fbpx

عُرسٌ في الجنَّة

0 73

قصيدةٌ مخضَّبةٌ بحُنَّاء الدماء الزاكيات التي تبرعت لأمة فقدت كلَّ دمائها…

انتظرتْ العروسُ خديجةُ عريسها جهاد في ليلة فرحتهما، لكنهم أتوا به شهيداً.. ثم تأتي قذيفةٌ غادرةٌ من حثالة بني آدم لترفعها شهيدةً مع حبيبها إلى ملكوت السماء…

للعرس في غزة معنى آخر، ومفهوم يختلف عما عرفناه في المجتمعات كلها…

إنه عرسٌ يبدأ في الأرض ثم يصعد إلى السماء ليكون تمامُه في الجنة.. مهره الدم، وميثاقه التضحية والوفاء…

هذه هي قصة (جهاد وخديجة) اللذين أمسيا عروسين من غزة وزفتهما الملائكة بإذن الله في الفردوس الأعلى…

العرسُ في أرضِ الرِّباطُ جهادُ

وحكايةُ الأبطالِ فيهِ تُعادُ

والجمعُ بينَ مهنِّئٍ ومودِّعٍ

وترابُ غزَّةَ موطئٌ ومِهادُ

وتجمَّلتْ وتزيَّنتْ لعريسِهَا

والصَّحبُ تَهتفُ: دامَتِ الأعيادُ

راحَتٰ هنيدةُ تعتنِي بثيابِهَا

وتصفِّفُ الشَّعرَ الجميلَ سعادُ

لا شيءَ يعدِلُ ضحكةً رقصَتْ علَى

تلكَ الشِّفاهِ وقدْ دنَا الميعَادُ

هيَ لحظةٌ عشتُ الحياةَ لأجلِهَا

والحلمُ كلَّ دقيقةٍ يزدادُ

وتقولُ للأمِّ الحنونِ بلهفةٍ:

أمِّي أمَا جاءَ العريسُ (جهادُ)؟

فتضمُّها وتجيبُهَا: لا تقلَقِي

تأخيرُهُ – يا حلوَتِي – مُعتادُ

الصَّمتُ خيَّمَ في المكانِ لبرهةٍ

قسماتُهُ فوقَ الوجوهِ شِدادُ

(وتعطَّلتْ لغةُ الكلامِ) وأثقلَتْ

لغةَ الحروفِ بأسرِهَا أصفادُ

والكلُُّ ينظرُ نحوَهَا متسائِلاً

وبحرقةٍ تبكِي لهَا الأولادُ

لاحَ البريقُ بعينِهَا وتماسكَتْ

وبنظرةٍ هابَتْ لهَا الآسادُ

والصَّوتُ يعلُو في الفضاءِ مُجلجِلاً:

الصَّبرُ في أرضِ الرِّباطُ جهادُ

* * * * *

قرعٌ على الأبوابِ يُسمَعُ فجأةً

منْ يا تُرَى؟ هلْ يا تُرى قد عادُوا؟

وتسمَّرَتْ بالبابِ عينٌ أُرهِقَتْ

والصَّمتُ في بعضِ الأمورِ يُرادُ

جاءَ الرَّفيقُ مُحمَّلاً برسالةٍ

قدْ خطَّهَا الآباءُ والأجدادُ

مَمهُورةٍ بعهودِ صدقٍ أُبرِمتْ

ودماؤُهُ فوقَ السُّطورِ مِدادُ

لا تخْلعِي ثوبَ الزِّفافِ حَبيبَتِي

يَشمتْ بنَا الأنذالُ والأوغَادُ

قدَّمتُ روحِي للبلادِ رخِيصةً

إنَّ الجِنانَ بِحُورِهِنَّ تُرادُ

إيَّاكِ أن تبكِي وكُونِي قُدوةً

لحَرائرٍ أطفَالُهنَّ تُبادُ

هذَا قَميصِي بالدِّماءِ مُلطَّخٌ

مَا مسَّهُ ذئبٌ غدَا يَصطَادُ

ألقِيه في وجْهِ العروبةِ كي ترَى

إنْ بدَّلُوا أحْوالَهُم وأرَادُوا

قُولِي لهم: إنَّ الجهادَ سَبيلُنا

إنَّ الشَّهادةَ مِشعلٌ وقَّادُ

* * * * *

ما كادَتِ الحَسناءُ تُنهِي سَطرَها

حتَّى رمَاهَا مِدفَعٌ وزِنادُ

لمْ تدرِ أنَّ القومَ كانُوا حَولَها

وعُيونُهم عندَ المسَا رُصَّادُ

نظرَتْ فلمْ تُبصِرْ سِوى نارٍ على

أشْلاءِ أجسَادٍ وهُنَّ رمَادُ

ضحكَتْ وقالَتْ: يا حبيبُ ألَا انتظِرْ  

ها قدْ أتيتُكَ.. عُرسُنا استشهَادُ

ألقَتْ على القُدسِ الأبَيَّةِ نظْرةً

وعَلَا مآذِنَ غزَّةٍ إِنشَادُ

اللهُ أكبَرُ ليسَ يُسمَعُ غيرُهَا

وتُردِّدُ النَّغَمَ الشَّجِيَّ عِبادُ

* * * * *

والرُّوحُ تَرقَى في السَّماءِ لربِّها

مَنْ أرخَصَ الأرواحَ ذاكَ سَدادُ

وعَريسُها ما عَادَ يَصبِرُ قَائلاً:

لِلصَّبرِ في شَرعِ المُحِبِّ نَفادُ

لمْ يَنتَهِ العُرسُ الجَميلُ أحبَّتِي

في جَنَّةِ المَأوَى جَرَى اسْتعدَادُ

جبريلُ يعقِدُ في الجِنانِ قِرَانهُمْ

وصَحَابةُ الهَادِي همُ الأشْهادُ

ويطُوفُ ولدَانٌ بأكوَابٍ علَى

جمْعٍ زكَا.. طُوبَى لهُمْ.. أسْيَادُ

وتعَانقَا واغْرَورَقَتْ عَينَاهُمَا

بالدَّمعِ وانْتظَمَ العُيونَ رُقَادُ

نامَا وقد علمَا بأنَّ العيشَ في

كنفِ اللَّقيطِ على المدَى استعبادُ

والكلُّ يقرأُ خاشعاً (لا تحسبَنْ)

يشدُو بهَا الجمهورُ والأفرادُ

* * * * *

ما ماتَ من ضحَّى ولبَّى مسرعاً

واللهُ يشكرُ فعلَهُ وبلادُ

المَيْتُ من ألِفَ الهوانُ وقلبُهُ

رغمَ الدِّماءِ الزَّاكياتِ جمادُ

* * * * *

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني