fbpx

في بعض الأسباب الرئيسية للجولة الحالية من صراع السيطرة الإقليمية على لبنان

0 195

ليس من الأسباب الرئيسيّة للازمة التي فجّرتها تصريحات الوزير قرداحي بين حكومة حزب الله اللبنانية، وقيادة المملكة، ما تضمنته من معلومات حول السياسات السعودية في اليمن، والإقليم، ولا مواقف السيّد الوزير، المنحازة لمحور المقاومة الإيراني!!

أعتقد أنّه لم يكن يريدها معركة مباشرة مع السعوديين، ولم يكن من مصلحته أن تظهر آرائه في هذا التوقيت الحساس، وتجعل منه الكبش المطلوب رأسه على موائد التصافق السياسي، الإقليميّة والدولية، بما يضيّع عليه فرصة صعود ذهبية، قد تكون الأخيرة، لا تعوضها تصفيقات المحتفين بوجهه المقاوم!

كيف نفهم طبيعة ردّة الفعل السعودية، وماهي الجوانب الأخرى للأزمة؟

أولاً: عند تشكيل حكومة ميقاتي الجديدة قبل شهرين، وما تضمّنته من إقصاء لأدوات النفوذ السعودي بشكل كامل عن المشهد السياسي اللبناني، وجد السعوديون أنفسهم في حالة تهميش، سياسي غير مسبوقة منذ اتفاق الطائف 1989، رغم استمرار تحمّلهم لأعباء دعم النظام الرأسمالي الطائفي، منعا له من السقوط، لصالح تحوّل سياسي شامل!!
لقد وجد زعماء الرياض، الغاضبين جداً من سياسات الولايات المتّحدة الإقصائية لهم في العراق وسوريا ولبنان، والمعيقة لطموحاتهم في اليمن، في تسريب تصريحات الفيديو المسجّل، فرصة مناسبة لإعادة بعض التوازن النفسي والسياسي، عبر ممارسة ضغوط اقتصادية، سياسية، على حكومة ميقاتي، والنظام السياسي، وعرّابيه، في طهران وواشنطن، تأمل أنّ تؤدّي إلى إسقاطها، أو على الاقل، إحداث تغييرات نوعية في موازين قوى أطرافها، تؤدّي إلى ظهور معطيات جديدة، تجيرها لإعادة فرض درجة ما من توازن المصالح والنفوذ مع الهيمنة الإيرانية الطاغية؟

هل تنجح، وإلى أية درجة، لا يعتمد فقط على جدّية، وقوّة الضغوط الأمريكيّة المقابلة، بل وعلى قدرة الرياض على تشكيل تحالف إقليمي فعّال، قادر على دفع واشنطن خطوات إلى الوراء!!

تتوفّر للسعوديين اليوم، كما أعتقد، فرصة جيّدة، يمكن توظيفها؛ لو امتلكت القيادة السعودية جرأة السير على حافّة الهاوية في المناورة على لوحة التناقضات والمصالح الأمريكية؛ لتغيير موازين القوى الحالية في صراع السيطرة والنفوذ على لبنان، التي تميل بشكل حاسم لصالح أهداف وأدوات المشروع الإيراني، وتطوير هجومها لاحقاً ضدّ أدوات المشروع الإيراني، على ساحات التنافس الإقليمي!
يعزز عوامل نجاح تكتيك الهجوم، السعودي واقع أن جميع حلفاء واشنطن الإقليميين في حقبة ما قبل العصر الإيراني، خاصّة في تركيا وإسرائيل، وطيف واسع من العراقيين، متضررين من أهداف وأدوات ونتائج تمدد المشروع الإيراني، بما يُعطي حكّام الرياض فرصة واقعية لتشكيل جبهة واسعة، تجيّرها لمقاومة الضغوط الأمريكية المباشرة للوصول إلى صفقة تحافظ على حكومة ميقاتي، وتطوّر وسائلها لتحجّم نتائج تساوق المصالح بين واشنطن وطهران، الذي سمح لأدوات المشروع الإيراني بالسيطرة التشاركية على أهمّ عواصم المنطقة، على حساب نفوذ حلفائها التقليديين. تستطيع الدبلوماسيّة السعودية، بالتنسيق مع، أهمّ حلفاء واشنطن، وضع ضغط حقيقي على الإدارة الأمريكيّة، وإجبارها على الأخذ بعين الاعتبار الجدّي مصالحهم، في لعبة تقاسم مواقع الحصص والنفوذ التي تديرها، والتي تهمّشها اليوم، لصالح أولويّة واضحة لسيطرة النهج الإيراني، وأدواته الميليشياوية!!
هل ثمّة إمكانيّة واقعية لقيام محور جديد، يُتيح للرياض النجاح في تحقيق مكاسب سياسيّة في لبنان، حتّى عبر مواجهة حقيقية مع واشنطن؟

يبدو جليّاً اليوم حجم الغضب الذي تعيشه القيادة التركية، واستعدادها لمنازلة إقليمية كبرى مع أدوات واشنطن، رغم مخاطر الدخول في مواجهة شاملة في سوريا، قد تدفع إليها واشنطن، بالتنسيق مع الروس، جهدت أنقره لتجنّبها، عبر أشكال مختلفة من صفقات تبادل المصالح، ومناطق النفوذ مع جميع أطراف الصراع.
أعتقد أنّ العقبة الأساسيّة أمام تحقق هكذا سيناريو ليست فقط في ضرورة توفّر قرار حاسم في الرياض، (وهو احتمال ضعيف، لأسباب سعوديّة خاصّة، تتعلّق بدرجة تبعيته السلطة لسياسات الولايات المتحدّة، وحاجتها الماسّة لحمايتها)، ولا الموقف الاسرائيلي، (الذي عملت واشنطن على امتصاص ردّات فعله على التمدد الإيراني في سوريا بأشكال مختلفة، كدفع الروس لإعطاء نتنياهو، والقيادة الإسرائيلية، ضمانات أمنيّة وسياسيّة خاصّة، وغضّ النظر عن استباحة آلة التدمير الإسرائيلية لمواقع النفوذ والسيطرة الإيرانيّة، حين، وحيثما تشاء؛ علاوة على هبات سخيّة، تصل إلى مليارات الدولارات، ليست سوى مبلغ متواضع من ريع ثروات المنطقة المنهوبة)، بل علاوة على كلّ ما سبق، والأهمّ منه، هو عجز سلطات جميع أنظمة المنطقة الاستبدادية، البنيوي، عن الخروج من تحت مظلّة الحماية والمصالح الأمريكيّة؛ حتى في ظروف تعرّض مصالحها الخاصّة لأعلى درجات الخطر، كما هو عليه الحال اليوم في مواجهة أدوات وأهداف المشروع الاقليمي الإيراني – الأمريكي للسيطرة التشاركيّة على قلب المنطقة؛ نظراً لافتقادها لقواعد ارتكاز وشرعيّة وطنية حقيقية، قويّة، تشكّل قاعدة استناد وحماية، في مُنَازَلَة فعّالة مع سيّدها الأمريكي!!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني