fbpx

غير المعاقبين: كيف سيطر المتطرفون على إسرائيل

0 51

بعد خمسين سنة من الإخفاق في وقف العنف والإرهاب الذي يمارسه اليهود اليمينيون بحق الفلسطينيين، أصبح غياب القانون هو القانون.

روننن برغمان 16 أيار/مايو 2024 مارك مازيت

تُروى هذه القصة في ثلاثة أجزاء. توثق القصة الأولى عمل النظام غير المتكافئ للعدالة التي نشأت حول المستوطنات اليهودية في غزة والضفة الغربية. وتبين القصة الثانية استهداف المتطرفين ليس للفلسطينيين فقط، بل للمسؤولين الإسرائيليين الذين يحاولون تحقيق السلام. وتبحث القصة الثالثة في الكيفية التي تحكمت بها هذه الحركة بالدولة ذاتها. وتروي هذه القصص مجتمعةً كيف انتقلت الإيديولوجية الراديكالية من الهامش إلى قلب السلطة السياسية الإسرائيلية.

القسم الأول: الإفلات من العقاب

أصبح من الواضح من نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول عدم مساعدة القرويين في خربت زانوتا وهي قرية فلسطينية صغيرة فيها 150 شخصاً يجثمون على تلة تعصف بها الرياح في الضفة الغربية بالقرب من مدينة الخليل. ولطالما تعرضت لتهديدات المستوطنين اليهود الذين أحاطوا بها. لكن المضايقات والتخريب في بعض الأحيان بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تصاعد إلى تهديدات بالضرب والقتل. وتوسل القرويون بالشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي ولكن مطالباتهم بالحماية كانت بلا جدوى واستمرت الهجمات دون تبعات. فجمع هؤلاء القرويون أمتعتهم ووضعوا عائلاتهم في الشاحنات واختفوا.

من قام بترحيل هؤلاء القرويين بعد ذلك؟ يبقى هذا الأمر مفتوحاً للنقاش. يقول الجيش الإسرائيلي إن المستوطنين هم من فعلوا ذلك. ويقول ضابط شرطي إسرائيلي رفيع إن الجيش من فعل ذلك. وفي كلتا الحالتين، بعد أن رحل القرويون بفترة قصيرة، قليل ما تبقى من خربت زانوتا غير حطام عيادة ومدرسة ابتدائية. ويوجد على جدار من جدران العيادة المائلة جانباً علامة تقول إنه تم تمويلها من قبل وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي توفر دعماً للفلسطينيين المهددين بالنقل الإجباري في الضفة الغربية. وقام أحدهم بوضع العلم الإسرائيلي بالقرب من المدرسة للإعلان عن أمر جديد: هذه أرض يهودية الآن.

إن عنفاً كهذا في أماكن كخربت زانوتا خلال عًقود مضت موثقٌ توثيقاً جيداً. لكن حماية الناس الذين يقومون بهذه الأعمال الإجرامية من الأسرار القاتمة لدى العدالة الإسرائيلية. فسلسلة ابتزاز الفلسطينيين وقتلهم مرتبطٌ بتاريخ صامت من الإهمال والإبادة الذي يمارسه المسؤولون الإسرائيليون. فالإرهاب الفلسطيني هو الذي يهدد إسرائيل بنظر غالبية هؤلاء المسؤولين. لكننا وجدنا تهديداً مختلفاً للاستقرار في مقابلاتنا مع أكثر من مائة شخص من ضباط الجيش الإسرائيلي الحاليين والسابقين والشرطة الوطنية الإسرائيلية وخدمات شن بت المحلية للأمن ومسؤولين سياسيين إسرائيليين رفيعين، بمن فيهم أربعة رؤساء وزراء سابقين، وناشطين وقادة فلسطينيين ومحامين عن حقوق الإنسان الإسرائيليين ومسؤولين أمريكيين مكلفين بدعم الشراكة الإسرائيلية-الفلسطينية. فهناك تاريخٌ طويل من الإجرام دون عقاب، يقول مسؤولون كثر الآن، لا يهدد الفلسطينيين المقيمين في المناطق المحتلة فقط، ولكن دولة إسرائيل نفسها أيضاً.

تحدث الكثير من الناس الذين قابلناهم، بعضهم تحدث دون أن يعلن عن اسمه، وبعضهم تحدث علناً لأول مرة، عن العنف اليهودي الذي يمارس على الفلسطينيين منذ عقود وعن دولة إسرائيل التي تجاهلت هذا العنف بشكل منظم وبازدياد. وهي رواية في بعض الأحيان عن حركة قومية إجرامية سمح لها بالعمل دون محاسبة والانتقال تدريجيا من هامش المجتمع الإسرائيلي إلى مركزه. كما يتحدثون عن الكيفية التي يتم بها إسكات الأصوات ضمن الحكومة التي تعترض على سياسة العنف الاستيطاني وتشويه سمعتها. وهو كلامٌ صريح، يروى لأول مرة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، يتحدثون فيه عن تهديد الاستيطان لنزاهة ديمقراطية دولة إسرائيل.

كيف كتبنا هذا المقال

أمضى المراسلون سنوات وهم يقابلون أكثر من مئة مسؤول إسرائيلي حكومي سابق وحالي- بما فيهم أربع رؤساء وزراء سابقين – واطلعوا على وثائق سرية للحكومة، وكتبوا تقريرهم في القدس وتل أبيب والضفة الغربية وواشنطن. وحصل ناتان أودنهايمر، الذي كتب تقريره من إسرائيل والضفة الغربية، على وثائق تظهر الكيفية التي مرت بها جرائم وطنية كبرى وأفلتت من العقاب. وتبين الوثائق السرية التي كتبت قبل شهور والمقابلات التي أجريناها أن الحكومة الإسرائيلية في حرب مع نفسها. وتصف إحدى هذه الوثائق اجتماعاً في شهر مارس عندما قدم يهودا فوكس، وهو جنرال يترأس جهاز التحكم المركزي لإسرائيل، وهو مسؤول عن الضفة الغربية، تقريراً عن جهود بزازل سموترتش، وهو مسؤول يميني في حكومة بنيامين نتنياهو يشرف على الضفة الغربية – في تقويض تفعيل القانون في المناطق المحتلة. وكتب فوكس قائلاً إنهٌ منذ أن استلم بزازل سموترتش زمام سلطته فإن الجهود في وقف بناء مستوطنات غير قانونية قد تضاءلت لدرجة أنها باتت غير موجودة. كما قال فوكس إن سموترتش وحلفاؤه منعوا بنجاح سياسات تفعيل القانون التي وعدت الحكومة الإسرائيلية أن المحاكم الإسرائيلية سوف تفعلها.

نقوم برواية هذه القصة المركبة من قصاصات لأول مرة لنصل إلى جوهر قضية إسرائيل. لكنها تبدأ في الضفة الغربية، في أماكن كخربت زانوتا. هناك منظر من داخل بقايا هذه القرية الفارغة يصل من الوادي إلى مستوطنة إسرائيلية صغيرة اسمها مزرعة ميتارم. بنيت هذه المزرعة سنة 2021 وأصبحت قاعدة لعمليات الهجوم الاستيطاني يقودها ينون لفي، مالك المزرعة. ومثلها مثل غيرها من المستوطنات الإسرائيلية التي تم إنشاؤها في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، مزرعة ميتارم غير قانونية. وهي غير قانونية حسب القانون الدولي الذي يقول عنه معظم الخبراء إنه لا يعترف بالمستوطنات الإسرائيلية الموجودة في الأراضي المحتلة. فهي غير قانونية وفقاً للقانون الإسرائيلي مثل معظم المستوطنات التي تم إنشاؤها منذ عقد التسعينيات 1990.

قليلة هي الجهود المبذولة لوقف بناء هذه المستوطنات أو وقف العنف الناتج عن إنشائها. إحدى مهام لفي اليومية هي إدارة شركة حفريات. وقد عمل مع قوات الدفاع الإسرائيلية لجرف قرية فلسطينية واحدة على الأقل في الضفة الغربية. ويواجه ضحايا هذا العدوان نظاماً مربكاً ويلحقهم بالهزيمة عندما يحاولون إيجاد الراحة. فعلى القرويون الذين يستنجدون بالشرطة أن يقوموا بذلك بأنفسهم في أحد مراكز الشرطة الإسرائيلية الموجودة داخل المستوطنات في الضفة الغربية. وبعد أن يتجاوزوا قوى الأمن ويصلوا إلى المركز، ينتظروا أحياناً لساعات ليجدوا مترجماً من اللغة العربية، ليقولوا لهم إن أوراقهم غير صحيحة أو أن الدلائل لديهم غير كافية لكي يقدموا تقريراً بحالتهم. وكما قال لنا أحد القادة العسكريين الإسرائيليين الرفيعين” الشرطة الإسرائيلية تعامل الفلسطينيين بتعسف شديد كيلا يقدموا شكاوى”.

وبالرغم من ذلك، قرر سكان خربت زانوتا وخمس قرى مجاورة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، دون حماية من الشرطة أو العسكريين، باختبار نزاهة العدالة بمطالبتهم بحقهم في المحكمة العليا في إسرائيل. وقامت فرقة مداهمة تضم مستوطنين وجنود إسرائيليين بالهجوم على سكان القرية بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأيام حسبما قال محامون عن القرية من “حاقل”/مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية. وقالوا إن الهجوم جزء من نقل جماعي للفلسطينيين يستغل فيه المستوطنون ما يحدث في حرب غزة لتحقيق هدفهم في تطهير أجزاء من الضفة الغربية، مدعومين بتجاهل الدولة غير المسبق وموافقتها على عمليات التهجير الجماعية.

وافقت المحكمة العليا على سماع القضية ومساعي القرويين في إيجاد حل لتفعيل القانون على أن ذلك منطقي. لكن تقاريرنا تشير إلى الدرجة التي وصلت إليها عقود سابقة في الانتهاكات: فبعد خمسون سنة من الجرائم دون محاسبة، أصبح العنف الاستيطاني ودولة إسرائيل شيئاً واحداً.

منفصلون ودون مساواة

لربما أعادت هجمات حماس في السابع من أكتوبر وأزمة الرهائن الإسرائيليين والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تركيز العالم على القضية الفلسطينية. لكن آثار الاحتلال في الضفة الغربية بعيدة المدى على القانون الإسرائيلي وديمقراطية إسرائيل هي الظاهرة.

وتبين عينات من اثنا عشر مثالاً الحد الذي وصلت إليه الانتهاكات في تدهور النظام القانوني منذ السابع من أكتوبر. فلم يتم اتهام أحد بأي جريمة في كل الانتهاكات من الاعتداء على الماشية والحرق وغيرها. فوفقاً لمذكرة عسكرية إسرائيلية داخلية، لم يتم التحقيق مع مستوطن إسرائيلي أطلق النار على فلسطيني في بطنه إلا لمدة عشرين دقيقة بينما كان جندي في قوات الدفاع الإسرائيلية يشاهد هذه العملية وليس كمتهم بعمل إجرامي. واستمعنا خلال مقابلاتنا إلى تسجيلات لنشطاء حقوقيين إسرائيليين مطالبين الشرطة بالتقرير عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين. ورفض أعضاء الشرطة، في بعض الحالات، الحديث عن هذه الجرائم مدعين أنهم لا يعرفون هذه القرى. وفي إحدى الحالات، سخروا من هؤلاء النشطاء واتهموهم بالفوضى.

ورفض متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية الإجابة على استفسارات متكررة حول النتائج التي وصلنا إليها.

وكان العنف وعدم المحاسبة الذي تبينه هذه الحالات موجوداً قبل السابع من أكتوبر بمدة. ففي كل شهر قبل السابع من أكتوبر، كان معدل الحوادث العنيفة أعلى من الشهر ذاته في السنة السابقة. فوجدت يش دين، وهي مجموعة حقوق إنسان إسرائيلية، ثلاث حالات فقط من العنف الاستيطاني انتهت بالاتهام العادل بعد اطلاعها على 1600 حالة من العنف الاستيطاني في الضفة الغربية بين سنة 2005 وسنة 2023. ويقول أمي آيلون، رئيس الشن بت من 1996 إلى سنة 2011، وهو يتحدث عن حرصه على تفعيل إسرائيل للقانون، إن نقص التبعات يعكس لا مبالاة القيادة الإسرائيلية منذ سنوات. فتقول الخزانة ورئيس الوزراء إنه لو مات يهوديٌ واحد فهذه مصيبة. ولو أن عربياً قد قتل فهذا أمرٌ غير جيد ولكن لا مشكلة في ذلك.

وقد لاقى تقييم آيلون صدى كبير من المسؤولين الذي قابلناهم. وكان مارك شفارتس، وهو مسؤول رفيع يعمل في السفارة الأمريكية في القدس، يشرف على الجهود الدولية لتعزيز الشراكة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. “لا توجد محاسبة”. هذا ما قالهٌ عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل لمٌدة طويلة وعن سياسات استيطانها في الضفة الغربية. تؤثر هذه العمليات على استقرار إسرائيل وأمنها وعلى المناطق الفلسطينية. ولا يمكن نفيها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني