fbpx

فرنسا.. بيروت بغداد

0 570

ليس طموحاً شخصياً للرئيس ماكرون، وليس بحثاً عن دور استعماري جديد لفرنسا في المنطقة، لكنها محاولة فرنسية/أوروبية أخيرة، لمنع تبعات التمدد الإيراني التي أعقبت توقيع الاتفاق النووي، الذي لم يعط للصواريخ الباليستية حيزاً يذكر، وبالتالي ترك مظلة الصواريخ الإيرانية من بيروت إلى بغداد إلى صنعاء ودمشق، تعيد رسم مشاهد سريالية، وتنذر باندلاع حروب أهلية مفتوحة، وانفلات جنوني في عالم السلاح، وسوق الصواريخ خاصة بحيث قد تباع ذات يوم كالخضروات على أرصفة المدن الكبرى.

بغداد بيروت:

المشترك بين بيروت وبغداد هو أزمة السيادة، من المعابر للمطارات وحركة التجارة والمال والتهريب والمليشيا، والغائب الأكبر هو نفوذ الدولة، أمام هيمنة المليشيا التي في النهاية ليست مثل مافيا المخدرات في بعض الدول اللاتينية، التي تتصارع مع نظم الدولة لأجل مصالحها، لكنها لا تعمل على تفتيت الدولة، ولا تهدم مؤسساتها. إنما في الحالة العربية، فالمليشيا ولائية (بالدلالة السياسية) أكثر من الإيراني ذاته، وتجتهد بتفكيك كل حجر، وكل تراث وطني المنشأ، لأجل القادم الإيراني الذي إذا كان ما يذهله، فهو حجم الولاء، أو العبودية للسيادة الإيرانية.

في لبنان يفككون مجتمعاً متجانساً بأكمله، لكي يخرج من عروبة استمرت أكثر من ألف عام، اختصرها ماكرون في حديثه لـ محمد رعد (هل أنت لبناني).

إيران دولة ضعيفة وهشة من الناحية الاقتصادية وحتى العسكرية ولا تملك ما تؤثر فيه على أي بلد، لكن الإشكالية هي في النخب الحزبية المحلية التي عممت على العقل العربي فكرة الانتصار القادم على الأمريكان، ومن لا يعرف ثقافة هذه الأحزاب وطريقة تفكيرها لا يعرف تفاصيل الحياة اليومية لها. فهناك نخبة سياسية محدودة يمكنها التواصل مع الإيرانيين، وهي التي تنقل الصورة لعموم المجتمع الذي هو أسير النخب الحزبية، وهو ما أدى وخلال حقبة قصيرة نسبياً إلى ظهور جيل كامل تحت مستوى الوعي الطبيعي، أو المتاح، هو الجيل الذي انتظر الأمريكان ليلة القبض على بغداد، وراح يعمل على تفكيك جميع كابلات الكهرباء، وتركت عاصمة الرشيد تنام على وقع الظلام، تماماً بعد سنوات كان هناك من يغرق نخيل شط العرب بالرمال، وهناك من يبث المواد السامة في أنهار العراق لكي يفرض على شعبه أن يشتري السمك الإيراني المجمد.. والقائمة طويلة.. طويلة.

هو تدنيّ الوعي الحزبي للحدود الدنيا الذي يجعل حزب الله يؤمن بخرافة العبودية لإيران، وهو تماماً لدى المليشيا غير المنضبطة في العراق وغيرها، وهو تماماً الوهم الذي يسيطر على قوى الإسلام السياسي الفلسطيني التي تؤمن بانفراج إيراني يعيد ضم القدس لمملكة غزة. وهو أيضاً امتداد هذا الوعي في الشارع، والذي بأبسط تعبير عنه: إنه غرق في الوهم فقط.

حكومات.. حكومات:

في لبنان الاعتماد على الطاقم السياسي القديم لكي يتحمل مسؤولياته، لأنها آخر الفرص المتاحة له لكي يصحح خطاه قبل التحولات التي غالباً سوف تشهدها المنطقة العربية أثناء أو بعد الانتخابات الأمريكية، لأن لبنان إذا توجه إلى حكومة غير حزبية بالكامل، فسوف تضرب هذه الأحزاب أو بعضها هذه الحكومة، ما سيمنع قيام حكومة مستقلة مستقبلاً وما سيسرع بدخول لبنان إلى نفق الحرب أو الشقاق بلا أفق. وبالتالي إن خيار الحكومة القادمة واقعي، وفي العراق، إذا نجحت الرئاسة بالإمساك بقدر معين من السيادة وحفظ المال العام وتقليل خطر انفلات المليشيا فهذا إنجاز بحد ذاته، لأن المشروع الإيراني ليس قوة احتلال خارجية بمقدار ما هي قوى داخلية، تعمل على تشريع الاحتلال والهيمنة، والإشكالية أنها تؤمن إيماناً مطلقاً أنها تفعل عين الصواب.

المشروع الإيراني باق لفترة طويلة يعمل على تدمير البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها في مجتمعاتنا، وهو يضم شيعة وسنة وقوميين وشيوعيين، ورجال دين وطبقات من كل حدب وصوب.. مع الأسف هو مشروع عبودية ينخر الصميم العربي.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني