fbpx

غياب الصحة النفسية وأثرها على التوازن المجتمعي

0 292

ما معنى صحة نفسية؟.

هذا المصطلح العلمي ينطوي على وضع النفس الإنسانية في حالة توازنها أو غياب هذا التوازن عنها، ولهذا فشروط أن يتمتع الفرد بالصحة النفسية يفترض مقدماً توفر شروط هذه الصحة. لهذا يمكننا القول عند اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وانعدام المرض والعجز، نكون أصحاء (هذا ما عرفت به منظمة الصحة العالمية لمفهوم الصحة) فالصحة إذن: حالة من المعافاة الكاملة جسدياً ونفسياً واجتماعياً، وسلامة الجسد والأعضاء من الأمراض والآلام.

وبتعريف الصحة النفسية نقول: إنها حالة العافية التي يحقق فيها الفرد قدراته، ويستطيع مواكبة ضغوط الحياة العادية، وتكريس هذه القدرات الخاصة للعمل بتفان وفعالية، والإسهام في المجتمع والقدرة على التكيف والعمل الإيجابي والمثمر فيه.

ولتحقيق حياة آمنة للفرد، وتنمية المجتمع وازدهاره، وإعطاء فهم للذات، والقدرة على التوافق النفسي، والشعور بالسعادة مع النفس ومع الآخرين، هنا تكمن أهمية وضرورة الدعوة والمطالبة بحياة صحيحة نفسياً ومتوازنة ومتوافقة.

ولأن الإنسان هو اللبنة الأساسية لهذا المجتمع، فإنه يتأثر سلباً وإيجاباً، بازدياد وانخفاض التوازن النفسي لأفراد هذا المجتمع، القائم على مؤسسات وأفراد، يُفترض أن يكونوا أصحاء لإقامة مجتمع سوي.

ولكن بالعودة إلى ما قبل الحرب في سوريا أي قبل 2011، وبالحديث والنظر وتحليل المؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية، يمكننا أن نرى الخلل التربوي واضحاً وجلياً في أغلب هذه المؤسسات والمنظمات، التي تعنى بالدعم النفسي الاجتماعي، حيث يظهر الخلل خاصة في ترسيخ مفاهيم الصحة النفسية، بداية من الأسرة، ثم المدرسة والجامعة، إلى المؤسسة الإعلامية وهكذا.

وقد أدى عدم الانسجام في السياسة التربوية، والتناقض في الأنظمة التربوية الاجتماعية، والتفكك بين هذه المؤسسات، وعدم التعاون وإلغاء التشارك فيما بينها، وسيادة روح التقليد والتبعية إلى ظهور سلبيات واضحة بعمل هذه المؤسسات، ما أدى أيضاً لإبراز الخلل في التعليم لأبناء المجتمع السوري، فظهر بأشكال مختلفة من عدم توازن وتكيف نفسي واضطرابات سلوكية في بعض الأحيان.

ومن متابعة الظاهرة من خلال التردي الواضح في المعيشة والفقر والعوز، وازدياد الفارق بين طبقات المجتمع السوري، والبطالة والتسرب الدراسي، ومشكلات حتمية لغياب الوعي، وغيرها الكثير، تبين أن الصحة النفسية في حالة تدنٍ مستمر بسبب غياب شروط صحية يعيش في كنفها الأفراد.

ثم بعد ذلك تأتي الحرب وتدق طبولها على هذا الوضع المتردي، لتزيد وتعزز الخلل، وتغيب الثقافة النفسية أكثر وأكثر، ويزداد حرمان الاطفال من تعليمهم بسبب القصف والدمار والحصار، ليتراكم الإجهاد النفسي، والذي بدوره يؤثر سلباً على بنية دماغ الطفل أثناء النمو، ويشكل خطراً على صحته وتوازنه.

طبعاً لا ننسى حصة الكبار من المعاناة من كوارث الحرب وويلاتها، وعدم قدرتهم على تلقي

برامج التوعية الصحية والنفسية كاملة، بسبب انشغالهم بتأمين بعضٍ من الأمن والأمان لهم ولأبنائهم، والبحث الدائم عن لقمة العيش المرّة، وكل ذلك على حساب المتابعة لبرامج التأهيل النفسي لهم ولأطفالهم، رغم انتشار مراكز الدعم النفسي الاجتماعي، إلا أنها تبقى غير كافية للإحاطة بالحالات كافة، وذلك لضعف الإمكانيات البشرية والمادية، ولأسباب أخرى أيضاً.

وبالرغم، من قدرة الأطفال المذهلة على الصمود والتعافي من الاضطرابات النفسية والسلوكية، إلا أن هذا يعتمد غالباً على مدى استقرار حياتهم اليومية، ويعتمد أيضاً على الدعم الذي يتلقونه من القائمين على رعايتهم والمعلمين والمجتمع بأكمله، حيث كان يصعب تطبيق المقاييس النفسية عليهم، بسبب البيئة والظروف، التي ترافق الحرب والنزاعات، وعدم القدرة على تأمين بيئة صحية لهم ولأقرانهم، ومما لا شك فيه طبعاً، أن الحروب تترك آثاراً مدمرة على جميع مصادر الدعم لهم. لذلك تتراجع تدريجياً وبشكل سلبي مقومات الصحة النفسية المجتمعية.

ومن هنا يمكننا القول والاعتراف بضرورة نشر الوعي بالصحة النفسية، وأهميتها وضرورتها لتحقيق السوية النفسية، والمطالبة بعمل جاد، وتقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي، وإدراج برامج تربوية لجميع مؤسسات المجتمع، ووضع خطط واستراتيجيات تربوية هامة وهادفة لبناء مجتمع سوي.

تبدأ هذه البرامج من الطفولة حتى الكبر، ويتمّ افتتاح مراكز إضافية كافية، تعمل جنباً إلى جنب مع جميع المؤسسات التربوية، لعلاج ما يمكن علاجه من الحالات المرتبطة بآثار الحرب، وتصحيح ما تم إفساده سابقاً، ما قبل الحرب أيضاً، وعلى درجة من الأهمية أيضاً تقديم سبل العيش الكريم للبالغين، والاهتمام بصحتهم النفسية والجسدية، من خلال مراكز مخصصة لهم، وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود المختلفة ضمن تصور شامل واستراتيجية عمل واحدة.

ونعود إلى إقرار أهمية تحقيق هذه المطالب، فهي ليست مطالب رفاهية، بل هي مطلب شعبي، وحق من حقوق الإنسان، لأن الصحة النفسية والمعافاة، تعتبر من الأمور الأساسية، لتوطيد قدرتنا الجماعية والفردية على التفكير والتأثر، والتفاعل مع بعضنا بعضاً كبشر، وكسب لقمة العيش، والتمتع بالحياة.

وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار تعزيز الصحة النفسية، وحمايتها واستعادتها شاغلاً حيوياً للأفراد والجماعات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، فهي العامل الرئيس بخلق طاقات بشرية جبارة، ذات كفاءات ومهارات وإمكانيات عالية للنهوض، والتقدم والازدهار، من أجل خلق مجتمع صحي وسوي، وقادر عل التطور والمنافسة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني