في الطبيعة الجدلية لعلاقات السيطرة الإقليمية التشاركية للولايات المتّحدة!
بعيداً عن الأدلجة والتسطيح والسذاجة والتبعية التي يتصف بها الوعي السياسي والثقافي النخبوي المعارض، ثمّة ضرورة لفهم طبيعة العلاقات التشاركية الجدلية في خطط السيطرة الاستراتيجية للولايات المتّحدة، التي تأخذ في علاقات السيطرة الإقليمية ثلاث وجوه بارزة:
- من جهة أولى، تعزيز علاقات سيطرة تشاركية علنية مع الحلفاء في مواجهة خصوم افتراضين، منافسين وأعداء.
- ب- من جهة ثانية، بناء علاقات تشاركية غير منظورة مع الخصوم، تعتمد على تقاطع موضوعي للمصالح والسياسات مع الخصوم وتحقيق أهداف مشتركة؛ تبرّر سياسات تعزيز علاقات الشراكة العلنية مع الحلفاء، التي تُبنى على قاعدة وجود عدو افتراضي، وبما يجعل من بقاء العدو الافتراضي بعبعاً – لتخويف الشركاء، وفرض شروط الشراكة الأمريكية – حاجة حيوية لنجاح سياسات واشنطن!.
- ت- الوجه الثالث في العلاقات التشاركية التي تعمل واشنطن على بنائها، يقوم على استخدام تناقضات مصالح وسياسات الشركاء، الخصوم أو الحلفاء على حد سواء، كأوراق لإدارة المعارك البينيّة، بما يصبّ في نهاية المطاف في تحقيق الأهداف التكتيكيّة، والاستراتيجية، التي تسعى في الجوهر للحفاظ على مصالح الولايات المتّحدة الإقليمية والدولية، وضمان بقاء زعامتها العالمية؛ وهو ما يؤكّد على واقعية أنّ حاجة آليات السيطرة التشاركية للولايات المتّحدة للحلفاء لا تنفصل موضوعياً وذاتيّاً عن حاجتها للخصوم من الأعداء والمنافسين!.
يقول الجنرال كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية:
الشركاء هم الكسب الكبير لأمتنا في مواجهة المنافسين مثل الصين وروسيا. لا توجد دولة تستطيع مواجهة التعقيد في المنطقة بمفردها. يجب علينا تنمية وتقوية تلك الشراكات والاعتماد عليها في الأشهر والسنوات المقبلة.
نحن أيضاً مستمرون في الضغط على داعش، سوية إلى جانب شركائنا وقوات سوريا الديمقراطية.
بينما تدهورت حالة داعش بشكل كبير في العراق وسوريا، فإن التنظيم لا يزال يحتفظ بالقدرة على القيام بعمليات في المنطقة، ونحن نعلم أن المجموعة لديها الرغبة في الضرب خارج المنطقة.
في الوقت نفسه، تواصل إيران تقويض الأمن والاستقرار الإقليميين من خلال مجموعات الميليشيات وقدرات الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار والتهديدات الروتينية للممرات المائية الدولية لأكثر من 40 عاماً، قام النظام الإيراني بتمويل ودعم الإرهاب والمنظمات الإرهابية بقوة وتحدى المعايير الدولية من خلال القيام بأنشطة خبيثة لزعزعة الاستقرار في المنطقة وزعزعة الأمن العالمي والتجارة.
في إطار استراتيجية سياسات السيطرة الأمريكية، وما تصنعه من علاقات تشاركية جدلية مع القوى الإقليمية والدولية، في مواجهة خصوم حقيقيين او افتراضيين، ترتكز على جدلية التحالف/العداء، نفهم اهميّة أن يبقى داعش والنظام الايراني عدو وأن تكون روسيا والصين منافس في خندق الخصوم!.
الخصم يقدّم مبررات التدخّل الخارجي ويسهّل آليات صناعة علاقات تشاركية مع الحلفاء، تشكّل قاعدة السيطرة الأمريكية!.
في إطار طبيعة العلاقات الجدلية بين الخصوم والشركاء، يمكن أن نفهم الحدود بين الثابت والمتحوّل في السياسات الأمريكيّة، وكيف يمكن لأي شريك حالي أن يصبح عدوّاً أو منافساً في المستقبل، وأن يصبح الخصم شريكا موضوعيّاً؛ ويبقى الحَكم والمعيار هو للمصالح العليا للولايات المتّحدة، المرتبطة بخطط وسياسات وآليات السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية!.
ضمن هذا الإطار، نفهم طبيعة الدعاية الأمريكيّة، وأهميّة أن يحل الخطر الإسلامي مكان الخطر الشيوعي وأن تأخذ نظرية الاقطاب الصاعدة و محاربة الإرهاب ما تستحقه من اهتمام في دعايات الخصوم والمنافسين لخلق أجواء حرب باردة جديدة على الصعيد الإعلامي، وصناعة رأي عام منفصل عن حقائق الواقع!.
ليس خارج السياق، نفهم لا موضوعية الترويج لصعود قطب صيني يعمل على اخذ موقع القيادة التي تحتلّه الولايات المتّحدة في النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، وفي سياق حرب باردة جديدة!.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ التقدّم الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين وجعل منها واحد من أكبر الشركاء والمنافسين الاقتصاديين للولايات المتّحدة لم يخرج سياسيا عن سياق استراتيجية احتواء الاتحاد السوفياتي السابق، ولا عن إطار علاقات وآليات عمل النظام الرأسمالي الأمبريالي التي وضعت واشنطن قواعده، وتحمي شبكة خطوطه العالمية، الآلة العسكرية الأمريكية، الأقوى على سطح الكوكب؛ وأنّ صيرورة الزعامة في النظام الرأسمالي الديمقراطي لا يمكن أن تحصل في ظل نظام سياسي صيني شمولي، وحديث البعض عن نظام هجين، ثالث، لا تقلّ مثالية عن أطروحة التطوّر اللارأسمالي، في ظل هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي عالميّا ؛ وغضينا النظر عن واقع الفارق في موازين القوى في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايون وجنوب شرق آسيا عموما، لصالح سيطرة عسكرية إقليمية أمريكية، تجعل حرائق اندلاع حرب جديدة لا تتجاوز تخوم الصين ومناطق مصالحها الحيوية (كما يحدث اليوم في الحرب الروسية)، فإنّ مقارنة بسيطة لموازين القوى العسكرية في منطقة الخليج، ومحيطها الجيوسياسي، تُعطي صورة واضحة عن لا موضوعية الحديث عن تقدّم قطبي صيني، في مواجهة الولايات المتحدة، كما سعى بعضهم للترويج في أعقاب ما استجدّ من علاقات اقتصادية صينية/خليجية، ودور الصين الوسيط في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين النظامين السعودي والإيراني!.
في مقابل عدم وجود دبابة أو جندي صيني واحد في قلب منطقة الشرق الأوسط ومحيطها الجيوسياسي، (حيث يتوضّع أكثر من نصف الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط ونحو نصف الاحتياطي من الغاز الطبيعي، وتتضمن المنطقة أكثر الطرق التجارية نشاطا في العالم بما تمتلكه من 3 من المعابر البحرية الرئيسية لحركة التجارة العالمية: مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب)، تتولّى القيادة المركزية الأمريكية (الوسطى) حصريّاً المسؤولية عن الأمن القومي للشركاء، وأمان طرق التجارة!.
هي واحدة من إحدى عشرة قيادة مُقاتِلة موحَّدة لوزارة الدفاع الأمريكية، تأسَّست عام 1983 وتشملُ مسؤوليتها الحفاظ على مصالح الولايات المتّحدة في قلب منطقة الشرق الأوسط؛ وتُعتبر هذه القيادة هي الوجود الأمريكي الرئيسي في العديد من مناطق العمليات العسكرية بما في ذلك حرب الخليج الثانيّة، والحرب في أفغانستان وحرب العراق، وباتت تنتشر في سوريا كجزءٍ من عملية العزم الصلب منذ أيلول، 2014.
لقد بنت القيادة المركزية للولايات المتحدة مقرًا جديدًا لها عام 2002 في قاعدة السيلية العسكرية بالعاصِمة القطريّة الدوحة، ثمّ انتقلت عام 2009 إلى مقرها الجديد في قاعدة العديد الجوية؛ وقد شكّل نقل إسرائيل إلى من نطاق مسؤولية القيادة المركزية في أوروبا إلى نطاق عملها 2021، احد أبرز خطوات التطبيع على الصعيد العسكري، وباتت قيادات الجيوش العربية تعمل مباشرة مع قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي، وسينتقل بذلك التنسيق من تحت الطاولة إلى العلن!.
في مايو/أيار 2022، زار القائد الجديد الجنرال كوريلا إسرائيل، وخلال زيارته حضر مناورات إسرائيلية ضخمة أُطلق عليها عربات النار، وقد وشارك فيها عدد من العسكريين العرب من أغلب الدول الواقعة في نطاق عمليات القيادة الوسطى، خاصّة قيادة الجيش الإماراتي.
مما جاء في بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية غداة لقاء في أبو ظبي جمع مايكل كوريلا مع رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية الفريق الركن حمد الرميثي:
لدى الولايات المتحدة التزام صارم بالأمن في الشرق الأوسط.
وذكر البيان أن الطرفين ناقشا فرص زيادة التعاون العسكري بين بلديهما. وفي 3 آب، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الموافقة على صفقة بقيمة 2.25 مليار دولار لدولة الإمارات مقابل 96 صاروخ ثاد، بعد نحو 16 يوما من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، وحضوره قمة بجدّة شملت مشاركة قادة عرب. وقال بيان الخارجية الأمريكية آنذاك إن الصفقة المقترحة ستعمل على تحسين قدرة الإمارات على مواجهة تهديدات الصواريخ البالستية في المنطقة، وتقليل الاعتماد على القوات الأمريكية.
ليس هذا فحسب، بل كجزء من رؤيتها لمستقبل المنطقة، ترحب وزارة الدفاع الأميركية بنمو التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، وقد باركت الإعلان عن صفقات بيع سلاح إسرائيلي لدولتي الإمارات والبحرين!.
في مقابل هذا التحشيد للحلفاء، تحرص سياسات واشنطن التشاركية على تمكين النظام الإيراني في سوريا والعراق واليمن، وتعزيز قدرته على مواجهة التحدّيات الديمقراطية الداخلية، كما تحرص على بقاء المارد الداعشي تحت الطلب، وتأهيل حكومة الإنقاذ في بعض مناطق إدلب!.