في مناطق الشمال السوري.. غياب أسس الإدارة الحقيقية تلقي بظلالها على المدنيين
كثيرةٌ هي المشاكل التي تعانيها المناطق المحررة أو الخارجة عن سيطرة النظام السوري، سواءٌ على صعيد التدهور الاقتصادي أو المعيشي أو حتى الاجتماعي، ليكون العنوان الأبرز للمشهد الضبابي هو غياب أسس الإدارة الحقيقية لتلك المناطق.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من وجود الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من الجانب التركي، إلا أنّ إدارتها للأمور الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وحتى الإغاثية تكاد تكون شبه غائبة، الأمر الذي يلقي بظلاله على سكان المناطق المحررة الذين يدفعون ثمن غياب الجهات الفاعلة لإدارة مناطقهم.
محمد سلامة
رئيس اتحاد الهيئات السياسية للمحافظات السورية
وفي هذا الصدد قال رئيس اتحاد الهيئات السياسية للمحافظات السورية والمقيم في منطقة إدلب “محمد سلامة” لـ “نينار برس”، إنّ “من أهم أسباب غياب الإدارة الحقيقية للمناطق المحررة هو تسلط بعض القوى والشخصيات المتنفذة بموارد كل المناطق المحررة، من معابر ومواد النفط والغاز والضرائب والأفران وغيرها، وتوجيه هذه الموارد لمصلحةٍ شخصيةٍ أحياناً، أو لمصلحة فصيلٍ معين”.
وعن الحلول اللازمة الحلول لتفادي هذا الغياب السلبي قال “سلامة” إنّه “لا بد من العمل على تشكيل إدارةٍ مدنيةٍ من أصحاب الخبرة والكفاءة بعيداً عن الفصائلية، تضع خطة مدروسة للاستفادة الحقيقية من موارد المحرر الزراعية والتجارية، ووضعها بمشاريع تنموية لتصب أخيراً في خدمة أهلنا في المناطق المحررة”.
وفي رد منه على سؤال فيما إذا كان هناك أحد ما يعل على ذلك أكد “سلامة” أنّه “لا أحد يعمل على ذلك مع الأسف الشديد”.
ويوجه بعض المراقبين بأصابع الاتهام للفصائلية في مناطق الشمال المحرر بأنها السبب وراء غياب أسس الإدارة الحقيقة لتلك المناطق.
عبد الناصر حوشان
حقوقي سوري
وفي هذا الجانب قال الحقوقي الموجود في الشمال السوري “عبد الناصر حوشان” لـ “نينار برس”، إنّ “من أسباب غياب الإدارة الحقيقية للمناطق المحررة هي التبعية الكاملة لتوجهات الداعم والاستجابة المطلقة لشروطه”.
وأضاف “كلنا يعلم أن هناك مشروعين إيديولوجيين في المناطق المحررة، الأول إسلامي يصنّف ضمن الإسلام الجهادي وهو المسيطر على إدلب، والآخر ثوري في مناطق ريف حلب وشرق الفرات، ويختلف داعم كل مشروع عن الآخر من حيث شروط التمويل وشروط الإنفاق، ما أدى إلى وجود حكومتين مستقلتين عن بعضهما بعضا، يغيب عنهما التعاون أو المشاركة في تنفيذ المشاريع الاقتصادية والعلمية والثقافية”.
وأشار إلى أنّ “الفصائلية والصراعات التي نشبت بين الفصائل كانت سبباً في الحال الاقتصادية المتدهورة التي تعيشه المناطق المحررة، لأنه أدى إلى إحجام بعض الداعمين عن تقديم الدعم وتخفيض بعضهم الآخر حجم دعمه”.
كما أنّ انتشار الفساد والمحسوبية، حسب “حوشان”، أدى إلى سوء إدارة المناطق وغياب الرقابة والمتابعة والمحاسبة وضعف سلطة القضاء أمام تغوّل الفصائل في كل مفاصل الحياة في المناطق المحررة.
ورأى أنّ “الإدارة الناجحة تحتاج إلى إعمال قواعد الشفافية والرقابة والمحاسبة، واعتماد مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، وهو للأسف غير متوفر حتى الآن في إدارة المناطق المحررة”.
ووسط كل ذلك يرى بعض المهتمين بالشأن السوري خاصة في المناطق المحررة أنّ من يتحمل مسؤولية هذا الغياب هي المجالس المحلية، لافتين إلى وجود فجوة كبيرة بين تلك المجالس والجيش الوطني السوري الذي يعتبر القوة العسكرية في الشمال السوري.
مضر حماد الأسعد
رئيس الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة
وحول ذلك قال
رئيس الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة “مضر حماد الأسعد” لـ “نينار
برس”: “هناك تقصيرٌ في المناطق المحررة رغم وجود المجالس المحلية التي
تقوم بدورها في الأمور الاجتماعية والثقافية، وهناك بعض التجمعات الثورية وهناك
منظمات المجتمع المدني أيضاً، ولكن الدور الأكبر يقع على المجالس المحلية”.
وأضاف “كنّا
نتمنى أن تدير المجالس المحلية شؤون المناطق من كل النواحي بعيداً عن الفصائل أو
الكتائب الموجودة في هذه المنطقة، فالفصائل والكتائب يجب أن تقوم بالدور الأمني
والعسكري فقط وليس لها علاقة بالدور الاجتماعي أو الاقتصادي أو التربوي أو العلمي
وهذه الأمور من اختصاص المجالس المحلية فقط”.
ورأى
“الأسعد” أنّ “هناك فجوة بين الجيش الوطني والمجالس المحلية خلقت
نوعاً من المشكلة التي كان لها تأثيراً سلبياً على الحياة اليومية”، معرباً
عن أمله في أن “تكون المجالس المحلية هي المسؤولة عن أي منطقة موجودة
فيها”.
وختم الأسعد
بالإشارة إلى “وجود تقصير من قبل المجالس المحلية في المناطق المحررة، بسبب
عدم فاعلية الحكومة المؤقتة في هذه المناطق”. وتؤوي منطقة الشمال السوري
عموما نحو 6 ملايين مدني، حسب فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في
توثيق الأوضاع الإنسانية في الشمال السوري، 4 ملايين منهم في منطقة إدلب لوحدها،
يعانون من ظروفٍ إنسانيةٍ واقتصاديةٍ متراجعة سببها الرئيس غياب الإدارة الحقيقية
لتلك المناطق.