fbpx

عرقلة تنفيذ 2254 وعمل الدستورية.. ابتزاز روسي يكشف عن خوف

0 482

سعي النظام السوري ومن خلفه روسيا، في إفشال عمل اللجنة الدستورية، لا يمكن قراءته خارج معطيات الواقع على الأرض، هذه المعطيات، تقول إن استمرار النظام في رفضه الانخراط في العملية الدستورية، تحت حججٍ غير مقنعة، بالنسبة للوسيط الدولي جير بيدرسون، التي ترعاها الأمم المتحدة، بموجب القرارات الدولية وتحديداً القرار 2254، يقف خلفه موقف روسي معرقل بشكلٍ واضح.

النظام في وضعه الحالي ليس هو النظام في عام 2011، فقدراته السابقة العسكرية والأمنية والاقتصادية، لم تعد تؤهله لفرض مواقف أو اشتراطات سياسية، ولذلك فهو مجرد واجهة كرتونية، لنفوذ إيراني روسي مشترك، هذان النفوذان، لهما مصلحة حتى اللحظة ببقاء نظام الأسد، لأنه النظام الوحيد، الذي يدرك الطرفان الروسي والإيراني، أنه بحاجتهما في مأزقه مع الثورة السورية.

وباعتبار أن الطرف الإيراني لا يستطيع مواجهة الضغط الدولي، فإن دوره لن يكون إلا مسانداً عسكرياً ولوجستياً واقتصادياً للنظام، في وقت يلعب الروس دوراً دولياً في حماية النظام، باعتبارهم يمتلكون حق نقض القرارات في مجلس الأمن (الفيتو).

والسؤال الذي ينبغي طرحه جهاراً، لماذا يمتنع الروس عن ممارسة الضغط على نظام الأسد، الذي يحمونه، ليمتثل لتنفيذ قرار دولي هو 2254 كانوا قد وقعوا عليه؟.

إن الجواب على هذا السؤال، يحتمل وجود عوامل عديدة، لم تتوفر للروس بعد، للقيام بدورهم في الضغط على حليفهم نظام الأسد.

العامل الأول في هذه الحالة، هو أن الدور الأمريكي في عهد الإدارة الجديدة، يفرض على الروس انتظار جلاء السياسة الأمريكية حيال الملف السوري، ويفرض عليهم المحاولة لاكتشاف نقاط الضعف في الموقف الأمريكي لإدارة بايدن، فالروس يعرفون أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تزال في حالة انتقالية، وبالتالي، لماذا يُقدمون على الضغط على النظام السوري دون مقابل؟

الروس يراهنون على تغييرات، ولو كانت طفيفة في الموقف الأمريكي، ليبنوا عليها سياسات أقل تنازلاً في الموضوع السوري.

العامل الثاني، يتعلق بمبدأ التدخل الروسي في سوريا، هذا المبدأ، يرتكز على جوهر السياسة الروسية البراغماتية، فالروس لم يأتوا إلى سوريا بقوتهم العسكرية وقبل ذلك بقوتهم الديبلوماسية (الفيتو) من أجل عيني النظام السوري، أو رأسه، بل جاؤوا ليستثمروا بملف الصراع السوري من مناحٍ عدة، من بينها، وضع قدم دائمة لوجودهم العسكري في هذا البلد (طرطوس وحميميم)، ومقايضة هذا الوجود لاحقاً مع الغرب لقاء تقديم الغرب ثمناً له، سيما في موضوع القرم، والدرع الصاروخية، ومسألة الطاقة.

الروس لم يحصلوا على مقابلٍ بعد من أجل حلحلة الوضع السوري، وهم بذلك يحاولون ابتزاز المجتمع الدولي، وابتزاز المعارضة، وتحديداً بما يخصّ العقوبات الغربية المطبقة على عنق النظام السوري.

العامل الثالث، يتعلق بوهم روسي تنتهجه الديبلوماسية الروسية، هذا الأمر يتعلق بمبدأ تتبناه السياسة الروسية، والذي يمكن تسميته خلط الأوراق بأماكن عدة، لحصد نتائج إيجابية في أماكن أخرى.

الروس في هذه الحالة، يريدون تحقيق هدفٍ غير معلن، وهو استبدال الحل الدولي القائم على القرار 2254، بآخر إقليمي يرعونه وفق مسارٍ اختطته ديبلوماسيتهم، وهو مسار أستانة وسوتشي، وهم يعرفون صعوبة تحقيق هذا المنحى، سواء ما يتعلق بدول الضمان وتناقضات موقفها الداخلي حيال الصراع السوري، أو بالرفض الدولي، وفي مقدمته الرفض الأمريكي، الذي يصرّ على التذكير بأن لا حل في سوريا سوى عبر تنفيذ جوهر 2254.

أمام هذه الحالة، صار من الممكن فهم لماذا لا يضغط الروس على النظام، فلا أحد يضغط من أجل جني الخسائر، والروس يدركون أن ثمن التسوية السياسية بموجب القرار الدولي لها ثمن، لم يحن وقت قطافه بعد.

الروس يريدون مقاربة سياسية واقتصادية مع المجتمع الدولي، ليست في سوريا فحسب، بل في أماكن ونقاط الصراع الأخرى، وهذه المقاربة، لا ينوي الغرب الذهاب باتجاهها، لأنهم ببساطة رسموا لاستنزاف الروس في المستنقع السوري، وما داموا يرمون نحو هذا الهدف، فلماذا ينقذون الروس ويكافئونهم، وهم يريدون إغراقهم، للكف عن التحدي الممارس من قبل إدارة بوتين.

هذه الرؤى تسمح باستنتاجات ملموسة، في مقدمة الاستنتاجات، أن الروس لن ييسروا عمل اللجنة الدستورية في ظل الظروف الحالية، وهم لن ييسروا ذلك إلا في إحدى حالتين، إما أن يحصلوا على ثمن استثمارهم في الصراع السوري، بصورة اتفاق دولي مضمون، أو يضطرون تحت ضغط عوامل خارج قدرتهم دولياً على تقديم تنازلات بملف الصراع السوري.

هذا الأمر يجب معاينته بصورة أعمق وأدق، وهو في المحصلة يتطلب تغييرات في قواعد اللعبة الخاصة بالصراع السوري، هذه التغييرات، تشمل إعادة انتاج لطرق المواجهة السياسية والعسكرية مع النظام وحلفه الروسي الإيراني، وتغييرات في أدوات المواجهة، أو بمعنى آخر، إلغاء الفصائلية العسكرية الهشة السائدة حالياً، واستبدال ذلك بجيش وطني، له عقيدة عسكرية واضحة، ويستند في بناء قواته على مبادئ جيوش العالم الحديثة.

التغييرات تتطلب مساعدات صريحة من الحليف التركي، حيث أن تركيا هي الجهة الوحيدة إقليمياً ودولياً القادرة على تحقيق هذه الخطوة الحاسمة في الصراع مع النظام.

التغييرات لا تشمل الجسم العسكري للفصائل فحسب، بل يجب أن تتزامن مع تغييرات في بنية مؤسسات المعارضة وطرق عملها، فلا يمكن أن تجدد في هيكلية وبناء قوات الجيش الوطني، وليس لديك مؤسسات وطنية وثورية فاعلة سياسياً.

بقي أن نقول إن قوى الثورة والمعارضة بكل أطيافها ومسمياتها، إما أن تحمل على كاهلها مسألة حسم وضع نظام الاستبداد بصورة عملية ملموسة، أو فلتتح هذه القوى، لقوىً جديدة، تخرج من عمق رحم الثورة درب إنتاج تصحيح المسار. 

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني