في سباق المسافات القصيرة.. طبيعة التحدّيات الإقليميّة التي تواجهها إدارة بايدن
طبيعة التحدّيات التي تواجهها سياسات واشنطن في اللحظة النوعية السياسية الإقليمية الراهنة التي صنعت وقائعها الحروب الإسرائيلية المستمرة في أعقاب هجوم طوفان الأقصى.
1- في الوقائع التاريخية، نجحت ميليشات الخميني في الاستيلاء على السلطة مطلع شباط 1979 في مواجهة حكومة ثورية ديمقراطية انتقالية بفعل “تحييد” الجيش الإيراني وأجهزته الأمنية التي تُسيطر عليها الاستخبارات الأمريكية، رغم أنّها وصلت إلى السلطة عبر انتقال سياسي منظّم يوجّب دعمها من قبل أجهزة النظام الإيراني، وقد شكّلت دوافع هذا التحالف الغير مُعلن بين السلطة الجديدة والولايات المتّحدة (خاصّة الديمقراطيون) الشروط التاريخية لقيام قواعد مشروع سيطرة إقليميّة تشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني طيلة العقود التالية.
بمعنى، إدراك سلطة النظام الإيراني لعدم شرعيتها الثورية والوطنية والدستورية، وتوجّسها الدائم من سعي الإيرانيين لاستعادة ثورتهم وسلطتهم المسروقة بتواطؤ أمريكي وغربي، يقف خلف الدوافع الحقيقية لإطلاق مشروع “تصدير الثورة” الذي وجدت الولايات المتّحدة بأدواته الميليشاوية ونهجه الطائفي أفضل وسائل تعزيز وتأبيد هيمنتها الإقليمية في مواجهة منافسيها الخارجيين والإقليميين، وتمردات شعوب المنطقة الديمقراطية.
مشروع تصدير الثورة يعني إشغال الإيرانيين بعواقب حروب خارجية تشكّل بالنسبة للنظام الأوكسجين الذي يبقي قبضته على الشعب الإيراني، وهو الذي لم يكن ليرى النور في منطقة هي الأولوية رقم واحد في مواقع السيطرة الاستراتيجية الأمريكية إذا لم يكن يتكامل ويتساوق مع أدوات وسياسات تعزيز السيطرة الإقليميّة الأمريكية.
هي المعادلة التي مكّنت سلطة النظام الإيراني الاستبدادية التي برأسها المرشد الأعلى من البقاء طيلة تلك العقود، رغم مواجهتها ثورات شعبية وتيّارات إصلاحية، قادها أكثرها فاعلية رئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي؟.
هي الشروط التاريخية التي سمحت بولادة النظام الإيراني وتقدّم مشروعه، عبر سلسلة من الحروب المتكاملة الأهداف بين واشنطن وطهران، شكّل غزو العراق 2003 والحرب في سوريا واليمن في أعقاب تمرّدات ربيع 2011 أبرز محطّات نجاحه… وصولاً إلى حدث السابع من أكتوبر 2023، لحظة إطلاق هجوم طوفان الأقصى… وقد حقق مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكية الإيرانية التشاركية نجاحات كبرى، على صعيد تعزيز قبضة النظام الداخلية، وعلى صعيد تعزيز شبكة السيطرة الإقليميّة الأمريكية.
2- في رؤيتنا لنتائج الحروب العدوانية الإسرائيلية التي أعقبت هجوم طوفان الأقصى، وما فرضته من وقائع جديدة تجاه حماس وحزب الله، وما تواجهه وقائع السيطرة الإيرانية على سوريا والعراق من تحدّيات، بات ملحّا على الإيرانيين والأمريكيين العمل معا من أجل تغيير قواعد السيطرة السابقة، وقد انكشفت أوراقهم.
ما هي الخيارات المتاحة؟
الفاعل الرئيسي هو الولايات المتّحدة، وتتوقّف على طريقة سلوك إدارتها مآلات خارطة الشرق الأوسط الجديد: الخيار الأفضل للجميع هو أوّلا اقتناع إدارة بايدن باستحالة استمرار قواعد اللعبة السابقة، وضرورة العمل على مسارين متوازيين ومتكاملين:
التوصّل إلى صفقة شاملة مع النظام الإيراني في تزامن مع تفاهمات استراتيجية مع حكومة الاحتلال وقوى اليمين الصهيونية، عاجلا وليس آجلا، تأخذ بعين الاعتبار الوقائع الجديدة، وضرورة إيجاد حلول دائمة لأسباب الصراع الجوهرية بين إسرائيل والفلسطينيين، وتتضمّن في الأهداف والخطوات:
تفكيك شبكة السيطرة الإقليميّة الإيرانية في سياق إنهاء تطلّعات قوى اليمين الصهيوني لإجهاض شروط قيام حل سياسي كامل مع الفلسطينيين.
يحصل النظام الإيراني على تعهّد بقبوله كشريك كامل في مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي الجديد، جنبا إلى جنب مع السعودية وإسرائيل… وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يزيد من تحدّيات سيطرته الداخلية.
مقابل ذلك، ضمانات لأمن إسرائيل مقابل التسوية الكاملة مع الفلسطينيين.
ما هي المخاطر؟
إذا أدركنا أن أخطر ما يواجهه مشروع التسوية السياسية الفلسطينية هو قوى اليمين الصهيونية المنتشية بانتصاراتها الأخيرة، وأنّ أخطر ما تواجهه سلطة النظام الإيراني هو حرمانها من أوكسجين الصراع الدائم مع إسرائيل وأميركا الذي يمكّنها من إبقاء قبضة رجال الدين ومبررات عزلة الشعب الإيراني وإفقاره وسحق تطلّعاته المشروعة، ندرك طبيعة التحدّيات.
فهل تستطيع واشنطن في هذه المرحلة تقديم ضمانات حماية للنظام الإيراني و”لوي أذرع” قوى اليمين الصهيوني؟.
على أيّة حال، الخَيار الآخر أكثر خطورة بالنسبة للنظام الإيراني وسياسات السيطرة الإقليميّة الأمريكية:
استمرار الحرب الراهنة، بما تتضمّنه من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، لن تكون في ظل موازين القوى العسكرية، (وفي ضوء استحالة وقوف واشنطن على الحياد كما فعلت خلال الهجوم الإيراني الصاروخي – الوعد الصادق، وكلّفها ذلك التعويض بنظام “ثاد” خشية مواجهة عواقب اتهام خصومها بتقصيرها في الدفاع عن أمن إسرائيل!)، لصالح سلطة النظام الإيراني، واستمرار شبكة علاقات السيطرة الإقليميّة التشاركية مع واشنطن.
في خلاصة القول، الوقائع تبيّن حقيقة موازين القوى العسكرية وطبيعة الانكشاف العسكري الذي باتت عليه سلطة النظام الإيراني:
لقد أطلق الإيرانيون مئات الصواريخ البالستية على إسرائيل منذ نيسان، دون ان يدمروا هدفاً عسكرياً واحداً، او يقتلوا جندياً إسرائيلياً واحداً، بينما دمّرت في 19 نيسان غارة جوية إسرائيلية نظام الدفاع الجوي S-300 في قاعدة شكاري الجوية الثامنة في أصفهان!!
الانكشاف الأمني ليس أقل خطورة:
أعتقد أنّ المكان الآمن حيث يختبئ مرشد الثورة لا يعرف طريق الوصول إليه أحد في العالم سوى الإسرائيليين!!.
السلام والعدالة لشعوب المنطقة المُضطَهَدة.