fbpx

عوراسيا

0 177

إبراهيم الجبين – العرب – الجمعة 18 آذار 2022

عجزت المجتمعات العربية عن تشكيل حالات مستقرة طويلة الأمد، سواء داخل الأسرة الواحدة أو مع الجيران أو أهل الحارات والمدن والدول الأخرى من حول تلك المجتمعات. عجزها هذا ليس لعلة في العرب أنفسهم، بل لكونهم غير قادرين على التقاط اللحظة والعيش فيها بحقيقتها لا بما تحمله من شحنات ملتبسة ومشوشة، ومن ذا الذي يلوم الحالمين الراغبين في العيش في أحضان الطبيعة على رومانسيتهم؟ لكن سيقال لهم حتماً؛ لا تلوموا إلا أنفسكم.

قبل سنوات ومع اقتراب إطلاق مشروع العملة الأوروبية المشتركة ”يورو“ وتخلّي الدول الكبرى اقتصادياً عن عملاتها الوطنية كالمارك والفرنك وغيرهما لصالح مستقبل مشترك، طرح الفنان القدير ياسر العظمة في حلقة من حلقاته الكوميدية مشروعاً موازياً، وكان يتحدث عن عملة عربية موحّدة بالمثل، فقال: لأوروبا ”يورو“ وللعرب ”عورو”.

لم يطلق العرب العورو. وضاعت الفرصة، ثم جاء الحليف الأميركي ينشر الديمقراطية في بلادهم بالغزو، فلم يفهم العرب ذلك، فكيف يمكن أن تخلق مجتمعاً ديمقراطياً وأنت تهدمه بالدبابات؟ عاتبهم الآخرون على قصور وعيهم وقالوا لهم ضيّعتم الفرصة من جديد.

وهبّت عاصفة تلو عاصفة، وهم صامدون. يعيشون في زمن ”عنتر“ و“غليص“ ويغنّون مع عبدالحليم حافظ ”ظلموه“، حتى جاء الغزو العولمي التكنولوجي فلحقوا به على الفور، بالسناب شات والتيك توك معاً، فحققوا حضوراً واسعاً بأكبر نسبة للمحتوى عديم القيمة الذي يطرحه مستخدموهم في تلك المنصات.

التأخّر العلمي ليس مزحة، وهو غير قابل للمطمطة، لأنه سينعكس على كل شيء، وفي الوقت الذي يبحث فيه كل لاعب في هذا العالم عن موطئ قدم له، ما نزال نسمع من المسلمين من يقول لك ”الشطرنج حرام، ومن لعب به كأنه غمس يديه في الدم“. الدنيا أين وجماعتنا أين؟

حتى حين ظهر داعش وأخواته فوجئ العرب والمسلمون بأنهم لم يكونوا مستعدين لمواجهة هذا الخطاب، مع أنه كان بينهم ليلاً ونهاراً في الكتب والمناهج، وكان بوسعهم تلافيه مبكّراً قبل وقوعهم في الفخ الذي نُصب لهم ببراعة من حلفائهم وخصومهم معاً.

وقد يسأل سائل ”لماذا نركّز على العرب والمسلمين كثيراً؟ هم مثلهم مثل غيرهم، لندعهم يعيشون بالشكل الذي يرتاحون إليه، وهو عمر قصير ويمضي وينتهي الأمر“، المشكلة يا عزيزي السائل أنه لا يمضي، لأن هناك أجيالاً تتأثر والحكاية ليست مقتصرة عليك، بل تخص القادمين في المستقبل. يعني لا عورو ولا ديمقراطية ولا سوشيال ميديا؟ على الأقل حين يُروّج لفكرة أوراسيا اليوم، كتحالف استراتيجي دولي خطير يحاول أن ينشأ، في صراع الشرق مع الغرب، لماذا لا يحاول العرب، صناعة ”عوراسيا“ خاصّة بهم، لعلّ وعسى أن توفقهم عقولهم إلى شيء وحيد ناجح.. صدقة.. لوجه الله.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني