالمية الثانية، وترسخت مقوماتها الجغرافية والوطنية والسياسية خلال المراحل السياسية المتعاقبة منذ 1946، وباتت في صيرورة الخَيار العسكري الميليشياوي بين 2011-2020 مشروع تقسيم بين سلطات أمر واقع ميليشاوية)، أخطار تعزيز قوى وشروط التقسيم، وما يمكن أن تجره من حروب طائفية وقومية مدمرة، لمصالح قوى إقليمية ودولية وسلطات أمر واقع محلية، تتناقض مع مصالح السوريين المشتركة.

من جهة ثانية، تفتح معجزة إسقاط سلطة النظام السابق وشبكة علاقاته الإقليمية، إمكانيات حصول انتقال سياسي منظم وتدريجي وفقاً لخارطة طريق بناء مؤسسات الدولة الوطنية وإعادة توحيد الجغرافيا، بمشاركة فاعلة وواعية ومسؤولية من جميع الوطنيين السوريين.
 طبيعة المهمة الوطنية، تبين طبيعة الفرز السياسي.

إن الهدف الوطني الأسمى اليوم هو توحيد رؤى ووعي وصفوف جميع السوريين الوطنيين، وتعبيراتهم السياسية، بغض النظر عن أية خلفيات وقناعات أيديولوجية سابقة ومواقف سياسية، في مواجهة قوى التقسيم، على جميع الصعد والمستويات.


[1]– وكان أخطرها العمل على إجراءات ممنهجة لتوريط الجيش السوري على نطاق واسع في حروب داخلية ضد قوى الثورة وحواضنها الاجتماعية (خاصة بعد نجاح جريمة اغتيال قيادته في تفجير ما عُرف” بخلية الأزمة” في 18 تموز 2012، وما نتج عنه، في سياق انشقاق الضباط الوطنيين واغتيال ممنهج للآخرين في قيادات الصف الاول، من هيمنة كاملة على قراره السياسي والعسكري لصالح قيادات حزب الله وفيلق القدس)، وتشكيل مجموعات مسلحة رديفة، أوكلت إليها “المهام الخاصة”، القذرة!

[2]– التي بررت دعايات مراكز بحوثها وأبواقها الإعلامية، داخل نخب المعارضات السياسية والثقافية السورية وخارجها، تقاعسها في دعم مسارات الانتقال السياسي السلمي خلال 2011-2014، بما سُمي حينئذ “نظرية الانسحاب التكتيكي” من الإقليم، لمواجهة الخطر الصيني القادم من الشرق، وما نتج عنه من استغلال الإيراني والروسي “الفراغ” من أجل القفز إلى منطقة “السيطرة الأمريكية”!؟.

[3]– ووفقاً لخريطة السيطرة العسكرية التي يُصدرها “مركز جسور للدراسات” بالتعاون مع “منصة إنفو رماجين لتحليل البيانات”، فإن نِسَب سيطرة القُوَى على الأرض هي على النحو الآتي:

– حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، وتتوزع مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة “الزكف” و”التنف” (المنطقة 55) في جنوب شرق سورية.

– حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته وهي: (63.38%) من الجغرافيا السورية، وهي سيطرة شِبه تامة على محافظات الساحل والوسط وجنوب سورية، وسيطرة على أجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب. وتحولت سيطرته على محافظة درعا إلى سيطرة شاملة بعد عملية تصعيد بدأها النظام على درعا في تموز/ يوليو 2021 وانتهت باتفاق السيطرة الشاملة على المحافظة في 1 أيلول/ سبتمبر 2021، بينما بقيت سيطرة النظام على محافظة السويداء سيطرة هشة مقتصرة على الفروع الأمنية ومؤسسات الدولة دون دخول “الجيش” إليها.

– حافظت قوات سورية الديمقراطية “قسد” على نسبة سيطرتها وهي: (25.64%) من الجغرافيا السورية، وهي نفس النسبة المسجلة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وتشمل أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب. وأصبح من الممكن تقسيم مناطق سيطرة “قسد” وَفْق انتشار القواعد العسكرية للتحالف الدولي أو للقوات الروسية، فقواعد القوات الروسية تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي انسحبت منها قوات التحالف، إضافة لقاعدتها الرئيسية في مطار “القامشلي”.

– بطبيعة الحال لم يَعُدْ لتنظيم “داعش” أية سيطرة عسكرية على الأرض السورية منذ شباط/فبراير 2019. لكن انتهاء السيطرة العسكرية للتنظيم لا تنفي عودةَ خلايا التنظيم للنشاط ضد قوات النظام والقوات الروسية والإيرانية الموالية له، وخاصة في البادية السورية، فقد تم رصد نشاط التنظيم بعمليات عسكرية في منطقة “السعن” و”جبل البشري” و”خناصر” ومنطقة “السخنة” وفي محيط مدينة “تدمر”، وفي الريف الجنوبي لمحافظة “دير الزور”، إضافة لبعض العمليات في مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات.

عدم التغير في نِسَب السيطرة يُعبر أولاً عن عجز قوى سلطات الأمر الواقع السورية عن تجاوز سقف الشروط العسكرية والسياسية التي فرضتها قوى الحرب الخارجية، كما يعبر عن عجز روسيا وتركيا عن تغيير حدود خارطة السيطرة التي فرصتها الولايات المتحدة، كما يدلل على حرص النظام وفصائل المعارضة على عدم انهيار شامل لوقف إطلاق نار، حصل في إطار مذكرة وخارطة سياسية، اعترفت موضوعيا بسلطات الجميع ؛ بما يؤشر إلى طبيعة الأهداف التكتيكية لما حصل من خروقات واسعة، شهدتها خطوط التماس في “إدلب” وفي جبهات “تل رفعت” في ريف حلب الشمالي، وكذلك التوتر المستمر في جبهات “عين عيسى” في الرقة، ورغم محاولات تركيا لتغيير خطوط التماس مع قسد!!.

شهدت منطقة “إدلب” وبالتحديد جنوب الطريق الدولي “M4” تصعيداً روسياً منذ آذار/ مارس 2021 حتى نهاية نيسان/إبريل 2021، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد منطقة إدلب تصعيداً قوياً كالسابق، خاصة في محاولات التسلل والاشتباكات البرية المباشرة، مع تواصل القصف المدفعي وغارات الطيران الحربي والطيران المسير في المنطقة، في حين شهدت جبهات شمال شرق سورية في منتصف آب/أغسطس 2021 وتحديداً في منطقة “عين عيسى” تصعيداً كبيراً من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا ضد مجموعات “قسد”.

ومن المتوقع أن تحافظ القوى المحلية على نِسَب سيطرتها ضِمن الجغرافيا السورية بسبب الضغط الأمريكي والاوربي باتجاه” تثبيت حالة الاستقرار”، وعدم رغبة الأطراف الإقليمية أو عدم توافُقها على إجراء أي تعديل على خارطة السيطرة، وتحويلها إلى حالة دائما، وفقا لإجراءات وخطط التسوية السياسية الأمريكية.

[4]– يرتبط بثلاثة عوامل رئيسيين:

أ- لم تكن خارطة السيطرة الجيوميليشاوية السورية الجديدة سوى نتيجة لموازين قوى الحرب التي كانت تميل بشكل كاسح لصالح الولايات المتحدة وأهدافها السياسية، ولم يكن ما حصلت عليه من “شرعية سياسية” واعتراف تركي/إيراني وسوري في أعقاب توقيع اتفاقيات “وقف إطلاق النار” بين تركيا وروسيا في 5 آذار 2020، رغم تناقضها مع مصالح أنظمة سوريا وتركيا وروسيا، إلا ليؤكد موضوعية هذا الاستنتاج.

ب- تعارض أولويات النظامين التركي والسوري، السياسية والعسكرية!

في حين كانت تُعطي سلطة النظام السوري الأولوية لانسحاب القوات التركية خارج سياق تسوية سياسية شاملة وتعمل على التنسيق مع “عدوها” الرئيسي “قسد”، وعلى استمرار توجيه ضربات مؤلمة ضد القاعدة الشعبية والاقتصادية في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ في إدلب، لتسويق أكاذيب دعايتها حول “محاربة الإرهاب”، غير عابئة عما ينتج عن هذا السلوك العدواني من خسائر وآلام على المدنيين في إدلب، وعلى عناصر “الجيش السوري”، ورغم إدراكها بالعجز عن تغيير حدود السيطرة التي تحميها خطوط حمراء أمريكية؛ فقد كانت تتوافق مصالح تركيا مع إطلاق مسار حل سياسي شامل، وفقا لخارطة طريق “هيئة حكم انتقالية”، يتضمن عودة المهجرين وتفكيك قسد والجيش الوطني، والهيئة، في إطار إعادة هيكلة الجيش السوري، وإصلاح النظام السياسي بمشاركة جميع قوى المعارضة.

ت- تعارض مخرجات التسوية السياسية الشاملة من منظور مصالح وسياسات تركيا مع مشروع التسوية السياسية الأمريكية الجزئية وفقا لمشروع مركز بحوث RAND التابع للبنتاغون، والذي يعمل على تأهيل وشرعنة وجود مشروع قسد، وتحويله إلى حالة دائمة في خارطة السيطرة الجيوسياسية السورية؛ وهي العامل الرئيسي الذي حول الكانتون منذ 2019، (في خطوات وإجراءات تأهيل متواصلة، بمشاركة فاعلة من أنظمة عربية وحكومات أوربية ونخب سياسية سورية، وتنسيق غير مباشر مع سلطة النظام السوري)، إلى “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي”، الذي بات يمتلك جميع مقومات الانفصال!.

[5]– وقد كان نتيجة موضوعية لتعارض إجراءات تحقيق أهدافه ونتائجها مع هدف واشنطن الديمقراطية المركزي، الساعي إلى بناء قاعدة ارتكاز وتحكم استراتيجية دائمة في منطقة مثلث الحدود التركي والسوري والعراقي.

[6]– أُعيد هيكلته في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2019، ليضم “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تحتوي فصائل من إدلب وتأسست في مايو/أيار 2018. وفي عام 2020 أعلنت 6 فصائل من الجيش الوطني السوري الاندماج ضمن الفيلق الثالث وهي الجبهة الشامية، وجيش الإسلام، وفيلق المجد، والفرقة 51، ولواء السلام، وفرقة الملك شاه، وأصبح الجيش الوطني السوري يضم 41 فصيلا. شارك لاحقا في جميع المعارك ضد قسد، وكان أبرزها في عملية ” غصن الزيتون ” 30 كانون الثاني 2018 ضد “وحدات حماية الشعب” في منطقة عفرين التي تم تحريرها في مارس.

أطلق الجيش الوطني السوري بالتعاون مع الجيش التركي عملية نبع السلام في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2019، تركزت معاركها على المناطق الواقعة شرق الفرات منها رأس العين وتل أبيض شمال سوريا وهدفت إلى تأمين شريط حدودي لعودة اللاجئين السوريين.

[7]– كان الفيلق الخامس تحالفاً يضم خمس جماعات معارِضة تابعة للجيش السوري الحر شاركت في حروب الصراع على السلطة، وتلقت الوحدات الخمس جميعها صواريخ تاو من تحالف «أصدقاء سوريا» المدعوم أمريكياً، وقد شهدت، بعد تدخل الولايات المتحدة العسكري في منطقة الجزيرة السورية خلال 2014، وتبني “وحدات حماية الشعب والمرأة” التابعة للحزب الديمقراطية الكردستاني (PYD) وفصائل من “الجيش الحر”، تغيرات نوعية، على صعيد الهيكلية التنظيمية والجهات الداعمة، والارتهان السياسي، خاصة في نتائج نهج “المصالحات والتسويات” الذي قادته روسيا في إطار استراتيجية “خفض التصعيد” التابعة لأستانة، وفي سياق توافقات أمريكية – إسرائيلية – روسية خلال 2018 لوضع الجنوب السوري تحت سيطرة روسية – سورية.

[8]– حصرت هيئة تحرير الشام، منذ انفصالها أيدولوجياً وتنظيمياً عن القاعدة عام 2017، نفسها في تنفيذ عمليات داخل حدود سوريا، الأمر الذي شكل تحولاً بارزاً، بعدما تخلت الهيئة عن فكرة الجهاد العالمي وانصب تركيزها على الساحة السورية فقط.

ونجحت هيئة تحرير الشام في السيطرة على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وتديرها من خلال جبهة إدارية أطلقت عليها اسم “حكومة الإنقاذ السورية”، أما هدف الهيئة العام، فهو تحرير سوريا من القوات الحكومية.

وكانت تُعد هيئة تحرير الشام حاليا لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي السوري، إذ تهيمن على أغلب محافظة إدلب ومناطق من الساحل والمناطق الشمالية المحاذية لإدلب، ويقع ضمن المنطقة التي تسيطر عليها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، فضلاً عن التماس الجغرافي مع تركيا. ولطالما كانت العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام جيدة، إذ استعانت أنقرة على مدار سنوات بالهيئة لضبط انفلات فصائل المعارضة السورية الموالية لها. وتعتمد هيئة تحرير الشام على مصادر لتمويل أنشطتها، أبرزها إيرادات رسوم المعابر، إذ تُسيطر حالياً على معبرين رئيسيين هما “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، الذي تُدخل الأمم المتحدة عبره مساعدات إلى شمال سوريا، ومعبر “الغزاوية” الفاصل بين ريف عفرين ومناطق ريف حلب الغربي، كما تحتكر الهيئة قطاعات تجارية محددة مثل المحروقات، إلى جانب اعتماد تمويلها أيضاً على تبرعات.

كما يمكن وصف العمليات العسكرية التي تشنها هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا بأنها دفاعية وهجومية، دفاعية بغية صد زحف قوات الحكومة السورية والميليشيات المتحالفة معها، وهجومية ضد الجماعات الجهادية المنافسة لها بغية الحفاظ على هيمنتها العسكرية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. بيد أن هيئة تحرير الشام تواجه عقبات كثيرة تحد من قدرتها على شن هجمات كبيرة خارج حدود إدلب، لاسيما عدم توافر الدعم الجوي ومحدودية مواردها وموقعها الجغرافي بين الجيش التركي ومواليه من جهة والجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى.

[9]– قد يكون استخدام مفهوم التشاركية، المتناقض مع نهج “الإقصاء” أفضل من تكرار عبارة “الديمقراطية” التي باتت مستهلكة، بعد تحولها إلى يافطة!

مما جاء في تفسير السيد أحمد الشرع لمبررات تكليف حكومة الإنقاذ بإدارة المرحلة المؤقتة: “عندما ننتقل إلى حكومة مؤقتة، طويلة الأمد، سيحصل فيها تشارك من أطياف الشعب.
نعم، هي ليست حالة إقصاء. دعنا نميز بين حالة التشاركية وحالة المحاصصة. في تصوري، المحاصصة ستدمر الدولة السورية، ولو أنشأنا الدولة السورية على عنوان المحاصصة، سيكون هناك دمار شامل لها، ولن يكون هناك أية عملية بناء في سوريا. أما إذا ذهبنا إلى بناء الوطن من جديد بعنوان الكفاءات، ويكون مبنياً على قانون مؤسس بطريقة صحيحة، فإن الأمر يختلف جذرياً، وسنجد نتائج هائلة في المستقبل.

[10]ألا ترى لونا واحدا في التعيينات الحالية؟

في هذه المرحلة نعم.. لأن هناك فريق عمل منسجم مع بعضه، انت بحاجة في المرحل الانتقالية إلى “فريق عمل منسجم”. أصعب شيء أن نبني مؤسسات تكون كالجزر، لا تتواصل وتتكامل مع بعضها. في هذه المرحلة، لا نريد أن نوزع المؤسسات والوزارات هدايا على الاعراق والطوائف والأحزاب ويحصل التعطيل، كما يحصل في بعض الدول المجاورة. قُسمت مؤسسات الدولة طائفياً وعرقياً وحزبياً، ثم خرجوا بعنوان “توافق وطني” لكن المؤسسات كلها مُعطلة.

أنا أذهب إلى حالة الكفاءات. نعتمد في المرحلة الأولى على مَن أدار مرحلة معينة مِن العمل، لكي يحصل الانسجام، ثم بعد ذلك، عندما ننتقل إلى حكومة مؤقتة، طويلة الأمد، سيحصل فيها تشارك من أطياف الشعب.”

هل ستحل “هيئة تحرير الشام “؟

بالتأكيد!، لا يصلح أن تُدار الدولة بعقلية الجماعات والفصائل.. نحن منذ أن كنا في إدلب، مستعدون لهذا الأمر، نفسياً ومعنوياً، لكن ام يكن هناك الفرصة المناسبة.

فرصة إدارة الدولة هي أعظم فرصة لحل هتش، ونحن أول الناس مَن يحل هيئة تحرير الشام.
متى تتوقع ذلك؟.

أعتقد في مؤتمر الحوار الوطني، سيكون الإعلان الرسمي عن ذلك.”

[11]– مقابلة خاصة للشرق نيوز مع الجنرال مظلوم عبدي:

ماذا عن المشاورات السياسية؟

كان لك اجتماع مع السيد الشرع، وصفته بالإيجابي. هل ما تزال تراه ايجابيا في ضوء ما تحقق على الأرض؟

نحن نحاول حل مشاكلنا عن طريق الحوار والتنسيق، اتفقنا مبدئياً على الخطوط العريضة فيما يتعلق بوحدة الأراضي السورية والحفاظ على الأمن والاستقرار، وضرورة بناء مؤسسات الدولة ودمجها مع بعض، ولكن يوجد تفاصيل عملية عديدة بحاجة إلى الحوار. لذلك اتفقنا أنه نشكل لجان عسكرية وإدارية لدراسة هذه التفاصيل، والوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين.

هل تمت تلك هذه اللجان، وبدأت اجتماعاتها؟ بصدد تشكيلها، حالياً يُبدأ العمل بها.

كيف وجدت الشرع؟

كشخص وسياسي، كان إيجابياً، ومنفتحاً على الحل السياسي في سوريا. لكن نعرف أن هناك تحديات عديدة، داخلية وخارجية، ولذلك، سنتابع الأفعال، أكثر من الأقوال، لنتابع بعض التفاصيل، من المؤكد أن مسار قسد والأكراد مهم جدا في سوريا.

قلت لي إنه في اللقاء قبل أسبوعين تحدثتم عن “وحدة سوريا”.

تم الاتفاق على “اللامركزية. لا انفصال، ولاكن المركزية فيما يخص المناطق التي تسيطر عليها قسد، هل تنفي؟

“اللامركزية هو طلبنا الأساسي، ولكن في الاجتماع كانت وجهة نظر الإدارة الجديدة مغايرة. هم يريدون دولة مركزية، نحن مطلبنا الأساسي اللامركزية، وهذا يتطلب الحوار، ولدينا المزيد من الوقت للحوار حول هذه النقطة.

هل أنتم منفتحون على المركزية بشروط، أم هم على “اللامركزية”، بشروط؟ كيف تدافعون عنها؟ ما هي التنازلات التي تضعونها على الطاولة لإقناع الإدارة باللامركزية؟

“نحن نرى أن اللامركزية لا تتعارض مع وحدة الأراضي السورية، ونعتقد أنها السبيل الأفضل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، نظراً للطبيعة التنوعية للمجتمع السوري بشكل عام، وهي وجهة نظرنا، وسندافع عنها.

في شرق سوريا، لدينا مؤسسات موجودة من عشر سنين، عسكرية ومدنية وتعمل بشكل طبيعي، نحن متفقون مع الإدارة الجديدة أن يتم ربط تلك المؤسسات والوزارات المركزية، الموجودة، بشكل يحافظ على خصوصية هذه المؤسسات في المنطقة، وبنفس الوقت يكون مرتبطة بالمركز…أعتقد هذا سيساعد على حل المشكلة بشكل أفضل.

على سبيل المثال، الموارد النفطية الموجودة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، نحن منفتحين على تسليم هذا الملف للإدارة المركزية، بشرط أن يتم توزيع الثروات النفطية بشكل عادل على جميع المحافظات..

الوضع في سوريا مغاير للحالة العراقية، كما تقول. بأي شكل هو مغاير؟ الفارق انه إقليم كردستان فدرالي، ونحن لا نطالب بالفدرالية حالياً.. اللامركزية التي نطالب بها هي جغرافية، إدارية، وليست على أساس قومي.

يعني، لا يوجد حكومة أو برلمان منفصل…فقط مؤسسات وإدارات..

ماذا عن الجيش، هنا، والتسليح؟ قلت إن قسد مستعدة لأن تحل نفسها، وأن تكون جزء من الجيش السوري المركزي. وأيضاً.

هل نتحدث عن قسد، كتكتل كامل يلتحق بالجيش، ويكون له قياداته العسكرية والسياسية، أم يحل نهائياً، والأفراد يدخلون في الجيش، تطوعا.؟

عندما أسسنا قسد، قلنا إنها ستكون مستقبلاً جزءاً من الجيش السوري؛ نحن منفتحون لربط قسد بوزارة الدفاع السورية، ومطالبنا أن يكون ربطها ككتلة عسكرية موجودة، تعمل وفق القوانين التي تضعها وزارة الدفاع السورية.. وليس اندماج على شكل أفراد.

أنت تعرف أن نموذج الذي تتحدث عنه وزارة الدفاع، هو حل الفصائل، وإعادة دمجها، وليس ربط، كما هو الحال بين البيشمركة والجيش العراقي..

هل توافقتم على الربط، وليس الحل والدمج؟

لم نتفق حول التفاصيل، ولذلك قررنا تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، للتفاهم خول تفاصيل آليات الربط مع وزارة الدفاع.. وهو عمل اللجان العسكرية.

ولكن، انت تتحدث عن نموذجين مختلفين؛ لا يمكن أن تحلها اللجنة..

هل كان يوجد قبول مبدئي من إدارة الشرع على مبدأ ” الربط”؟

موضوع انضمام قسد كأفراد غير مقبول من طرفنا، وهذا ما طرحناه.
تتحدثون عن ضمانات لحقوق الكرد، ما هي الضمانات المقبولة لكم لحقوق تطلبونها، تخوفات عانيتم منها، ماذا طرحتم على الطاولة، ما الذي اتفقتم عليه؟ وما الذي ما يزال قيد البحث؟

الضمانات يجب أن تكون دستورية. يجب الحفاظ على حقوق “المكون” الكردي على غرار جميع المكونات في سوريا، في الدستور السوري الجديد. مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية. نحاور حول هذه النقطة في اللجان الخاصة بالدستور والعملية السياسية وسندافع عن وجهة نظرنا.

يعني، هذا مرتبط بحواراتكم أم بنتائج حوارات المؤتمر الوطني؟ (حتى الآن، لم يتم دعوتنا لمؤتمر الحوار الوطني، والدعوة ستكون نتيجة لمخرجات الحوارات).

هذه المطالب تفتح الشهية للأقليات والطوائف الأخرى لأن تقول ونحن أيضا نريد أن نضمن مساحتنا – فدرالية، لا مركزية، سلاح؟

لا أعتقد بأن ضمان مصالح الأكراد “يفتح شهية الأقليات” في سوريا، ولكن يجب أن يتم حفظ حقوق جميع الأقليات في سوريا ضمن دستور سوريا المستقبلي.

للشعب الكردي وضع خاص، لدينا مؤسسات عسكرية وإدارية، ولدينا تجربة موجودة، وبشكل من الأشكال، يجب أن نحافظ على “الاستقرار والأمان” في هذه المنطقة.

أتحدث عن الشهية، والبعض يتحدثون عن الاستقواء بالخارج، بعض الأقليات يطالبون بحماية فرنسية، نحن لا نستقوي بالخارج، بل يتواجد لدينا التحالف الدولي في إطار مكافحة داعش، وهي ما تزال مستمرة، ووجود الدول مسألة طبيعية، ولا تعني شيئا آخر!

نحن نعتمد على إمكانياتنا الذاتية!

كيف ستتعاملون مع تركيا، التي تقول لا لطروحاتكم؟

نحن في حالة حرب مع تركيا، نحاول التوصل إلى وقف إطلاق نار، ولم ننجح، لأن تركيا مصرة، الإدارة الأمريكية تتوسط في هذا المجال، نحن نعول على التزام الإدارة بالقرارات التي اتخذتها 2019 فيما يتعلق بإيقاف الهجوم التركي على مناطقنا، وأظن بأن الإدارة الجديدة ستضغط على تركيا.

هل هناك تواصل مع الإدارة الأمريكية حول الضغوط؟ نعم، لدينا تواصل مع المسؤولين عن الملف السوري، وأكدوا بأنهم سيتواصلون مع تركيا بهذا المجال، إضافة إلى بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، والذين أكدوا بأنهم سيصرون على تركيا لتطبيق القرارات التي تم اتخاذها ضد تركيا 2019.

هل تتخوفون من سحب القوات الأمريكية من مناطقكم؟ هل تعلمون فيما إذا كانت ستبقى أم ستنسحب؟ لم يتم إبلاغنا بانسحاب أمريكي محتمل، لن ينسحبون بفترة قريبة، ولا يوجد اية ترتيبات ميدانية للانسحاب، وما زلنا نعمل معا في نفس الآليات السابقة.
حسب المعطيات، وثقل وأوزان النفوذ في الداخل السوري، وحولها.

ما هي أسوأ السيناريوهات وأفضلها بالنسبة لقسد؟

نريد أن يتفق جميع السوريين حول دستور واحد…وشكل واحد للدولة، ونتوصل إلى حلول وسط حول شكل الدولة، حتى لو كان هناك اختلافات حول التفاصيل.

السيناريو الأسوأ، هو ألا يتفق السوريون، ويحصل تدخل مباشر للدول الإقليمية، عندها، سنرجع إلى المربع الأول، وسيكون هناك حرب أهلية، وتغيير ديمغرافي، وتهجيير..

سنعمل على تحقيق السيناريو الأول، وأنا متفائل.

ما الذي يدعوك للتفاؤل؟

هناك عوامل إيجابية، تساعد على تحقيق السيناريو الأول،

ما هي؟

دعم المجتمع الدولي لسوريا، هناك فراغ أمني كبير، يحتاج إلى تعاون، معارضة الدول العربية للتدخل التركي، والاتجاه العام لدعم الاستقرار في سوريا.

هل ستكون في حفل تنصيب ترامب؟

لم تتم دعوتي…ولن أشارك.

يجب أن يحافظ على الوعود التي تم تقديمها لنا 2019، تطبيق إطلاق نار شامل في سوريا..
يعمل على وحدة سوريا، التي تكون في الحفاظ على المكونات، وألا يتخلى عن أسلوب الحوار، من أجل أن نصل معاً إلى النتيجة المرجوة.

نحن متفقون مع الإدارة الجديدة على ربط مؤسسات الإقليم مع مؤسسات الدولة السورية بشكل يحافظ على خصوصيتها.

قسد منفتحة على تسليم ملف النفط للحكومة المركزية بشرط توزيع الموارد بشكل عادل على المحافظات السورية، رفض حل قوات قسد، وانضمامها كأفراد ليس مقبولاً، لكنه منفتح على ربط قسد بوزارة الدفاع على أن يكون ذلك كتكلة عسكرية ضمن التشكيل.

نحن منفتحون لربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية ومطلبنا أن يتم ربطها ودمجها، كتكلة عسكرية موجودة، وتعمل حسب الضوابط التي تضعها وزارة الدفاع السورية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني