عذراً.. نجهل طقوس انتخاباتكم!
لم نعرف طقوس الانتخابات في بلادنا يوماً، هي حلم بالنسبة لنا، كنا وما زلنا نعيشه منذ فترة طويلة، نسمع به كالحكايات التي تحدث في بلاد بعيدة، كأنها أساطير الذين مضوا، نقرأ ما كتب عنها في كتاب مدرسي واحد وصفحة واحدة وفقرة وحيدة خجلة تحتل بعض السطور، ولكن للمصداقية كنا نسمع كثيراً عن البطل الخالد، في جميع الكتب المدرسية وفي كل المقررات الدراسية، صورة تحتل الصفحات الأولى وتشغل جميع النشرات الإخبارية.
أما الاستفتاء فهو شيء آخر، هو يعني أن تذهب لتقول “نعم” لرجل واحد سيصبح رئيس دولتك يقال سبع سنوات ولكن في الحقيقة لا تعرف أجلها، مع علمك أن مراكز الاستفتاء، ستقوم بثقب هويتك للتأكد من أنك قمت بممارسة حقك بحس وطني خالص، أما إذا لم يتحقق هذا الشرط وتغيبت عن المشاركة، فعلى الجهات الرسمية، فيما بعد، حرمانك كمواطن من بعض الحقوق المدنية في التوظيف أو في مهر أوراق المعاملات الرسمية والإدارية التي تحتاجها مستقبلاً.
اليوم ونحن نتابع الانتخابات الأمريكية، وكيف تسير بين الحزبين المتنافسين، الجمهوري والديموقراطي، ندرك جيداً ونتعرف على ماهية الانتخاب ومشروعيته في بلاد الديمقراطية التي لا نعرفها، وكيف يتم تفاعل المواطنين حتى عبر البريد خلال جائحة كورونا وذلك ليتسنى للجميع المشاركة في اختيار حاكم بلادهم لأربع سنوات قادمة، الرئيس المنتخب يضع مصلحة بلاده ضمن أولوياته، ولا يعير اهتماماً لمصلحته الشخصية والمادية لأنه يدرك أن القوانين تطاله ولو كان في مثل هذا الموقع المرموق، وقبل فوزه بمنصب الرئيس يجب عليه أن يصرح عن خططه القادمة وكيفية اهتمامه في تنمية وتطوير النواحي الاجتماعية والصحية، بالإضافة للتنمية الاقتصادية في البلاد ويعمل بجدية على زيادة الدخل القومي لبلاده ويقف متحدياً كل الظروف المفاجئة للسياسية الخارجية ومواجهة الدول الأخرى. ومن الطبيعي جداً أن السنوات الأربع للرئيس المنتخب ترافقها المساءلة الدائمة من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، أما قراراته هي تحت المراقبة والنقد من كل الجهات باستمرار، على الرغم من أنها في مجملها تصب في مصلحة بلده. هذه الطقوس لم نسمع بها أو نعهدها في بلادنا منذ عام 1970. ولذلك أقول بصريح العبارة إننا لم نعرف طقوس الانتخابات بعد.
أما في الموضوع السوري، ما اعتدنا عليه في بلدنا، من تهميش وتجهيل للسياسات، لن يساعد في تفهم وجهات نظرهم السياسية، بأن فوز رئيس جديد لا يعني تغييراً جذرياً في المواقف نحو الدول، وليس بالضرورة تبني مواقف جديدة من قبل الرئيس المنتخب، سياسات هذه الدول لا تتغير بانتخاب رؤسائها، ولكن تتغير طبقاً لمصالحها القومية مع الدول الأخرى. علينا أن ندرك بعد تصريحات جهات على صلة بالرئيس الجديد، أن الرئيس المنتخب سيستمر في نفس سياسة الرئيس السابق بعد أن أبلغ احد مستشاري الرئيس المنتخب أثناء الانتخابات أحد الشخصيات في الجالية السورية، أن سياستهم لن تختلف عن سابقتها بالنسبة للوضع السوري وستبلغ واشنطن الحكومة الروسية، أنه لن يكون هناك دعم غربي لإعادة الإعمار في سوريا بسبب غياب الإصلاحات السياسة، بالإضافة الى الإفراج عن المعتقلين، مع إبقاء العقوبات على النظام والكيانات التي تدعمه والتي تتعامل معه بما فيها روسيا، وسيسعى إلى المحافظة على وجود القوات العسكرية في شمال شرق سوريا فضلاً عن دعم العمليات العسكرية في إدلب، ما لذلك من تأثير في الحفاظ على الحياة الملايين هناك رغم الخلاف مع أنقرة على ملفات أخرى في سوريا وخارجها. والأهم والذي لا يستطيع الغرب التصريح به علناً، هو سياساتهم في الإبقاء على المنطقة بكل ما فيها من فواجع وفشل مرير لشعوبها وعقد الصفقات السرية بينهم وبين حكامها، اللذين يزودون البنوك الغربية بمال وخيرات شعوبهم التي سلبت بالقوة بغير حق مقابل بقاء هؤلاء الحكام في السلطة.
هل كنت محقة، عندما قلت إننا نجهل طقوس انتخاباتهم، وخاصة أننا كنا ومازلنا محكومين للأبد؟ انتخاباتنا وتشريعاتنا لا تشبه ما لديهم، حيث الغيت الحياة الدستورية وطمست فكرة الانتخاب والتعددية السياسية فأصبحت خياراتنا اليوم خارج السور.. تخطت إرادتنا، وكأننا على الضفة الأخرى من العالم، أما أقدامنا فقد ثبتت في قوالب من الجص، ومن خلال الثقب المخروز في البطاقة الشخصية اكتشفنا أن لدينا شبه هوية، مجرد بطاقة كرتونية خرقاء، عليها اسم إنسان خائب، مغيب، يعيش على هامش ما وصلت إليه الحضارة في داخل قلبه شغف وحنين للحرية والكرامة المفقودة.
لأكثر من خمسين سنة ونحن نرزح تحت حكم استبدادي يتحكم بمقدرات ملايين الناس من خلال لجم الألسن وتشتيت الأقلام الحرة في بقاع الأرض بالإضافة الى احتجاز الألوف من الأبرياء في السجون والمعتقلات، الى ان انطلقت جموع الناس في 11 آذار (2020) باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاحتجاجات للتعبير عن رأيها ومطالبتها لإلغاء حالة الطوارئ وتغيير الدستور وهو كان أقل ما يمكن المطالبة به من أجل كرامة الإنسان وتطور المجتمع ودفع عجلة الحياة العامة إلى الأمام. ولكن واجهت الدولة المحتجين بالرصاص والمحاكم الاستثنائية الجائرة، وقضت من جديد على أحلام الناس.
وعلى سبيل الذكر كان لسوريا تجربة مبكرة بعد نيل الاستقلال من المستعمر الفرنسي في بناء المؤسسات الدستورية والإدارية والسياسية سابقاً، كما كان دستور البلاد عام (1950) تعبيراً صادقاً عن العقد الاجتماعي الأكثر قرباً من إرادة السوريين، حيث تعددت الصحف وتنوعت فكرياً وسياسياً، كان انتشارها إشارة واضحة إلى مناخ الحرية الذي كان سائداً في تلك الفترة قبل أن يقلب الانقلاب العسكري كل الموازين وإعادة البلاد إلى جحيم الاستعباد.
هل سيأتي اليوم ونحتفل بيوم القرار، اليوم الذي ندلي به بأصواتنا من أجل انتخابات نزيهة، كما شهدنا الأسبوع الماضي، خلال احتفالية الانتخاب في بلاد العم سام؟
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”
روعة الطرح والاسقاط شكرا لك كثيرا