fbpx

على أية دعائم تستند مطالبات قسد؟

0 16

حرصت قسد وحلفاؤها من الأحزاب الكردية على إضفاء شيء من الغموض حول مطالباتها الإدارية والسياسية والعسكرية؛ فهي تطالب باللامركزية دون تحديد المنطقة التي تقصدها، ولا نوع اللامركزية، هل هي لامركزية إدارية أم سياسية؟ والجميع يعرف أن اللامركزية السياسية إما أن تكون فيدرالية أو كونفدرالية، ولا علاقة لها باللامركزية الإدارية. وعندما يخف الضغط على قسد أو تجد فرصة لتوضيح مطالبها الحقيقية، فهي تطلب الفيدرالية، لكن حتى الفيدرالية لا تلبي مطالبها العسكرية، ففي الفيدراليات هناك جيش فيدرالي لا ينازعه جيش آخر، أما الولايات الفيدرالية فتقتصر على الحرس المحلي المكلّف بحفظ النظام، بينما تصرّ قسد على بقاء جيش مستقل تماماً ضمن المنطقة التي تديرها، ولا مانع من رفع العلم السوري إلى جانب علم قسد، لكن الجيش بجنوده وضباطه وقيادته يجب أن يبقى مستقلاً تماماً عن المركز في دمشق، وهذا يتوافق مع أكثر صيغ الكونفدرالية تشدداً. والكونفدرالية تتيح الانفصال من طرف واحد، بينما الفيدرالية تتطلب موافقة الدولة المركزية تجاه طلب الانفصال.

تطرح مطالبات قسد أسئلة لم تفكر قسد قطّ في الإجابة عليها:

أولاً: ما هو الأساس الشرعي لسلطتكم حتى يحق لكم التحدث حول مصير الجزيرة السورية؟

أنتم قوة احتلال عسكرية ميليشياوية، انحدر قادتها من جبال قنديل من أصول مختلطة تركية وإيرانية وعراقية وسورية، ضمن مفاهيم أيديولوجية تختلط فيها ماركسية رثّة مع قومية شوفينية تبنت أعمالاً إرهابية في تركيا وخارجها، وفرضت نفسها بقوة السلاح على أهل الجزيرة. قوة احتلال مرفوضة من الغالبية الساحقة من السكان، لا تمتلك أية شرعية.

ثانياً: من قال لكم إن أهل الجزيرة يريدون الفيدرالية؟ بأي حق تصادرون إرادة الملايين في العيش ضمن سورية الموحدة؟

إن أي مطلب من نوع المطلب الفيدرالي ينبغي أن يكون موجَّهاً من قبل سلطة تمثّل أهالي الجزيرة، على أن يكون مطلباً يحظى بدعم الغالبية من سكانها.

حرصت قسد على استخدام وتمرير عبارات ومصطلحات ذات مدلولات حقوقية محددة وفق القانون الدولي، بغضّ النظر عن تطابقها أو عدم تطابقها مع حالة الأكراد في سورية، مثل “الشعب الكردي في سورية”.

فمفهوم “الشعب” يحيل مباشرة إلى مفهوم الأرض القومية، فلا يمكن تصور “شعب” بدون أرض خاصة أقام فيها مدة تاريخية كأغلبية بحيث طبع تلك الأرض بطابعه القومي الخاص.

وفي الحقيقة، فإن إقليم الجزيرة أبعد ما يكون عن أن يحقق تلك الصفة؛ فتاريخه، منذ ما قبل العصر الإسلامي، هو تاريخ الشعوب السامية وثيقة الصلة بالعرب حضارياً ولغوياً، من الأكاديين والبابليين والآشوريين والآراميين، أما بعد الفتح الإسلامي فقد تأكد طابعه العربي بالقبائل الكبيرة التي انزاحت إليه كبكر وربيعة وإياد وغيرها. وهو إقليم معروف ومطروق في كتب التاريخ باسم إقليم الجزيرة بين العراق والشام.

صحيح أن بعض القبائل الكردية كانت تطرقه بين حين وآخر، لكنها لم تتخذ منه وطناً يبدّل طابعه العربي في أي وقت، ويشهد على ذلك أنه لا توجد آثار قديمة لمثل ذلك التمركز السكاني، كما أن الخرائط التي رسمتها الدولة العثمانية عن توزع شعوب الإمبراطورية العثمانية لا تلاحظ وجوداً للأكراد ضمن سورية الحالية، أما الخرائط التي وضعها الانتداب الفرنسي فيظهر فيها وجود للأكراد ضمن جيب صغير في أقصى الشمال الشرقي لسورية.

الديموغرافيا الحالية تقول إن الأكراد ليس لهم وجود تقريباً في محافظة دير الزور، أما في الرقة فلا يزيد وجودهم عن 5% من السكان، وفي الحسكة التي تتواجد فيها أكبر نسبة للأكراد فلم تصل نسبتهم إلى 27% من السكان، ونسبتهم العامة في سورية بين 6-7%. ولا تنسجم المعطيات السابقة مع القول بأرض قومية كردية في إقليم الجزيرة، وحين ينتفي وجود الأرض لقومية معيّنة فلا معنى للحديث عن “شعب” وفق القوانين الدولية. يمكن فقط الحديث عن أقلية قومية لها حقوقها الثقافية ضمن حق المواطنة. ويتشابه في ذلك الأكراد مع أقليات قومية أخرى في سورية مثل التركمان والشركس والأرمن…

وهناك فرق كبير بين كردستان العراق، وهي بالحقيقة أرض قومية للأكراد وجدوا فيها منذ مئات السنين حول أربيل والسليمانية، وبين الجزيرة الفراتية العربية الطابع والتاريخ.

وبخصوص دعوى المظلومية الكردية عموماً وفي سورية، فالمظلومية الكردية القومية التي تتجلى بعدم وجود دولة قومية للأكراد، فهو أمر لا علاقة للسوريين به، فهم أنفسهم كانوا ضحايا الاستعمار الغربي الذي قسّم المشرق العربي، وأما ما يتعلق بوضعهم كأقلية قومية في سورية، فقد كانوا دائماً جزءاً من النسيج الوطني السوري، وجميع عائلات حماة ذات الأصول الكردية تعرّبت لغة وثقافة وعادات اجتماعية، ومنها شعراء وأدباء وسياسيون، وبعضهم كان في قيادات التيار القومي العربي منذ مطلع القرن العشرين وحتى الأمس القريب.

ومثل ذلك يمكن أن يقال عن حلب، وقائد ثورتها ضد الاحتلال الفرنسي إبراهيم هنانو، وعن دمشق وأديبها المشهور مؤسس مجمع اللغة العربية بدمشق محمد كرد علي، ورؤساء سوريين عديدين مثل حسني الزعيم وعطا الأيوبي وفوزي سلو.

ليست الكردية، بالنسبة لغالبية أكراد المدن السورية، سوى احترام للنسب الأصلي واعتزاز به، فهم كما يصفهم القوميون في الأحزاب الكردية “مستعربون”، وليسوا بوارد الانفصال عن بيئتهم وثقافتهم. ولم يسجّل التاريخ أي اضطهاد ضد الأكراد في سورية، بل على النقيض من ذلك، فقد كانوا ضمن كل الشرائح الاجتماعية بما في ذلك ملاك الأراضي الأغنياء والوجهاء والنخب الثقافية والعلمية والسياسية، فما هي تلك المظلومية المدّعاة إذن؟

بقيت الجزيرة الفراتية في عزلة لفترة طويلة، لذا انتشر فيها الفقر والجهل والمرض، ولم تمنح الحكومات المتعاقبة في سورية تلك المنطقة الرعاية والاهتمام، وهذا يصدق على جميع السكان، عرباً مثل الأكراد. وما تتذرع به الأحزاب القومية الكردية هو مشروع “الحزام العربي” في عهد البعث، هذا المشروع الذي لم يرَ النور قط، أما العرب الذين نقلتهم الدولة من أراضيهم التي غمرتها المياه بسبب سد الفرات، فهو إجراء آخر سببه واضح ومحدد، وهو من حق أي دولة، بل من واجبها. وهذا كل ما في الأمر.

وخلال حكم حزب البعث، فقد نال السوريون كلهم الظلم، خاصة بعد الثورة السورية، ولقي السوريون العرب من القتل والتهجير والسجن ما لا يوصف.

هكذا نرى بوضوح أن دعوى المظلومية الكردية ليس لها ما يسندها في سورية، لذا فالأحزاب القومية الكردية في سورية تضطر باستمرار للخلط بينها وبين المظلومية الكردية في افتقاد دولة للقومية الكردية عموماً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني