في الذكرى السنوية لـ “يوم الأرض”
في الذكرى السنوية المجيدة لـ يوم الأرض، أعتقد أن السعي لمعرفة الواقع، وإدراك حقائق الصراع؛ الذي وحد قدر الأرض الفلسطينية وشقيقتها السورية؛ بعيدا عن التضليل، وأنصاف أو أرباع الحقائق، هي أفضل أشكال التعبير عن تمسكنا بحقوقنا المشروعة في الأرض، والعرفان بالجميل لأرواح ضحايا سلطات الاحتلال والاستبداد!.
دون أن نغفل حقيقة ترابط عوامل السياق الحديثة لمحطة التطبيع الراهنة في النقب مع عوامل السياق التاريخي الأشمل التي صنعتها نتائج غزوة حزيران، 1967، يُمكن القول إن تجرؤ الأنظمة على الإقدام على هذه الخطوة، رغم ما تعبر عنه من ازدراء لمشاعر الملايين من شعوب المنطقة، وتجاهل لحقوقها المغتصبة، لم يكن ليحدث بهذه الغطرسة لولا إدراكهم لحجم مشاعر الإحباط، ودرجة قساوة الظروف التي تعيشها شعوب المنطقة، في أعقاب هزيمة ثورات الربيع العربي، وتحطيم إرادة الحياة والتغيير لدى جمهورها، ونشطائها، وما اصاب مؤسسات دولها ونسج شعوبها من تفتيت.
فإذا تمعنا في حيثيات «منتدى النقب – برعاية وزير خارجية الولايات المتحدة، وبضيافة وزير خارجية دولة الاحتلال، والحضور المباشر لوزراء خارجية الإمارات ومصر والمغرب والبحرين، وحضور غير مباشر لجميع السلطات الإقليمية، الذي أقر خطة للتعاون المشترك في مواجهة الأخطار والتهديدات المشتركة، خصوصاً التصدي للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، التي تطلقها إيران وأذرعها باتجاه دول المنطقة – وما جاء في كلمة افتتاح المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية المُضيف: “عدونا المشترك هو إيران، وما ركزت عليه الرؤية الاستثنائية للسيد وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد :
… السياسة الرشيدة هي السياسة الواقعية التي تنطلق من الأرض وليس من الفضاء الفارغ، ولغة السياسة الواقعية تقول: إن العدو الخطير الذي نرى خطره من صواريخ «الحرس الثوري» عبر عميله الحوثي تنهال من اليمن على محطات المياه والكهرباء والمشتقات النفطية في السعودية والإمارات، ونرى ماذا تفعل خلايا إيران في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والكويت.
هذا هو العدو الذي نعرفه، وحين تريد ردع عدو هاجمك بكل صراحة ووقاحة فأنت تتحالف مع كل من يشاطرك العداء لهذا العدو، أياً كانت دوافعه، وإسرائيل اليوم تعلن أنها ضد النظام الإيراني، إذن فهي حليف موضوعي بحكم الواقع والضرورة، تلك هي الحقيقة الجرداء، دون تزويق ولا تزييف ولا تلميح”.
نجد في هذا القول بعض جوانب الحق، رغم أن ما يُراد به من باطل!.
أين الحق في هذا القول؟
إذا كان من اللاموضوعي أن نصدق ادعاء وزير خارجية الكيان الصهيوني بأن إيران عدو مشترك، فإن التساؤلات التي يجب طرحها من قبل جميع المصدقين لطبيعة الدور الإيراني المقاوم في المنطقة: ألا يقدم السلوك الإيراني، في اليمن على الأقل، غطاءً واقعياً، ومبرراً منطقياً لسياسات التطبيع مع إسرائيل؟.
أليست هي النتيجة الرئيسية لتساقط صواريخ الحوثي الإيرانية الأخيرة على دول الخليج؟.
ألا يحق لنا، بل ومن واجبنا، أن نجري كشف حساب، ومقارنة بسيطة بين كمية الضرر التي أحدثتها سياسات المقاومة الإيرانية لإسرائيل، ونوعية الضرر المدمر الذي أحدثته الميليشيات الطائفية الإيرانية في أهم دول المنطقة؛ اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين؟ حيث كان لها الدور الرئيسي في ميلشة الدول، وتطييف شعوبها، ومنع حدوث تحولات سياسية؛ ما تزال هي الطريق الوحيد لخروج شعوب ودول المنطقة من أسباب وعواقب حالة الاستبداد المدمرة؟.
أليس السلوك الإيراني في مقاومة حراك شعوب المنطقة السياسي، وما نتج عنه من تدمير مؤسسات دولها، وميلشة جيوشها، وتفتيت شعوبها، منذ 2011، هو استمرار لنهج متواصل منذ 1980، وهو الأكثر خدمة لمصالح دولة الاحتلال في المقام الأول، ويتكامل مع سياسات الأنظمة العربية المعادية للتغيير للديمقراطي، ويفسر طبيعة الشراكة القائمة موضوعياً بين أهداف المشاريع المشتركة للجميع، برعاية واشنطن، ومساهمة روسية، التي تتمحور حول قطع سبل بناء مقومات مشاريع دول ديمقراطية، وطنية، في قلب منطقة الشرق الأوسط؟.
أليست شعوب المنطقة، في إيران واليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وآمالها في التحرر والدمقرطة، هي في مواجهة قوى تحالف عدو مشترك، بمراكزه الإقليمية والدولية، وتشكل ميليشيات النظام الإيراني الطائفية رأس حربته؟.
هل هذا الاستنتاج هو تفكير مؤامراتي أم هو من حقائق الواقع العنيدة، التي لا يمكن تكذيبها إلا مِمَن انطلت عليهم خديعة نظرية المؤامرة – التي تروج لوجود صراعات بين قوى ذاك التحالف المعادي للديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة بين النظامين الإيراني والصهيوني، وبما يضخم من التناقضات الثانوية، من أجل ستر حقائق تقاطع المصالح الاستراتيجية الكبرى، التي تقول بتوافق الجميع – رغم تصارعهم على مناطق النفوذ والحصص، وهو شيء طبيعي ومفهوم، على العداء لأهداف الشعوب، وسعيها لتحقيق انتقال سياسي، وتحول ديمقراطي، وهو الأساس الذي يقوم عليه تنسيقهم المشترك، ويوحد أدوات حروبهم؟!.
ألا يشكل إدراك هذه الحقيقة فرقاً نوعياً في الوعي السياسي الديمقراطي، الوطني، ويشكل الأرضية الصلبة لرسم الخطط وتحديد الأولويات؟.
السلام والديمقراطية والعدالة لشعوب المنطقة.. لا لحكومات وسلطات أنظمة تحالف الاستبداد، المعادية لجهود وجمهور وقوى الانتقال السياسي، الذي تقود جهوده، وتنسق خططه المعادية للديمقراطية، بمعية القيصر الروسي، إدارات الولايات المتحدة، الدولة الديمقراطية الأقوى على سطح هذا الكوكب المنكوب.