في بعض اعتبارات الوعي السياسي الوطني الديمقراطي، في سياق البدء بعملية تعافٍ طويلة الأمد، من آثار الزلزالين السياسي والطبيعي
إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العقبات السورية – على مستوى سلطات الأمر الواقع – التي منعت حصول استجابة سريعة لمواجهة متطلبات الإنقاذ والإغاثة الأولية في أعقاب زلزال 6 شباط المدمر، وإذا أدركنا أنها ترتبط بشكل مباشر بنتائج الزلزال السياسي الذي ضربت هزته الرئيسة سوريا 2011، (والذي ما تزال هزاته الارتدادية مستمرة حتى اليوم، كما تُشير ليس فقط تفاقم نتائج السياسات الاقتصادية وغياب شروط حل سياسي وطني، وسيطرة ميليشياوية على معظم الأراضي السورية، واستئناف الهجمات الجوية العدوانية الإسرائيلية على دمشق، ومقتل عشرات المدنيين السوريين في بادية حمص – شهداء الكمأة)، يصبح من الموضوعي أن نتوقع أن إمكانية توفير الشروط الوطنية لبدء عملية تعاف ٍ طويلة الأمد من آثار الزلزال الطبيعي تعتمد بالدرجة الأولى على قدرة السوريين على تجاوز نتائج الزلزال السياسي؛ وهو ما أظهرت دروس سنوات الحرب استحالة تحقيقه خارج مسار حل سياسي وطني لم يجد خلال 2011-2012 ما يكفي من الدعم لانتصاره، و يرتبط نجاح أهدافه بوجود جسم سياسي وطني، يمثل مصالح السوريين المشتركة، ويملك مؤهلات القيادة الثورية!.
ولأن الأكاذيب التي روجتها أطراف الصراع، وحولتها إلى وعي سياسي نخبوي، ورأي عام سوري لايمكن أن تكون بوصلة وقاعدة لبناء وعي سياسي وبدء صيرورة حل سياسي وطني، تأتي أهمية تفنيدها، عبر إطلاق أوسع حالة نقاش بين السوريين غير المتورطين، نخباً وعامة!.
أولاً: في كذبة المعارضة السياسية – الداخلية والخارجية!.
من بعض حقائق الصراع المرة التي من مصلحة السوريين عامة، والنخب الوطنية الديمقراطية – التي تدرك أهمية بناء جسم سياسي ديمقراطي وتسعى لبنائه على أساس وعي سياسي موضوعي – معرفتها والبناء عليها، واقع أن جميع هياكل المعارضات التي تم تعويمها خلال 2011، قبل تأسيس المجلس الوطني السوري في خريف 2011، وبعد حله الاندماجي خلال 2012[1]، لا تمثل مصالح السوريين المشتركة، وليست معنية بتحقيق أهداف الثورة، ومشروع الإصلاح السياسي؛ ولا تملك مؤهلات البديل السياسي!.
هي مجموعات هياكل ومنصات وتيارات سياسية وشخصيات ثقافية، متشظية ومتنافسة على المكاسب، فصلتها على مقاس أجنداتها قوى الثورة المضادة الخارجية – روسيا والولايات المتحدة[2] وأنظمة تركيا وقطر والسعودية، التي صنعت أيضا، في سياق صيرورة الخيار الأمني العسكري، الطائفي 2011-2014 وبالتكامل مع جهود النظام الايراني، أذرع الثورة المضادة الميليشياوية، بما يحقق أهدافهم المشتركة حول منع تشكيل قيادة وطنية ديمقراطية للحراك السلمي، وتحويله إلى مجزرة طائفية ؛ وتركوا للنظام السوري المعارضة الداخلية الشريفة، لاستخدامها عند الحاجة، وحسب الطلب!.[3]
كل تلك المعارضات باتت جزءاً من قوى ومشاريع الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، تتبع لهذا الطرف او ذاك، ولا يخرج عن هذا التصنيف لوبيات واشنطن (عشرات التنظيمات والشخصيات الديمقراطية، من أصل سوري، أو التي اوصلتها تضحيات السوريين إلى أرض الأحلام، وباتت متخصصة في تروج أخبار معارك الإدارة والكونغرس الدنكيشوتية ضد النظام، وشرح خطط سياساتهم الاستراتيجية!)، ومنصات موسكو والقاهرة، أو تيارات المجلس الوطني الكردي، وميليشيا قسد، ولا المعارضة الديمقراطية (اليسارية) التي التحقت بمشروعها السياسي؛ ناهيكم بائتلاف قوى الثورة والمعارضة وطوابيره، الثقافية السياسية، والميليشياوية!.
وكان من الطبيعي ان تسير تلك الصيرورة على حساب الشخصيات الوطنية والقومية، الديمقراطية، وعلى جثة النخب المدنية التي فرزها حراك السوريين السلمي الإصلاحي خلال، 2011.[4]
هذه الرؤية لاتحمل إدانة للأفراد والشخصيات الوطنية التي شاركت في ذاك النشاط المعارض عن حسن نية، وقد أدركت الحقائق بعد فوات الأوان، بل هي دعوة للخروج من القفص إلى فضاء العمل الوطني الديمقراطي، وإعادة البناء، مستفيدة من خبراتها النضالية، وما حصلت عليه من وعي حول طبيعة الصراع، وأهداف قواه، وما تحوذه من مصداقية وطنية!.
من المخيب لآمال السوريين أن يتجاهل الوعي السياسي النخبوي أن البديل، الذي تعمل عليه التسويات السياسية الأمريكية الروسية، هو شرعنة سلطات الأمر الواقع (أذرع الثورة المضادة)، وذهاب الجميع، السوريين ومقومات الدولة السورية، إلى المزيد من حالات التفشيل، التي كشفت عن بعض تمظهراتها سلوك سلطات الأمر الواقع، وشركائها الدوليين، في مواجهة عواقب كارثة الزلزال!.
[1]– تأسس المجلس الوطني السوري في إسطنبول، 2 تشرين الأول 2011، وضم أغلب المعارضين، بمن فيهم لجان التنسيق المحلية، فضلا إعلان دمشق والكتلة الوطنية، وممثلين عن الإخوان المسلمين وأحزاب كردية وآشورية، ومستقلين.
لقد تكاملت جهود الجميع، في النخب السياسية السورية المعارضة وأجهزة الدول المتورطة في الخيار العسكري الطائفي، رغم اختلاف الدوافع، في تفشيله والعمل على استبداله بإتلاف قوى الثورة والمعارضة؛ لما حققه من نجاحات على صعيد تمثيل مصالح السوريين المشتركة، وكان يمكن له أن يشكل نواة جسم سياسي معارض.
[2]– أعتقد أنه لا يخرج عن هذا السياق، منع قيام قيادة وطنية للحراك، نشاط السفراء الأوروبيين، بشكل عام، وجهود سفير الولايات المتحدة، روبرت فورد بشكل خاص، الذي حرص على التواصل و الحوار مع أبرز نخب المعارضة السياسية، وترتيب ظروف خروج العشرات من دمشق إلى عواصم الشتات (المنافي)، تحت سمع النظام وبصره!.
ليس غريباً في دعايات الولايات المتحدة أن تجد لاحقا في حالة تمزق المعارضة، وعجزها عن تشكيل بديل وطني (التي كانت أهم الصانعين لصيرورتها، من خلال علاقات مباشرة مع النخب، أو من خلال عدم تبنيها لخيار الحل السياسي خلال 2011، والنصف الثاني من 2012، والاكتفاء بتحميل روسيا مسؤولية تفشيله) مبررات رفضها لحدوث انتقال سياسي، والحفاظ على مؤسسات الدولة!.
[3]– لا يستطيع المتابع لأهم انجازات هيئة التنسيق الوطنية، التي تلتف حول القيادة التاريخية الحكيمة أن يحصي عدد الانشقاقات التي حصلت في جسم الهيئة، والتي حولتها من جبهة وطنية ديمقراطية عريضة خلال 2011، كان يمكن لها أن تشكل، بالتنسيق مع المجلس الوطني السوري قيادة وطنية شاملة لحراك السوريين، وقطع الطريق على قوى الإسلام السياسي، الإخواني والميليشياوي. لقد وصلت اليوم تلك الهيئة إلى حالة يرثى لها، ادت اخير إلى انشقاق مجموعة المستقلين، الذين ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أساليب ونهج السيطرة الاستبدادية لقيادة المعارضة الداخلية!.
[4]– عندما غُيب الدكتور عبد العزيز الخير، المعارض السياسي الشيوعي البارز، (مواليد القرداحة، 1951) وزملائه، في أيلول 2012، بعد عودته من زيارة إلى بيجين، في إطار مساع لإيجاد حل سياسي للصراع، وتشكيل قيادة سياسية وطنية – خاصة من خلال محاولات توحيد مواقف هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري – كان عشرات المعارضين يطوفون بين دمشق والقاهرة وعمان والدوحة وطهران وموسكو..
في 7-10/2011، اغتال مسلحون مجهولون في مدينة القامشلي المعارض والمناضل الديمقراطي السوري الكردي البارز، عضو المجلس الوطني السوري، الراحل مشعل تمو، مؤسس، والناطق بلسان تيار مستقبل كردستان!.
قضية اختفاء الناشطة الحقوقية المغيبة رزان زيتونة وزوجها وزملائها في دوما جيش الإسلام، 2013، التي وصفوها بأنها من أكبر ألغاز الحرب السورية حتى اليوم، قد لا تخرج عن إطار جهود محاربة القوى والشخصيات الوطنية، رغم اختلاف المكان والظروف!.