في أهم ملامح المشهد السياسي السوري الراهن!
أن نشعر بالتشاؤم أو التفاؤل هي حالة وجدانية، شخصية، قد لا تكون قائمة على وعي حقيقة الواقع، ومعطياته!.
أما عندما يريد بعضهم قراءة الواقع من خلال مشاعره، فنكون أمام مشكلة في الوعي السياسي!!
في جديد المشهد السياسي السوري، يمكن للمتابع ملاحظة ما بدأت تقدمه الأجهزة الأمريكية المتخصصة من وعود، وتنعشه من آمال عند الرأي العام السوري، خاصة عند تلك الشريحة من النخب السياسية والثقافية “الخبيرة” في قراءة لغة الدعاية الأمريكية، التي تعبر عنها بأدوات مختلفة، داخلية مباشرة، أو عبر أطر دولية، تجيدُ تجييرها، لنقل ما تريد ايصاله الى الرأي العام السوري!!.
تُسارع أقلام وأبواق النخب المتخصصة بتحويل تلك الرسائل إلى أوهام، وأمال كاذبة؛ يتعيش عليها السوريون فترة محددة، ثم تبدأ بالتلاشي تدريجياً، دون أن تترك حالات وعي معاكس لالتقاط الإشارات الأمريكية، وتحويلها إلى سيناريوهات سياسية!.
اليوم يروجون لعودة أمريكية فاعلة (بعد أن روجوا سابقاً إلى حالة تراخ استراتيجي، سمح لبعضهم باستغلال غياب القط الأمريكي!!)، قد تحقق لهم، ما كذبت به وعود “الصديق” أوباما، الذي تراجع في اللحظة الأخيرة!.
معادلتهم ساذجة، وسطحية، “طالما يتصارع الروس والأمريكان في أوروبا، فمن الطبيعي أن تنتهي حالة “الهدنة” بينهما في سوريا، وتبدأ الولايات المتحدة تأجيج أدوات حربها على روسيا، وهي فرصتهم الذهبية، وما على النخب والمعارضات سوى “رص الصفوف”، لأن غياب تمثيل سوري بديل، كان أهم الاسباب الذي سبب “عدم حسم موقف” واشنطن تجاه النظام!.
يتجاهل هذا الشكل من “الوعي” الهجين حقيقة المصالح التي صنعت الواقع السياسي الراهن في سوريا “الحديثة”، والراهنة:
1- مصلحة استراتيجية أمريكية في تسيّد أنظمة معادية للديمقراطية، ومنع حدوث تغيير سياسي، يُغير سلطات وأركان تلك النظم القائمة، كنظم معادية للديمقراطية، شكلت تاريخياً أفضل أدوات تحكمها بالمنطقة.
2- مثلت سلطة النظام السوري أكثرها قدرة على إدراك طبيعة المصالح الأمريكية، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ومارست أنجع وسائل تحقيقها!
3- واقع تعزز الشراكة والسيطرة الأمريكية الإيرانية في مرحلة “تصدير الثورة”، وكان لنجاح أذرع مشروعهما المشترك في حكم العراق أهم عوامل منع تغيير سلطة النظام، وقد رفدت ميليشياته بأكثر أذرع الثورة المضادة تدميراً للثورة – داعش وميليشيات الحشد الشعبي!.
4- دخول روسيا في الصراع العسكري، وبغض النظر عن أسباب القيادة الروسية الخاصة، كان حاجة أمريكية/إيرانية بالدرجة الأولى، وقد عزز أدوات وسياسيات سيطرتهما المشتركة، وليس على حسابها؛ وكانت حماية سلطة النظام النتيجة الرئيسية لوجود روسيا حتى اليوم.
5- ما وصلت إليه النخب السياسية والثقافية السورية المعارضة – المعترف بها رسمياً (أمريكياً/روسياً) أو المهمشة (احتياط)، أو في قيادات “أذرع الثورة المضادة” وسلطات الأمر الواقع – من ضعف وارتهان وتبعية، أفقدها القدرة على القيام بأدنى أدوار العمل الوطني الديمقراطي، هو بالدرجة الأولى إرادة أمريكية، ويتوافق مع المقاصد النهائية لسياسات واشنطن وموسكو، المتوافقة على الحفاظ على سلطة النظام القائم، وما قدمته الأنظمة الإقليمية في هذا الإطار (خاصة أنظمة الخليج)، يؤكد ذلك!.
الاستنتاجات الموضوعية
1- ليس لإيران وأمريكا مصلحة في استغلال الحرب في أوروبا لإضعاف الوجود الروسي في سورية؛ وقد تقتصر الحاجة إلى بعض أوراق الضغط، التي لن تصنع فرقاً مهماً لصالح مسار التغيير، أو على وقائع المشهد السياسي والعسكري القائم منذ 2020!.
2- الحرب في أوروبا، واستخدام الولايات المتحدة لسلاح الطاقة، كسلاح رئيسي في مواجهة الروس، قد يفرض على الأمريكان والإيرانيين إخراج بعض جوانب العلاقات السرية بينهما إلى العلن، عبر التوافق على مسرحية “الملف النووي”؛ وهي حاجة أمريكية بالدرجة الأولى للغاز الإيراني، لتعويض أوروبا عن بعض نقص الواردات الروسية؛ كأهم وسائل واشنطن لتعميق التناقضات داخل أوروبا!.
3- السوريون إذن، يدخلون في مرحلة أكثر انحطاطاً على صعيد جهود إيجاد حلول سياسية، طالما أن الموقف الإيراني يسير إلى محطات أكثر قوة، على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمعنوية، وهو ما يقوي بالطبع موقف السلطة تجاه السوريين؛ في مواجهة أصوات معارضات فاقدة للوزن السياسي، والتمثيل الشعبي، وتول على مسار سياسي وهمي، وفي مواجهة ملايين الجائعين والمهجرين، وأعداد لا تحصى من المغيبين والمعتقلين!.
4- سيتعزز موقف تركيا في سوريا أيضاً، وهذا ما يؤدي إلى تعزيز أوراق القوة التي صنعتها –سلطات الأمر الواقع في إدلب، وسلطة “الجيش الوطني” في شمال سوريا، وبالتالي إبقاء “قسد” وسلطة أمرها الواقع في شمال شرق سوريا كورقة قوة أمريكية في مواجهة الجميع، وخاصة تركيا.
الحصيلة النهائية؛ تعزيز سلطات الأمر الواقع على كامل مساحة سوريا، بما يثبت حالة الانقسام الراهنة، ويعمق عوامل تقسيم سوريا، ويحافظ على مواقع نفوذ وحصص القوى القائمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإيران!.
سوريا، وجميع السوريين، ووحدة الدولة وسيادتها، هي الخاسر الأكبر، وسيواجه فقراء الشعب السوري المزيد من آليات النهب والتجويع والتفتيت، ولا من مغيث!.
وجهات نظر متباينة
– لنقرأ للدكتور “عبد القادر نعناع”، ما يبدو سيناريو الفرصة الأخيرة، رغم اقتناعه بعدم إمكانية حدوثه:
“بعيداً عن احتفالات الإخفاق بين جماعتي 15 و18، تقدم لنا البيئة الدولية فرصة ذهبية، لم تكن تخطر ببال أحد، بل لم تكن واردة على الإطلاق. إذ كنا نتجه أكثر فأكثر إلى تثبيت نظام الأسد (رغم التعامل السوري مع الموضوع بسخرية فهي الأداة الوحيدة المتبقية لدينا)، وإعادة الشرعية له بشكل تدريجي (وبالأخص عبر عدة دول عربية).
لن أخوض في ذلك، ففيه كثير من الشروح، وامتناعي عن الخوض، رغبة مني في عدم الاصطدام بأصحاب نظرية المؤامرة، وتقديس الذات.
اليوم أو الآن، فرصة كبيرة، تتيحها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الغربي (الذي يفضل الناشطون اتهامهم بالمؤامرة)، من خلال ربط القضية السورية بالقضية الأوكرانية، والإصرار على إظهار فداحة جرائم بوتين، بل حتى إن السعودية التي كانت في طريقها لمصالحة مع النظام، عادت عن ذلك وبشكل واضح.
ورغم أني لا أفضل تقديم توصيات لأحد، لأننا جميعاً “نعرف ونفهم”، إلا أنني أعتقد أن هذه هي الفرصة الأخيرة أمامنا، وإن لم نحسن استغلالها، وبقينا عند موقف اللطميات والبكاء على الذات ونظرية المؤامرة والسخرية من الآخر، سنجد أنفسنا في معتقلات النظام خلال فترة قصيرة.
لذا، علينا بداية نبذ خطاب استعداء الآخرين (العرب والغرب)، والإقرار بأننا نتحمل مسؤولية كبيرة في الإخفاق الذي جرى، نتيجة سوء الإدارة المفرط، هذا أولاً.
هذا الإقرار، هو توصيف يسمح بما بعده، وهو:
1- تنحي كل الوجوه القيادية السابقة، أو معظمها، فقد جربناها لمدة عقد كامل، وما خرجنا منهم إلا بضياع قضيتنا كلياً، فالإصرار على هذه الشخصيات، هو تماماً كتوقع الوصول إلى نتائج مختلفة بنفس طريقة العمل.
2- تشكيل جسم قيادي تكنوقراط، وليس مشيخات ومحسوبيات وبقايا بعثيين وشيوعيين، والإقرار له بصلاحيات حقيقة والإقرار بشرعيته من كل القوى السياسية والعسكرية أو غالبيتها.
3- وضع هذا الجسم تحت جسم رقابي سوري (نخبوي).
4- نبذ القوى التي ترفض هذا الإقرار.
5- رفض كل أشكال الولاءات العصبوية: إخوان، مناطقية، يسارية، عرقية.
6- رفض كل أشكال الولاءات النفعية: المعارضة المأجورة التابعة للدول الأخرى، والتي همها تعظيم منافعها المالية فقط.
7- رفض مسار أستانا كلياً وما ترتب عليه، من لجنة دستورية، ولجنة تفاوضية.
8- بناء مسار تفاوضي جديد، لكن لا يمكن بناء مسار تفاوضي دون وجود مسار عسكري ضاغط.
9- التشبيك الدولي القانوني والإعلامي والسياسي وعلى مستوى المنظمات.
10- تقديم خطاب هوية واضح حقيقي، ليس عصبوياً، ولا إقصائياً. ورفض كل خطاب هوية مفروض من خارج الحدود، أو يقوده أجانب أو قوى متطرفة.
11- الانفتاح على الداخل، بما يحمله ذلك من انفتاح على قوى داخل النظام، وعلى القوى الكردية، وسواها.
12- رفض الاحتلال الخارجي الموجود في سورية، ورفض كل أشكال الميليشيات والقوى المتطرفة والمرتزقة في سورية.
13- وضع مسودة دستور، تكون أساس اشتغالنا السياسي، وعدم انتظار القوى الإقليمية والدولية لتضع لنا دستوراً.
14- إنجاز ذلك خلال فترة وجيزة للغاية (أشهر)، هي الفجوة الزمنية المتاحة لنا في ظل التغييرات الدولية الحادة، قبل أن تغلق هذه الفجوة في وجهنا.
ولا أظننا قادرين على ذلك.”
– يستحق صديقنا Aram Karabet المتابعة:
أعتقد أن جماعة الولايات المتحدة العرب أكثر حبًا لها من الاوكرانيين، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
سيأتي اليوم الذي سيكتشف الأوكرانيين أنهم في العراء، لا سقف يضمهم ولا أرض، وأن هذه (الأمريكا) المخادعة رقم واحد في عالمنا، ستتركهم كما يترك العشيق اللعوب عشيقه دون وداع.
العرب، قبل خمسة وسبعين سنة ضاعت منهم فلسطين، لأن هذه المخادعة حاربتهم، كانت السبب في بقائهم لاجئين، كما دعمت الأنظمة العسكرية طوال المدة الماضية.
وهذا النظام العسكري الأمريكي هو سبب الذل الذي نعيشه اليوم والفقر واللجوء، وضياع أوطاننا منا، مع هذا نراها حمامة السلام في أعين الكثير منا.
الولايات المتحدة دولة عسكرية، بطقم أنيق، معاصر، بلسان واحد، رأي واحد، وجوقة واحدة وتحت راية الديمقراطية.”
– في قراءة للمشهد السياسي السوري، أكد الدكتور “سمير التقي” على أنه “في مرحلة التراخي في طرح استراتيجيات أمريكية جديدة، قفزت بعض القوى الدولية والإقليمية إلى الأمام.
روسيا شعرت بأنخفاض المناعة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فقفزت عملياً من أجل عمليا ملء الفراغ!”.