fbpx

فلسطين تدخل العصر الجوراسي

0 360

في ثمانينيات القرن الماضي لم تكن الصين قد ابتكرت اللّحية الصناعية بعد، ولو كانت هذه اللّحى متوفرة آنذاك لما فرضت الحركات الجهادية مبدأ إطالة اللّحى، نظراً لأن اللحية الطويلة تحتاج وقتاً للنمو، أمام هواجس العجلة السياسية التي كانت تدور آنذاك، خصوصاً أمام أزمة الأيديولوجيات.

الكائن السوفييتي كان يتفكك، ومعه كانت كتب دار التقدم تباع على الأرصفة وقلما تجد من يستعرض عناوينها، فيما القوميون العرب كانوا يتأملون فكرة التوقف عن شتم (الإمبريالية والصهيونية) نحو مكانة جديدة محتملة في عالم ليبرالي جديد متجدد لا يعرفون عن مفرداته سوى القليل. غير أن ظهور الحركات الجهادية ومقاربة الثورة الإيرانية، أعادت المنطقة بأكملها إلى دائرة الأيديولوجيا، ولا زالت أكبر قضايانا غارقة في هذه الزحمة بانتظار الخروج من هذه الدائرة، كبيرة العناوين، ثقيلة التفاصيل المملة.

فلسطين من عبد الناصر إلى نظام الأسد:

لم يكشف الفلسطينيون الوثائق الحقيقية المتعلقة بتاريخ ثورتهم كما يجب لسبب وحيد، وهو الرغبة في الخروج من الصدام مع النظام القومي العربي، من عبد الناصر إلى نظام الأسد، فنظام عبد الناصر كان يملك مساحة الإعلام، وكان يستطيع إعدام الثورة الفلسطينية الوليدة عبر تخوينها أمام الجماهير، وأما البعثيون في سوريا، فكانوا يمتلكون الأرض، ولا أظن ثمة فارق بين بعثي وبعثي، وهم كانوا أكثر وضوحاً مع مجيء انقلاب الأسد الأب، الذي أكمل طوق عبد الناصر على الفلسطينيين، إذ ساهم عبد الناصر بلا أدنى شك، في صراع فلسطيني/أردني، خوفاً من حدوث توافق فلسطيني/أردني يسلب منه ملف القضية الفلسطينية، خصوصاً وأن الأردن كان المضيف الأكبر للاجئين الفلسطينيين. 

وأما نظام الأسد فقد خنق الفلسطينيين على الأرض، فأخرجهم من الأردن بعد تأجيج فتنة أيلول 1970 وأدخلهم إلى لبنان عنوة، وهناك أطبق عليهم، وأنتج لهم حرب 1975-1976 الأهلية من خلال عمل مباشر وميداني قام به حليفه أحمد جبريل، الذي بدأ كعميل استخباري رخيص من حادثة عين الرمانة، وحتى الوقوف على أنقاض مخيم اليرموك، وما بينهما قرابة نصف قرن من الدم والدم المراق تحت شعارات التحرير وغيره.

منظمة التحرير:

لم تكن أزمة منظمة التحرير أزمة جغرافيا فقط، فالصراعات التي نشأت بداخلها منذ البداية سمحت بخلق نوع من الديموقراطية المفرطة، التي تتيح التآكل، والتآكل الداخلي، ما أوصل المشهد الفلسطيني مراراً إلى ساحة الاقتتال، والتي كان يمكن تبريرها بمكونات وأسباب خارجة عن النص، غير أن النص الحقيقي الذي كان يجري التلاعب بين حروفه، هو إخفاء أزمة الأيديولوجيا، وهي الأزمة التي كانت تجعل من الجسم الفلسطيني الكبير حالة تفتقر للتوافقية، سواء على المستوى الداخلي، أو الخارجي.

فالمرجعية السياسية للمنظمة كانت كل ما تريده استمالة عنصر الوقت لصالحها، في الوقت الذي كانت تدرك فيه منذ البداية، أن قضية بهذا الحجم، لا يمكن لشعب صغير ولو كان على ذات الأرض أن يحملها بمفرده، وأن مستقبل كفة الصراع ليست في مصلحة الفلسطينيين، وأن الحلول السياسية للصراع هي الأمر الممكن، وأن المعركة الحقيقية هي حول بقاء الإنسان الفلسطيني، أكبر بكثير من حجم الجغرافيا التي يمكن الحديث عنها.

لم يكن سهلاً نضوج الشارع الفلسطيني لاستقبال فكرة التسوية، ولم يساعد اليسار الفلسطيني في خلق بيئة واقعية للتسوية، لأنه كان غارقاً في عالم الأيديولوجيا، الذي لا يتناسب مع شكل منظمة التحرير ودورها.

جيش إسلامي جديد:

من العقدة الأفغانية إلى العشرية السوداء في الجزائر، كانت رياح الإسلاميين تعيد إنتاج فكرة الأيديولوجيا، باعتبارها الحل السحري، ومع ظهور حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، بدت مشكلتنا وقد وصلت للحل، فالأزمة برمتها تتبلور من خلال إعادة صياغة أيديولوجيا جديدة، تتيح لمنظمة التحرير توسيع معدتها من جديد، من أجل استيعاب وهضم التيارات الإسلامية، وبهذا الحل السحري تخرج القضية الفلسطينية قوية ومتماسكة من جديد، ولكن؟؟ كيف يمكن إعادة إنتاج القضية الفلسطينية بهذه الشاكلة، وهل تكفي عملية انتخابية لدمج الحياة السياسية بين عالمين لا يتوافقان على الأيديولوجيا، ولا ينتهيان إلى طريق واضح.

عقدة منظمة التحرير التاريخية هي مسألة كانت كل يوم موجودة على صفحات الإعلام الفلسطيني، التي كان يسميها الراحل ياسر عرفات بالقرار الفلسطيني المستقل، وهي العقدة والأزمة الأولى في تشكيل المنظمة، لأن القرار السياسي المستقل كانت تتنازعه أنظمة عربية عديدة. بالتالي، كيف يمكن إعادة دمج منظمة التحرير الفلسطينية بالقوى الإسلامية التي تعتبر أن مرجعيتها حزب الله وإيران؟؟

هنا لا يمكن للحوارات الجديدة التي تجري بين الفلسطينيين أن تحدث أي تغيير، لأن فكرة القرار المستقل لم تعد هي القضية الجوهرية، ففيما مضى لم يكن يجرؤ أي فصيل فلسطيني على تجاوز فكرة القرار الفلسطيني الذي هو أساس وجوهر للمسألة، أما اليوم، فالتيار الإسلامي الفلسطيني يرفض هذه القاعدة، ويريد تحرير فلسطين وتغيير كامل معادلات الشرق الأوسط من خلال عبوة صغيرة توضع هنا وهناك، أو من خلال دفع شباب يائس للقيام بعمل محدود في الضفة الغربية، ينتهي بمقتله وهدم بيته وتشريد أسرته.

القضية الفلسطينية بين خيار الترحيل للحقبة الجوراسية أو استمرار الغرق في زمن الأيديولوجيات.

باختصار.. هذا زمن التسويات السياسية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني