عقوبة الإعدام في التشريع السوري
أصدرت محكمة الجنايات في الراعي حكماً يقضي بتجريم المتهمين بقتل أربعة أشخاص من عائلة بشمرك في مدينة جنديريس في ريف حلب الشمالي ليلة عيد النوروز سنة 2023 والحكم على ثلاثة من الجُناة بالإعدام والرابع بالسجن ثلاث سنوات، الأمر الذي أثار جدلاً حوله ودفع بمجموعة مسلّحة من أبناء المنطقة الشرقيّة لاقتحام مقر المحكمة احتجاجاً على الحكم، والمحكوم عليهم بالإعدام هم: عمر صالح الأسمر وحبيب علي خلف وبلال أحمد العبود، والحكم على أبو حبيب الخشام بالسجن ثلاث سنوات.
وجواباً على تساؤلات عدد من الأصدقاء حول إمكانية تنفيذ حكم الإعدام في مناطق سيطرة الحكومة المؤقّتة التي تتبنى الدستور السوري لسنة 1950 والقوانين الأساسيّة السوريّة الصادرة في العهد الأول للاستقلال وبعض القوانين الأخرى بعد استبعاد النصوص التي تُكرّس الاستبداد والطغيان.
قبل البحث بمدى إمكانيّة تطبيق الحكم المذكور لابّد من توضيح بعض النقاط حول عقوبة الإعدام في التشريع السوري ومن ثم بيان الإجراءات القانونيّة في تنفيذ أحكام الإعدام.
عقوبة الإعدام في الشريعة الاسلاميّة:
يعتبر القتل أو “الإعدام” من العقوبات الحدّية في الشريعة الإسلاميّة تفرض على ارتكاب عدد من جرائم الحدود وهي جرائم زنى المحصن وجريمة الردة عن الإسلام وجريمة البغي وجريمة القتل العمد “القصاص” وجريمة الحرابة كما تُفرض كعقوبة تعزيريّة عند بعض الفقهاء كقتل الجاسوس ومبتدع البدع ومعتاد الإجرام.
عقوبة الإعدام في قانون العقوبات السوري:
أخذ المشرع السوري بعقوبة الإعدام وفرضها كعقوبة على الجرائم الخطيرة الواقعة على الأفراد أو الواقعة على أمن الدولة:
أولاً: الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي:
- حمل السلاح في صفوف العدو المنصوص عنه بالمادة “263/1”.
- دسّ الدسائس لدى دولة أجنبيّة ليدفعها إلى العدوان على سورية وأفضى إلى نتيجة، المنصوص عنه بالمادة “264/1”.
- دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته المنصوص عنه بالمادة “265”.
- شل الدفاع الوطني في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها أو أفضى إلى تلف نفس المنصوص عنه بالمادة “266”.
- الاعتداء الذي يستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي المفضي إلى الاقتتال المنصوص عنه بالمادة “298”.
- المؤامرة إذا نتج عنها تخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل أو إذا أفضى الفعل إلى موت إنسان. المنصوص عنه بالمادة “305”.
ثانياً: الجرائم الواقعة على الأفراد:
- تشكيل عصابة أشرار في حال إقدامهم تنفيذاً للجناية على القتل أو حاوله أو أنزل بالمجني عليهم التعذيب والأعمال البربرية المنصوص عنه بالمادة “326”.
- القتل قصداً إذا ارتكب: عمداً، أو تمهيداً لجناية أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب، أو على أحد أصول المجرم أو فروعه. المنصوص عنه بالمادة “535”.
- جرائم الحريق إذا نجم عنها وفاة إنسان المنصوص عنه بالمادة “577”.
ثالثاً: عقوبة الإعدام في القوانين الخاصّة:
قانون المخدرات رقم 2 لسنة 1993:
- تصنيع وزراعة وتهريب والاتجار بالمخدرات المنصوص عنه بالمادة‘‘ 39‘‘ منه.
- في حال التكرار أو ارتكاب الجريمة من قبل احد افراد السلطة المنوط بها مكافحة المخدرات او استخدام قاصر او الاشتراك في العصابات الدولية او استغلال السلطة والنفوذ والحصانة الممنوحة له.
- إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة في دور التعليم أو مرافقها الخدمية أو في مؤسسة ثقافية أو رياضية أو صلاحية، أو في دور العبادة أو المعسكرات أو السجون أو دور التوقيف، أو في الجوار المباشر لدور التعليم والمعسكرات، المنصوص عنها بالمادة “40/ب” من قانون المخدرات.
القانون ’’4‘‘ لسنة 1980 الانتساب الى جماعة الاخوان المسلمين والذي قُتِل بموجبه آلاف السوريين بواسطة المحاكم الميدانيّة.
قانون الإرهاب رقم 19 لسنة 2012: عقوبة الإعدام في كأداة عقاب جماعي لكل من يعارضه:
- تهريب أو تصنيع أو حيازة أو سرقة أو اختلاس الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات مهما كان نوعها بقصد استخدامها في تنفيذ عمل إرهابي إذا رافق هذه الأفعال قتل شخص أو إحداث عجز به. المادة ’’5/2‘‘منه.
- التهديد بعمل إرهابي إذا أدى الفعل إلى موت الشخص. المادة ’’6/3‘‘ منه.
المرسوم التشريعي 20 لعام 2013 الخاص بتجريم وعقوبة خطف الأشخاص: المادة ’’2‘‘ منه تكون العقوبة الإعدام إذا: نجم عن جريمة الخطف وفاة أحد الأشخاص أو حدثت عاهة دائمة بالمجني عليه، أو قام الفاعل بالاعتداء جنسياً على المجني عليه.
قانون الحراج رقم (39) لسنة 2023 المادة’’43/ب‘‘ منه: إضرام النار قصداً أو حرض أو تدخل أو شارك في إضرامها في حراج الدولة بدافع الإضرار بالاقتصاد الوطني إذا نجم عن إضرام النار وفاة إنسان.
عقوبة الإعدام في قانون العقوبات العسكري: تضمّن قانون العقوبات العسكري عدة نصوص تعاقب بالإعدام وهي:
- جريمة الفرار إلى العدو المنصوص عنها بالمادة ’’102‘‘ منه.
- الفرار الخارجي بمؤامرة أمام العدو، رئيس المؤامرة على الفرار إلى الخارج، المنصوص عنها بالمادة الفقرتين ’’أ-ب‘‘ من المادة ’’103‘‘ منه.
- عصيان الأمر بالهجوم على العدو أو المتمردين المنصوص عنه بالمادة ’’112/هـ‘‘
- العصيان والتحريض عليه أمام العدو المنصوص عنه بالمادة ’’113/7ـ‘‘
- التحريض على العصيان أثناء الحرب أو الأحكام العرفية المنصوص عنه بالمادة ’’114/3‘‘
- إيقاع العنف بعسكري جريح أو مريض في منطقة أعمال قوة عسكرية مقاتلة بقصد تجريده، المنصوص عنه بالمادة 132‘‘.
- ترك مركز خفارة أمام العدو بالإعدام المنصوص عنه بالمادة “142”
- إيذاء النفس قصداً للتهرّب من الواجبات العسكرية القانونية أمام العدو المنصوص عنه بالمادة ’’146/1‘‘.
- تسليم الموقع الموكول للعدو بدون أن يستنفذ جميع وسائل الدفاع التي لديه وبدون ان يعمل بكل ما يأمر به الواجب والشرف المنصوص عنه بالمادة’’ 152‘‘.
- تسليم القطعات العسكريّة في ساحة القتال إذا أدى ذلك إلى وقف القتال أو إذا لم يعمل قبل مخابرة العدو بكل ما يأمر به الواجب أو الشرف المنصوص عنه بالمادة’’ 153‘‘.
- حمل السلاح على سورية، وكل أسير اخذ من جديد وقد نقض العهد وحمل السلاح المنصوص عنه بالمادة’’ 154‘‘.
- تسليم الجند للعدو أو سلاح الجيش أو ذخيرته أو مؤونته أو خرائط المواقع الحربية والمعامل والمرافئ الأحواض والاتصال بالعدو لكي يسهل أعماله. والاشتراك في المؤامرات التي يراد بها الضغط على مقررات الرئيس العسكري المسؤول. المنصوص عنه بالمادة ’’153‘‘.
- معاونة العدو أو الإضرار بالجيش أو قوات الحكومات المتحالفة. عن طريق إفشاء الأسرار أو تحريف الأخبار أو دلالة العدو على أماكن القوات أو التسبب في إيقاع الذعر في إحدى القوات إذا ارتكبت أثناء الحرب أو في منطقة أعلنت فيها الأحكام العرفية المنصوص عنه بالمادة ’’156‘‘.
- التجسس المنصوص عنه بالمادة ’’158‘‘.
- دخول العدو إلى الأماكن العسكرية متنكِّراً المنصوص عنه بالمادة ’’159‘‘.
- التجنيد لصالح العدو المنصوص عنه بالمادة ’’160‘‘.
المحاكم المختصّة بإصدار أحكام الإعدام:
- محاكم الجنايات العاديّة.
- محاكم الجنايات العسكريّة.
- المحاكم الميدانيّة العسكريّة ’’ألغي العمل بها سنة 2023‘‘.
- المحاكم الحربيّة.
الطعن بأحكام الإعدام:
يجوز الطعن بالنقض بالنسبة لأحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الجنايات العادية والعسكريّة
الاحكام الصادرة عن محاكم الميدان العسكريّة ’’المُلغاة‘‘ والمحاكم الحربيّة غير قابلة للطعن لأنها تصدر بالصيغة المبرمة.
من يحق له الطعن بأحكام الإعدام:
المحكوم عليه.
المسؤول بالمال والمدعي الشخصي فيما يتعلق بالالتزامات المدنية دون سواها.
النيابة العامة وإذا كان الحكم صادراً وجاهياً بعقوبة الإعدام وجب عليها أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوهة بمذكرة برأيها في الحكم خلال شهر على الأكثر من انقضاء مدة الطعن على الطرفين.
تنظر محكمة النقض في إبرام أو نقض حكم الإعدام المعروض عليها بمقتضى الفقرة السابقة
هل يجوز لمحكمة النقض تخفيف أو استبدال عقوبة الإعدام؟
إذا كان الطعن لأول مرّة لا يجوز لها التعرّض للعقوبة لأنها من المسائل الموضوعيّة التي لا يجوز لها التدخّل بها. أمّا إذا كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه وجب عليها الحكم في الموضوع ولها عند الاقتضاء تحديد جلسة لنظره وتتبع في المحاكمة الإجراءات المقررة للجريمة موضوع الطعن.
إجراءات تنفيذ حكم الإعدام:
لا ينفذ الحكم بالإعدام الا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة.
يشنق المحكوم عليه بالإعدام داخل بناية السجن أو في محل آخر يعينه المرسوم القاضي بإنفاذ العقوبة.
يحظر إنفاذ الإعدام أيام الجمع والأعياد الوطنية أو الدينية.
يؤجل إنفاذ الأحكام بالحامل إلى أن تضع حملها.
يجري إنفاذ الحكم بالإعدام بحضور الأشخاص الآتي ذكرهم:
- رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم وفي حال تعذر حضوره قاض يختاره الرئيس الأول.
- النائب العام أو أحد معاونيه.
- رئيس المحكمة البدائية التابع لها مكان التنفيذ.
- كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم.
- محامي المحكوم عليه.
- أحد رجال الدين من الطائفة التي ينتمي إليها المحكوم عليه.
- مدير السجن.
- ضابط الشرطة أو قائد الدرك التابع له مكان التنفيذ.
- طبيب السجن او الطبيب الشرعي في المنطقة.
يجري إنفاذ الحكم بحضور الأشخاص المذكورين أعلاه دون سواهم إذا حصل التنفيذ داخل بناية السجن.
يسأل القاضي البدائي المحكوم عليه إذا كان له ما يريد بيانه قبل إنفاذ الحكم به. فيدون أقواله بمعاونة الكاتب في محضر خاص.
ينظم كاتب محكمة الجنايات محضراً بإنفاذ الإعدام يوقعه من رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم أو نائبه والنائب العام أو معاونه وكاتب المحكمة وتعلق نسخة من المحضر فور تنظيمه في المحل الذي أجري فيه التنفيذ وتبقى معلقة مدة أربع وعشرين ساعة.
ينسخ الكاتب محضر إنفاذ الحكم في ذيل الأصل المحفوظ في المحكمة.
يحظر نشر أي بيان في الصحف يتعلق بالتنفيذ عدا المحضر.
لجنة العفو:
تنظر في جميع طلبات العفو الخاص وفقاً للأصول الآتي بيانها لجنة مؤلفة من خمسة قضاة في المرتبة الأولى أحدهم الرئيس يعينون جميعهم بمرسوم.
يرفع طلب العفو إلى رئيس الدولة مباشرة أو بواسطة وزير العدل بموجب استدعاء يوقعه المحكوم عليه أو وكيله أو أحد أفراد أسرته.
عند صدور حكم الإعدام يحيل وزير العدل أوراق الدعوى حالاً على لجنة العفو مرفقة بتقرير النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم فتنظر فيها وتبدي رأيها في اقتضاء إنفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها وذلك خلال خمسة أيام على الأكثر.
يضع رئيس اللجنة أو من ينيبه عنه من أعضائها تقريراً موجزاً عن وقائع القضية والأدلة المسند الحكم إليها وعن أسباب طلب العفو أو الأسباب الموجبة النفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها.
تنظر اللجنة بعد سماع بيان مقررها واطلاعها على الأوراق، في التهمة والأدلة التي قامت عليها وفي أسباب طلب العفو أو مقتضيات إنفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها. وتبدي رأيها سراً بالإجماع أو بالأغلبية في قبول طلب العفو أو رده وفي وجوب إنفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها وذلك بموجب تقرير ترفعه إلى وزير العدل.
تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكريّة:
في حالة الحكم بالإعدام ترفع القضية إلى مقام رئاسة الجمهورية بواسطة القائد العام للجيش والقوات المسلحة مع الملاحظات التي يراها بعد استطلاع رأي مجلس الدفاع.
فيما يتعلق بطلبات العفو كافة، يقوم القائد العام للجيش والقوات المسلحة بالأعمال التي أناطها القانون العام بوزير العدل أما يقوم مجلس الدفاع العسكري بأعمال لجنة العفو ويمارس صلاحياتها.
بعد تصديق الحكم بالإعدام من مقام رئاسة الجمهورية تنفذ عقوبة الإعدام رمياً بالرصاص.
في حالتي الحرب والطوارئ يجوز وقف تنفيذ أي حكم صادر عن المحاكم العسكرية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء لأسباب تتعلق بمصلحة الدفاع الوطني.
بناءً على ما سبق:
وحيث أن تصديق رئيس الدولة على أحكام الإعدام ووجود لجنة العفو هي من الضمانات القانونيّة الأخيرة غير القضائيّة لحسن تطبيق القانون وهي من حقّ المحكوم عليهم بالإعدام، وخاصّة فيما إذا وُجد سبب شرعي لتأخير التنفيذ مثل وجود ولي دم قاصر فإنّ ذلك يؤخّر تنفيذ الحكم إلى حين بلوغه وممارسة حقّ بطلب القصاص أو العفو أو الصلح أو إذا استجدّ من ظروف قانونيّة أو شرعيّة تحول دون تنفيذ الإعدام في الفترة ما بين انبرام الحكم وتنفيذه وهي ما يُعرف بـ ’’موانع القصاص‘‘ الشرعيّة وأسبابه هي:’’فوات محل القصاص، وفاة المحكوم، العفو، الصلح، إرث حق القصاص إذا ورث المجني عليه من ليس له الحق بالقصاص أو إذا كان المحكوم هو الوريث الوحيد‘‘. وتقابلها الأسباب القانونيّة مثل وفاة المحكوم، الصلح على بدل أو العفو من قبل أولياء الدم بلا بدل المعروفة بـ ’’إسقاط الحق الشخصي‘‘، أو العفو العام، التي توجب استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة مانعة للحريّة. فإنّه لا يمكن تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم في المناطق المحرّرة التي تقع تحت سيطرة الحكومة المؤقّتة التي تتبنّى دستور سورية لسنة 1950 والقوانين الجزائيّة السوريّة، في ظلّ غياب المؤسسات والمرجعيّات والآليّات الدستوريّة مثل: رئيس الدولة – لجنة العفو – القائد العام للجيش والقوات المسلّحة الذي يقوم مقام لجنة العفو ’’بالنسبة لأحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكريّة’’.