
في الصراع على الساحل السوري
قراءة في مواقف وممارسات الأطراف المعنية والمتورّطة، واستنتاجات حول طبيعة الصراع، وموجّبات حماية السلم الأهلي والأمن القومي السوري، ودور السوريين في صناعة وتحديد مآلات المسار السياسي.
من جهة أولى، يعتقد بعضهم أنّ ما حصل من مجازر انتقامية ضد المدنيين من أبناء الطائفة العلوية لم يكن سوى نتيجة لعقلية سلطة جهادية، وثقافة قواعدها الاجتماعية والميليشاوية التكفيرية “الثأرية”، وما تمّ الترويج له حول هجمات مدعومة من “الفلول” على الأمن العام لم يكن يخرج عن إطار دعاية السلطة وسعيها لتحويل بعض الأحداث المتفرقة بين مدنيين وعناصر الأمن إلى سيناريو “محاربة الفلول”، للتغطية على أهداف وسياسات تطهير طائفي، مبيّتة ضد الطائفة العلوية، وقد استُغلّت اشتباكات محلية في ريف جبلة يوم الخميس إلى إعطاء المواجهات صبغة هجوم عسكري شامل، يبرر الدعوة إلى نفير عام، أوحت بعض عبارات خطاب الرئيس الأوّل بوجود “ضوء أخضر”، وهو ما أتاح دخول فصائل جهادية ومجموعات مسلّحة من المدنيين الطائفيين الذين يبيّتون رغبة الثأر ويملكون دوافع “الانتقام”، وقد ارتكبوا مجازر طائفية ضد المدنيين، ومن الطبيعي أن تتحمّل السلطة مسؤولية عدم اتخاذ الإجراءات الحامية للمدنيين، والرادعة للمجرمين!.
هي السردية التي يُنكر أصحابها حصول هجمات عسكرية منظمة للسيطرة على الساحل، وتتبنّى “نظرية مؤامرة” اختراع ذريعة الفلول من أجل تبرير استهداف مبيّت للطائفة العلوية، وقد تبنّتها بدرجات متفاوتة أكثر الابواق تأثيراً على الرأي العام “العلوي”، وتقاطعت مصالح القائمين عليها عند هدف إقناع العلويين بأنّهم مستهدفين لأسباب ودوافع طائفية، وانّهم يواجهون أخطاراً مصيرية، توجّب مجابهتها طلب الحماية الخارجية وتأسيس سلطة “إدارة ذاتية”!![1]
تؤكّد هذه السردية على لا شرعية لجنة التحقيق التي عينتها السلطة ذاتها، وعدم مصداقية ما ستصل إليه من نتائج، وبالتالي تطالب بضرورة تحقيق دولي… في نفس السياق، يؤكّدون على عدم امتلاك السلطة “الجهادية” مقوّمات توفير شروط حماية “الطائفة” والأقليات، وبالتالي مشروعية طلب حماية خارجية!!.
تبنّت هذه الرواية، وعملت على ترويجها “نخب اليسار” الطائفية، ووجدت هذه النغمة صدى واسعاً عند أصحاب مشروع التقسيم في السويداء وقسد وتيارات قومية كردية، الذين وجدوا في تلك السردية، وعجز السلطة أو عدم رغبتها في حماية “الكيانات الأقلويّة” دليلاً على ضرورة عدم تسليم السلاح، وعدم مصداقية المسار السياسي الراهن[2].
من جهة ثانية، رأت أطياف شعبية ودينية، وقوى ميليشاوية تابعة للهيئة أو على هامشها، في الهجمات الغادرة على عناصر الأمن العام بعد ظهر وليل الخميس، وسقوط العشرات من الضحايا، تمرّداً طائفياً ضد سلطتهم الثورية، ونكراناً خطيراً لجميل السلطة، ورئيسها بشكل خاص، في تغليب عقلية الرحمة، ومنطق الدولة والتسامح مع قواعد وعناصر سلطة الأسد، ووجدت في عدم وضوح آليات السلطة للقيام بمواجهة فعّالة وتخبطها، واجب مواجهة الهجوم، وكانت ظروف المواجهات العسكرية فرصة سانحة لبعض الفصائل المنظمة أو الأفراد لارتكاب مجازر طائفية انتقامية، بدم بارد، ودون الخوف من العواقب![3]
من جهة ثالثة، اعترفت السلطة بحصول تجاوزات وانتهاكات لمجموعات غير منضبطة، وتوعّدت بالمحاسبة، وحاولت التغلّب على الجراح، والحرص على التهدئة، وعبّرت عن ذلك بتشكيل لجنتي تقصي الحقائق، والحفاظ على السلم الأهلي[4].
من جهة رابعة، وجدت نخب سياسية ونشطاء وأبواق إعلامية، متعصبة طائفياً وقومياً، ويرتهن بعضها لصالح قوى مشروع التقسيم، في تصاعد الصراع وما رافقه من ممارسات طائفية، ونتج عنه من قتل وضحايا، فرصة لتأجيج الحقد الطائفي، ودفع الصراع على مسارات التقسيم والتدخّل الدولي.
شخصياً، أعتقد أن متطلّبات التهدئة وحماية السلم الأهلي والأمن القومي السوري، توجّب على الوعي السياسي النخبوي ومؤسسات السلطة تقديم قراءة ورؤية وطنية موضوعية، تتضمّن كشف حيثيات وحقائق وتفاصيل أحداث هجوم “المجلس العسكري”[5]، والاعتراف بما تخلل هجوم السلطة المضاد من ارتباك وضعف في القيادة والتحكّم، سمح بمشاركة مجموعات مسلحة طائفية، ارتكبت مجازر انتقامية طائفية ضد مدنيين من أبناء الطائفة العلوية، وتشكيل لجان مختصة لتحديد هوية ودوافع وارتباطات الذين خططوا ونفذوا الهجوم على مراكز الشرطة وقوات الأمن والمدن، ومحاسبة عادلة وشفافة لكلّ مَن شارك في ارتكاب جرائم أو في أعمال النهب ولغة وسلوك التحريض الطائفي!.
علاوة على ذلك ينبغي على الحكومة وضع خطط وسياسات عملية ورادعة لتعقّب ومعاقبة أبواق التحريض، عبر تشكيل لجان قانونية تتبع مباشرة للنائب العام.
ليس خارج السياق، أعتقد أنّ العمل الوطني المشترك لمواجهة عواقب النزاع، وتخفيف عواقبه على السلم الأهلي والأمن القومي، يوجّب بالدرجة الأولى الاعتراف بطبيعة الصراع.
في الجوهر، الصراع في الساحل وعليه اليوم، (الذي فجّره يوم الخميس، السادس من مارس الحالي هجوم شامل ومنظّم لقوى تسعى لفرض سيطرتها العسكرية وإرادتها السياسية المرتبطة بإقامة إقليم مستقل، ووصل إلى محطّات خطيرة خلال الاسبوع الماضي في مسارات هجوم قوى السلطة المضاد، شهدت ارتكاب مجازر طائفية، وقتل المئات من المدنيين وعناصر الأمن العام)، ليس صراعاً طائفياً، رغم سعي القوى المتورّطة في السلطة وأعدائها لدفعه على مسارات العنف والمواجهات الطائفية على أمل الحصول على مظلّة الحماية وأداة الانتصار، والوسيلة الأفضل لتحقيق أهداف أجنداتها السياسية![6].
بنبغي العمل الجاد والمسؤول على تعزيز مسارات العملية السياسية، وقد باتت محمّلة بأوزار الجرائم التي تخللتها الحرب على الساحل، وبات في أولوياتها القصوى الإيقاف الفوري لجميع عمليات القتل والخطف ضد المدنيين، ومهاجمة قوى ودوريات الأمن العام، كما توجّب نجاح لجنة التحقيق في تقديم نتائج موضوعية، تحدد هويّة، أو هويّات القتلة، وآليات المحاسبة العادلة، والتعويض.
ليس خارج هذا السياق، يأتي أوّلاً ضرورة توضيح أهمية الخطوة التي عبّر عنها توافق الرئيس الانتقالي وقائد قسد على الخطوط العامة لتفاهمات توحيد الجغرافيا والسلطة، علاوة على ذلك ما تبذله السلطة ونخب وطنية في السويداء لقطع الطريق على أصحاب مشروع التقسيم، كما تأتي ضرورة الإشارة إلى حجم خيبة الأمل التي تمثّلت بفشل “الإعلان الدستوري” عن تجسيد روح مشروع توحيد سوريا، ونهضتها. من الطبيعي أن تتحمّل السلطة وشركائها السوريين والدوليين كامل المسؤولية التاريخية عن وضع الأسس الوطنية والديمقراطية الصلبة لخطوات وإجراءات الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي.
لقد تجاهلوا أنّ الحامي الحقيقي للعلويين هم مواطنيهم “السنة”، وهي مؤسسات الدولة التي يسعون لتفشيل مسارات بناءها، وهو الاستقرار السياسي وحكم القانون العادل، وقد شكّل الضخ الإعلامي والتحريض الطائفي حالة رعب عام عند العلويين، فتح جروحا عميقة، وشكّل جريمة بحق الطائفة، والسلم الأهلي، وهدد مقوّمات الدولة السورية.
أُعيد التأكيد على أنّ هذه القراءة لا تبرّر مسؤولية قوى التقسيم عن بدء النزاع المسلّح وما نتج عنه، ولا مسؤولية السلطة عن عدم السيطرة والتحكّم بسلوك المجموعات الميليشياوي المهاجمة، ومنعها من ارتكاب مجازر طائفية!.
هذه وجهة نظر، قد تكون غير مناسبة بالنسبة لبعضهم في هذه اللحظة من التجييش، لكنها موضوعية، وأعتقد أن الاعتراف بها من جميع الأطراف هو خطوة مطلوبة للتهدئة، والوقوف خارج التخندقات الطائفية، وتوضيح واجبات السلطة، والتعويل على جهودها، ومصلحتها في مواجهة القوى التي تعمل على تهديد السلم الأهلي. في هذا السياق، تبرز أهمية إدراك واعتراف النخب السياسيّة التي ساهمت لغتها وثقافتها في التحريض والتجييش الطائفي على أمل حصول تدخّل وحماية خارجية، وحصولها على “حكم ذاتي”، بعدم موضوعية رؤيتها وقراءتها، والتأكيد على حقيقة أن الخَيار الواقعي الوحيد لحماية جميع السوريين هو الانخراط الفاعل في مسارات بناء مؤسسات الدولة بما يعطي السلطة الاحساس بالأمان الاستراتيجي، ويشجعها على تعزيز العمل السياسي الوطني التشاركي[7].
[1]– ثمّة العشرات من “الأسماء اللامعة”، كالمدعو “رامي عبد الرحمن” و”نضال نيوف” و”أحمد بدران” “خطيب بدلة” “سمير متيني”، وعشرات الصفحات المرتبطة بمشروع قسد!
الفكرة المشتركة هي إنكار حقيقة الفعل الميليشاوي الهجومي الطائفي بقيادة دينية وعسكرية منظّمة، الذي ولّد “رد فعل” شعبي وسلطوي وديني، من نفس الطبيعية، وبقوّة أكبر، ونطاق أوسع!
خطيب بدلة:
“خلونا ندخل في خضم الأحداث، ونبدأ من تعليق وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” على الأحداث:
“تنظيم الجولاني يرتكب مجزرة بحق السكان العلويين”… وقد أسقط الجولاني القناع وكشف عن حقيقته”…
نحن السوريين، شو لازم نتصرف حيال تصريح كاتس؟
الجواب: لازم نعلن النفير العام… وهذا الشيء يلي صار:
مجاهدينا وثوارنا ومشايخنا الأشاوس أعلنوا النفير العام من خلال مكبرات الصوت في المساجد، مو منشان مواجهة إسرائيل، ولكن لمحاربة الأخوة العلويين…
الشباب أعلنوا النفير العام لمقاتلة العلويين، بعد ما أطلقوا عليهن “فلول النظام”!
إنكار حقيقة “الفعل” واستغلال ما نتج عن هجمات ردّ الفعل من جرائم ضد المدنيين من أبناء الطائفة العلوية وتضخيم حجم الجرائم، كان يبتغي القول بأنّ العلويين مستهدفين كطائفة، من قبل السلطة الطائفية وجمهورها الواسع، لكي يسوّغوا طلب حماية، والبحث عن مكان في إطار جهود قوى مشروع “الإدارة الذاتية” التي تقودها قسد، سوريّا، وباتت تتقاطع مع أهداف مشروع السيطرة الإقليميّة الإسرائيلية.
أحد نماذج خداع الرأي العام “العلوي”:
“… أشارت تحليلات الأجهزة الأمنية البريطانية الى أنها تأكدت ان الشخص الموجود في تسجيلات الفيديو المزعومة للمدعو مقداد فتيحة مفبركة بالذكاء الصناعي حيث اعتمدت بصمة صوته على وجه شخص من الأمن العام يلقب أبو يعرب قريب بملامح العينين والجبهة وهو ما يفسر ظهوره الدائم باللثام وهو مستغرب كونه معروف الوجه مسبقاً لجميع الناس على السوشال ميديا وأكدت التقارير أن المرجح أن فتيحة فقد أثناء، محاولته الفرار من منطقة القصير وأشارت إلى أن المدعو غياث دلة برتبة عميد لم يظهر بأي تسجيل صوتي أو فيديو حيث أن إعلان العملية العسكرية تم بمنشور على فبس بوك ظهر بشكل مفاجئ على صفحات مؤيدي الرئيس الانتقالي وليس حتى من صفحته الرسمية وتعتقد مصادر مطلعة بشدة أن الأحداث المروعة التي شهدها الساحل الغربي لسوريا هي من تنظيم الاستخبارات التركية ومشابهة لمسرحية الانقلاب الفاشل التي تخلص فيها أردوغان من معارضيه من القوميين الاتراك وكنا نشرنا مقالا سابقا وضحنا ان الفصائل زودت بصور مفصلة لمواقع القرى والأحياء ذات الغالبية العلوية مع طرقها الفرعية في فبراير الماضي حيث كان يتم التحضير الممنهج لهذه المذابح”.
[2]– الدليل على تقاطع مصالح قسد/مسد مع قوى مشروع التقسيم أكثر من واضح، وتبقى معرفة تفاصيل العمل الميداني رهنا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة:
قيادة قسد تسيطر على أكثر من 25% من مساحة سوريا، و70% من ثرواتها المائية والنفطية والزراعية، وجيش يقارب المئة الف مقاتل. تعتمد إمكانية استمرار مشروعها على بقاء سوريا دولة فاشلة، ومقسّمة… ولذلك تسعى الى إقامة كانتونات مشابهة لها في الساحل والسويداء..
توحيد سوريا، يعني نهاية مشروع قسد.
في السياسة، تعمل قسد على إقامة مرتكزات سياسية واجتماعية في الساحل منذ 2019، وقد تواصلت مع أكثر من وفد بعد سقوط الأسد…. وحضرت شخصيات عديدة مؤتمر مسد في 27 فبراير ‘الماضي (منصة الحوار الوطني) برعاية مظلوم عبدي.
بعد سقوط الأسد، ذهب العديد من ضباط الجيش الذين كانوا في دير الزور، إلى مناطق قسد، وربّما نسّقوا الهجوم الأخير، برعاية قسد.
مما جاء في تقرير “الجمهورية نت”:
أكّد مسؤولٌ عسكريٌّ في قسد، وبالتوازي مع الاتصالات التي أجراها خلدون الهجري ممثل الشيخ حكمت الهجري بداية الشهر الفائت في واشنطن للحصول على موافقة على قيام “إقليم” في السويداء، لقناة رووداو بأنّ قوات سوريا الديمقراطية «تحظى بقبول السويداء والساحل السوري». وأضاف محمود حبيب، الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية خلال حديثه للقناة التي تبث من إقليم كردستان العراق: «لدى كثيرٍ من الطوائف والإثنيات في سوريا ترحيبٌ بقوات سوريا الديمقراطية، وهي مقبولةٌ أكثر وتستطيعُ فرض السلم والأمن بدون عنف وبدون تمييز».
[3]– من المؤسف أن يكون قد عزز هذه السردية بعض عبارات خطاب الرئيس نفسه، الذي أتى ربما كردّة فعل متسرّعة وخائفة من سرعة تقدّم المجموعات المسلّحة الطائفية والمنظّمة في بلدات ومدن عديدة، التي يقودها المجلسين العسكري والمدني، وما نتج عنها من سقوط مئات الضحايا بين عناصر الأمن العام وفراغ في السلطة، سمح بانتشار الجريمة، وحالات السرقة والنهب، وربما تكون قد لاقت بعض عبارات الخطاب التي تدعو الشعب إلى دعم السلطة صدى عند بعض خطباء المساجد ورجال الدين؛ وهي مجموعة من العوامل التي تفسّر تدفّق عشرات الآلاف من المسلحين الطائفيين، الغير منضبطين، وما يمكن أن ينتج عنه من تهديد خطير للمسلمين الأهلي.
جاء في مقابلة أجرتها الأناضول مع محمد عثمان، محافظ اللاذقية بشأن تفاصيل ما جرى:
“…. هذه التطورات “ولّدت موجة من الغضب الشعبي” لدى السوريين في باقي المحافظات، ما دفع بأعداد كبيرة للتوجه إلى الساحل، مقدراً أن يكون أعداد هؤلاء فاقت 50 ألف شخص”، وإنهم لم يستطيعوا في البداية “ضبط السيل العارم من هذه الجموع” التي وصلت الساحل خلال الساعات الأولى للأحداث من محافظات ومناطق أخرى، مشيراً إلى أن قسماُ كبيرا منهم لم يكونوا منضوين تحت مظلة وزارة الدفاع والأمن العام.
[4]– نتيجة لنجاح قوى الأمن والجيش، والمجموعات المسلّحة “الرديفة” في احتواء هجمات “المجلس العسكري” واستعادة السيطرة على مراكز المدن خلال معارك يوم الجمعة، وتكشّف حجم ما رافق معارك الهجوم والهجوم المضاد من انتهاكات ومجازر طائفية مروّعة ضد المدنيين، والاحساس بزوال مخاطر مشروع التقسيم، حصل تغيّر في نهج تعامل السلطة مع الأحداث، عكسه خطاب الرئيس الانتقالي الثاني، الذي دعا المقاتلين إلى الانضباط والتقيّد بتعليمات القيادة العسكرية، وتوعّد بمحاسبة المخالفين، وعقوبات رادعة. وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع قد صرح في وقت لاحق بأن أعمال القتل الجماعي لأفراد من العلويين تشكّل” تهديدا لمهمته بتوحيد البلاد، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها بما في ذلك حلفائه إذا لزم الأمر.”
في نفس السياق، اعترف السيد محمد عثمان، محافظ اللاذقية “أنّهم لا ينكرون حدوث تجاوزات، سواء أكان من أشخاص غير منضوين تحت وزارة الدفاع وإدارة الأمن العام، أو حتى أحياناً من بعض العناصر الموجودين في إدارة الأمن العام أو في وزارة الدفاع”.
وشدد على أنّه “تم إلقاء القبض على عدد من هؤلاء الأشخاص المشتبه بهم في التورط بتجاوزات، وإحالتهم للسلطات المختصة”.
[5]– جاء في تفاصيل الأحداث، وفقا لمحمد عثمان،محافظ اللاذقية: “… حصلت عدة استهدافات لمراكز أمنية وشرطية، قبل أن تقوم مجموعة من الفلول يوم 6 آذار الجاري، باستهداف قوة تابعة للأمن العام، كانت تقوم برفقة قوات من وزارة الدفاع بواجبها الأمني بريف منطقة جبلة”.
وأضاف أنه خلال ساعات قليلة كان هناك انتشار لعدد كبير من مسلحي الفلول على الطريق بين طرطوس واللاذقية، وبين اللاذقية وإدلب، تخللها قطع طرق واشتباكات كثيفة.
وقال عثمان إن فلول النظام وخارجين عن القانون استهدفوا الخط الرئيسي المغذي لمحافظة اللاذقية بالطاقة الكهربائية (خط 230)، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء وبالتالي توقف خدمة شبكة المياه أيضاً في المحافظة. ولفت إلى وقوع هجمات من الفلول على بعض المشافي في المدينة أيضاً، كما حصل في المشفى الوطني والمشفى الجامعي باللاذقية وجبلة.
وتابع: “تم كذلك استهداف الكوادر الطبية وتعطلت الأفران ووسائل النقل، وكذلك توقفت العملية التعليمية في الجامعات والمدارس، وغيرها من مؤسسات المحافظة التي توقف فيها العمل بشكل شبه تام”.
[6]– منذ اليوم التالي لسقوط سلطة النظام الأسدي، الشريك الرئيسي في مشروع التقسيم، يتصاعد الصراع الرئيسي بين السلطة السورية الجديدة التي طرحت مشروع سياسي لتفكيك الميلشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وإعادة توحيد الجغرافيا السورية، مدعومة بتقاطع مصالح مع النظام التركي ومصلحة أمريكية في التخلّص من أعباء الميلشة والتقسيم، ودعم مسار الاستقرار السياسي!.
إذ كان يرتكز مشروع التقسيم الذي يتقاطع مع مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، على أيدولوجيا وأدوات طائفية أو “قومية”، ومن مصلحة قواه دفع هذا الشكل من الصراع إلى أقصى حدود ممكنة، فمن البديهي أن تكون مصلحة السلطة الجديدة، في واقع كونها حاملة لمشروع الدولة، وتقاتل على أرضية الحفاظ على مقوّماتها، أن تخوض الحرب في أدوات وطنية، ونهج غير طائفي، ومن المفارقة أن تكون السلطة، في لحظة ضعف وسائلها وادواتها الوطنية، أن تواجه قوى مشروع التقسيم بنفس الأدوات والنهج، وقد نجحوا في جرّها إلى هذا المستنقع الطائفي الدموي، وقد بات على أجهزة السلطة بذل جهود مضاعفة لإعادة الصراع إلى مساره الحقيقي، بين قوى التقسيم وقوى توحيد سوريا ونهضتها. من نافل القول أنّ نجاح السلطة في قطع مسارات الصراع الطائفي، وكسب معارك الصراع على الساحل لمصلحة نهج الدولة، لا يقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، رغم أهميّة دورها.
[7]– تؤكّد مخرجات مؤتمر مجلس الأمن الأخير، المرتبط بأحدث الساحل، كما جاء في البيان حول أحداث الساحل، عدم موضوعية التعويل على حصول تدّخل خارجي، ودعم جهود السلطة الانتقالية من أجل مواجهة عواقب النزاع المسلّح، وتعزيز خطوات وإجراءات العملية السياسية الانتقالية: “يدعو مجلس الأمن السلطات الانتقالية إلى حماية جميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم… يجب على السلطات الانتقالية في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر الجماعية”.
وقال البيان “يرحب مجلس الأمن بالإدانة العلنية التي أصدرتها السلطات السورية المؤقتة لحوادث العنف، ويدعو إلى اتخاذ مزيد من التدابير لمنع تكرارها”.