fbpx

عندما تُغتصب الحريّة في ظلّ طلاّبها

0 560

أكثر ما يزعج المستبدين أن تكون الصحافة سيفاً مسلطاً على رقابهم، لذلك حاربوا الصحفيين ومنعوا حريّة الإعلام، وهذا السلوك لا توصم به الأنظمة فحسب، بل المعارضة أيضاً، عن معارضة دولنا العربيّة بشكل عام وسوريا بشكل خاص أتحدّث.
عندما يغلقون مؤسسات صحفية ويظنون أنّهم انتصروا فهذا استبداد ومنع لحريّة الإعلام، عندما يمنعون مواد صحفية من النشر أو يسعون لحذفها بعد النشر ثم يتفاخرون بذلك فهذا استبداد وطغيان، عندما يهددون صحفياً لمجرّد أنه كتب ما لا يريدون لأحد أن يعرفه فهذا استبداد وجريمة، وعندما يطلق السياسيون أتباعهم وأتباع أتباعهم للضغط على صحفي أو النيل منه فهذا استبداد وجور.
كثير من المعارضين السياسيين السوريين يختلفون مع نظام الأسد المستبد لكنّهم لا يختلفون عنه.
أقصى أحلام أي صحفي هو الوصول إلى التغيير الحقيقي نحو الأفضل، فالصحفيان اللذان حقّقا بقضية ووتر غيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون عادا إلى عملهما ولم يطالبا بمناصب سياسيّة لكنّهما حقّقا التغيير، وفريق صحيفة “بوستن غلوب” الذي حقق بجرائم تحرش القساوسة الكاثوليك بالأطفال في مدينة “بوسطن” لم يكن همّه سوى كشف الحقيقة فقط، هؤلاء الصحفيون ليسوا أهم من الصحفيين السوريين، فصحفيو المعارضة السورية يحبون بلدهم وينشدون التغيير أيضاً، ليس تغيير النظام فحسب، بل التغيير الذي يطال الفاسدين من المعارضة أيضاً، هم طلّاب حريّة تمنعها عنهم قوى في المعارضة والنظام على حد سواء.
لا يؤمن جهابذة المعارضة السياسية السورية بالحريّة، كل ما هنالك أنّهم يحفظون شعارات عن الحريّة.
النقد هو أقصر الطرق إلى تصحيح أي مسار خاطئ، بل هو الطريق الأقصر لانتشال الإنسان من حالة العبودية ونقله إلى حالة الحرية، ولأنّ هذا التغيير بالذات لا يريده عتاة المعارضة، فإنّهم لم يعلنوا صراحة عن محاربتهم للتغيير، بل حاربوا النقد الذي يعلمون تماماً أنّه سيؤدي إلى التغيير، وبطبيعة الحال: ليحاربوا هذا النقد يجب أن يحاربوا الصحفيين أوّلاً.
مقياس الديمقراطية في أي دولة يتم من خلال مؤشر حريّة الصحافة والرأي
نحن مع المعارضة عندما تناضل لأجل حرية الشعب، وضدّها عندما تسعى للسلطة، نحن مع المعارضة عندما يكون صراعها لرفع الظلم، وضدها عندما تحارب الحريّة، نحن مع المعارضة عندما تسعى للفضيلة، وضدها عندما تصبح ممارساتها رذيلة، نحن مع المعارضة عندما تكون وطنية، وضدها عندما تتحوّل إلى تحزّبات سلطوية.
المعارض الذي يستحق الاحترام هو الذي يعلن موقفاً وطنيّاً دون أي حساب للربح أو الخسارة، المعارض الصادق هو من يهب الحرية لشعبه دون أن يحارب الرأي والكلمة حتّى لو طاله النقد، المعارض الحقيقي هو من يسعى لاقتلاع النظام الجائر شخوصاً وفكراً وسلوكاً لا أن يسعى لتغيير الرئيس المتعسّف مع الإبقاء على شكل منظومته، المعارض الذي ترفع له القبعة هو من ينشقّ عن نظام الاستبداد نازعاً من قلبه حب السلطة، لا من ينقل أفكار الاستبداد إلى صفوف المعارضة.
السياسي الذي ينقاد وراء زعيمه ويجمّل سوءاته لتحقيق مكتسبات هو شخص خسيس، السياسي الذي يغيّر مواقفه تبعاً لتغيير التوازنات هو شخص انتهازي، السياسي الذي يحارب الحرية سعياً لنيل الرضا سيعيش ذليلاً ويموت حقيراً.
عندما تُغتصب الحريّة في ظل طلّاب الحريّة، يتصدّر المشهد آلام الناس، ويتسيّد القوم أرذلهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني