fbpx

فتنة خطاب الكراهية والحصاد المر

0 185

مع توالي الإعلان عن زيادة حالات العنف والقتل التي يتعرضون لها، ولجوء بعضهم إلى التخلص من حياته بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعايشونها في تفاصيل حياتهم اليومية، عاد الحديث مجدداً وبقوة عن خطورة خطاب الكراهية ضد الآخر، ليشغل حيزاً كبيراً من اهتمام النخب السياسية والثقافية والإعلامية المعتدلة في تركيا، بهدف الوقوف على دوافع المسوقين لهذا الخطاب العنصري الذي لا يخلو من التحريض على العنف بأشكاله وأنواعه كافة، والأسباب الخفية وراء ذلك الكم الهائل الذي يحمله هؤلاء من الكراهية والنفور تجاه كل ما هو أجنبي، والنتائج التي يمكن أن يفرزها هكذا خطاب على سلوكيات الأفراد الأقل ثقافة وعلماً. 

حادثة مقتل الطفل السوري علي العساني برصاص رجال الشرطة عند إحدى نقاط التفتيش في مدينة أضنة مؤخراً، والتي اعتبرها بعضهم خطأً غير مقصود! وبعدها بأيام قليلة حادثة وفاة شاب سوري آخر انتحر غرقاً بعدما ألقى بنفسه من ميناء كاباتاش ليختفي جسده سريعاً بعد أن ابتلعته مياه بحر مرمرة يمثلان حلقة جديدة في سلسلة لا تنتهي من المعاناة نتيجة الإقصاء والتهميش والرفض المجتمعي والعيش في ظل الاحتياج والعوز دون أن يبدو أن هناك أمل، ليكون الخلاص عن طريق سلوك طريق الموت إما غدراً أو طواعية!

الغريب في الأمر أن خطاب الكراهية ذلك تتبناه وتروج له شريحة كبيرة من أصحاب المصالح على الصعيدين السياسي والاقتصادي، الأمر الذي أثر سلباً على كيفية تعاطي المجتمع التركي القومي الهوى بطبيعته مع الأجانب الشرق أوسطيين والعرب عموماً واللاجئين السوريين على وجه الخصوص. 

لا أحد يمكنه إنكار أن الاتراك حكومة وشعباً ومعارضة تعاملوا في بداية أزمة اللاجئين من منطلق اتسم بالإنسانية والتعاطف مع من فروا من جحيم الحرب في بلادهم، وقدموا لهم كل ما يستطيعون تقديمه من مساعدة ورعاية، والتعامل معهم وفق منطق المهاجرين والأنصار الذي أقره الرئيس أردوغان، رغم ما تعانيه بلاده من مشاكل اقتصادية، وما تواجهه من حرب خارجية نتيجة انحيازها إلى جانب الشعوب الثائرة على الظلم والديكتاتورية في بلادها، وإفساح المجال أمامهم للإقامة والعمل مع توفير عدد من الخدمات الاجتماعية والصحية لمساعدتهم على تجاوز معاناتهم والاندماج في المجتمع.

وهو ما أدى إلى تزايد شعبية الحزب الحاكم، الأمر الذي رأت فيه أحزاب المعارضة تهديداً صريحاً ومباشراً لشعبيتها ومكانتها بين شرائح المجتمع التركي، وقضاءً على حلم تداولها للسلطة، في ظل استمرار الأزمة وطول أمد الحرب، التي لا تلوح في الأفق بوادر لنهايتها، وتزايد أعداد الفارين الذين يطرقون أبواب تركيا بصورة دائمة.

ليتبنى زعماء تلك الأحزاب وكبار قادتها خطة جهنمية تقوم على أساس تبني خطاب الكراهية والقيام بالترويج له في مؤتمراتهم الجماهيرية، وشحن شرائح المجتمع المهمشة والبسيطة – التي تعاني جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد – ضد الأجانب عموماً والسوريين على وجه الخصوص، الذين اتُهموا بالتسبب في معاناة أبناء الوطن من البطالة والعجز عن توفير لقمة العيش، أو إيجاد مكان في الجامعات للدراسة، بسبب مزاحمتهم لهم في قطاع الأعمال والدراسة، وقبولهم بما لا يمكن أن يقبل به العامل التركي من أجور متدنية وغياب الضمانات الاجتماعية والصحية التي يلزم بها قانون العمل أصحاب الأعمال، وما زاد الطين بلة ارتفاع الأسعار نتيجة الانهيار الذي تعرضت له الليرة التركية أمام الدولار، لتزداد شراسة خطاب الكراهية بعد التصريحات التي أطلقها هؤلاء السياسيون للجماهير المحتشدة في المؤتمرات الشعبية، والتي مفادها أن جميع مشاكل الأتراك لن تُحل إلا إذا تم التخلص من اللاجئين السوريين، وإعادتهم إلى بلادهم، وأن الطريق الوحيد لتحقيق هذا الهدف هو فوز أحزابهم في الانتخابات، لأنهم الوحيدون الذين يمكنهم الإقدام على مثل هكذا خطوة، حتى وإن اضطروا إلى إلقائهم في المنطقة الحدودية خارج نطاق جغرافية الدولة التركية، أو اللجوء إلى التواصل مع نظام بشار الأسد مباشرة، والتعاون معه من أجل تحقيق ذلك الهدف.

وعود المعارضة التركية وجدت صدى لدى الجماهير الغاضبة، وأفرزت مزيداً من الحقد والكراهية على الأجانب المقيمين، وبدأ رصد المزيد من حالات العنف الممنهج ضدهم في الشوارع والمحال التجارية، حتى وصل الأمر إلى حد التربص بهم وقتلهم لمجرد أنهم ليسوا أتراكاً! أو التعامل معهم بدونية واحتقار دفعت بعضهم إلى الإقدام على الانتحار للتخلص من المعاناة التي يعانونها، مثلما حدث مع الطفل وائل السعود ذو التسعة أعوام الذي أقدم على الانتحار شنقاً على باب إحدى المقابر في مدينة كوجالي أواخر العام الماضي، نتيجة الإقصاء والتهميش والعنصرية التي عانى منها من زملائه في المدرسة ومدرسيه على حد سواء، ما دفعه إلى إنهاء حياته بنفسه هرباً من الظلم الواقع عليه. 

ولا شك أن ما تعرض له وائل من تنمر وإقصاء ومن بعده علي العيسوي وغيرهما كثيرين، هو إحدى النتائج السلبية لخطاب الكراهية الذي تنشره أحزاب المعارضة التركية، التي قامت بتوظيف ملف اللاجئين كورقة انتخابية لتحقيق مكاسب سياسية على حساب حياة هؤلاء الأبرياء دون أن يرف لها جفن.

الأمر الذي دفع العديد من مراكز الأبحاث واستطلاع الآراء إلى دق ناقوس الخطر بعد ارتفاع حدة الرفض والانتقاد الصريح للوجود السوري على الأراضي التركية، وتزايد الدعوات لطردهم والتخلص من عبء وجودهم، ففي استطلاع لمركز الدراسات التركي التابع لجامعة “قادر هاس” كانت النتيجة مرعبة وتهدد السلم الاجتماعي في تركيا بعد أن وصلت نسبة رفض اللاجئين السوريين بين الأتراك نتيجة خطاب الكراهية إلى 67% مع نهاية عام 2019 بعد أن كانت تبلغ نحو 54% عام 2016. 

كارثية المسألة جاءت ضمن نتائج الدراسة التي أعدها مركز الدراسات الاجتماعية التابع لمؤسسة التنمية البشرية التركية، والتي أشارت إلى أن نصف أفراد المجتمع التركي لا يرغبون أن يكون أصدقاء أطفالهم من السوريين!! مشيرة إلى أن 48% من شرائح المجتمع التركي المختلفة يرون أن العلاقة بين الأتراك والسوريين أصبحت تندرج تحت مسمى “أكثر العلاقات الاجتماعية توتراً” وللحديث بقية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني